المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
قصة بلا عنوان ...............
وضع النادل كوبي الشاي امامنا ..
كان صاحبي مرسي يرمق الطريق .. فى حين نظرت انا الى النادل قائلا :
- شاى ثقيل ...
قال :
- نعم يا استاذ .. والاستاذ الاخر شاى مضبوط .....
قلت وانا انظر اليه فى ثبات :
- انا لست استاذا ...
ارتبك وهو يقول متراجعا :
- عفوا لم اقصد اى اساءة ...
وذاب داخل المقهى الذى كنا نجلس خارجه نراقب الطريق
انا وصاحبى .... تناول صديقى مرسي كوب الشاى وهو يقول :
- لم ياتى بعد ؟
- سيأتى .. المهم ان نكون مستعدين لوصوله ...
نظر لى فى تعجب ثم قال :
- مستعدين !! نحن دائما مستعدين ..
- تكلم عن نفسك ....
قلتها وانا انظر الى داخل المقهى .. كان النادل هناك .. يناول
زبونا كوب من القهوة وهو لا يكف عن النظر الينا خلسة ...
فاذا التقت عينانا اجفل .. وصرف بصره بعيدا ...
- ماذا دهاك يا حلمي ؟
تحسست ذقنى الخشنه كما يحلوا لى دائما حينما اشعر ان شيئا ما ليس على ما يرام
قبل ان اقول لمرسي فى اقتضاب :
- هذا النادل لا يريحني ...
- هذا النادل ليس موجودا على القائمة ... انت موسوس اكثر من اللازم
ولا تبدو بحالة جيدة ..
رشفت رشفة من كوب الشاى .. وانا افكر ( لماذا يبدو كوب الشاى بريئا
اكثر من اللازم ..) قلت لحلمى :
- انا فعلا لست بحالة جيدة .. منذ الامس .. كنت اشاهد احد البرامج الدينية...
قاطعنى انفجار حلمى فى الضحك بصورة ملفتة للنظر .. فنظرت اليه نظرة صارمة
بمعنى (اخرس الان) ... فوضع كفه على فمه بمعنى ..( اننى احوال ذلك ...)
اخيرا قال وقد دمعت عينه من اثر الضحك :
- حلمى انت كنت تتابع برنامجا دينيا امس ... !!
- نعم يا احمق .. وماذا فى هذا ... .؟
لوح بكفه قائلا كانما يخاطب معتوها :
- لا شئ بالمرة .. اكمل ...
- لا تعجبنى تلك اللهجة .. هل تخاطب معتوها ..؟
- لا ..بل سيد الرجال ...
كنت بحاجة الى ان افرغ ما عندى على اذن احدهم .. نوع من الفضفضة
التى لا الجا اليها الا كل ثلاثين سنة تقريبا .. صحيح ان مرسي هو اخر
شخص يمكنك ان تفضفض معه .. لكن .. لم يكن لى خيار ...
- كان هناك احد الشيوخ يتكلم عن قصة رجل قتل تسعة وتسعين نفسا
ثم اراد ان يتوب .. فعرقله احدهم عن التوبة فاكمل به المائة ...ثم قابل
احدهم فنصحه اذا اراد ان يتوب ان يترك البلدة التى عصى فيها ويذهب
الى مكان اخر نظيف .. وفعل .. ومات وهو فى الطريق .. لكن الله غفر
له لانه نوى التوبة الصادقة ...
ابتسم مرسي قائلا فى غموض :
- نعم نعم .. سمعتها مرة وانا صغير ... – ثم مال على كتفى مكملا – حلمى
لا تخبرنى انك تريد ان تتوب الان .. وهنا ..
- لا ليس الان نحن تعاقدنا مع العميل وتقاضينا مقدم اتعاب .. لكننى انوى ان تكون
تلك العملية هى الاخيرة ... واتوب ...
- تبا .. هل تمزح ... لا تقل لى ان قلبك المشكوك فى وجوده اصلا قد لان ...
- انا ايضا كنت اظن انه غير موجود .. حتى امس ... انظر الينا يا صديقى
اى حياة تلك التى نحياها ... نحن نقتل الناس كأننا نقلي بيضة ...
كان مرسي حائرا .. هل انا صادق حقا .. ام ان فى الامر خدعة ... قال فى
سخط :
- ماذا تحاول ان تثبت لنفسك .. لنكن واضحين ...
قلت بقرف :
- انت ابله .. لا فائدة من الحديث معك .. لنمضى فى عملنا المقزز هذا ..
ولتنسى بعدها انك قابلتنى يوما ما ....
- ان كنت تنوى التوبة فعلا .. اترك لى المهمة .. وبقية اتعابك كذلك ...
ابتسمت فى مقت وقد فهمت ما يرمى اليه :
- قلت لك .. انت ابله ... انا بحاجة الى المال لكى ابدا من جديد ...
- هذا المال ملوث بالدماء ... ولن تصح به توبتك ...
- سيغفر لي الله ..
- من ادراك .. ثم انك لم تقتل بعد تسعة وتسعون نفسا .. حتى تشرع فى التوبة
هذا شرط .. لابد ان تصل لرقم التسعة والتسعون ... انت لم تفهم القصة ...
لم يعجبنى هذا الرد .. فلكمته فى كتفه وانا اقول بصوت حاولت ان يكون منخفضا :
- افهم ايها الحمار الكبير .. انا قتلت اناس كثيرون .. لعلى تجاوزت هذا الرقم
بمراحل .. المشكلة اننى اخشى الا تقبل توبتى لاننى تجاوزت الرقم المحدد ...
قال مرسي فى تشفى :
- هل رايت .. لا فائدة من توبتك يا احمق ..
هنا تذكرت .. فقلت بسرعة :
- لا لا .. الرجل الذى نصح الرجل القاتل .. قال له انه لا شئ يحول بين المرء
وبين التوبة .. اذن فمازالت هناك فرصة .. لى ولك ايضا ..
- دعك منى انا لا اجيد اى عمل اخر سوى القتل .. تلك مشيئة الله .. ولا فكاك منها ..
ويبدو اننى ساموت عليها ...
قالها ثم تناول كوب الشاى لياخذ منه رشفه .. هنا رايت الاحمق يشهق .. ثم الشاى
يخرج من فتحتى انفه .. كوب الشاى يسقط على الارض محدثا دويا مزعجا ..
وشظايا زجاج تتناثر هنا وهناك مع الشاى الساخن ... هنا تحول المشهد الى كابوس
مرسي يجاهد كى يلتقط انفاسه وعيناه الجاحظتان تقولان لى (افعل شيئا يا احمق )..
قلت له بلا مبالاه وانا ارشف الشاى :
- ينبغى عليك ان تتعلم كيف تكتم انفاسك وانت تشرب ...
- حلمي ... اا ..افعل .. شيئا .. اننى .. اموووت ....
قالها وسقط راسه على المنضدة الصغيرة التى يوضع عليها المشروبات ...
***
احتجت الى دقيقتين كى افهم ان مرسي قد مات .....
كان هناك عدد لا باس به من رواد المقهى .. قد التفو حولى وحول جثة
مرسي ... المشكلة اننى لا افهم كيف يقرر احدهم ان يموت هكذا من دون
طعنة بين لوحى الكتف .. اوطلقة رصاص تخترق جمجمته .. او اى شئ من
هذا القبيل .. اما ان يموت وهو يحتسي الشاى .. هذا هو ما لا افهمه ..(لكن
اين النادل الوغد من كل هذا )
كانت تلك ضربة قاضية لى .. ودرسا لا ينسي ... هكذا نموت فى لحظة ..
- لا حول ولا قوة الا بالله ...
- انا لله وانا اليه راجعون ...
هكذا انهالت على العبارات المواسية والمستغربة .. لكن لم يكن لدى الوقت
الكافي لهذا .. مرسي مات .. وسيصبح نصيبه من الاتعاب حقا لى .. لاننى
ساقوم بالمهمة بمفردي .. اليس هذا خبرا سارا ...وتاملت وجه مرسي
الخالى من الحياة .. رحمك الله يا مرسي .. كان يبدو افضل وهو ميت
هنا لمحته ....
كان قادما ناحية المقهى وقد لفت انتباهه احتشاد الناس ....
اخرجت صورته من جيب سترتى .. انه هو ... طويت الصورة والقيتها
جانبا .. وفى جيب سترتى الاخر كانت يدى تطبق على مقبض المسدس النائم
هناك .. حان وقت الاستيقاظ والعمل يا صاحب العمر ...
التقت عينانا ..لكنه لم يكن متوقعا ما ينتظره .. وسمعت احدهم يواسينى :
- تجلد يا استاذ .. كلنا لها ...
نظرت اليه فى حقد .. وخرجت الكلمات من بين اسنانى ملتهبة :
- انا لست استاذا .. انا قاتل لعين ........
وقبل ان يفهم اى احد اى شئ ... دوت الطلقات .. وانبطح الكل ارضا
.. اما هو فكان ينظر الى ثقبين قبيحى المنظر فى قميصه الابيض
الناصع .. ثم ينظر الى محاولا ان يقول شئ ... لكننى ضغطت على
الزناد مرة ومرة ... حتى لا اسمع ما يقول ... كان الصراخ والصياح
يعم المكان .. ولم يجرؤ احدهم على الاقتراب منى ... كنت الوح بالمسدس
الذى تفوح مه رائحة البارود والدخان يفعم انفى ... كنت اصيح بهيستيريا :
- هيا يا حمقى .. لقد انتهى كل شئ ... ويمكننى الان ان اتوب .. واصبح
رجلا شريفا ... واحيا حياة شريفة ....
هنا دوت الطلقة .. نظرت الى مسدسى فى دهشة .. من اين انطلقت تلك الرصاصة ..
هنا فهمت .. وعندما استدرت للخلف تلقيت الرصاصة الثانية .. وتكومت على الارض
بين المقاعد ..كنت اتامل الان مطلق الرصاص ... كان النادل يحشو مسدسا بدائيا مزدوج الماسورة ...
كان هناك الكثير من الدماء تلوث ارضية المقهى .. لكنها دمائى هذة المرة ..
وبدا الدوار يكتنف
راسى ...لم يكن هناك غيرى وغيره .. الكل فر من الجحيم .. وسمعت صوته يهتف وقد انتهى من حشو مسدسه :
- بقية الاتعاب ستكون من نصيبي .. انا .... نحن ابناء كار واحد .. لكن لا تؤاخذنى ..
وصوب ناحيتى مسدسه البدائي ولمحت فى عينيه نظرة ذئب جشع وهو يكمل :
- لو كنت مكانى لما كنت ترددت ...
كنت اعرف تلك النظرة جيدا ...وافهمها واجيدها كذلك ... لكننى كنت غاضبا جدا
كما لكم ان تتصوروا .... والغبي لم يفهم اننى لم اتخلى بعدعن مسدسى ..
بانج .. بانج .. بانج ...
ثلاث طلقات متتابعات ...
خرجت من مسدسى ....
ولمحت النادل يلقى بمسدسه وهو يتلوى ويطلق السباب ....
زحفت ناحيته .. بجهد شاق ... وامسكته من شعر راسه
وقربت راسه من فوهة مسدسى ... كنت اجاهد كى اتكلم ....
- من استعان بك علينا ....
قال وهو يرتجف كورقه :
- نفس من استعانوا بكم عليه ....
ضغطت بفوهة المسدس على جبهته فى غيظ واصبعى السبابة يتردد فى
اعتصار الزناد .. لكن ...
هنا القيت المسدس جانبا .. واستلقيت على ظهرى .. لم انسى ركل مسدس
النادل بعيدا حتى لا يفكر فى حماقة تجعلنى اقتله ... وسمعته يلهث الى
جوارى وهو يقول :
- لماذا لم تفعلها ... ؟
نظرت اليه .. وبدت صورته تهتز امامى .. لكننى استجمعت ما بقى لى
من قوة كى اتكلم :
- ماكان يجب لي ان ارى الموت بعينى .. حتى افهم ... واتوقف عن القتل ..
كانت ابواق سيارات الشرطه والاسعاف قد بدات تتعالى
فى حين عض النادل شفتيه فى حنق والم وهو يقول :
- يا احمق .. من سيأخذ الاتعاب الان .. ضيعتها علي وعليك ....ليست
هذة اخلاق اولاد الكار ...
ضحكت حتى سعلت وتناثرت الدماء من بين شفتى ... قبل ان اقول فى
سخرية مريرة :
- هذا حمار اخر .. لم يفهم بعد .....
كان دوى سيارات الشرطة والاسعاف يتنامى الى مسامعى وارتسمت
ابتسامة ارتياح شاحبة على وجهى وانا اغوص
بوعيي فى غيبوبة لا ادرى هل سافيق منها ام ........
***
تمت ....
|