كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
خرج مارتن من سيارته ورافق ليف عبر ممر منزلها الذي كان النور يتوهج في داخله ، وعلى المدخل الرئيسي كان جويل يستقبلهما قائلا :
" مرحبا ! هل أمضيتما سهرة ممتعة؟ وصلتما في الوقت المناسب لتناول القهوة".
" نعم ، شكرا ، لقد أمضينا سهرة ممتعة".
أجاب مارتن بجفاف فيما كانت ليف تدخل الى القاعة حيث ألقت سترتها على الكرسي ، وسالت جويل :
" هل نام التوامان ؟ ارجو أن لا يكونا قد سبّبا لك الإزعاج؟".
" كانا رائعين ، وهما الآن نائمان ، لقد نامت ميلي بعد العشاء مباشرة ، كان يومي حافلا لذلك أشك في أنني ساستطيع العمل غدا".
وبعدما أحضر فنجانين من القهوة تابع حديثه قائلا :
" لا تنسي الغداء في منزلنا غدا ، طلب والدي مني أن اذكّرك بذلك ، سأمر لمرافقتك عند الساعة السابعة كالعادة ، هل أنت موافقة؟".
" حسنا يا جويل ، اراك غدا".
مشى جويل مسرعا نحو الباب وهو يقول:
" الى اللقاء يا مارتن".
نظر مارتن الى ليف وسألها بنبرة حادة:
" هل يبقى جويل برفقة الطفلين دائما؟".
" أجل فانا لا احتاج الى حاضنة في معظم الأوقات وهو ياتي عادة إذا لم اترك الطفلين مع ميك أوماريا كوستيللو ، لماذا؟".
" آه ! لا شيء ".
تناول مارتن فنجان القهوة وتطلع الى السائل الأسود الموجود فيه وتساءل:
" كنت أعتقد أنك قطعت علاقتك بآل دانيسون بعد غياب زوجك ؟".
وهنا أجابت ليف متضايقة:
" هذا لا يتعلق بجويل يا مارتن".
" أنا لا ارمي الى شيء معين وانت تعلمين بالطبع ان جويل يبدو في منتهى اللطف".
"وهو كذلك ، إنه لطيف جدا ولو أن هناك الكثير من أمثاله لكان العالم افضل".
" أظن أن دانيسون الأب يرغب في رؤية أحفاده من وقت لآخر ؟".
وعندما لم تجب ليف على تساؤله أنهى مارتن قهوته وقال :
" حان وقت العودة ، شكرا لهذه السهرة يا أوليفيا".
" شكرا لك يا مارتن".
بدت كلماتها سطحية وباردة لكن مارتن لم يلاحظ ذلك إذ إلتفت نحوها وضمها اليه قائلا :
" وداعا ، سأتصل بك فيما بعد ، ستفكرين بالأمر ، اليس كذلك؟".
" حسنا ، الى اللقاء".
وقفت ليف تتطلع الى ضوء سيارة مارتن يختفي تدريجيا ، كانت السيارة التي مرا بجانبها لا تزال متوقفة في مكانها ، إرتجفت قليلا واسرعت الى الداخل مقفلة الباب وراءها ، وبعدما غطت إبنها لوك مشت الى غرفة نومها وإطمانت عل إبنتها ميلي التي تشاركها غرفتها ، بدلت ملابسها وجلست تمشط شعرها محاولة تهدئة خواطرها القلقة ، لم تكن تشعر بالإرتياح لأن المزاج الصاخب الذي إنتابها قبل الخروج لا يزال يسيطر عليها ، كانت تعلم ان النوم بعيدا جدا عن متناولها لأن ذكريات الماضي تقلقها رغم إعتقادها بان كل شيء إنتهى بعد مضي ثماني سنوات ، ما الذي أعاد ذكرى رايان هذه الليلة ؟ أليس التفكير فيه خبر برهان عل أنه لا يزال حاضرا مثلما كان دائما؟
إبتسمت ليف ساخرة من نفسها ثم خرجت الى الشرفة وأخذت نفسا عميقا من هواء البحر المنعش ، كان منزلها لا يبعد كثيرا عن الشاطىء حيث تتلاعب الأمواج والرمال بلطف في ضوء القمر ، كانت السماء كتلة من النجوم البراقة وكانت المنازل الواقعة الى يمين الخليج تبث اضواء خافتة.
تنهدت ليف مستمتعة بهذا المنظر الجميل ، كانت تحب هذا المكان ، تحب هدوءه وأمانه وجمال مياهه ورماله ، وعادت بأفكارها الى حديث جويل بشأن بيع ممتلكات كرافن ، إن فكرة إقامة مركزسياحي فخم أوملهى جمدت عروقها لأنها كانت ترغب في بقاء المنطقة على جمالها الطبيعي ، ويشاركها في هذه الرغبة دانيسون الأب وكذلك والدها الذي كان يصر على ضرورة مناهضة أي خطط لإنشاء الأبنية المرتفعة أو الفنادق السياحية الضخمة في المنطقة.
كان والدها تشارلز جانسن صيادا يفتخر بأصله المتواضع بقدر ما كان دانيسون الأب يفتخر بغناه ، دانيسون الأب لا يمل من إخبار كل إنسان بأنه أسّس عمله من مركب صيد واحد الى ان اصبح لديه الان اسطول كامل من المراكب ، بالإضافة الى شبكة نقل واسعة ، وبالطبع ، كان يرغب في أن يصبح إبنه رايان جزءا من أمبراطوريته كي يتمكن من أدارتها حين يقرر التقاعد ، لكن رغبة الأب لم تلق إستجابة كافية عند الإبن الذي كان يريد أن يحقق ذاته بشكل مختلف ، وبالرغم من انه تخرّج بدرجة إمتياز في الهندسة من جامعة كوينزلاند ، ودرس مختلف المواضيع المتعلقة بإدارة الأعمال ، إلا انه كان يبدو دائما وكأنه يبحث عن شيء مفقود.
شعرت ليف بأنها تقاوم عبثا الأمر المحتم فالذكريات متسارعة في اعماقها ، تذكرت اول لقاء لها مع رايان دانيسون ، كان ذلك في امسية صيف منذ تسع عشرة سنة حيث كانت تبلغ السادسة من العمر آنذاك ، كانت تقود دراجتها الجديدة ذاهبة الى المدرسة وهي تشعر بانها شابة وذات شأن ، في تلك الأمسية كانت تمر عبر المنتزه نحو الشاطىىء من ثم نحو بيتها ، هناك هجم عليها أربعة صبيان من خلف السياج وأخذوا يضايقونها بالركض حولها والإستهزاء بها ، اصابها خوف شديد وبدأت الدموع تنهر من عينيها ، وفي اللحظة المناسبة تقدم فتى يقود دراجة وإشتبك مع الصبية وما هي إلا دقائق حتى فر الجميع وبقي الفتى ممزق القميص والدم ينهمر من وجهه ، وعندما نظرت ليف اليه إمتلكها إحساس جارف بانه الأمير الذي تحكي القصص الخرافية عنه ، كان شديد الجاذبية حتى حين كان في الثانية عشرة من عمره.
|