كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
2-ماذا حل بهذا الرجل الذي وصفته آلانا ذات يوم بانه أجمل من رأته في حياتها ؟ هذا التحول المفاجىء لا يمكن أن يكون إلا نتيجة صدمة عميقة.....
كانت السماء لا تزال تتشح بالظلام عندما بدأت الطائرة رحيلها نحو مطار رودس ، فماكس وألانا إضطرا للسفر على أول طائرة تقلع قبل أن يبزع الفجر ، لأنه لم يكن هناك متسع لهما على الطائرة التالية ، ولذا كان عليهما ان يقضيا في رودس طيلة بعد ظهر ذاك اليوم وليلته.
لم يزعجهما ذاك السفر المبكر مطلقا ، فرؤية جزيرة مثل جزيرة رودس شيء ممتع وجميل.
سارا على طول شاطىء ماندراكي ، وإستمتعا بنسيم البحر العليل ، كما تجولا في الحدائق المليئة بالأزهار ذات الأريج العطر آملين ألا ينزل المطر .
ثم تناولا عشاءهما في الفندق الذي قررا أن يقضيا الليل فيه ، وفي صباح اليوم التالي ، في تمام العاشرة ، ابحرت السفينة بهما الى جزيرة كاليمنوس .
كانت الشمس تتوهج في كبد السماء ، بينما كان ماكس يمضي بعض الوقت في التحدث مع رجل إلتقى به ، أما ألانا فقد جلست على ظهر المركب ، محاولة القراءة.
لكنه كان من الصعب عليها أن تفعل ، فصورة كونون كانت تتراءى أمام عينيها ، فتحجب ما بينهما والصفحة المكتوبة ، فها هي ستلتقي بكونون مرة أخرى ، ولا شك سيشعران بالحرج والإرتباك عندما يلتقيان ، او ربما هي التي ستشعر بعدم الإرتياح لذاك اللقاء.
فهي تذكر ولن تنسى كم كان يتمتع بالثقة ورباطة الجأش ، حتى وهو في الخامسة والعشرين ، مما كان يجعلها وهي في الثامنة عشرة تحس أنها اقل منه شأنا ، ربما لأنها كانت صغيرة ، أما بماذا ستشعر الان فهذا ما تجهله.
إستعادت في مخيلتها ما أصابها من خجل عند لقائها الأول يكونون ، على مأدبة غداء صغيرة اقامها أبوه لبعض رجال العمال ، كان ماكس أحد المدعوين ، وإصطحب معه سكرتيرته ، وهناك وقعت عينا كونون على وجه الانا.
لاحظت ألانا التغيير المفاجىء الذي طرأ على تعابير وجهه ، على نظرته ، فقد كانت ثابتة باردة تلك النظرات التي كان ينتقل بها من شخص الى آخر متفحصا ، حتى تحولت الى نظرات تشع بالحيوية مليئة بالإعجاب .
أغضت الانا حياء ، وقد سرى الإحمرار في وجنتيها آنذاك ، نعم إنها لتذكر ، وتذكر ذلك جيدا ، ولما إتجه نحوها بخطواته الواسعة، إزداد خفرها وإزداد إحمرار وجهها ، وصدرت عنها حركة كمن يريد ان يهرب ، ولكنه كان اسبق اليها قبل ان تفعل.
إبتسم لها بعذوبة ، وأحنى راسه أمامها بلطف محييا ،وهكذا بقيت ألانا حيث كانت ، صامتة ، وكونون ينظر اليها من غير أن تفارق البسمة شفتيه .
جاء ابوه على الفور ،وكذلك فعل ماكس ، وتم التعارف ولكن بعد قليل كان كونون وألانا وحيدين يجلسان في زاوية من غرفة الإستراحة ، في الفندق الذي اقيمت فيه المأدبة ، تحدث اليها بمودة كأنه صديق حميم ،وبعد تناول الغداء ن إقترح عليها التجول في أنحاء الفندق.
سالت هالانا:
" هل لديك من الأعمال ما تقوم به هنا؟".
اما كونون فقدهز راسه وأعلمها أنه جاء فقط كي يبعث الفرحة في قلب ابيه ، غير أنه الآن مطلق الحرية يمكنه ان يفعل ما يشاء ، وأنه لا يستطيع مقاومة الغربة في موافقتها ، ووجدت الانا نفسها توافق على طلبه.
إنها لا تزال تذكر جمال الحدائق التي مرت بها تتالق بألوان الأزهار الغريبة ، واريجها يعطر الهواء ، والأشجار تتمايل بصمت نشوى بتلك الرائحة.
كان لهذه المشاهد الساحرة أثرها على نفس ألانا فهزت عواطفها وشعرت بقلق يخامر صدرها ، فما لاحظته في هذه الفترة القصيرة في كونون انه سريع في إتخاذ قراراته ،ومع أن ما بينهما كان بداية بسيطة لنشوء صداقة ، إلا أنها توقعت ان يطلب منها الزواج ، أذهلتها هذه الفكرة ، وخشيت من نتائجها ، ولذا نجحت في التهرب منه في الأيام القليلة التي تلت ، الى أن قبلوا دعوة أخرى الى إجتماع يبحثون فيه بعض الأعمال.
أراد ماكس ان يصحب ألانا معه ، وكان على ألانا أن تكذب ، فإعتذرت عن الذهاب بحجة مرض ألمّ بها ، وهي تعرف أنه يحسن القيام بالعمل من دونها ، وعند عودته بلّغها سؤال كونون عنها ، وما بدا عليه من قلق عندما علم انها على غير ما يرام.
ضحك ماكس وكان في ضحكه شيء من التلميح ، لم يرق لألانا ، ثم اخذ يحدثها عن كونون ، فعرفت منه ، أنه إبن أغنى رجل من أصحاب المصانع في أنحاء اليونان ، لم تبالي الانا بهذه الأخبار وكل ما يهمها أن يعود بها ماكس سريعا الى أنكلترا ، قبل ان تلتقي بكونون ثانية.
ولكن ما حدث كان غير ذلك ، فإن كونون إتصل بالفندق الذي تنزل فيه يسال عنها، ولما كان ماكس قد خرج مع فتاة يونانية جذابة ، صدف أن إلتقى بها ، دعا ألانا الى العشاء وقضاء سهرة راقصة ، وهكذا قبلت الدعوة ، وبالرغم من أن قوة خفية في داخلها كانت تدفع بكلمات الرفض الى شفتيها إلا ان هاتين الشفتين حورتا الكلام ، وتبدل الرفض بالقبول ، فشخصية كونون كانت قوية جدا ، وجاذبيته لا تقاوم.
لا تنكر الانا أنها إستمتعت بتلك الأمسية كثيرا ، فقد رافقت كونون الى فندق على شاطىء البحر ، حيث تناولا طعامهما تحت السماء المتألقة في ضوء القمر ، وكذلك أخذت النجوم تسترق النظر اليهما وهما يرقصان على شرفة واسعة مزدانة بالأزهار.
خفق قلب كونون فترك له العنان ، ولكنه لم يتكلم ، وظل صامتا ، وبقيت ألانا صامتة.
|