كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
رجل المستحيل
السلام عليكم
آسفة ع التأخير
الفصل الثانى .... أسوان
ارتفع رنين الهاتف، فى تلك البقعة الساكنة، وسط جبال (سويسرا)، فامتدًَّت يد انثوية ناعمة، تلتقط سمًَّاعته فى رشاقة، قبل أن تقول صاحبتها، فى صرامة لا تتفق مع نعومتها :
- ماذا هناك؟!
أتاها صوت خشن، يقول بالألمانية :
- إنه يبحث عنه بالفعل.
صمتت صاحبة اليد الناعمة لحظات، ربما لتهضم انفعالاً جال بنفسها، قبل أن تقول بنفس الصرامة، وإن امتزجت بها لمحة من القسوة :
- هذا سيقوده حتماً إلينا.
قال صاحب الصوت الخشن، فى غلظة لم يتعمًَّدها:
هل نواصل متابعته ؟!
أجابته، وقد غلبت قسوتها صرامتها:
- بالتأكيد ... إنه ورقتنا الرابحة ... إما أن يثبت أن عدوًَّنا اللدود قد محى من الوجود، أو يقودنا إليه مباشرة.
قال صاحب الصوت الخشن، فى لمحة اعتراضية:
- ولكنك قلت من قبل، إنه لو أراد أن يختفى، فما من قوة فى الأرض يمكن أن تتوًَّصل إليه!.
أجابته فى قسوة:
- هذا صحيح ... ولكن عدوًَّنا يمتلك نقطة ضعف كبيرة، يمكن أن تقودنا إليه ..
وقسا صوتها أكثر، وهى تضيف:
- الإسراف فى حماية أصدقائه...
تمتم صاحب الصوت الخشن:
- لست أفهم .
حملت قسوته رنة ثقة ساخرة، وهى تقول:
- ستفهم ... عندما يتعرًَّض صديقه للخطر.
ولكنه لم يفهم ...
" أعد ما قلته يا رجل..."...
هتف (قدرى) بالعبارة، فى انفعال جارف، وهو يقبض على معصم (سالم) فى قوة، جعلت هذا الاخير يهتف فى توتر:
- سيًَّد (قدرى) ... ماذا أصابك؟!
هتف به (قدرى):
- أعد ما قلته ... متى رايت (أدهم) و(منى)؟!
أجابه (سالم) فى انزعاج، وهو يحاول انتزاع معصمه من قبضته:
- أخبرتك أن هذا كان منذ شهر تقريباً.
شدًَّد (قدرى) من ضغط يده على معصم (سالم)، وهو يقول فى عصبية:
- (أدهم) و(منى) اختفيا، منذ أربعة أشهر .
هتف (سالم)، وقد بدأ انفعاله يتزايد بدوره:
- لست أدرى شيئاً عن هذا ... لقد رايتهما منذ شهر ...
وفجأة، شرد بصره، وهو يقول فى ارتباك:
- أو ربما منذ عام .
ارتفع حاجبا (قدرى) فى دهشة مصدومة، وخف ضغط أصابعه على معصم (سالم) تلقائياً، وهو يغمغم:
- عام؟!... ولكنك قلت ...
قاطعه (سالم)، وهو يقول فى انفعال عجيب:
- كًَّلا ... لقد تذكًَّرت ... كان ذلك بالأمس.
حدًَّق (قدرى) فيه بدهشة كبيرة، وأفلت معصمه بتلقائية، فتراجع (سالم) فى مقعده، وبدا أكثر شروداً، وهو يقول، وكأنه يحدًَّث نفسه:
- أو ربما كان هذا صباح اليوم ... لست أدرى.
بدا الرجل وكأنه يمر باضطراب ذهنى عجيب، فتراجع (قدرى) فى مقعده، وازداد تحديقاً فيه بدهشة أكبر، عندما ظهر أحد موظفى الاستقبال، وهو يقول فى قلق:
- اهدأ يا أستاذ (سالم) ... أنت هنا لتهدأ ... تذكًَّر هذا.
سأل (قدرى) موظف الاستقبال فى توتر:
- ماذا به؟!
أجابه الرجل فى أسف:
- إصابة فيروسية نادرة، أدًَّت إلى اضطراب فى الذاكرة، أشبه بمرض (الزهايمر)، ولكنه مؤقت، وهو هنا كجزء من برنامجه العلاجى.
تراجع (قدرى) مصدوماً، وهو يغمغم :
- اضطراب فى الذاكرة؟!... أتعنى أنه لا يستطيع أن يتذكّر شيئاً؟!
هزًَّ موظف الاستقبال رأسه، وهو يقول:
- إنه يذكر كل شئ، ولكنه يعجز عن تحديد متى وأين حدث الأمر.
غاص (قدرى) فى مقعده بخيبة أمل، وهو يحدًَّق فى (سالم) فى أسف...
لقد تصوًَّر أنه قد عثر أخيراً على طرف الخيط، الذى يمكن أن يقوده إلى (أدهم) و(منى) ...
تصاعد الأمل فى نفسه ..
ثم هوى فى قاع يأسه ...
شعر بتلك الغصة فى حلقة، عندما عاون موظف الاستقبال (سالم) على النهوض، واصطحبه معه؛ ليعيده إلى حجرته، ولكن (سالم) التفت إليه، وابتسم وهو يقول:
- كان من دواعى سرورى أن ألتقى بك أمس يا سيًَّد (قدرى) .
أمس؟!...
الرجل التقى به منذ أقل من الساعة، وها هو ذا يتحًَّدث عن الأمس!!...
إنه مصاب بالفعل باضطراب ذاكرة مؤسف ...
غاص (قدرى) فى مقعده أكثر، على الرغم من جسده الضخم، وبدأ شعور اليأس فى نفسه يتعاظم ...
ويتعاظم ...
و ...
" ولكن لا ..."...
هتف بها (قدرى)، وهو يعتدل فجأة، على نحو ادهش المحيطين به، وانتبه هو إلى هذا، ولكنه لم يبال، وهو يعتصر ذهنه فى انفعال...
موظف الاستقبال قال: إن الأستاذ (سالم) يذكر كل شئ، ولكن ذهنه يعجز عن تحديد التوقيتات ...
و (سالم) تحًَّدث عن (أدهم) ...
و(منى) المصابة ...
والقرية النوبية ...
ووفقاً لما قاله موظف الاستقبال، فهذه كلها حقائق ...
مع خلل فى التوقيتات ...
نهض من مقعده بحركة حادة، جذبت إليه الأنظار مرة أخرى، ولكنه أيضاً فى هذه المرة لم يبال، وهو يندفع نحو مكتب الاستقبال، ويسأل أحد موظفيه فى لهفة:
- كيف يمكننى الوصول إلى القرية النوبية؟!
اندهش الموظف للهفته، ولكنه أجاب فى رصانة:
- عند مرسى الجزيرة، ستجد عدداً من القوارب الاهلية، أياً منها يمكنه أن يذهب بك إلى القرية النوبية، أو مطعم (الدوكا)، أو ...
لم يمهله (قدرى) الفرصة ليكمل حديثه، وإنما اندفع يغادر مبنى الفندق، وأسرع الخطى نحو مرسى الجزيرة، وقد بدا مشهده، وهو يهرول بجسده الضخم، مثيراً للدهشة والمرح، لدى بعض السائحين، ولكنه لم ينتبه إلى هذا، وهو يندفع نحو القوارب الأهلية عند المرسى ...
ولم ينتبه أيضاً إلى ذلك المصوًَّر الألمانى، الذى وقف أمام باب الفندق، وراح يلتقط له عشرات الصور ...
لم ينتبه إلى الكثير ...
الكثير جداً ...
ارتسمت ابتسامة عجيبة، على ملامح الصينية الحسناء (تيا)، وهى تدفع جهاز الكمبيوتر الصغير الخاص بها، أمام صاحبة اليد الناعمة، قائلة:
- هذه الصور وصلت من (مصر) الآن، عبر شبكة الانترنت .
ألقت صاحبة اليد الناعمة نظرة متفحًَّصة، على مجموعة الصور، التى تنقل مشاهد (قدرى)، وهو يجلس مع (سالم)، ثم وهو يعدو نحو المرسى، ويستقل قارباً من القوارب الأهلية، ثم لوًَّحت بيدها، قائلة:
- عظيم ... كل شئ يسير كما توقعًَّته.
غمغمت (تيا):
- مازلت أصرًَّ على أن قنبلتى قد قضت على تلك الفتاة
لوًَّحت صاحبة اليد الناعمة بيدها فى استنكار، فانعقد حاجبا (تيا)، وهى تقول فى حدة:
- لا تنسى أننى محترفة .
حمل صوت ذات اليد الناعمة كل قسوتها وصرامتها، وهى تقول:
- لو ارتفع صوتك فى حضرتى مرة أخرى، لن تصلحى حتى للعمل فى دار للمسنين.
بدا التوتر الشديد على (تيا)، وهى تقول:
- هذا الأسلوب لا يروق لى ...
اعتدلت صاحبة اليد الناعمة، وهى تجيبها، فى قسوة مخيفة:
- هذا لأنك اعتدت العمل مع (سونيا جرهام) ... ولكن الأمور لم تعد كما كانت من قبل، وعليك أن تدركى جيداً أن (سونيا جراهام)، التى اعتدت العمل معها قد لقيت مصرعها، ولن تعود مرة أخرى إلى الوجود.
انعقد حاجبا (تيا) أكثر، دون أن تحاول التعليق، فعادت ذات اليد الناعمة إلى الاسترخاء، وهى تقول بكل صرامة:
- أخبرى (هانز) أن يواصل مهمته، وأن يوافينا بالتفاصيل لحظة بلحظة.
وقسا صوتها مرة أخرى، مع إضافتها:
- لن يمكننى أن أهدأ، قبل أن أحسم أمر (أدهم)، فالأرض لم تعد تحتمل كلانا معاً... أبداً.
وانعقد حاجبا (تيا) أكثر وأكثر....
فما سمعته ورأته، جعلها تدرك أنها تتعامل هذه المرة مع زعيمة مختلفة ....
زعيمة تمتلئ شراً وحقداً ...
إلى أقصى حد ممكن ....
خفق قلب (قدرى) فى قوة، عندما توًَّقف به ذلك القارب البسيط، عند مرسى القرية النوبية، وسط نيل (أسوان) ...
كان المرسى أسفل مجموعة من السلالم الحجرية، التى ترتفع لمسافة كبيرة، حتى مستوى القرية، وعلى الرغم من هذا، ومن جسده الضخم، قفز (قدرى) من القارب فى لهفة، وصعد فى درجات السلم العالية، وهو يلهث فى شدة، حتى بلغ مستوى القرية، فتوًَّقف لاهثاً، يتلًَّفت حوله فى لهفة، وكأنما يتوًَّقع أن يلمح (أدهم) أو (منى)، ثم لم يلبث أن غمغم فى عصبية:
- ها أنتذا هنا يا (قدرى) ... ماذا يمكنك أن تفعل إذن؟!
حار بالفعل فى الخطوة التالية، التى لم يفكًَّر فيها من قبل، ثم لم يجد أمامه سوى أن يتجوًَّل فى القرية، ويسأل كل من يلتقى به عن رجل وسيم، ممشوق القوام، أتى بفتاة مصابة إلى المكان، منذ بضعة أشهر ....
كانت وسيلة عقيمة، من وجهة نظره، إلا أنه لم يكن يملك سواها ...
ولقد بدأت نفسه تمتلك باليأس، مع الردود السلبية التى تلقاها، وفكًَّر جدياً فى العودة بخفى حنين إلى الجزيرة، و ...
" نعم ... إننى أذكر هذا ..."...
قالها صاحب ركن صغير، لبيع الأقنعة النوبية، فخفق قلب (قدرى) فى قوة، وهو يهتف بمنتهى اللهفة:
- حقاً؟!...
كان من الواضح أن الرجل يعتصر ذهنه، وهو يقول فى بطء:
- لقد وصلا مع مغيب الشمس، على عكس كل السائحين، وربما لهذا أذكرهما ... المرأة كانت تعانى بشدة، حتى أن الرجل حملها على ذراعيه، وكان مشهده، وهو يصعد فى درجات سلم المرساة، حاملاً إياها، بكل الحب والحنان، أشبه بأفلام السينما، و ...
قاطعه (قدرى) فى لهفة:
- وأين ذهب بها؟!
أشار الرجل بيده إشارة مبهمة، وهو يقول:
- أذكر أنهما قضيا أسبوعاً، فى منزل يمتلكه (حامد إبراهيم) .
هتف به (قدرى)، وقد بلغت لهفتة مبلغها:
- وأين أجد (حامد إبراهيم) هذا ؟!...
ابتسم الرجل، وهو ينظر إلى ما خلف كتف (قدرى)، مجيباً:
- خلفك .
استدار (قدرى) بحركة حادة، ثم تراجع فى دهشة ...
فالواقف خلفه، يتطلًَّع إليه فى تساؤل، كان نفس الرجل، الذى دفعته كلماته للقدوم إلى القرية النوبية ...
كان الأستاذ (سالم) ...
شخصياً...
رفع مدير المخابرات المصرية عينيه، مستقبلاً نائبه، الذى تطلًَّع إلى بعض الأوراق بين يديه، وهو يقول:
- لقد نفذت ما طلبته يا سيادة الوزير، وطلبت من قسم المتابعة فرزاً لكل قوائم السفر والوصول، فى كل المنافذ المصرية، خلال ألأشهر الأربعة الماضية.
سأله المدير فى اهتمام:
- والنتيجة ؟!..
لوًَّح النائب بالأوراق، قائلاً:
الفحص الأوًَّلى لم يسفر عن شئ، ولكن قسم المعلومات وجد اسماً واحداً، فى
قوائم الوصول، فى مطار (الغردقة)، ورد فى أحد تقارير عمليات سيادة العميد (أدهم).
سأله المدير، وهو يعتدل على مكتبه، فى اهتمام أكبر:
- وما هو؟!
وضع النائب الأوراق أمامه، وهو يجيب:
- عجوز فرنسية، تدعى (جوزفين رينيه)، ورد فى تقرير قديم لسيادة العميد، أنها عالجت التهاباً غير قابل للشفاء فى ساقه، عندما أصيب فى (مارسيليا)*
اعتدل المدير، هاتفاً:
- آه ... تلك الغجرية الفرنسية... (ن-1) قال: إن لديها وسائل مذهلة لشفاء الإصابات.
أجابه النائب بنفس الاهتمام:
- المهم أن تاريخ وصولها إلى (مصر)، هو اليوم التالى لإصابة سيادة العميد، والرائد (منى توفيق)... والأهم أن تذكرة سفرها، وتكاليف إقامتها فى (مصر)، سددًَّتها مؤسسة (أميجو) فى (نيويورك).
تألًَّقت عينا المدير، وهو يقول فى انفعال:
- مؤسسة (أميجو)، التى يمتلكها (أدهم)؟!*
أومأ النائب برأسه إيجاباً، وهو يغمغم:
- بالضبط .
بدا المدير شديد الانفعال، وهو يتطلًَّع إليه، قبل أن ينهض من خلف مكتبه، ويتجه نحو النافذة، المطلًَّة على الفناء، ويتطلًَّع عبرها فى صمت، فتساءل النائب فى حذر:
- هل تراودنا الفكرة نفسها يا سيادة الوزير؟!
واصل المدير صمته لحظات، ثم التفت إليه، مجيباً:
- ألديك تفسير آخر؟!
ثم عاد إلى مكتبه، وهو يضيف:
- (منى) أصيبت إصابة بالغة، وهناك شكوك فى أنها قد بقيت على قيد الحياة بعدها، وفى اليوم التالى وصلت (جوزفين) ... أو (جوزى)، كما أسماها (ن-1)، والتى وصفها بأن لديها أسلوباً مدهشأً، فى علاج الإصابات غير القابلة للشفاء، وموًَّلت رحلتها مؤسسته فى (نيويورك)، فماذا يمكن أن تستنبط من كل هذا؟!
لم يحر النائب جواباً، فتابع المدير فى اهتمام:
- وكم بقيت (جوزى) هذه فى (مصر)؟!
أجابه النائب، مشيراً إلى الأوراق:
- أسبوعاً واحداً يا سيًَّدى، لم يتم تسجيلها خلاله فى أى فندق رسمى، ولا أحد يعلم أين أقامت بالضبط، فيما عدا ليلتها الاخيرة، التى قضتها فى أحد الفنادق الفاخرة فى مدينة (الغردقة)؛ لتستقل الطائرة العائدة إلى (باريس)، فجر اليوم التالى.
عقد المدير حاجبيه، وقال:
- وفقاً لما أذكره، لا توجد طائرات تقلع من مطار (الغردقة) إلى (باريس)، فى تلك الساعة المبكًَّرة.
أجاب النائب فى سرعة:
- إنها طائرة خاصة يا سيادة الوزير.
لوًَّح الوزير بسبًَّابته، وهو يقول:
- دعنى أخمًَّن ... إنها ملك مؤسسة (اميجو) أيضاً... أليس كذلك؟!
أومأ النائب برأسه، مجيباً:
- بلى يا سيادة الوزير.
ضرب الوزير سطح مكتبه براحته، وهو يقول فى ضيق:
- كيف فاتنا أمراً كهذا.
أجابه النائب:
- لأننا كنا نتابع قوائم السفر، عبر كل المنافذ يا سيادة الوزير، وليس قوائم الوصول.
هزًَّ المدير رأسه فى ضيق، ثم قال فى حزم:
- معرفة مصير (ن-1) والرائد (منى)، تعتمد إذن على أمر واحد .
وانعقد حاجباه، وهو يضيف فى صرامة:
- أن نعثر على (جوزفين رينيه) هذه ... وبأى ثمن .
اعتدل النائب، وشد قامته، فى وقفة عسكرية اعتادها، وقد بدا له أنهم أخيراً، التقطوا طرف خيط، يمكن ان يقودهم إلى (أدهم)...
طرف خيط ...
حقيقى ...
منذ وصل القارب، الذى يقل (هانز جريشن)، رجل ذات اليد الناعمة، إلى القرية النوبية، حتى حمل آلة التصوير الخاصة به، وراح يتجوًَّل فى القرية، بحثاً عن (قدرى) ...
كانت الأوامر التى تلقاها، تحتم عليه تعقًَّب كل خطوة يخطوها هذا الاخير ...
كل خطوة ...
بلا استثناء...
ولم يكن العثور على (قدرى) عسيراً...
فمع حجمه الضخم، وصغر المساحة السياحية بالقرية، كان أشبه ببقعة من الحبر، على صفحة ناصعة البياض ...
ولقد عثر عليه (هانز)، بعد دقيقتين فحسب ...
وفور عثوره عليه، رفع آلة التصوير الخاصة، التى يحملها، وبدأ يتظاهر بالتقاط الصور للمكان ...
ولكن آلة التصوير لم تكن آلة عادية ...
لقد كانت مزودًَّة بنوع شديد التطوًَّر، من ميكروفونات الليزر يمكنه التقاط الأحاديث الصوتية، من مسافات بعيدة جداً...
أما عدستها، المصنوعة من زجاج خاص مضغوط، فكانت لديها القدرة على التقاط الصور، عبر مسافة شاسعة، على الرغم من حجمها الصغير، الذى لا يوحى بهذا ...
وبمنتهى الدقة، راح يرصد لقاء (قدرى)، مع صاحب ركن الأقنعة النوبية، ويسجًَّل كل حرف ينطقان به ...
وعلى الرغم من درايته المحدودة باللغة العربية، فقد أدرك أن الحديث الذى يتبادلانه، قد أثار اهتمام وانفعال (قدرى) بشدة ...
وأدرك أن هذا سيرتبط حتماً بالهدف، الذى يسعى (قدرى) خلفه ...
وفى اهتمام، غمغم :
- يبدو أن الملكة كانت على حق .
التقطت آلة التصوير ذلك الرجل، الذى يرتدى جلباباً أبيض ناصعاً، والذى بدا وكأنه يسير نحو الرجلين مباشرة ...
ثم رأى صاحب ركن الأقنعة يشير إلى الرجل ذى الجلباب الأبيض الناصع ...
ورأى (قدرى) يلتفت إليه فى انفعال، ثم يتراجع فى دهشة ...
وعندما أدار الرجل وجهه، لم تقل دهشة (هانز) عن دهشة (قدرى) ...
فقد كان هذا هو الرجل نفسه، الذى رصد حديثه مع (قدرى) فى الفندق ....
الرجل الذى تركه خلفه هناك، والذى يستحيل أن يصل إلى الجزيرة، ويستبدل ثيابه بهذه السرعة!!....
من المستحيل تماماً!.
* * *
|