كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
كانت عائدة من نزهة قصيرة على الشاطىء ذات صباح ، عندما إستدعتها السيدة براندون الى غرفتها ، وما أن دخلت كريستينا حتى تلقفتها العجوز هاتفة:
" تعالي يا عزيزتي ، علي القيام بمقدار كبير من العمل اليوم ، إنظري هذه اللائحة من الأسماء والعناوين ، عليك طباعتها على غلافات وبسرعة ، وصلت بطاقات الدعوة من المطبعة هذا الصباح وأود إرسالها بدون إبطاء".
أمسكت كريستينا باللائحة تدرسها ، كانت تضم اسماء اعيان الجزيرة ، سالت:
" ما هي هذه الدعوات؟".
اجابتها العجوز:
" يحل عيد ميلاد ثيو الأسبوع المقبل ، وسوف نقيم له حفلة بطبيعة الحال".
راحت كريستينا تقرأ الأسماء المتعددة ، لم تجد اثرا لإسم ديفلين ، تاكد لها ان عمته حذفت إسمه عمدا تعبيرا عن إستيائها منه ، هذا في حين أن أصدقاءه من اعضاء اللجنة كانوا من بين الأسماء المختارة ، إستدارت نحو الباب قائلة:
" ساباشر العمل فورا يا سيدة".
صاحت السيدة براندون :
" لحظة من فضلك".
ورأتها كريستينا تغالب نفسها للنطق بشيء يقلقها ، ثم سمعتها تقول:
" سأكون في غاية السرور يا كريستينا لو أن الحلقة لا تقتصر على الإحتفاء بعيد ميلاد ثيو بل تكون ايضا حفلة خطبته".
تجمدت الدماء في عروقها ، كم كانت مخطئة ساعة إعتقدت ان هذه المسالة طويت الى البد ، قالت كريستينا محاولة كبت غيظها:
" ولكنك يا سيدة أفسحت لي المجال للتفكير ، ودرس الموضوع......".
نظرت اليها السيدة براندون برقة:
" لا بد انك توصلت الى قرار الان ، أن ثيو شاب حساس وعنيد ، لن ينتظر طويلا للحصول على جواب منك".
ردت كريستينا بإصرار :
" لا أريده ان ينتظر ، لا يمكنني الزواج منه يا سيدة براندون ، انا لا أحبه".
تشبثت العجوز برأيها:
" إن الحب ينمو مع مرور الزمن يا عزيزتي ، وهذا هو معنى الخطبة في المقام الأول ، إنها فترة التعارف المتبادل ، وتمتين أواصر الصداقة لكي تصبح حبا بكل معنى الكلمة، عن ثيو لن يصبر كثيرا ، وسيجد وسائله الخاصة لتلقينك بعض الدروس".
كانت كريستينا تتأجج غضبا:
" هل أنت جادة؟ ما معنى كلامك هذا؟".
إنهالت عليها السيدة براندون مؤنبة:
" لا تدّعي السذاجة يا إبنتي ، أنت تعرفين تماما ما الذي أعنيه ، إن وجودكما معا تحت سقف واحد سيؤدي حتما الى نشوء علاقة بينكما ، وعندما تعلنين خطبتك ستلمسين بنفسك مدى التغيير الذي سيطرأ على عواطفك".
كادت كريستينا تفقد صوابها:
" إنك تثيرين في نفسي الإشمئزاز يا سيدة براندون ، اؤكد لك أن مشاريعك مصيرها الفشل الذريع".
هزت العجوز بكتفيها متأففة:
" المعذرة ، لم أقصد جرح مشاعرك ، أنا آسفة ، كنت أطرح عليك مجرد حل عملي".
أوصدت كريستينا الباب وراءها بأحكام ، ووقفت لحظة لألتقاط أنفاسها ، كانت صدمة عنيفة هزتها هزا ، وحيرها أمر عمتها غريس وصداقتها مع هذه العجوز البليدة الإحساس.
نوجهت الى المكتبة ، وباشرت بطباعة مظاريف البطاقات ، كانت في حالة يرثى لها ، فوجدت نفسها تخلط الأسماء ببعضها ، سحبت الورقة من الآلة الكاتبة ، طوتها كالكرة ثم قذفتها صوب النافذة المشرعة.
ولفورها سمعت صوتا أليفا يهتف وراءها :
" طلقة موفقة ايتها السكرتيرة البارعة، يبدو أن مهارتك بدأت تخونك".
إحتفظت برباطة الجأش ، مقاومة دوافعها المشبوبة للنظر اليه ، ورؤية وجهه.
مشى ديفلين بخطى وئيدة ووقف بجانبها ، يحملق في اللائحة الملقاة قرب الآلة الكاتبة ، أعلن بسخرية:
" أرى ان عمتي قررت الخروج من عزلتها وإقامة حفلة إجتماعية ، لا تتعبي نفسك في طباعة دعوة الي يا آنسة بينيت ، سآخذ البطاقة معي".
لفت ظرفا جديدا على الآلة ، قائلة بجفاف:
" لا أعتقد أنك مدعو الى الحفلة".
إستقبل كلماتها ببرودة:
" إذن ساقتحم المكان إقتحاما ، هذه حفلة لن أدعها تفوتني مهما كلف الأمر ، اريد أن أكون حاضرا عندما يقلدك ثيو خاتم الخطبة ، وبالمناسبة هل رأيت الخاتم ؟ إنه خاتم هائل من الزمرد والألماس ، يا للذوق السوقي المبتذل ! ".
واظبت على الطباعة ، وأجابته بحدة:
" أقول لك للمرة الألف ، لن اعقد خطبتي على ثيو".
إرتمى فوق مقعد وثير ، مادا رجليه امامه:
" كلا؟ إن الجزيرة كلها تلغط بالموضوع".
سألته مندهشة:
" ما الذي يقوله الناس؟".
قال بنبرة جادة لا أثر للسخرية فيها:
" الكل يقول انك على وشك الزواج من ثيو ، وستكون هذه الحفلة مسك الختام".
أجابته يائسة :
" ولكن هذه الأقوال مجرد أكاذيب".
سمّر عينيه على وجهها المتجهم:
" ربما ، ومع ذلك ، ما زال أمام عمتي متسع من الوقت لأقناعك ، لن يحل عيد ميلاد ثيو قبل اسبوع ، فلا تيأسي ، ولا اظنك تنكرين نية عمتي في عقد قرانكما".
قالت مطرقة الراس:
" لا ، لا أنكر ، ولكنني لم أكن أعرف شيئا عندما أتيت الى هنا ، يجب أن تصدقني".
اشعل سيكارة ، ثم عقب:
" انا أصدقك ، هذه مسالة بسيطة ، ولكن ما الذي تنوين فعله؟".
" ما الذي أنوي فعله؟".
كاد ينفد صبره:
" نعم ، إن هذه المسألة تعنيني مباشرة ، كما تعلمين".
تنبهت الى مغزى كلامه:
" طبعا لأنه إذا تزوجني ثيو ورزق ولدا سيبطل أي حق لك في الأرث".
خيم صمت ثقيل ، ثم أطلق قهقهة ممزوجة بالمرارة:
" يا للذكاء الباهر ! نعم إن مصلحتي أن يظل ثيو عازبا ، هل يمكنني الإعتماد عليك لتحقيق هذه الغاية النبيلة؟".
أحست بوخز حاد في حنجرتها:
" قلت لك ، وبكل وصوح ، أنني لا أنوي الزواج من ثيو ، لا مبرر للتخوف على مشاريعك مني".
رد بلهجة جافة:
" اشكرك من أعماق قلبي ، وكيف تنوين الفرار من مصير رسمته لك عمتي العزيزة؟".
هزت بكتفيها :
" لا تقلق علي ، أستطيع تدبر أمري".
أجاب بعذوبة:
" ولكنني أقلق عليك ، خاصة إذا كنت ستحتاجين الى مساعدتي".
إضطربت قليلا:
" لا لن أحتاج اليك".
نهض واقفا ، وتقدم منها بحذر ، ثم مد يده الى جيبه:
" أعتقد أن هذا المنديل الذي يطرزه أول حرف من إسمك لم يكن في كوخي صدفة".
هتفت:
" كيف وجدته؟".
" لا مجال للمراوغة يا كريستينا ، أنت أتيت الى الكوخ تبحثين عني عندما كنت في المارتينيك".
صمتت قليلا ، ثم قالت متمتمة:
" أشكرك على عرضك لمساعدتي ، ولكن زيارتي الى الكوخ لا علاقة لها بذلك ، كانت مجرد فضول ، وترويح عن النفس لتبديد السأم والضجر".
حدّق فيها بعينين تتماوجان سخرية وإعتدادا بالنفس ، ثم مر بأصابعه فوق شعرها ، مداعبا ضفائره بخفة وهدوء ، خالت كريستينا أنه ذلك الهدوء الذي يسبق هبوب العاصفة ، تراجعت الى الوراء:
" والآن دعني وشأني ، أريد الإنتهاء من طباعة هذه اللائحة الطويلة".
غمغم :
" كلا يا عزيزتي ، أنت إرتكبت خطأ كبيرا عندما زرت كوخي بهذا الأسلوب ، وإطلعت على قطعي وعملي الفني بدون إذن مني ، ولا بد لك من دفع ثمن غال".
ولم يترك أمامها مجالا للإجابة ، طوقها بذراعيه وشدها نحوه يكاد يهصرها هصرا ، حاولت دفعه عنها فخانتها قواها.
إنقضت لحظة قصيرة خالتها دهرا ، كانت تخوض معركة خاسرة ، متأرجحة بين عقلها وقلبها ، وأذعنت لعواطفها الجياشة تعيش برهة قصيرة بين ذراعيه ، وتكتشف عواطفها الجياشة ، وتلمس مدى سيطرته على أحاسيسها.
وسرعان ما إستعادت جراتها السابقة ، وعقدت العزم على مقاومة أي إغراء ال أن تنجلي حقيقة الأمور ، وتتضح نواياه إزاءها ، ظلت تقاوم بذراعيها ويديها ورجليها الى أن أجبرته على فك عقالها.
صاحت في وجهه:
" إخرج من هنا ودعني أكمل عملي".
رد ، وإمارات الظفر تكلل محياه:
" سأخرج الآن لرؤية عمتي ، ولا تيأسي لن اتخلى عنك".
|