كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
أما وراء الفيللا ، فهناك مرج فسيح ، مخملي ناعم أزرق ، يمتد بعيدا نحو حافة ضخمة من الصبّار ، تكوّن حدودا ثابتة للحدائق ، وبعد ذلك تمتد البراري الوعرة ، والقفار ، الى الجهة الشمالية من الجزيرة ، حيث القصر العظيم الرائع الذي سبق ورأته ألانا وأعجبت به ، يقف حارسا على حافة صخرة شاهقة.
كل ما رأت كان خارقا في جماله ، إلا كونون ، فهو كالنغم الشاذ في أغنية عذبة حلوة ، وتساءلت ألانا في نفسها : ترى ما الذي حدث له ؟ ما هذا التغيير الغريب الذي لا يصدق ؟ ما الذي حل بهذا الرجل الذي كان في غاية الظرف والكياسة ، في غاية اللطف والرقة؟ كان مرحا سعيدا ، فما الذي أصابه ؟ لم تستطع تعليل ما حدث ، ولكنها أحست بألم مفاجىء ، وأسف شديد لهذا التحول ، وشعرت انه لا بد ناتج عن صدمة أليمة وتعاسة عميقة.
هزت كتفيها وقد نفد صبرها من كثرة ما اعملت التفكير في شأن كونون ، وذهبت الى الحمام العاجي لتغتسل ، وايقنت أنها لن تصل الى نتيجة مهما أعملت التفكير في حظ مضيفها التعس على مر السنين ، وأنه من الحكمة ان تطرد هذا الأمر كليا من ذهنها....
وبعد أن خرجت من الحمام ، سرّحت شعرها الذهبي وتركته ينساب على كتفيها ناعما لامعا ، وإرتدت ثوبا قطنيا متموجا وعادت الى غرفة الجلوس ، تماما في الوقت الذي كان ماكس يغادرها مع الخادم الذي يرافقه ليريه غرفته.
" إجلسي ألانا...".
كان صوته ناعما رقيقا وهو يدعوها الى الجلوس ، وتابع:
" فلدينا دقائق قليلة يمكننا التحدث فيها منفردين".
ومع كلماته كان الباب يغلق وراء ماكس.
وأضاف كونون:
" لقد كبرت يا ألانا...".
وأخذ يتاملها وعيناه تنظران في عينيها ،وهو يكمل حديثه بقوله:
" نعم كبرت....... ولكن ليس كثيرا".
إستدارت ألانا لتجلس ، ولكن قبل ان تفعل ، أمسك كونون بمعصميها بيد ورفع ذقنها بالأخرى ، فاجفلت وإرتجفت فقد أمشك بها بشدة.
" زواج!".
لفظ تلك الكلمة ببطء وخشونة مخيفة ، ثم سار بها نحو الأريكة وقال:
" إجلسي ! قلت لك إجلسي".
أطاعت وهي ترتجف وعيناها عالقتان بالباب راجية ان يعود ماكس .ولكن ماكس لم يعد.
واضاف كونون بلهجة الآمر:
" اخبريني عن زواجك".
وقف حيالها كالقاضي وأمامه المتهم ، وهو يتابع:
" هذا...... هذا الحيوان الذي فضلته علي؟ قلت لك اخبريني عنه ".
تعابير وجهه كانت تنبىء بالشر ، عيناه تلتهبان في محجريهما ، وعضلات وجهه تتلوى في خطوط عميقة ، ذاك الوجه الذي وصفته الانا في يوم من الأيام بانه أجمل رجل رأته في حياتها ، أو من الممكن أن تراه....
هل يمكن أن يكون زواجها هو الذي أوصله الى هذه الحالة ؟ هو الذي احدث فيه هذا التغيير الكامل في طبيعته ومظهره؟
إرتجفت ألانا ثانية ، فهناك في صدرها لوعة عميقة وندم يجب ان يبقيا في سرها ، حتى يأتي الوقت المناسب.
فردت عليه بطريقة ملتوية:
" زوجتك .... أين هي الان؟".
" ماتت! قتلت مع خليلها....".
خرجت من صدره آهة حرّى ، وعيناه رشقتا الانا بنظرات لا معنى للرحمة فيها ، ثم أضاف:
" العدالة تمت ! ولكن الأمر لا يهمني ابدا ، فأنا سألتك سؤالا اريد عليه الجواب!".
كان لكونون قوة سحرية عجيبة ، جعلتها تتكلم:
" كان رجلا غنيا ، حيث...".
" انا مدرك تماما أنه كان ثريا ، وأنت حسبت أنه أكثر مني ثراء ، فهل هذا هو سبب زواجك منه وبعد اسابيع قليلة فقط من رفضك الزواج مني ؟ فقط بضعة اسابيع بعد ان اقسمت أنك لن تتزوجي بآخر ، أليس كذلك؟".
" هناك اسباب مختلفة تماما........".
إبتدأت الحديث تريد ان تبرر موقفها ولكنه قاطعها:
" لقد اخفتك ، أليس كذلك ؟ ولذا تحاولين الكذب...".
قاطعته بحزم :
" أنا لست بحاجة الى الكذب".
ثار غضبها ، وتساءلت : ترى بأي حق يسألها هذه الأسئلة ؟ وتذكرت أسلوبه القديم المليء بمعاني التملك والذي سبق وخاطبها به ، وتمر السنون عديدة ، ويعود الى مخاطبتها بنفس الأسلوب....
ولكنها أجابت بثبات:
" زواجي يخصني وحدي ، وأنك تغيظني باسئلتك هذه التي لا شان لك بها".
ضاقت عيناه الداكنتان وقال:
" ليس الإستياء ما تشعرين به وإنما الخجل ، على ما اظن".
صعد الدم الى وجنتيها وقالت:
" سيد كونون ، هل تمانع في إقفال هذا الموضوع ؟ جئت أنا ورئيسي الى هنا في عمل ، ومن الأفضل ان لا تنسى ذلك ، والآن أرجو ان تسمح لي...".
وتابعت وهي تقف وتبتعد عن ذاك الشخص المتسلط:
" أحب أن أعود الى غرفتي ريثما يحين موعد العشاء".
خيم الصمت على المكان ، تحركت ثانية ، ولكن قوتها خانتها ، ورفضت ساقاها أن تحملاها.
" تعالي الى هنا ، ألانا".
قال ذلك بلهجة ىمرة ، عندما كانت قد بلغت الباب ، ووضعت يدها على المقبض لتفتحه.
كرر كونون أمره:
" تعالي الي....".
أحست باللون يفر من خديها وكأن قلبها توقف عن الخفقان ، وقالت تتعثر بالكلام:
" أنا.... أنا أريد أن أذهب الى غرفتي...".
توقفت عن المتابعة ، عندما تقدم نحوها بحركة سريعة كالنمر ، وأمسك بمعصمها ، وقرّبها منه ، وضمّها اليه ، وهو يقول:
" لقد أمرتك أن تأتي الي......".
كان وجهه قريبا من وجهها ، فاحست بانفاسه حارة على خدها.
وتابع يقول:
" لقد كنت اريدك وانت بعيدة ، أكثر من تلك الأيام التي كنت فيها قريبة مني".
كان صوته مضطربا يحترق بلهيب الغيرة ، وألانا لم تستطع ان تفلت من بين يديه ، فهمس قائلا:
" حسنا الانا ، أنت لي ، أنا أريدك الان أكثر من أي وقت مضى ، ستكونين لي ، هل تسمعين ؟ سوف تكونين زوجتي".
|