كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
صفقت ألانا لذلك فرحا ، وجلست على الحشائش وراء البوابة تفكر ، اسرعت خفقات قلبها ، وأحست بآلام تجيش في صدرها ، وفكرة الهروب تراود عقلها ، لقد خشيت على سلامتها بين يدي رجل مجنون كهذا الذي هو زوجها ، وأيقنت انه في ذات يوم يستبد به الحزن ويستبد به الحزن ويشتد به الغضب الى درجة مرعبة لا يعرف معها ما الذي يفعل.
وبعد فترة وجيزة إستطاعت الوقوف ، وسارت بإتجاه القرية ، والذعر لا يزال يسيطر عليها والتساؤل يلح ، ترى أي حياة هي هذه؟ وتدفق الدمع من عينيها ...
فهناك هوارد بيومونت يرغمها على الزواج منه بالتهديد ، تهديده بأن يرسل أخاها الى السجن إن لم تفعل ، والان جاء كونون ، بعد أن تحررت من زواجها الفاشل ، جاء هو ايضا يهددها ، بتدمير الرجل الذي تدين له بحياتها إن هي لم تتزوج به !
كثيرا على إمرأة أن تتحمل كل هذا ، إحتجاج مرير كان يغلي في صدرها ضد ما يفعل بها القدر...
إستمرت الدموع تفيض من عينيها وهي تسير ، ظهر من الإتجاه المعاكس رجل يركب حمارا وكلبه يعوي بجواره ، تسير زوجته وراءه تتشح بالسواد ، إمرأة متعبة تحمل ذكريات موجعة تبدو في تجاعيد وجهها الأسمر.
حياها الرجل وردت التحية من غير ان تنظر اليه ، حتى لا يرى الدموع في عينيها ، والمرأة أيضا حيتها بإبتسامة ، ومرا بها نحو الطريق المؤدية الى سفح التل حيث يسكنان في بيت ابيض صغير يستكن بين اشجار الزيتون والليمون .
لقد حسدتهما الانا ، إنهما يعرفان الأمان ، يعرفان تماما طريقهما في الحياة ... في مملكتهما الصغيرة الخاصة .
تساءلت ألانا ، ترى الى أين كانت ذاهبة ؟ فليس لديها مال ولا ثياب ، بالإضافة الى أنه اصابها تعب شديد لدرجة لم تعد تقدر على المسير ، ولن تعود الى كونون فهي ليست آمنة معه ، وصرخت من غير أن تشعر أنها كانت تصوغ افكارها في كلمات :
" يا ألهي الى أين يمكنني ان أذهب من غير مال ...".
خبا صوتها ، وإرتجفت شفتاها ، فقد أحست بوقع اقدام وراءها ، إنه كونون ! إنها خطواته فهي تعرف وقعها أينما كانت ، عاد الذعر اليها ، إستدارت وقد فر اللون من وجنتيها ، ولم تعد لها قدرة على التفكير ، أو الحركة ، وسمرت مكانها كالأرنب المذعور امام الذئب ، وقلبها يخفق بجنون بين جوانحها.
" هل سمعتك تتحدثين عن المال يا عزيزتي ؟".
كان زوجها يتمتم بهذه الكلمات ، فهزت راسها كمن لا حيلة له وقالت:
" لا.... نعم...".
" لماذا تريدين المال يا عزيزتي ؟ وماذا ستفعلين به في مكان كهذا ؟".
كان يقف بجانبها طويلا مخيفا ، ولكن علامات الغضب زالت من وجهه ، وعيناه لم تعودا تشعان ببريق الجنون ، ومع ذلك فإن الانا لم تستطع أن تتكلم ولا أن تحرك ، حتى تناول كونون ذراعها يساعدها ، ووجدت نفسها تطيع بلا مقاومة ، تم الأمر بلا كلام ، يجب عليها أن تعود معه الى المنزل.
" كونون أنا لا أريد الدخول ، إنني افضل البقاء هنا في الحديقة".
توقف كونون ،وتعبيرات غامضة بدت على وجهه الأسمر وهو يقول:
" لماذا كنت تبكين ، ألانا؟".
" شعرت بالتعاسة ".
" من أي شيء ؟".
" من حياتي هنا ".
" لقد كنت سعيدة جدا مع زوجك الأول ، اليس كذلك؟".
" ماذا تأمل أن تربح من إجابتي على هذا السؤال؟".
هز كتفيه وسحب يده من ذراعيها ، وأجاب:
" لا شيء ، فقد كنت فضوليا ، هذا كل شيء ".
بقيت الانا صامتة ، ولكن كونون قال وقد تغيرت نبرات صوته وبدا فيها شيء من الرقة واللطف :
" إذن انت غير سعيدة وتريدين الهرب ، الى اين يا عزيزتي تريدين الذهاب ؟".
" لا أعرف .... فقد أريد ان أذهب بعيدا عن هذه الجزيرة ".
" لكنك لا تستطيعين الذهاب من غير موافقتي ، وإذا حاولت السفر على أية سفينة تقلع من هنا ، فسوف يطلعونني قبل أن ترحلي ".
" لقد عملت مسبقا ضد رحيلي؟".
" إنني أحبط جميع المحاولات التي يمكن أن تؤثر على حياتي ".
" انت لست ملك الجزيرة ، فالى متى يمكنك أن تمنعني من الإبحار ؟".
" الى الأبد ، فإن السلطات المسؤولة ستعلمني حتى لو حاولت شراء بطاقة سفر ، وهكذا ترين يا جميلتي ألانا ، أنه لا مفر لك ، أنت هنا سجينتي ، وستكونين اكثر
سعادة لو انك قبلت هذه الحياة التي إخترتها بنفسك".
" أنت تعرف انني لم أخترها بنفسي ، تعرف أنك أكرهتني عليها ".
" على أية حال أنت التي إخترت ، والآن وبما انك زوجتي ، فمكانك هنا معي ".
تناول ذراعها ثانية ، وصعدا الدرجات الواسعة الى باب الفيللا الأمامي ، حيث صرخت وهي تفلت من يده :
" دعني أذهب ، لن أدخل المنزل ".
إنسكبت الدموع من عينيها ، وكونون ينظر اليها ويهز رأسه ، ثم سأل :
" انت خائفة مني؟".
" اليس هذا ما تريد ؟".
" أظن أن هذا ما أريده بالضبط ، هذا الخوف الحقيقي ،ولكن من أي شيء تخافين؟".
وفجأة تغير صوته وصار أكثر رقة ، وبدا القلق في عينيه الداكنتين .
أخذت الانا تنظر اليه بحيرة وإرتباك ، فقد زالت من وجهه الملامح المخيفة ، وبدا أمامها كأنه الرجل الذي كانت تعرفه في يوم من الأيام ، الرجل الذي إنجذبت اليه فعلا ولكنها لم تتزوجه لأنها كانت قد قررت ألا تتزوج على الإطلاق.
كونون عاد يسأل:
" من أي شيء أنت خائفة ، ألانا؟".
كانا يقفان عند الباب على درجة رخامية بيضاء ، الهدوء والسكينة يكتنفان المكان ، والحديقة تلمع تحت أشعة شمس يونانية ، بأزهارها من كل شكل ولون ، رائحتها تعطر المكان ، ووراءها تشمخ الجبال ، بعض غيوم بيضاء رقيقة تزخرف زرقة السماء ، النخيل يتماوج مع السروالأهيف النحيل ، ومن الجهة الأخرى أشجار الليمون والبرتقال تضيف خضرة وجمالا الى تلك الصورة الأخاذة.
" كنت خائفة منك".
جاء الجواب متأخرا ،ولكنه كان ينتظره بصبر ، ينظر الى الجديد في تعابير وجهها ، يحاول أن يقرأها ، وكمن يحدث نفسه قال:
" خائفة...".
" ألم يكن هذا متوقعا ، بعد تصرفاتك تلك ؟".
إحنى كونون راسه ، عيناه كئيبتان ، قاتمتان ، فيهما كثير من الغموض ، ولدهشتها إستدار الى الجهة الخرى كأنه يريد ان يخفي عواطفه ، وبعد وقفة قصيرة ، سار بعيدا نحو البساتين ، وتركها نهبة للخوف والألم ، وأحست أنه شعر بشيء من الندم لأنه أخافها الى درجة الرعب ، الى درجة تريد معها ان تهرب منه.
أي رجل غريب غامض هو هذا ! رجل حياته هدمت بسبب فشل زواجه ، وفقدان ولده ، وها هو الآن يحملها مسؤولية كل ذلك ، ويقول في نفسه انها لو قبلت الزواج منه ، لما حصلت كل هذه المآسي ولكان زواجهما ناجحا ، لأنه كان يحبها وهي معجبة به.
وتساءلت ألانا في نفسها :
" ترى لماذا تقع في مثل هذه الأخطاء الفادحة ؟".
كانت عيناها الكئيبتان تتبعان زوجها ، حتى إختفى عن ناظريها بين الأشجار ، ثم تابعت الحوار مع نفسها :
" كنت غبية بلهاء ، لأنني خشيت مما حدث لسالي وماجي ، ما كان يجب ان اتاثر بما وقع لهما ، فلكل أمرىء حياته الخاصة كيف يشاء.
ولكن فات الأوان ، كونون لم يعد الرجل الذي تستطيع أن تحبه ، فهو إنسان آخر غير الذي كنت تعرفه ، إنسان يعرف فقط كيف يكره ، لأنه عرف كيف يحب في يوم من الأيام ، رجل أصبح كل همه من الزواج هو الإنتقام....
|