الفصل الأول .... الأستاذ
على الرغم من أن جميع الحاضرين، فى تلك القاعة الصغيرة، من ضباط المخابرات، الذين التحقوا حديثاً بجهاز المخابرات العامة المصرى، والذين مازالوا يتلقون تدريباتهم، على يد خبراء وأساتذة هذا المضمار، قبل بدء مهامهم الفعلية، إلا أن حالة من الهرج سادت بينهم، عندما علموا اسم المحاضر التالى، الذى ينتظرون وصوله هذه المرة...
كانوا قد التقوا بعدد لا بأس به، من خبراء جهاز المخابرات ...
وتلقوا محاضرات وتدريبات شتى ...
ولكنهم كانوا ينتظرون هذه المحاضرة بالتحديد ...
وهذا المحاضر على وجه الخصوص ...
فما سمعوه عن صاحبها كان مثيراً ...
وإلى أقصى حد ...
ولقد راح بعضهم يتحدًَّث فى حماس عما سمعه، أو عما درسه، من عمليات شارك فيها المحاضر المنتظر ...
وبدت اللهفة على وجوه الجميع ...
وأطلًَّ الشغف من العيون ....
وخفقت القلوب، و ...
وأخيراً، وصل المحاضر ...
فور وصوله، هبط على القاعة فجأة صمت عميق مهيب، وتعلًَّقت كل العيون بذلك المحاضر، الذى دلف إلى المنصة الصغيرة فى خطوات هادئة، على الرغم من ذلك الحزن العميق، الذى بدا وكأنه قد انحفر على ملامحه، فلم يعد قابلاً للإزالة ...
وعلى عكس كل ما سمعوه عنه، بدا من الواضح أنه قد فقد الكثير من وزنه، وبدا أكبر سناً مما هو عليه فى الواقع، وأكثر رصانة مما يقال عنه ...
ولقد استقر خلف المنصة الصغيرة، وأدار عينيه فى وجوههم جميعاً، وكأنه يبحث بينها عن وجه بعينه، ثم ارتسم الأسى على ملامحه، وخرج مع نبرات صوته، وهو يبدأ محاضرته ...
كان يشرح للضباط الجدد، كيف يمكنهم كشف عمليات التزييف والتزوير، مهما بلغت درجة اتقانها، ويعرض عليهم نماذج من هويات رسمية، تم تزويرها فى إتقان، و...
" سيًَّد (قدرى) ... سمعنا أنك كنت صديقاً للأستاذ ..."...
فجأة، انطلقت العبارة من وسط الحضور، فتوًَّقفت يد (قدرى)، على لوحة العرض، وهو يولى ظهره للضباط الجدد، وبذل جهداً خرافياً؛ لمنع دمعة أرادت أن تفرًَّ من سجن عينيه إلى وجنته، ولاذ بالصمت لحظات، وكأنما يفكًَّر فى تجاهل العبارة، لولا أن ارتفع صوت آخر، يقول:
- هل تعرف تاريخ الأستاذ كله؟!
كبح (قدرى) دمعته فى صعوبة، واستدار فى بطء، يواجه الضباط الشبًَّان، قبل أن يغمغم، مجيباً السؤال الأوًَّل:
كنت من أقرب الأصدقاء إليه.
وصمت لحظة؛ ليزدرد غصة فى حلقه، قبل أن يضيف:
- وإلى زميلته (منى).
إجابته كانت إيذاناً بتحوًَّل مسار المحاضرة تماماً، إذ هتف أحد الضباط فى حماس:
- هل كان أسطورياً كما يصفونه ؟!
كان الحفاظ على تلك الدمعة شاقاً بحق، فأفلتها (قدرى)، لتنسال على وجنتيه بطيئة ساخنة، وهو يجيب:
- (أدهم) كان أكثر من أسطورة ... لقد كان رجلاً عظيماً، يؤمن بربه ووطنه، ولا يتردًَّد لحظة، فى بذل حياته نفسها، فى سبيل الله والوطن ... وفى سبيل كل ما يؤمن به .
سأل ضابط آخر فى شغف:
أحقاً أنه هزم كل أجهزة المخابرات العملاقة؟!
صمت (قدرى)، ليزدرد غصة أخرى، وهو يجيب فى صوت، بدا إلى حد ما مختنقاً:
- تقريباً.
هتف ثالث:
وماذا عن منظمة (المافيا)؟!
ترك (قدرى) فيض دموعه ينساب على وجهه، وهو يقول:
- حياة (أدهم) حافلة بالكثير، ولن يكفى زمن المحاضرة للحديث عنها، ولا عنه ... إنه رجل مخابرات غير عادى، وأسطورة لن تتكًَّرر، وصديق لا يمكن تعويضه أيضاً.
لم يبد القبول على الضباط الشبان، الذين امتلئوا فضولاً لمعرفة المزيد عن (أدهم صبرى)، الذى يلقبونه فى جهاز المخابرات العامة بلقب (الأستاذ)، ويطلق عليه أعدائه اسم (رجل المستحيل)، وضايقهم أن يؤجل (قدرى) الحديث عنه إلى وقت لاحق، فهتف أحدهم:
- أرجوك يا سيًَّد (قدرى) ... نريد أن نعرف تاريخ الأستاذ، منذ التحاقه بجهاز المخابرات، وحتى مصرعه، و ...
صرخ (قدرى) يقاطعه فى غضب:
- (أدهم) لم يمت...
تبادل الضباط نظرة حائرة متوترة، قبل أن يغمغم أحدهم فى حذر:
- ولكن الملفات الرسمية تقول: إنه أصيب إصابة بالغة، بنفس القنبلة، التى قتلت زميلته (منى توفيق)، فى حفل زفافهما.
بدا (قدرى) شديد الغضب، وهو يصرخ مكررًَّاً:
- قلت لكم : (أدهم) لم يمت .
ثم غمرت الدموع وجهه، وهو يضيف:
- ولا (منى) كذلك.
ران صمت مهيب على القاعة لحظات، ثم لم يلبث أن تحوًَّل إلى همهمات متداخلة، خرج صوت أحد الضباط من بينهما عالياً، وهو يتساءل:
- معذرة يا سيًَّد (قدرى) ... لكن ألديك معلومات مؤكًَّدة بشأن هذا، أم أنها مجرًَّد أمنيات..
صرخ (قدرى)، وقد بدا وكأنه قد فقد أعصابه تماماً:
- (أدهم) لم يمت ... و(منى) لم تمت.... من يقول هذا أحمق.
قال ضابط آخر فى حذر:
- سيًَّد (قدرى) ... مع احترامنا لتاريخهما، فهما مجًَّرد بشر، وكل البشر يموتون، وإن طال الزمن .
هوى (قدرى) بقبضته على المنصة أمامه، وهو يصرخ:
- قلت :إنهما لم يموتا.
حطمًَّت قبضته جهاز الميكروفون الصغير أمامه، وأطارت أجزاءه فيما حوله، فتراجع بحركة حادة، وكأنما أفاقه هذا من انفعاله، وحدًَّق فى الجهاز المحطًَّم بنظرة مذعورة، فى حين خيًَّم الصمت التام على القاعة ...
صمت قطعة (قدرى)، وهو يقول فى صوت أقرب إلى النحيب:
- يبدو أننا سنضطر لتأجيل المحاضرة، إلى وقت آخر.
قالها، واندفع خارج القاعة، والكل يتابعه ببصره فى صمت، تحوًَّل بعد خروجه منها إلى فوضى كلامية عنيفة، لم يسمع هو حرف واحد منها، وهو يعدو تقريباً، عبر الممر الممتد من القاعة إلى حيث مكاتب القسم الفنى، حتى بلغ حجرته، فدفع بابها، ووثب تقريباً داخلها، وأغلق خلفه فى قوة
، وهو يهتف:
(أدهم) و(منى) لم يموتا ... إنهما على قيد الحياة ... لابد وأن يكونا على قيد الحياة ...
ثم أجهش ببكاء حار ...
* * *
" خطأ يا (قدرى) ..."..
قالها مدير المخابرات فى صرامة، وهو يشير بيده فى غضب، فأحنى (قدرى) رأسه، وقال فى مرارة:
- أعلم أنه من الخطأ أن يفقد المحاضر أعصابه، أثناء تدريب الضباط الجدد يا سيادة الوزير2، ولكن ما أن أشار أحدهما إلى أن (أدهم) و(منى) قد لقيا مصرعهما، حتى فقدت أعصابى، و ...
قاطعه المدير فى غضب:
- وضربت أسوأ مثال للضباط الجدد .
زفر (قدرى)، وهو يهز رأسه فى أسى، مغمغماً:
- أعترف أن هذا ما حدث.
صمت المدير، متطلعاً إليه لحظات فى إشفاق، ثم حاول أن يبدو هادئاً، وهو يقول:
- ولكنك تعلم فى أعماقك، أنه من المحتمل كثيراً أنهم على حق.
لم يحر (قدرى) جواباً، فتابع المدير فى خفوت:
- كلنا نذكر ما حدث فى حفل الزفاف.
لم يكن (قدرى) يرغب فى استعادة تلك الذكرى المؤلمة، إلا أنه ما أن تحًَّدث المدير عنها وذكرها، حتى انطلق عقله، على الرغم منه يستعيدها ...
(أدهم) و(منى) كانا فى أبهى زينتهما فى ذلك اليوم...
وكانت السعادة تغمرهما ...
فأخيراً تحقًَّق حلمهما ...
وتزوًَّجا ...
الكل كان فرحاً سعيداً ...
وحانت لحظة كعكة الزفاف ...
وامتدت يد (منى) بالسكين ...
وصرخ (أدهم) محذراً ...
وحاول أن ينقذها ...
ودوى الانفجار...
وكانت أوًَّل مرة فى حياته، يلمح فيها الدموع فى عينى (رجل المستحيل) ...
ولم ينبس يومها ببنت شفة ...
مشهد (أدهم)، المغرق بالدماء، وهو يحمل حبيبة عمره إلى سيارته، والدموع تغمر وجهه، ثم ينطلق بها، لا يستطيع أن يفارق ذهنه قط ..
ولا لحظة واحدة ...
" الدكتور (أحمد صبرى) قال : إنه رأى أصابع (منى) تتحًَّرك ..."...
اندفع فجأة يقول هذا، وكأنه يحاول أن يتشبث بأخر أمل، فمطًَّ مدير المخابرات شفتيه، وهو يتطًَّلع إليه لحظات فى صمت، قبل أن يقول فى أسف:
- الدكتور (أحمد صبرى) شقيق (أدهم)، هو أيضاً من أكًَّد أن هذا قد يعود إلى بعض ردود الفعل العصبية، التى يمكن أن تحدث عقب الوفاة، مع تأثيرات الطقس، وانخفاض حرارة الجسم
غمغم (قدرى):
- ولكن أحداً لم يعثر عليهما قط .
أشار الوزير بيده، قائلاً:
- هذا ليس إيجابياً بنسبة كبيرة، خاصة وأن كل مصادر الأمن الداخلى لم تتوًَّصل حتى إلى سيارة (أدهم)، وكل المعلومات تقول: إنه لا هو ولا (منى) غادرا البلاد، عبر أى منفذ رسمى.
قال (قدرى)، متشبثاً بالأمل :
- هذا يعنى أنهما مازالا داخل البلاد .
قال الوزير فى سرعة:
- أو ...
ثم بتر عبارته دفعة واحدة، وكأنه يخشى إيذاء مشاعر (قدرى)، الذى امتقع وجهه، وهو يتساءل:
- أو ماذا ؟!
تردًَّد مدير المخابرات لحظة، قبل أن يحسم أمره، ويقول:
- أعلم أن هذا قد يؤذى مشاعرك كثيراًيا (قدرى)، ولكن فريقاً مشتركاً، من خبرائنا وخبراء الأمن العام، درسوا كل المعطيات، وتوصلوا إلى نتيجة واحدة، تبرًَّر عدم خروج (أدهم) أو (منى) من (مصر)، عبر المنافذ الرسمية، وعدم العثور على سيارتهما فى الوقت ذاته .
بدا صوت (قدرى) مرتجفاً، وهو يقول:
- وما هى ؟!..
تردًَّد مدير المخابرات بضع لحظات، ثم قال:
- أنهم يرقدون فى منطقة ما، فى ...
بتر عبارته ثانية واحدة، ثم أكملها بكل الحزم:
- فى قاع النيل .
انتفض جسد (قدرى) فى عنف، وشعر بالدماء تفر من كيانه كله، وفقد تماماً السيطرة على عقله ولسانه، وهو يندفع قائلاً:
- كًَّلا .
قال المدير فى حسم:
- هذا ما اتفق عليه الخبراء جميعهم، و ...
صرخ (قدرى) فجأة، غير منتبه إلى أنه يجلس أمام مدير المخابرات شخصياً:
- كًَّلا .
تراجع الوزير فى دهشة مستنكرة، إلا أن (قدرى) تابع فى عصبية بالغة:
(أدهم) و(منى) لم يموتا ... أنا أشعر بهذا ... لقد كانا أعز صديقين لى فى الحياة، ولو أنهما ماتا لشعرت بهذا ... إنهما لم يموتا ... لم يموتا .
واندفع الحرس الخاص بالوزير إلى مكتبه، مع ارتفاع صراخ (قدرى) الذى، وعلى الرغم من سيطرتهم عليه، ظل يصرخ ....
ويصرخ ...
ويصرخ ...
* * *
شعر طبيب مستشفى (وادى النيل)، التابع لجهاز المخابرات العامة، بالإشفاق على (قدرى)، الذى بدا شديد الحزن والأسى، حتى بعد العقار المهدئ، الذى تم حقنه به، وغمغم وهو يتطلًَّع إليه:
- إنك تحتاج إلى إجازة يا سيًَّد (قدرى)، فمن الواضح أنك قد أرهقت نفسك كثيراً، فى الآونة الأخيرة .
حاول (قدرى) أن يقول شيئاً ما، إلا أن لسانه وحلقه لم يطاوعانه، فاكتفى بإشارة من يده، جعلت الطبيب يواصل:
- سيادة الوزير وافق على منحك إجازة لمدة أسبوعين، لتهدئة أعصابك، والحصول على بعض الراحة ... صدقنى ... هذا سيفيدك كثيراً.
غمغم (قدرى) فى صعوبة:
- وماذا أفعل بالإجازة؟!... أين أذهب.؟!
هزًَّ الطبيب كتفيه، وقال:
- ابحث عن مكان هادئ، يمكنك فيه الاسترخاء، ومطالعة بعض الكتب، أو ممارسة الصيد .
غمغم (قدرى):
- هذا يناسب فصل الصيف، ونحن فى قلب الشتاء.
ابتسم الطبيب، وهو يقول:
- (مصر) دولة كبيرة يا رجل... تمتد من البحر المتوسط، وحتى حدود (السودان) ... ما رأيك بالسفر إلى (أسوان) ... إنها واحدة من أجمل مدن العالم، والنيل هناك لا يشبه النيل فى أى مكان آخر، والطبيعة ساحرة، يعشقها الناس، من كل أنحاء العالم .
مطًَّ (قدرى) شفيته، مغمغاً:
- سأفكًَّر فى هذا .
أومأ الطبيب برأسه، قائلاً:
- نعم ... افعل .... ولو بالفكرة، فلدى أصدقاء هناك، يمكنهم معاونتك على قضاء إجازة ممتازة.
ثم مال نحوه، مستطرداً ود:
- والآن ما رأيك بوجبة دسمة، خارج وجبات المستشفى التقليدية .
هزًَّ (قدرى) رأسه نفياً، وغمغم:
لست أشعر بأية شهية للطعام.
تراجع الطبيب فى حركة، ودهشة كبيرة، وهو يقول:
رباه! ... أنت حقاً تحتاج إلى إجازة.
ثم بدأ فى مغادرة الحجرة، وهو يضيف:
سأرسل إليك أرقام أصدقائى هناك ... لا تضيًَّع الفرصة.
زفر (قدرى) فى توتر، فور مغادرة الطبيب للحجرة، وعلى الرغم من العقار المهدئ، فقد كان يشعر بنفس الحرارة فى أعماقه...
كل الشواهد تقول: إن (أدهم) و(منى) قد لقيا مصرعهما...
ولكنه، فى أعمق أعماقه، يشعر أن هذا لم يحدث...
يشعر به شدة ...
ترى أهو مجًَّرد أمل ؟!...
أم أنه شعور حقيقى؟!...
ظلًَّ هذا السؤال يلح على ذهنه، حتى بعد أن بدأ إجازته، وأخذ بنصيحة طبيب (وادى النيل)، وقررًَّ السفر إلى (أسوان)...
كان قد اختار فندق جزيرة (إيزيس)، وهو فندق فى قلب جزيرة نيلية منعزلة، لا سبيل للوصول إليه بالطرق البرية ...
فقط بوساطة (معدًَّية)، تنقل النزلاء منه وإليه طوال الوقت...
كان يحتاج بالفعل إلى مكان هادئ...
وجميل ...
ومنذ ليلته الاولى هناك، شعر بالفعل بالهدوء والراحة، وبدأ يعيد التفكير فى كل الأمور على نحو مختلف ...
صحيح أنه لا يوجد دليل واحد، على وجود (أدهم) و(منى) على قيد الحياة ...
ولكن لا يوجد أيضاً دليل واحد، على أنهما قد لقيا مصرعهما ...
وهذه، بالنسبة إليه، نقطة إيجابية ...
تماماً ...
ولكن لو أن كل أجهزة الدولة قد فشلت، فى العثور على (أدهم) و(منى)، فكيف يتصوًَّر هو أن يفلح فى هذا؟!...
كيف ؟!...
ظلًَّ يفكًَّر فى هذا الأمر طويلاً، وهو يجلس فى شرفة حجرته، المطلًَّة على النيل، فى تلك البقعة الساحرة، حتى مالت الشمس إلى المغيب، وبدأ الليل بنسماته الباردة يتسلًَّل إلى المكان...
عندئذ فقط ، شعر ببعض الجوع ..
لم يكن يشعر بالجوع الشديد كالسابق، وكأنما قد فقد شهيته الأسطورية، مع اختفاء (أدهم) و(منى)...
فقط بالجوع ...
الجوع العادى ...
وفى مطعم الفندق، جلس يتناول طعاماً عادياً بسيطاً، وذهنه منشغل بالتفكير، عندما انتزعه من أفكاره فجأة صوت مألوف يهتف:
السيد (قدرى) ... يالها من مفاجأة !
رفع عينيه إلى مصدر الصوت، فوقع بصره على (سالم) ... مهندس نوبى الأصل، يقيم بجوار (أدهم) فى (القاهرة)، فنهض يصافحه، قائلاً:
- مفاجأة حقيقية أن نلتقى هنا يا أستاذ (سالم) .
أشار (سالم) بيده، قائلاً:
- المفاجأة لى أنا يا سيًَّد (قدرى)؛ فأنا آتى إلى هنا كثيراً بحكم نشأتى وبحكم أن عائلتى مازالت تقيم فى القرية النوبية هنا ... ولكن ماذا عنك؟!... أهى إجازة سنوية .
هزًَّ (قدرى) كتفيه المكتظين، وهو يجيب:
- يمكنك ان تقول : إنها إجازة إجبارية .
مال (سالم) عليه، قائلاً:
- ولكنك ستستمتع كثيراً هنا ... الأستاذ (أدهم) كان دوماً يؤكًَّد أن (أسوان) بها سحر خاص، وأسرار لم تكشف بعد .
بدا الحزن على وجه (قدرى)، وهو يغمغم:
- آه ... كان يقول هذا قديماً.
لوًَّح (سالم) بسبًَّابته، وهم يقول:
- ليس قديماً ... لقد سمعتها منه منذ شهر واحد .
اعتدل (قدرى) بحركة حادة، وهو يقول:
- شهر واحد؟!... ولكن (أدهم) و(منى) ...
لم يستطع إكمال عبارته، فبترها دفعة واحدة، مما جعل (سالم) يبتسم، وهو يقول:
(منى)؟!... اتقصد رفيقته المصابة ... لقد نقلها إلى قريتنا، و ...
قبل أن يتم عبارته، اندفعت أصابع (قدرى) لتقبض على معصمه فى قوة، وقلبه يرتجف بين ضلوعه فى عنف...
فما سمعه من (سالم) فجّر كل انفعالاته ...
إلى درجة عنيفة ..
للغاية .
* * *