كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
8 ـ لن أدخـــل سجنك
ولاحظ روبرتو هذا متجهماً .
بعد الغداء , جلسا معاً يستمعان إلى الموسيقى . . . وأحست
جيني بنعاس غريب , فتكورت إلى جانبه كالقطة . رأسها مشدود
إلى صدره بيده . . . ولطالما كان هذا ملاذاً لا يخيب بالنسبة لها .
عندما استيقظت , لم تجد روبرتو قربها فقد وقع رأسها بكل
لطف فوق الوسائد , والغرفة معتمة بنور بعد الظهر المتأخر . وفجأة
سمعت صوت الطائرة من بعيد , فنهضت بسرعة , ومن النافذة
أخذت تراقب الطائرة تدور في دوائر فوق الجزيرة قبل أن ترتفع
وتختفي في السماء الزرقاء . إذن لقد رحلت الممرضة , وستكون
إيفا هنا بعد لحظات .
وخرجت إلى الردهة , وفتح الباب الخارجي وتناهى إليها
صوت روبرتو يتحدث الإيطالية بسرعة , وفي نفس اللحظة دخلت
إيفا . صغيرة , مرتبة , قلقة العينين , ولرؤيتها جيني ابتسمت فوراً ,
ومدت ذراعيها :
ـ يا عزيزتي ! هل اندهشت لرؤيتي ؟ أنا المندهشة لوجودي هنا .
ولكن روبرتو اتخذ هذا القرار السريع . . . كانت رحلة متعبة . .
مررنا بعاصفة كهربائية فوق المحيط . وأخذنا نعلو ونهبط ككرة
مضرب . ولكن أندرو تمتع بكل لحظة من الرحلة , لقد ظن أنهم
يفعلون هذا لأجله . . .
اختفى صوتها عندما شحب وجه جيني , وضغطت بيدها على
قلبها وكأنها تتألم . . ثم همست :
ـ ألم تكوني على علم . أوه . . . جيني !
دخــل روبرتو من الباب , والصبي على كتفه , يضحكـان . عينا
الصبي كعينا أبيه , ويداه تداعبان شعره .
ونظــرت جيني إلى وجه روبرتو بوحشية :
ـ لعنة الله عليك !
ثم استدارت وركضت تصعد السلم , وأقفلت باب غرفتها .
وجاء إليها فيما بعد ليقرع الباب , ولكنها لم ترد . كانت مستلقية
في فراشهــــا ترتجف . يدها فوق فمها والغرفة ظلاماً . وصـــــاح
بها آمـــراً بحــدة :
ـ افتحــــي الباب !
في مكان ما من المنزل سمعت ضحكة الصبي , بابتهاج على
طريقة الأطفال . وكأنما أحد يزكزكه , وعضت جيني أصابعها
محدقة في الظلمة . . . وسمعت روبرتو يطلق تهديداً فارغاً :
ـ هل أكسـر الباب ؟ أنت تتصرفين كالأطفال وحق الله !
فردت بصــوت عميق أجـش :
ـ اذهب من هنا .
ومرت لحظـات صمت , وكأنما رنة صوتها أذهلته , ثم تكلم
بلهجة مختلفة , لطيفة , متملقة :
ـ كان يجب علي إخبارك . . . أعلم . كانت صدمة لك . وأعلم
هذا أيضاً ولكنني كنت أخشى أنك لو عرفت لحاولت الهرب في
الطــائرة .
وردت عليه بنفس اللهجة :
ـ كذاب ! ما كنت لتسمح لـي بالاقتراب منها .
وصدر صوته من بين شقي الباب , وبصوت ناعم :
ـ افتحي الباب . . . من السخف أن نتحدث معاً عبر باب
موصد . أتريدين أن يسمعنا من في المنزل ؟
ـ لست أهتم . . . فليسمعوا . . . ولماذا آبه للأمر ؟
ـ سيزعج هذا أمــي .
ـ أمك ؟ إنها تعرف حقيقة شعوري تجاه الصبي . هل قلت لها
إنني أصبحت الآن عشيقتك لا زوجتك, أم لا لزوم لأن تعرف ؟
هذا ما كنت تريده منذ البداية يا روبرتو . . أليس كذلك ؟ أنا لم أكن
يوماً بمستوى أن أكون من آل باستينو . . . ولكنت أغويتني أصــلاً
دون زواج مني لو استطعت . . . ولكن لدي أب يهتم بما يحصل
لي . وكان يحميني أكثر مما كنت تتصور فلم تجرؤ على نيل ما
تريده دون زواج . وكان يناسبك أكثر لو أن لا أب لــي .
كانت تصيح , صوتها شخن , مليء بالألم والغضب . . فتمتم
بصوت منخفض بالكاد سمعته :
ـ لا تقولي هذا .
ـ لا أقول الحقيقة ؟ لماذا جئت بي إلى هنا إذن ؟ هل أحسست
بحاجتك إلي ثانية ؟ صحيح روبرتو ؟ وهذه المرة لست مضطراً
لسخافة الزواج . . ما عليك سوى أن تمد يدك وتأخذني . . .
وتوقفت كلماتها الغاضبة , الشرسة , المريرة , وسط اختناقها
بالدموع . ودفنت وجهها بين يديها .
وضــرب بقبضتيه على الباب فاهتز :
ـ افتحــي الباب !
ولم ترفع رأسها . . . بل همست بخشونة :
ـ إذهب إلى الجحيم !
ســاد الصمت , وعرفت أنه ابتعد . وبقيت مستلقية كما هي
والعتمة تزداد كثافة . وتوقفت ضحكات الصبي . . وتساءلت ماذا
يفعل روبرتو الآن . وعلمت أنها تتصرف بغباء , ولكنها لم تكن
تستطيع منع نفسها . . . ما كان يجب أن يأتي بالصبي إلى هنا .
|