كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
خفض عينيه ، ولاحظت أن علامات الشعور بالذنب بدأت تظهر على وجههه ، وقال:
" خجلت من نفسي ، شعرت انني كنت حقيرا ، صدقيني يا ألانا ".
أشاحت نظرها عنه ، تفكر ، تعجب كيف يستطيع أن يصف زوجها بأنه همجي ، ويتغاضى عن فعلته الشنعاء ، ترى كيف أمنت في يوم من الأيام أنه رجل شريف أمين ! كيف إنخدعت به طيلة هذه المدة ؟ وتذكرت كلمات أمها عندما حذرتها بقولها : لا تغتري بالمظاهر ، بل أنظري الى خفايا القلوب ، ولكن كيف يمكن للمرء أن يصل الى خفايا القلوب؟ على أية حال فلعل ماكس يكون قد تعلم درسا لا ينساه مدى الحياة...
" ألانا...".
كان صوت ماكس حادا ولكن فيه رنة ألم وهو يتكلم :
" ألانا ، كلميني ، لقد قطعت هذه المسافة الطويلة دون إضاعة دقيقة واحدة من الوقت ، لأزف لك البشرى ، وأنت تقفين هكذا دون أي كلمة ".
" دون أي كلمة شكر ، أليس كذلك؟ فهل هذا ما يغضبك؟".
" لست غاضبا".
" متعجبا إذن ، لماذا تبدو بائسا ؟".
كتم ماكس غضبه ، وتجاوز الجدل الذي لا يجدي ، وقال :
" ألا تستعدين للرحيل ، لأصطحبك الى بيتك؟".
إلتفتت اليه وشملته بنظرات ثابتة ، وقالت:
" هذا هو بيتي يا ماكس".
" بحق السماء هل تحاولين أن تقولي لي ، أنك تريدين البقاء هنا ؟ مع ذاك الهمجي ! ".
وأخذ يذرع الغرفة جيئة وذهابا والغضب يشع من عينيه ، ثم أضاف :
" حسنا ، أعترف أنني عاملتك معاملة شنيعة ، ولكنني الآن جئت لأصحح غلطتي ، والطلاق سيتم في غضون وقت قصير".
" الطلاق؟( كان صوتها باردا كالثلج وهي تتكلم ) ما اللذي جعلك تظن أنني أريد أن أنفصل عن زوجي؟".
دار ماكس على نفسه وأخذ يسير وظهره ب‘تجاهها ، وقال:
" هل جننت ؟ لا شك أنك جننت!".
" أنا بكامل قواي العقلية".
إتسعت حدقتاه ونظر اليها ، ولكن البريق الذي رآه في عينيها جعله يقول:
" إذن ، لقد وقعت في حب ذاك الرجل ، أخيرا!".
اخذت ألانا نفسا عميقا وهي تحس بخفقات قلبها ، وبرودة يديها ، وقالت:
" نعم ، ماكس......".
الكلمات جاءت بطيئة وبصعوبة ، ولكن واضحة ، صادقة، دون أدنى ريب في مشاعرها نحو زوجها ، لقد خرجت ألانا من دوامة الشك ، وعادت تقول:
" نعم ، ماكس ، كما قلت ، لقد وقعت في حب زوجي...".
" ولكن ماذا عنه هو؟ عن عواطفه؟".
قال ذلك مقاطعا إياها وهو يهز رأسه ، وكأنه لا يصدق ما يسمع ، ثم أضاف:
" لكنه لا يحبك ، فأي أمل لك في السعادة؟".
وفجاة ختفى غضبه وتحول ثانية الى إنسان لطيف وأخذ يقنعها بالعودة معه الى انكلترا وان تخرج كونون من تفكيرها الى الأبد.
وعندما توقف أخيرا عن الكلام ، تكلمت الانا بمنتهى الهدوء فقالت:
" إنك تضيّع وقتك سدى يا ماكس ، مكاني هنا مع كونون ، الذي بعد كل شيء تزوجته بمحض إرادتي ".
" لا ، ليس بمحض غرادتك ! كيف تقولين ذلك؟".
" أنا التي إخترت ".
" لقد اجبرت على ذلك".
بدت على شفتيها شبه إبتسامة ، فقد كان يبدو ان ماكس نسي انه هو وحده المسؤول عن القرار الذي إتخذته قبل شهرين ، على أية حال فقد وجدت أن لا فائدة من تحويل الحديث الى جدال ، ولذا عادت وأكدت له أنها باقية مع زوجها ولن تتخلى عنه ، وكان على ماكس أن يرضخ للأمر الواقع ويرحل ، فودّعها وهو يؤكد لها انها ستغير رايها قريبا ، وقريبا جدا.
وبينما كانا يعبران الفناء ، قال:
" عندما يأتي ذلك اليوم وتغيرين رايك فلا تتواني عن الإتصال بي ، وسوف ارسل لك ما تحتاجين من المال لعودتك ، وليعرف زوجك أنه لم يعد له أي سلطان عليّ ،وخدعته تلك قد إنكشفت ، وكذبه قد بان".
لماذا سمحت له ان يستمر في هذا الكلام لا تدري ، وكل ما في الأمر أنها لم تكن تبالي ، او لعلها لم تكن تصغي اليه ، وفي اللحظة التي ان يودعها سألته ألانا:
" هل جئت بسيارة أجرة؟".
" لقد إستأجرت سيارة من الميناء ، وقد أوقفتها بعيدا في الممر".
" لماذا أوقفتها هناك؟".
" اردت أن اصل الى البيت من غير أن يراني أحد ، وكنت أرجو ان أراك في الحديقة".
" تعني بذلك انك كنت لا تريد أن يعرف كونون بمجيئك ، وأن يتم الأمر بسرية كاملة ، أليس كذلك؟".
قطب ماكس حاجبيه ، وأجاب:
" طبعا لا ، لقد أخبرتك مسبقا أنني كنت مستعدا لمواجهة كونون ".
وصلا الدرج ، ولم يعد برغبتها أن ترافقه مسافة أطول ، فقالت:
" وداعا يا ماكس".
حدّق فيها طويلا ، ثم نظر الى يديها اللتين لا تزالان الى جانبيها ، وسأل:
" ألا تريدين أن تصافحيني ؟".
مدّت يدها ووضعتها في يده مصافحة ، فهزّها قائلا:
" كنت اتمنى أن تعودي معي يا ألانا ".
لم تعلق الانا بشيء ، فتابع يقول:
" هل انت حقا سعيدة بالحياة مع هذا الرجل؟".
" لقد عشت معه شهرين ".
" هذه ليست إجابة ، هل فكرت بالمستقبل؟".
" أنا أحب كونون ، ومستقبلي في هذه الجزيرة".
" ولكنه لا يحبك ، لقد تزوجك من أجل الإنتقام !".
" لكن ظني أنه تزوجني لنه يحبني".
" على الظن ؟ أنت إذن غير متأكدة ؟ لم يخبرك بذلك وهذا يبدو واضحا ".
" ماكس ، من فضلك ، دعنا نقول وداعا ، وضع حدا لهذه المناقشة غير المجدية ، آسفة لأنني لم أدعك لتناول الطعام ، ولكنني أظن انك توافقني على أنه من الأفضل أن نقول وداعا ، وكما نوّهت قبلا يمكنك ان تأكل في أحد المطاعم".
وبعد لحظات كانت تنظر وراءه وهو يمضي غاضبا في الممر الذي يؤدي الى الطريق حيث ترك السيارة.
ظنت أنه سيلتفت ويرفع يده للوداع الأخير ، ولكنها كانت مخطئة .
إستدارت وصعدت الدرج ، كان ذهنها صافيا الان ، وقلبها منيرا ، أكثر من أي وقت مضى في حياتها....
|