كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
إستطردت كريستينا مرتابة :
" لا أكاد أصدق ما يجري ، ولا افهم سبب إختياري أنا بالذات ، وأنت علاوة على ذلك ، لا تعرفين عني إلا الأمور السطحية".
قالت السيدة براندون:
" أعرف عنك ما يكفي ،وأعرف من رسائل عمتك أنها كانت تحبك كثيرا ، وهل تغيرين رأيك لو قلت لك ان اغلى امنية لديها كان إصرارها على إنضمامك الي؟".
صاحت كريستينا بإمتعاض :
" كلا ، او ربما ليس كما تظنين ، إن ما تقومين به هو عمل إحسان ، وأنا لا اريد ذلك ، علي أن أتعلم كيف أكون مستقلة ، إنها بادرة طيبة منك ، واعرف ان العمة غريس لا تريد لي إلا الخير ، ولكن لا احب أن أفرض نفسي بطريقة غير لائقة".
قطبت السيدة براندون حاجبيها:
" ما هذا الهراء يا إبنتي ؟ أنت تخلطين الأمور ، أنت التي سيؤدي عمل خير وإحسان ، انا احتاج الى فتاة تمور حياة مثلك ، وإطمئني لن أدعك ترتاحين لحظة واحدة ، وستقومين بخدمات لا يضاهيها مرتبك ، إنني أمراة أنانية متقدمة في السن ولا أحب صحبة العوانس اللواتي يثرثرن طوال النهار حول ماضيهن وذكرياتهم الغابرة".
منتديات ليلاس
جلست كريستينا صامتة ، يضج راسها بالف سؤال ، إن ما تعرضه السيدة براندون بالغ الإغراء ، ولا سبيل الى رفضه ، مع ذلك ، وفي الوقت نفسه ، صدها كبرياؤها عن قبول هذا الأسلوب في معاملتها وكأنها سلعة تتخاطفها ايدي العجائز ، أهذا ما كانت ترتبه لها عمتها قبل وفاتها ؟ يا للإهانة وهي تلمس عدم ثقة احد بها لشق طريقها بنفسها !
مع ذلك لا تستطيع ان تنكر أنها لو رأت إعلانا عن عمل كهذا في مكان ما لما ترددت في تقديم طلب للحصول عليه ، ولاحت في مخيلتها الرمال الفضية واشجار النخيل والأمواج المزبدة ، المتهادية ، كأن عصا سحرية حققت حلم حياتها ، ولكن السيدة براندون بشعرها الأملس البيض واسلوبها المتعالي ، فكرت كريستينا ، لا علاقة لها بعرابة خرافية.
قطعت السيدة براندون حبل أفكارها :
" أنك تشغلين بالك بدون مبرر ، هل يلائمك اكثر لو قلت لك أنك ستكونين تحت التجربة اولا ، لمدة شهر تقريبا ، ومن الأفضل لو إعتبرت زيارتك مجرد إجازة ، أعرف أنك عانيت كثيرا مؤخرا، ولا يحق لي الضغط عليك الى أن ترتاحي قليلا ، ماذا تقولين؟".
إحتارت كريستينا ، ثم تنهدت قائلة :
" ماذا يمكنني ان اقول يا سيدة، أنت لطيفة كثيرا ، ولا تتركين امامي أي مجال للرفض ، لا أعرف كيف أشكرك ".
مدت يدها لإلتقاط عصاها ، شاعرة بالم طفيف ، وقالت تطمئنها :
" سافكر بطريقة مرضية ، إذن إتفقنا ، تقضين بضعة أسابيع تتمتعين بنور الشمس ، ثم نقرر شيئا أكثر ثباتا".
نهضت ببطء وحذر على قدميها ، ثم لاحظت كريستينا وهي تهم بمساعدتها ، فصاحت :
" هذا هو الدرس الأول يا عزيزتي ، لا يهمني ان يساعدني احد ، ساعود الى لندن الآن ، ولكن قبل ذلك سأدفع حسابك مع السيدة ثرثتون ، وتفضلي بحزم أمتعتك هذا المساء إستعدادا للإنضمام الي في الصباح ، وقبل الساعة العاشرة، وأشد ما أكره هو عدم المحافظة على المواعيد".
قالت كريستينا :
" ولكنني قادرة على دفع حسابي ، ما زال معي بعض النقود ...".
وتوقفت عن الكلام يخالجها قلق مفاجىء ، عن الأمور تسير بسرعة عجيبة حتى عمتها غريس لم تتعاملها بهذا الأسلوب الحازم ، الأرستقراطي ، وكأنها مجرد دمية تحركها اصابع السيدة براندون بخفة وبدون عناء.
خاطبتها بلهجة باهتة:
" إحتفظي بالنقود لنفسك ، أو إشتري بعض الملابس الصيفية الخفيفة ، إن ما ترتدينه يلائم منطقة القطب الشمالي ، اكثر من المناطق الإستوائية الحارة ، إختاري ملابس قطنية ، وإشتري ثوب سباحة أيضا ".
إزدادت حيرة كريستينا :
" ولكن لم تذكري لي شيئا عن الحفلات قرب الشاطىء".
أخجلتها السيدة براندون بجوابها :
" لن تكون هناك حفلات ، ولكن الشطآن موجودة ،ولا بد من الإستفادة منها ، وأتوقع أنك تعلمت السباحة في المدرسة ، وىمل ان تعتبري ارك إينجل كمنزلك أنت ، وليس كسجن يأسرك ( ثم ردت تعليماتها السابقة وهي تلاحظ إضطراب كريستينا ) إحتفظي بنقودك ، إسمحي لي ان اؤدي هذه الخدمة لك تعبيرا عن حبي لعمتك ".
ولم يعد يليق بكريستينا رفض طلب كهذا ،وإلا اثبتت مدى تبلد احاسيسها.
صحبت السيدة براندون الى الخارج ، والى أن ركبت في سيارة الأجرة المنتظرة ، وحاولت ان تلوح لها بيدها مودعة ، لكن المرأة العجوز لم تلتفت الى الوراء أو تبادر الى وداعها ، فارخت كريستينا يدها ، تشعر بحماقتها.
عادت ببطء الى الفندق ، تكاد لا تصدق ما جرى أمامها منذ دقائق معدودة ، ها هي حياتها إنقلبت رأسا على عقب ، وتبدل كل وضعها فاصيبت بالدوار.
تجاهلت كريستينا صاحبة الفندق ، وفضولها المعهود واسئلتها المتكررة ، وتحذيراتها من الثقة باي شخص غريب لا تعرفه ، لكنها ظلت تراودها الشكوك ، فقررت الذهاب لرؤية السيد فريث ، لا بد ان يكون في المزاد العلني ، وهو خير من يطلعها عل حقيقة السيدة براندون.
ما أن وصلت حتى كان المزاد قد إنتهى ، ورات السيارات تغادر المكان ، ركضت كريستينا مسرعة ، وها هو السيد فريث يقف قرب سيارة ويبستر لألقاء تحية الوداع ، ترددت قليلا ، ثم لمحته يومىء لتتقدم نحوه ، فلم تجد مناصا من الأقتراب منه ، إبتسم متسائلا :
" أين كنت يا عزيزتي ؟كيف إختفيت فجاة؟".
فكرت كريستينا مليا ، لم تكن ترغب في مناقشة التطورات التي إستجدت في حياتها وعلى مسمع من عائلة ويبستر ، فإكتفت بإبتسامة باهتة ، وغمغمت كلمات غير مسموعة ، آملة أن تقلع سيارتهم ،وتمضي في سبيلها.
ولكن فيفيان ويبستر مدت برأسها من النافذة ، وحملقت في كريستينا بعجرفة، وأستفسرت :
" هل تريدين شيئا ؟".
" أردت التحدث الى السيد فريث".
صمتت فيفيان لبرهة ثم قالت :
" تذكري أن وقته باهظ الثمن ، لا تتوقعي من رجل محترف ، صاحب مهنة كالسيد فريث ، تقديم خدماته اليك بدون مقابل الى الأبد ".
إستدارت كريستينا صوب السيد فريث ، ووجهها يشتعل غيظا :
" انا آسفة ، لم يخطر في بالي...".
وامسك فريث بيدها مقاطعا ، وقال يطمئنها :
" ولم يخطر في بالي انا ايضا ، كيف يمكنني مساعدتك يا كريستينا؟".
هزت برأسها ، محاولة الإنسحاب:
" لا يهم ، لا يهم ، كل ما كنت أريد معرفته....".
وصاحت فيفيان ويبستر بغضب :
" بالله عليك ! إذا كان لديك ما تقولينه ، فهيا ولنضع حدا لهذه المهزلة ! ".
حاولت كريستينا تجاهلها ، وسالت فريث :
" هل سبق للعمة غريس أن أتت على ذكر السيدة براندون امامك ؟".
وقبل أن يجيب ، اقحمت فيفيان نفسها :
" عائلة براندون ؟ طبعا اتت على ذكر العائلة ، ذهبت الى المدرسة مع الزوجتين ، كانتا أختين وتزوجتا اخين ، إنها قصة عاطفية حقا ، لماذا تسالين ؟".
لم تجد كريستينا مهربا من الجواب :
" لأن السيدة براندون في انكلترا الآن وعرضت علي عملا ".
ردت فيفيان ببرودة :
" لا افهم معنى تصرفها هذا ، أنت لا تعنين لها شيئا ، هل كتبت لها متوسلة لإيوائك ؟ أتمنى انك لم تفعلي ذلك يا كريستينا ، إنه عمل ذليل".
قالت كريستينا متحدية :
" لا ، ليس كما تتصورين ، لم أعرف بوجودها حتى هذا اليوم ، يبدو أن عمتي غريس كتبت اليها عندما فاجاها المرض".
أعلنت فيفيان :
" أن وجودها هنا امر بالغ الغرابة ، هل حضرت المزاد العلني ؟".
" لا اعتقد ".
قال السيد فريث بصوت هادىء :
" ما هو نوع العمل الذي عرضته عليك ؟ إن إسمها مالوف جدا لدي ، وأعرف علاقتها بعمتك ، ولكن لم اتصور أن الآنسة غريس كانت تنوي الإتصال بها نيابة عنك ، لا بد من القول ان وجودها نعمة فائقة في هذه الأحوال".
قاطعته فيفيان ثانية :
" لا افهم معنى النعمة هذه ، ولا أرى ضرورة لطلب مساعدة الأغراب"
إحتفظت كريستينا برباطة جأشها ، وأطرقت براسها صامتة ، ثم سمعت محرك السيارة يدور إستعدادا للإقلاع ، تنفست الصعداء ، إن عائلة ويبستر تتوارى عن انظارها ، والى أجل غير مسمى ,
طمأنها
السيد فريث مجددا ، وأكد لها مدى إهتمامه بمستقبلها :
" لا تجزعي ، إنها خطوة في الإتجاه الصحيح ،توكلي على الله ، ولا تصغي الى الأقاويل ، واريدك أن تتصلي بي دائما إذا ما تعرضت لأية مصاعب ، إن عمتك اوصتني بك أيضا ".
ثم صعد الى سيارته ، ومضى في سبيله .
استدارت كريستينا ، وبدأت تسير في طريق العودة الى الفندق ، ظلت مشوشة العقل ، مضطربة القلب ، لا تدري ما الذي تخبئه لها الأقدار الغامضة.
|