الجزء الواحد و الثلاثون :
*
*
*
القطارات لا تحتار فا سككها لا تهاجر
و المطارات لا تنام فدوما هناك مغادر ..
*
*
*
في كل الليالي التي مضت كان الحزن يهدهدني على فراشي الذي مل تواجدي به لساعات طويلة مستلقية كأني أنتظر سفينة فضائية تنتشلني لعالم أبعد عن عالمي بمئات الساعات الضوئية ...
فا في الليل تستيقظ مخاوفنا و في الظلام تتضخم أصوات الماضي
و يبدوا كل شيء أكبر و أوسع بمساحات لا تقاس في العتمة ..
و هذه الليلة على وجه الخصوص وصل حزني لذروة و ها هو
المخاض يبدأ من دون أن يمهلني لاستجماع قواي , فقد تسللت من فراشي مجبرة كأن هناك صوتا خفيا يناديني لأتبعه , متخبطة أكاد أتعثر با خوفي لأصل بعد أن تحاملت على ألمي و نازعت تلك العبرة المتضخمة التي ترفض أن تعتق مجرى التنفس , لأجدها هناك ملقية بنفسها بين كومة أثوابه و بعض أشياءه , تستنشق رائحته و تزفر الوجع .. لتتهاوى جدران قلبي أمام ما رأيت و ذلك الخيط الرفيع الذي تعلق به أنقطع ... و وقفت مهزوزة أقاوم الانهيار أمام قامة لتو تساوت مع الأرض ليتزن الميزان و تتفق النهايات !
*
*
*
فينوس تسارع لوالدتها التي تخنق نحيبها بثوب الراحل : يمه تعوذي من الشيطان , أطلبي له الرحمة و لا تعذبين نفسج ..
أم عذبي تلقي برأسها على صدر فينوس و بصوت منكسر : شلون ما حسيت فيج ؟ .. شلون قسيت عليج و أنتِ قلبج كان قدامي يتقطع
فينوس تتمالك نفسها : و هذا أنا قدامج أتنفس.. و محد يموت من فقد أحد.
أم عذبي بصوت مبحوح و أشبه للأنين تهمس : ها الكلام رددته على نفسي بس كل ما شفتج ضعفت عزيمتي ..
فينوس تبتلع الغصة : اللي راح ما يرجع لو ناديتيه بأعلى الصوت و بللتي أثيابه بدموعج ..
أم عذبي تتأمل فينوس بحنان غير مسبوق : لج ممكن يرجع .. للحين قدامج فرصة .. لا تتعبين قلبج بكبرياء بيعجزج قبل وقتج ..
*
*
*
دوما كنت أضغط عليها لتعود إليه لسبب واحد يتعلق بي , اعتقدت أنها نسختي التي ولدت بعدي بسنوات و عليها أن تمشي في أثري حتى لا تضيع , أردت لها أن تكون زوجة قبل أن تكون امرأة أو أم أن تكون أمام المجتمع مقبولة و يكون هناك شخص يشعرها بأنها محبوبة أين كانت دوافعه .. و تخطيت كل الإشارات التي وضعتها أمامي و رفضت أن أقف أو حتى أتمهل و أحاول أن أفهم أن كل ما تريده أبنتي أن تخرج من عباءتي حتى لا تكرر أخطائي فا أنا لم أنجح و أن بدا للكل أني ناجحة !
لم أفكر من قبل أن أبنتي تستحق أن تحترم !
لم افكر من قبل أنها تستحق أن تجد من يحبها لشخصها و إن لم تجد فا يكفي أنها ستحظى با حبنا غير المشروط لها ...
لكني دوما رهنت نجاحها بمقاييسي ... و لم أشعر أنه سيرضينني كا أم أن تكون أبنتي المرأة التي انتهت وحيدة ! .. لم أبرر لها أو أجد سبب لوحدتها التي تتصل بمعرفتها لقيمتها الحقيقية و رفضها التهاون أو الغش في وزنها من أجل عاطفة كبلتها أو خوف أسرها !
فينوس من دون أن أدرك تعلمت من تجربتي الكثير ... و عرفت أنها ليست فقط وجه قبيح !
*
*
*
منذ أن كانت لي ضفيرة و أتسلق تلك الشجيرة التي زرعها والدي
قبل أن أولد و أنا واعية لكل ما يحدث !
كنت أعرف أنها كانت تمارس جلد الذات من دون أن تدرك ..
حيث جعلت نفسها فار تجارب لتتراكم النظريات الفاشلة على طاولتها المستديرة !
لا تبكي والدتي على رجل أحبها بل على رجل هي أحبته و أرادت أن يحبها با المقابل !
والدتي تبكي مشاعرها المهدورة و كل أحاسيسها المذبوحة , و كل العمر الذي أمضته تحاول أن تتأكد بأنها أصبحت في حياته حقيقة جميلة !
والدتي فهمت اليوم أنها قبحت نفسها بعينيه و دفعته عنها عندما كانت تحاول التمسك به !
............................................................ ...........
*
*
*
منذ أن اندسست بفراشي بعد صلاة الفجر و أنا أحملق با السقف , حاولت أن أنام لساعة قبل أن أبدأ نهاري لكن محال .. النوم غادرني و يرفض العودة ! ..
بالي جدا مشغول .. و لدي قائمة من الأحداث التي تحتاج مني تحليل فهذا الشهر الذي مر سريعا علي كان مليئا با الأحداث التي لم أستطع تفسيرها ! ...
و فيه كان مجمل التغيير ! ..
متقلب .. مزاجي .. شخص غير اعتيادي بصفاته المقيتة !
لا .. لم أكرهه .. با الطبع لم افعل و لن أفعل !
و نعم .. مشاعري له ما زالت على حالها و هذا لب المشكلة !
عندما زرتهم قبل شهر لم يخفى علي محاولته الاقتراب و المبادرة با السلام لكنه با لطبع تراجع و اكتفى "بنحنحه" لتنبيه عند مروره با القرب من مجلس النساء , و أمه الطيبة التي كانت منه جدا منزعجة بادرت با الاعتذار مني و أخبرتني أنها نبهت على كل أبنائها أن يغادروا المنزل حتى أشعر براحة ..
ليلتها عدت للمنزل و سارعت لكمبيوتري لأجد ما كنت أنتظره !
" يبدوا أنكِ عندما غادرتِ تركتي خلفك عطرك , حاولت لملمته و تخزينه في رئتي حتى أتنفس .. لكنه هرب مني في لعبة اختباء بدأت من مغيب الشمس و لم تنتهي حتى الآن .. و للأمانة أشعر بذنب لمواصلتي ملاحقة عطرك .. فأي حق أملك فيه ؟ .. "
وددت لحظتها أن أترك ردا سريعا أخبره أني موافقة , أليس فيما كتب تلميح برغبته الجدية في الزواج مني .. لكني تراجعت و حدثت نفسي أن لا أتسرع و أن لا اسمح له أن يجرني لملعبه , التواصل عبر هذه الوسيلة ستكون نقطة ضدي حتى لو كنت متأكدة من جديته , و هكذا فعلت ...
بعدها با أسبوعين أهدتني ديمة السيارة التي كنت جدا بها سعيدة و التي اتجهت بها سريعا لهند حتى تكون دانة أول من يركبها , و يكون هو أول من يهنئني أو هكذا حلمت ! .. لكن مصادفتي له أمام منزلهم أربكتني و با الأخص عندما استجوبني بوقاحة !!!
*
*
*
سند أنتبه لسيارة التي تطابق موديل سيارته التي باعها لعلي : متى شريتيها ؟
أنفال و على خديها بانت حمرة الخجل : ما شريتها .. جتني هدية
سند بعد صمت قصير : هدية ! .. و سيارة !! .. هدية بايخة ! .. في احد يهدي سيارة موديلها انتهى من قبل سنتين ؟!
أنفال المصدومة ردت بحرج مبررة : لو جديدة ما قبلتها .. و بعدين بنت خالي شافت اني محتاجه لسيارة و اهدتها لي .. المهم الفكرة ..
سند بتهكم : بنت خالج !!!
*
*
*
ترك دانة بين يدي كأنه يرمي بها علي و رمقني بنظرة مستهزئة أرقتني لليالِ طويلة في ساعتها الثقيلة كنت أحاكم نفسي وأبحث عن خطأ و با الأخص و أنا أقضيها أمام شاشة الكمبيوتر أحدث صفحته التي أعتاد أن يكتب بها لي .. ليقتلني تجاهله !
*
*
*
مزاجي منذ مدة معكر و تبدأ هذه الحالة منذ بزوغ الشمس حتى غروبها و تنتهي بأرق ليلي أدمنته !
لم أولد بهذا المزاج الصعب و لم يعرف عني التجهم مع إشراقه الصباح , و لست كائنا ليليا و لا أعشق السهر , لكن هذا المزاج يرافقني منذ شهر , منذ أن بعت بكل حماقة سيارتي التي ادخرت كثيرا لاقتنائها و استبدلتها بسيارة اقتصادية لأوفر لها المهر !.. لأكتشف أنها قبلت سيارتي هدية بعد أن قام هو بتغيير لونها و إزالة كل الملحقات التي قضيت ساعات طويلة و جهد مضني لتركيبها بيدي , و للأسف تمادت أمامي با الكذب و ادعت أنها هدية من ابنة خالها !! .. لكن حقا .. من منهم أشتراها أو من منهم أهداها ؟!!.. علي أم أصيل ؟..
عندما أخبرني علي أنه سيشتريها مني ليهديها لشخص عزيز على قلبه لم أتصور وقتها أي شخص إلا عندما عرفني بأصيل و طلب مني تسجيلها باسمه لكنه من سيدفع الثمن !!
لكن عندما تباهت بها أمامي احترقت , إذا هكذا كان الأمر .. لعبة !!
.. هل أرادت أن تضعني بموقف مخجل حتى لا أرى نفسي في موقف أفضل عندما أتذكر أخطائها هي و ابنة خالها البلهاء ؟!!
آو أحبت أن تستمتع بمغامرة عاطفية و عندما وجدت بديل أفضل تركتني بكل سهولة !! .
لا أعرف .. أم أعرف .. أو هي تعرف إنني كنت صاحب ذاك الموقع , نعم ..و لما لا ؟ .. أخي خالد يعرف بموقعي و لابد أنه أخبر هند و هي بدورها أخبرت أختها التي بدأت اللعبة !
غبي .. أنا غبي و هذا ما كنت اردده على نفسي خلال الأيام المنصرمة ...
*
*
*
أم خالد تطل على أبنائها المجتمعين حول مائدة الفطور : يا خالد وين هند من أصبحت ما شفتها و لا سمعت حس لدانة ..
خالد الذي يحتسي الشاي بكل هدوء : توني منزلها عند أهلها ..
أم خالد بقلق : ها الصبح قبل حتى ما تريق .. لا يكون متزاعلين ؟!
خالد ينهض من مكانه و يأخذ بيد أمه : ممكن تريحين شوي و تجين تفتحين نفسنا على الفطور ..
أحد أخوة خالد الصغار : عندك خبر شين قوله و ريح أمي بدال ها الديباجة ..
خالد ينهر أخيه : أنت ما بلعت ريوقكك يله تقلع لمدرستك ..
أم خالد بغضب : تهاوشوا بعد قدامي ..
سند يسبق خالد و يقبل رأس والدته : ما عليج منهم يمه كلن غيران من الثاني تعالي بس خليني أشبع من ريحتج ..
خالد : رح وراك أنا عندي خبر لأمي بينسيها وجودك ..
سند ممازحا : لا يا حبيب ماما أنا عندي خبر أحلى ..
أم خالد استبشرت با الخير : فرحوني جعلني ما أذوق حزنكم ..
خالد يقبل رأس والدته : هند حامل و بأذن الله بتجيب لي ولي العهد .
أم خالد بفرحة غامرة : الله يبشرك با الخير .. و الله يقومها بسلامة و تجيب لك الولد الصالح ..
سند لإغاضة خالد: و إذا جابت بنت ..
أم خالد قبل أن يرد خالد : أن جابت مثل دانة بتسوى عندي جيش .
خالد : يكفينا دانة و أمها و شهوله كثرة الدلوعات .. أدعي بس لنا بوليد يكسر سيارات عمانه ..
أم خالد تنهره : كل اللي يجي من الله حياه الله .. بنت و إلا ولد ما تفرق أهم شي الذرية الصالحة ..
سند : خليه يمه في أحلامه لين تطفش منه هند و تهج و تخليه وراها
خالد : تخسى .. حرمة أم عيال و ين تروح و تهج .. مالها إلا أنا و عيالها ..
أم خالد : اللي أنا قبلها هجيت من أبوك و ش يرد هند المدلعة .. بنات ها الوقت ما هن ضعوف أن ما جزت لها ردت الباب دونك .. أهجد و أمسك مريتك و عن رفعة الخشم ..
*
*
*
كان الوجوم من تلبسنا ! ..
لم نعرف يوما بهذه المعلومة ..
" هجيت من أبوك " !! .. متى .. و كيف ... و الأهم .. لماذا ؟!!
لم ننطق بتساؤلاتنا لكنها لم تتركنا بلا جواب ..
*
*
*
أم خالد تسرد عليهم ما أوجعها لسنوات : الله يرحمه كان يحسب الرجال هو اللي في بيته ما يضحك ! ... ما كان مقصر علي و لا عليكم لا با أكل و لا ملبس جعل عظامه للجنة كان مرهي علينا .. بس كان بخيل في مشاعره , كنت معاه أحس با الفقر و هو غني معطيه الله ذرابة اللسان للأهل و للجيران من قريب و بعيد .. بس لقابلني ما يتخير إلا كل كلمة توجعني .. منه ضقت و هجيت و كلن لامني , و أبوي الله يرحمه ردني عليه و هي الرده إلا مت فيها و لا حييت إلا لما تعدل حاله و عرف خطاه .. و أنت يا خالد تمشي ممشاه و لا أنت داري و محد بيتندم كثرك و أنا أمك .. و ترى هند لا روّحت مره ثانيه ما ظنتي بتعوّد .. تراني أشوفه بعيونها و لحد قالي ..
سند يقبل كف والدته المتجعده : يمه وين ألقى مثلج و أحطها فوق راسي ...
خالد يضرب رأس أخيه : حنا وين و أنت وين .. يله بعد أنت روح لدوامك أبي أقعد مع أمي بروحنا ..
سند يتجاهل خالد : يمه مو كأني لمحت بشغله و أنتي سكتم بكتم ..
أم خالد : لصرحت و أنا أمك تكلمت أما التلميح ما وراه إلا التردد ..
سند بخيبة : واضح أنج مو متشجعة لعرسي .. يله على العموم خالد و بنته أخذوا كل الغلا ..
أم خالد تمسك بأذن سند و تعنفه بحنان بالغ : آه منك يا الغيور .. أنا أبيك اتصمل مو أروح أخطب بنت الناس و أنت توهق ..
سند : أنا كنت مصمل و بعدين ترددت .. يمكن ماني بجايز للبنت و أخطبها و تردني ..
خالد الذي انفجر ضاحكا : أثر مزاجك المتعكر وراه بنت ..
سند بنبرة هجومية: أي وراه بنت تعرف بطبعك و يمكن تحسبني مثلك و لخطبتها تهون ..
خالد يسبق أمه التي خمنت العروس : لا يكون تقصد أنفال ..
سند فاجأ نفسه : أي .. عندك مانع ؟!
خالد : قلوا بنات العرب .. يعني أخوي و متحملك تبي بعد تصير عديلي ..
سند : أقول روح وراك بس ... ها يمه شقلتي ؟
أم خالد : اللي قلته لآخوك قبلك .. تراها مدلعه مو تاخذها و تجي تحلطم مثل أخوك ..
سند بخيبة يوافق والدته : معاج حق .. خلاص أنسي الموضوع ..
أم خالد تتركهم ورائها : يله كلن يروح بطريقه با أنظف البيت قبل ما يجن جاراتي يتقهون عندي ..
*
*
*
لا أعرف ما الذي دفع فكرة الزواج من أنفال التي صارعت خلال ثلاثين يوم لدفعها في آخر اهتماماتي لتصبح با المقدمة في ثانية !
لكن رد أمي و عدم تشجيعها أنقذني !!
و هكذا تركت المكان بعد أن غادرت والدتي و اتجهت لغرفتي آليا أنوي إنهاء المسألة كأن هناك ما يجبرني على وضع نقطة النهاية ! , فتحت الكمبيوتر و عندما نويت الاتجاه لصفحتي توقفت على صوت خالد فوقي ...
*
*
*
خالد : إذا خاطرك فيها و تبيني أجس النبض .. أبشر .
سند : لا خلاص أنسى السالفة .. أمي معاها حق .. بوهق نفسي بوحدة مدلعة ..
خالد يبتسم بسخرية: وشفيها المدلعة أجل تبي تاخذ وحده مسترجلة
سند يصحح ما قاله : قصدي ابي وحده تكانه ..
خالد بنبرة مدافعة: وأنفال تكانه و إلا انت شايف شي ثاني ..
سند بضجر : أنت شتبي اللحين ؟! .. اللي يسمعك يقول أنك أسعد زوج في العالم و تتمنى الكل يجرب الزواج مثلك .. و لا اللي يضحك بعد أنك ماخذها بكيفك و عن قناعة ..
خالد : يعني عشان تهاوشت معاها كذا مره صرت أتعس زوج في العالم و صرت مو طايقها .. با العكس غلاها كل يوم يزيد ... و أنا ماني نادم أني أخذتها و لا أتخيل لي زوجة غيرها ..
سند بتعجب : أنت عن جد تكلم ؟!!
خالد بغضب : شايفني أنكت !
سند بهدوء : لأ .. بس مدام هذا اللي تحس فيه أجل تلحلح شوي و لا تصير مثل أبوي و سالفته مع أمي ..
خالد يستعيد هدوئه : فاهم ! .. بس يا أخي مشكلة التعبير .. لما أجي اعبر و أتكلم عن اللي أحس فيه أنطرم .. و هي بعد ما تساعد ..
سند : خلك منها لأنها مراح تبادر و أنت جلف ... و ترى مو كل الناس يعرفون يصففون الكلام بس عاد من له حيلة فا ليحتال .. تنق من أبيات الشعر ودزها مسج .. و إذا ما عندك ذائقة شعرية خلاص يكفي تصبح عليها بمسج أو أتصل أسال عنها لو أنت غايب لك ساعه , يا أخي لشفتها أذكر الله بصوت عالي حسسها أنك تشوفها شي ثمين و تخاف عليه من العين ..
خالد يرفع حاجبيه بدهشة : أمش يا كزنوفا .. من وين لك كل ها الخبرة ..
سند : أي عاد جينا لتحطيم .. الشرها علي اللي أبي أضبطك ..
خالد يغمز بعينه : ما عليه ضبطني و أضبطك ..
*
*
*
كأنني كنت أرغم نفسي على النوم منتظرا من يطبق على عيني و يمنعني من إنهاء حلمي , و خالد أتى لينقذني من لحظة تهور قد أندم عليها عمرا بأكمله ..
.. قررت أن أضع خلفي كل هواجسي و أنفي التردد , الأمر أبسط من كل التعقيدات التي أدخلت بها نفسي طوال شهر , أرق و تعب و تعاسة لا متناهية أحاطت بي من مجرد إحساسي بأنها باعتني و أنا كل ما أعرفه أن أبن خالها أشترى مني سيارتي ليسجلها باسم أبن عمه الذي قد يكون أعطاها لأخته لتهديها لابنة خالها ! .. تحليل منطقي لما حدث .. أليس كذلك ! .. , أنا لست متأكد و يمكن أنها فعلا صادقة و كل ما علي فعله هو طلبها لزواج أن رفضت جاءني الرد و كفى .. و إن وافقت أعرف حينها أنني فزت.
*
*
*
سند يوقف خالد الذي هم با المغادرة : أسمع لا تكلم هند بسالفتي إلا لما أضبط أمورك معاها , أخاف ما تشجع أختها و السبب أنت ..
خالد بتعاطف مع أخيه : قلنا ما أعرف أعبر بس مو معناه أني ما أفكر .. روق أنت و أنا راح أتكتكها لك صح ...
............................................................ ........
*
*
*
قد يأتي الصباح بمفاجأة قد تبدوا في أي ساعة من النهار جدا سارة لكننا لا نستسيغها باكرا ! .. لذا لم استطع الابتسام و وجدت نفسي آليا أتساءل بهلع ...
*
*
*
.... " شتسون هني من ها الصبح ؟!! " ....
وصايف : الناس يصبحون و يرحبون بضيوفهم مو يقولون شتسون هني من الصبح !
أنفال بتوجس : أمي وينها ؟ .. عمتي وين ..
هند التي كانت منزوية بمقعدها تجلس باعتدال : تعالي سلمي علينا بدال ما تشخلينا با الأسئلة ..
وصايف تتبرع با الأجوبة : أمي تلبس علي و عيالي مقابلين التلفزيون و عمتي مثل العادة في غرفتها ...
أنفال بقلق ظاهر على محياها : ودانة ؟
هند بإستغراب: وراج ما تشوفينها ...
*
*
*
كيف لم أنتبه لها و هي ورائي ترفع كلا يديها باتجاهي و تبتسم بفرح , احتضنتها بشدة ليهاجمني عطره .. نعم أنا متأكدة من انه عطره ! ... أم أصبحت من طول الهجر أتخيل ؟! .. نعم أنني أهذي .. أنه مجرد عطر للأطفال تستخدمه هند دوما لدانة بعد الاستحمام !
*
*
*
أنفال بعد أن تركت آلاف القبلات على خد دانة: أخلصوا علي قبل ما أروح دوامي . . شجايبكم من ها الصبح ؟
وصايف بإرهاق : ثنتينا نتوحم .. عاد تحمولنا ها اليومين عندكم ..
أنفال بفرحة : مبروووووووووووووووك .. فديتكم .. تكفون كثروا لنا من البنات ..
هند تلتفت لوصايف : أنتِ بعد بتنامين هني ؟
وصايف : أي عندج مشكلة ؟
هند بإعتراض : وين ؟ .. مالج مكان ..
وصايف بتهكم واضح بنبرتها و حركاتها : يا سلام .. يعني انتِ و بنتج البطة يصير لكم مكان و أنا لا ...
هند بدلع تتقنه : أنا و بنتِ خفيفين مثل النسمة مالنا حس و لا نضيق على أحد .. أما أنتِ و القبيلة اللي معاج من يبزاكم ..
وصايف بغضب : يا سلااااام ....
أنفال تسارع لإنهاء الحرب : هييييييه هدوا شوي .. كلكم بيشيلكم المكان ..
*
*
*
فعلا المكان ضيق وأن وسعنا لن يرتاح الكل , لكن أحتاج للبعد فا المكان هناك على رحابته أصبح خانق , منذ موت خالي و المكان يتشح بسواد , حتى تلك المتفرعنة المتسلطة اختفى صوتها و لم تعد تبالي بما يحدث في العالم من حولها , و هو انزوى على نفسه ليعالج حزنه بعيدا عني و كلما اقتربت قال برجاء امنحيني وقت , لكن ما هو الوقت الكافي و كم هو الوقت الذي بحوزتنا ؟... , ألم يتعلم شيئا من موت خالي .. ألم يتعلم أن الوقت ليس ملكية مطلقة و إن كان بحوزتنا .. و أنه قد يصبح عدونا و يسلب منا حياة كاملة !
*
*
*
هند تستقبل مكالمة خالد باستغراب : خير ؟
خالد البدائي في تنميق عبارات الغزل: خير بوجهج يا حلالي ..
هند ترفع حاجبها بدهشة : فيك شي ؟
خالد بمقدمة غير موفقة : أنفال موجودة ؟
هند بخوف : لا .. توها طلعت لدوامها .. ليش في شي ..
خالد الذي لم يلاحظ نبرة هند : كنت بعزمج على غدا و نخلي دانة عند خالتها بس مدامها مداومة نخليها عشا . .شرايج ؟
هند تكتم غيضها : شنو المناسبة ؟
خالد يقلد نبرتها : يعني لازم في مناسبة عشان نطلع نتمشى بروحنا ؟!
هند : لأ . .بس أنا اعرف أنك تكره المطاعم و ما ترتاح في الأكل إلا في بيتك .. شنو عاد اللي جد و خلاك تقرر تعشا برى ؟
خالد المحتار في الإجابة : عاد جذيه طقت براسي .. تبين نروح نتعشى برى و إلا أروح لربعي عندهم دوري بلي ستيشن ..
هند بقهر مكتوم : مدام فيها دوري و عند ربعك أجل بغص بعشاي و أنت تستعجلني .. فخلنا نختصرها و روح لهم و خلني أتعشى عند أهلي أبرك ..
خالد بغضب : تدرين الشرها علي مو عليج .. يله مع السلامة ..
*
*
*
وصايف التي سمعت طرف أختها من المكالمة : خبله أنتِ .. يعزمج و تسوين له فلم هندي ..
هند: تكفين وصايف راسي مصدع ومالي خلق أتكلم عن خالد و سوالفه البايخه ..
وصايف بأمر تمد الهاتف لهند: أتصلي عليه بسرعة ..
هند بعناد : ما راح أتصل .. خليه يولي ..
وصايف : إن ما أتصلني اتصلت أنا ..
هند : أنجنيتي انتِ ؟!!
وصايف : أخلصي أتصلي عليه و قولي خلها غدا .. و دانة مع عيالي و ما عليها خوف ..
هند بتردد : خلاص تلقينه اللحين معصب .. و بيزفني لو أتصل عليه ..
وصايف : حاولي ما أنتِ خسرانه شي ..
*
*
*
قبل أن ينتصف الحديث بيننا و يتصاعد النقاش كنت أتمنى أن أسترجع اللحظات و أخفف من لهجتي المندفعة و انعم با الهدوء لكنني دوما أفشل و أجعل كلماته المستفزة تقودني لصراع أنا الخاسرة الوحيدة فيه .. و هكذا عندما أصرت وصايف على أن أتصل فيه ترددت لدقائق لأني أعرف أنه لا ليقبل الاعتذار بسهولة وانا فاشلة بتقديمها .. لكن عندما تخسر لا تصبح الأمور أسوء إلا بمخيلتك فا في الواقع ساءت لتنتهي و يبدأ أمر جديد !
*
*
*
كلما حاولت فشلت .. ألا تكفي نواياي الطيبة ؟!
نعم أعرف أنه لا يمكن أن تفهمني بشكل صحيح و أنا أظللها بكلمات طائشة و أسلوب جاف , لكن لتعطيني فرصة فا أنا أحاول , و هي تعلم أنني بمحاولتي أخرج من دائرتي التي ارتاح فيها لدائرتها التي لا أرى مداخلها في محاولة مني لإنقاذ ما بيننا, فا لا أنا و لا هي نستطيع تحمل أدنى خسارة بعد أن أصبحنا والدين لطفلة رائعة و طفل في الطريق قادم لتكبر به عائلتنا ..
*
*
*
هند على استحياء و من دون مقدمة تندفع قبل أن يرد بكلمة : وصايف زايره أهلي و بخلي دانة عندها و نقدر نطلع نتغدا على راحتنا و با الليل تروح لربعك ..
خالد يكتم فرحته بنبرة جادة : خلاص أمرج بعد ساعة ...
*
*
*
ذهبت لأستعد و نبرته الجدية الخالية من أي عاطفة ترن في أذني , لا أريد أن أذهب حقا و لا أتطلع للقائه على مائدة الطعام التي اعرف مسبقا أنه سوف يختار أصنافها من دون أن يهتم لما أشتهي , ليلاحقني بتعليقاته التي تتعلق بملبسي و صوتي و كل ما لا يعجبه فيني , فا خالد الذي كنت أراه فارسا لأحلامي و فيه كل الخصلات النبيلة ما هو إلا رجل جاهل , لا يعرف عن المرأة شيء و يرفض أن يتعلم !
*
*
*
المرأة الوحيدة التي عرفتها قبل هند هي أمي , و أمي لم تخبرني من قبل أن هناك عيبا فيني !
لم تردد على مسامعي كم افتقر للباقة في حديثي و تصرفاتي , لم تتضايق يوما من مزحي و لم تخاصمني أو تجبرني على الاعتذار عندما أغضب و أعود نادما من دون تقديم تنازلات ..
أمي لم تنزعج يوما مني عندما كنت اختار لها أصناف الطعام و استفرد برأيي بما يختص بوجهة عطلاتنا أو كيف نقضي أيام الإجازات .. دوما كانت تردد علي أنني رجل البيت و أنها تثق بقراراتي الصغيرة منها و الكبيرة !
لكن هند تتصرف كا أخوتي !
دوما تجادلني و دوما تحاول أن تعاكس رأيي و تصر على أن تختار ما أكره و تصنف ما أحب في قائمة الممنوعات !
لكن المذهل أني أجد نفسي دوما مستعد لتنازل أليس بهذه الطريقة تسير المراكب !
............................................................ ........
*
*
*
ثورة و غضب عارم و صوتها الكاسر جعلني أسارع لحماية نفسي من كل ما تطاير !
حاولت أن أشرح لها لكن أمام غضبها كان من المستحيل حتى أن أقف بشكل متوازن ..
*
*
*
علي : نطلع وين نروح ؟!!
وضوح تصرخ به بصوت عالي : با اللي ما يحفظك أنت و هي ..
علي يكتم غضبه : وضوح أنا مراعي زعلج و فاهم عليج بس اللي تقولينه عيب ..
وضوح تطلق ضحكه تهكمية : اللي يتبع المره و يقط أخوه بسجن يعرف العيب ! ..
علي : أنا ما قطيته بسجن هو اللي سلم نفسه يبي يبري ذمته .. و وداد لا دخلينها في الموضوع لأن مالها شغل ..
*
*
*
لم ترد علي بجواب تركتني و توجهت لغرفة وداد مسرعة الخطى لأتبعها محاولا ثنيها عن أي حماقة قد تقوم بها , فا لا يمكن أن أسمح أن تجرح وداد حتى و لو بكلمة ..
*
*
*
أنا المسئولة و لو بشكل جزئي ... فا أنا من أصررت أن ينهي الكذبة و أن يصارح وضوح بحقيقة غياب شملان , فقد كرهت أن اعلم الحقيقة و هي الأقرب له تعيش مع كذبة ... فا قبلها كنت ضحية لكذبة طالت لسنوات و أرفض أن أكون مشاركة في جريمة مماثلة ... و الكذب حبله قصير و لحظة كشفه مره و نتائجه معضلة .. أما الصراحة و الوضوح قد يوفر علينا سنوات من الضياع و يجاوب على الكثير من الأسئلة التي تعطل عقولنا بتعقيداتها !
*
*
*
جاء بكل بساطة ليخبرني انه كان يكذب ! ..
منذ عرفته و هو أصدق المخلوقات التي عرفتها , قد يكذب الورد و يهاجمني شوكه و لا يفعلها علي و يختلق كذبه ..
لقد علمته هي كيف يكذب و يحور الحقائق ... أليست هي من أختارها شملان لتكون معاونة له في إخفاء علي ..
هذه المخلوقة التي تمشي الهويدا و تمثل الخجل مجرد أفعى تلتف على علي لتدق عنقه ...
با الطبع لم يعجبها الوضع الجديد و لم تتخيل أني سوف أكون أحد أركان هذا البيت لذا بدأت بشملان و سوف تنتهي بي !
*
*
*
وضوح اندفعت لدولاب ملابس وداد لتلقي ما فيه على الأرض :
أطلعي برا حياتنا .. علي ما يبيج و مو ملزوم يدفع الدين .. أبوج مااات و شبع موت تقبلي ها الحقيقية و أطلعي من حياتنا ..
علي الذي صعق من سلوك وضوح الوقح و كره ما رددت : وضوح أنتِ أنجنيتي .. أذكري الله و أهدي ..
وداد التي لم تقدر على مكافحة دموعها : أنا طالعة بس عطيني ساعة ألم أغراضي و أغراض اخوي ..
علي بعصبية واضحة بنبرته: و أنتِ بعد أنجنيتي ؟!!.. هذا بيتج و ما أنتِ رايحه مكان ...
وداد بعناد : إلا راح أروح بيتي اللي ما يهاجمني فيه أحد و يطردني
علي يصرخ بها غاضبا : هذا بيتج يا وداد ..
وداد : من يقول ؟!! .. وضوح و إلا شملان .. و لا تقولي أنت .. لأن أسمك مو موجود بأوراق ملكية البيت ...
وضوح تطلق ضحكه تهكمية : حلو.. أطلعي على حقيقتج .. تبين تقلبينا على بعض و تفرقينا .. شفت يا علي شوي و تقول يا أنا يا وضوح في ها البيت بعد ما خلتك تقط أخوك بسجن ..
علي ينظر لوضوح با ضيق : أنا ما قطيت شملان بسجن .. أفهمي ... و هي ما قالت شي ما قلتيه ... أنتِ توج طاردتني كأنج تقولين ما في شي يثبت وجودك و أن لك حق في ها البيت ..
وضوح بندم : أنا ما قصدت جذيه ..
علي يقاطعها : الكلام لج و لها .. اللي تبيني في حياتها ما تختبر غلاها .. و أنا رجال ها البيت و لقلت الكل يسمع و إن ما جازلكم الوجه من الوجه أبيض .. امشي في طريقي و أخليكم كلكم وراي و اعرف أنكم مو حسوفة ..
*
*
*
غادر علي و تركني معها .. كلانا يحاول أن يحدد مساره , من المؤكد أنها تفكر إن كان من الذكاء أن تتابع ما بدأته أمم تتراجع و تنسحب مؤقتا ! ..
أما أنا كما كنت دوما أقف مترددة و أنتظر الآخر حتى يقرر عني مساري .. إن كانت وضوح تكره وجودي هنا فا لا يمكن أن أحتمل أن أبقى , لكن إن كان فيما قال علي تهديد جدي فا سيكون من الغباء أن أغادر , فا أنا لا يمكن أن أحتمل خسارة علي و ليس هو من طردني و لا يمكن أن أصدق أن مشاعره لي هي رد دين و تخفيف عبأ عن ضمير معذب ..
*
*
*
وضوح تنطق أخيرا : خليني على بالج أنتِ هني عشان خاطر علي بس أنا واعية لج و أعرف شلون تفكرين ..
وداد تحاول أن تهدأ نبرتها : لا يمكن تعرفين شلون أفكر بس ممكن تقيسين على تجربتج و تحاولين ..
وضوح بغضب : شنو قصدج ؟
وداد : أقصد مو كل زوجات الأخوان يفكرون بشكل واحد و مو معناه أنج كنتِ زوجة و عند حمولة بتعرفين شلون أنا أفكر كا زوجة و عند حمولة ...
*
*
*
لم استطع كتم غيضي و ألقيت بكفي على خدها بصفعة تردد صداها حتى وصل علي الذي جذبني خارج غرفة وداد و أمرني بأن أختفي سريعا قبل أن يرد لي الصفعة !
*
*
*
وجدت هروبي في منتهى الجبن .. كيف تركتهن ورائي ...
لذا عدت لأستطلع الوضع بين وضوح و وداد لكن قبل أن أدخل الغرفة وصلني صوت صفعة لأقتحم الغرفة و أجد وداد تغطي خدها بكفها المرتجفة, لأعرف أن وضوح هي المعتدية !
تعاظم غضبي و لم أعد قادرا على التحكم بأعصابي .. لذا سارعت لوضوح لأطبق كفي على ذراعها النحيلة و أخرجها من غرفة وداد آمر إياها أن تختفي من أمامي قبل أن أنتقم لمحبوبتي !
*
*
*
علي محاصرا وداد بأحضانه : لو شملان هني جان طرت فيج من ها البيت و ما خليتج تضيقين ساعة .. بس يرضيج أهد أختي في البيت بروحها ..
وداد تبتعد عن أحضانه و تمسح دموعها : لا طبعا ما يرضيني .. بس ..
علي يحثها على الكلام : بس شنو ؟
وداد تشهق بدموعها : على أنا أعترف أني استفزيتها بس عزت علي نفسي .. أنهنت في مكان مفروض أسميه بيتي ...
علي يحاصرها بنظراته : أنا بيتج يا وداد .. و ما عاش من يهينج ..
وداد : لا تردد كلام مجازي .. اللي تقصدها أختك ..
علي : معاج حق .. هي أختي و ما راح أبيعها و أشتريج بس بنفس الوقت لا يمكن أبيعج و اشتريها .. تكفين وداد لا تحطيني بها الموقف إذا تحبيني .. تجاهليها عشان خاطري ..
*
*
*
ألتزمت غرفتي ليوم كامل مقاطعة حياتي الباردة , لم يهتم لي أحد , و لم يفقدني أي بشر .. فاعلي غاضب مني بكل تأكيد و وداد لابد أنها سعيدة بأنها حولتني لمسخ مسجون في قفص .. و شملان .. أخي المسكين باع حياته عندما رفضت فينوس أن تعيشها معه !
و طليقي لابد أنه الآن يبحث عن أم لأبنه ! ..
*
*
*
علي يطرق الباب بعجل : وضوح بسرعة أفتحي الباب ..
وضوح تسارع لفتح الباب حتى ترمي با عتبها : خلوني بروحي .. ما أبي منكم شي .. و لما أطلع شملان عند وعدك هذاك الوقت تذكرني ..
علي يمد بصحيفة لوضوح : أخذي ..
وضوح تأخذ الصحيفة بتمهل لتفاجأ بصورة شملان في صفحة الأولى لتسارع بقراءة العنوان الرئيسي بصوت عالي : " تعلم القانون ليتجاوزه ! " ..
علي قبل أن تكمل : صارت قضية رأي عام . . طبعا عشان الجريدة تبيع نسخ أكثر .. و اللي يبي يهاجم جهة يهاجمهم من خلال قضية شملان .. عقدوها يا وضوح عقدوها ...
وضوح بهلع : يعني شملان ضاع ؟
علي بخوف غلف نبرته : لأبعد حد .. ليتني منعته .. ليتني وقفت بوجهة قبل ما يضيع نفسه ..
*
*
*
لكني كنت أناني و اتخذت إصراره ذريعة .. أردت أن أعود و لم أبالي لو غاب ..كأنني أردد الأعذار و أرتب الاتهامات في نفس الوقت .. و النتيجة قد أعود للحياة و تنتهي حياته للأبد ..
............................................................ .........
*
*
*
عبرت سريعا للجهة المقابلة من دون أن ألتفت أو أن أتأكد أن الطريق خالِي من أي مركبات مسرعة أردت فقط أن تخبرني أن حالتي ساءت و أني أصبحت أتوهم صورته على صفحات الجرائد !
*
*
*
فينوس ترتجف و تمد الصحيفة لديمة التي كانت تنتظرها بسيارة : هذا شملان أو أنا أتخيل ؟
ديمة تأخذ الصحيفة بسرعة لتتأكد : أي .. هذا شملان .. و كاتبين أسمه بعد تحت الصورة ...
فينوس تعض على شفتيها بجزع : هذي نهايته ؟!!
ديمة بقلق ظاهر بنبرتها : لا تفاولين عليه .. هذي الجريدة تحب الأكشن و مو كل شي ينكتب فيها ينصدق ..
فينوس بيد مرتجفة تبحث في حقيبتها عن هاتفها : لازم أتصل بعذبي يشوف شسالفة ..
ديمة تسحب من فينوس حقيبتها : بيعرف من غيرج .. ماله داعي تبينين للكل أنج للحين مهتمة فيه ..
فينوس بعصبية : و ليش ما أهتم .. مو ولد عمي ؟ .. و إلا لقلت ما عدت أحبه معناه صرت أكرهه و ما أهتم لو يحترق ..
ديمة : زين هدي أعصابج .. و خليني أنا أتصل بعذبي ...
*
*
*
نعم بعدما كنت اعتقد أن حياتي انجرفت لمصير مجهول أتى عذبي بعاطفة أبوية جديدة لم أعهدها فيه , ليصبح في غضون أيام أهم شخص في حياتي و الذي باهتمامه أحسست بأن لي مكان انتمي له .. فقد أصبح علي من السهل أن أتواصل مع فينوس و معه من دون أن احمل على ظهري ذنوب والدتي و من دون أن احملهم ذنوب والداتهم .. أتمنى لو أني عرفت قبل أعوام مضت ما أعرفه الآن من أن من يشاطرنا المكان دوما يحمل لنا عاطفة إيجابية حتى لو أراد أن نختفي من مساحته ! ... أخوتي ليسوا شياطين و لا بملائكة هم مثلي بشر يحبون و يكرهون بقدر ما يحبهم الآخر أو يكرههم ..
و أصيل مهمتي الجديدة , لا يمكن أن أسمح له أن يكرهني إلى الأبد لأني سوف أحبه و أرى الناتج !
*
*
*
*
أصيل يرمي با الجريدة على الطاولة التي أمامه : معقول علي يخش عني ؟!!
عذبي : لا تاخذها بشكل شخصي .. أكيد شملان موصيه ما يقول لأحد ..
أصيل المتضايق: ولو .. لو قالي يعني بروح أسولفه !
ساري الذي تواجد بطلب من عذبي : على كل حال هذا أنت و حنا عرفنا .. الحين المهم شلون نساعده .
عذبي : أول شي ها الصحفي التعبان و رئيس تحريره الحقير لازم يتأدبون .. راح نرفع عليهم قضية سب و تشهير ..
ساري : أخاف بدال من نكحلها نعميها ..
أصيل : خلنا ما نصعد الموضوع و نهدي السالفة و نكلمهم عن طريق أحد يمون عليهم ..
عذبي : لأ .. هذي النوعية ما تجي إلا با العين الحمرة .. لو حاولنا نتواصل معاهم و نهدي الموضوع بيكبر راسهم ..
ساري : أنا ما أعرف بها السوالف .. إذا أنت تشوف ها الشي بينفع شملان أنا معاك ..
أصيل : زين خلنا من الجريدة و خلنا في القضية الأساسية ..
عذبي : القضية ما يقدر يحلها إلا شملان .. و لازم نطلعه بكفالة و نخليه يرد لبيته و يرتاح و يفكر بشكل صح ..
ساري : تبون الصراحة .. لو راح نعتمد على شملان لحل القضية فمعناها بياخذ إعدام .. أنا و انتم عارفين أن شملان بايعها ولا يهمه .
*
*
*
عندما لا تقدم لنا حوافز يصبح من الصعب علينا أن نشحذ قوانا و نحد سنان عزيمتنا و نقدم على المعركة .. كلنا و إن لم نصرح نعرف ما علة شملان و لماذا يراكم في ملفه الأدلة التي تدينه ..
شملان لا يريد أن يريح ضميره و يصحح الأمور بل يريد أن يعاقبها ! ..
*
*
*
أصيل : اسألي ...
فينوس التي كانت توحي لمن يراها أنها مستغرقة في قراءة الكتاب الذي بين يديها : عن شنو ؟
أصيل يثبت نظرته على وجهها: عن قضية شملان ..
فينوس : ما يحتاج أسال كل شي مكتوب با الجريدة .. و كل الحقائق و الإشاعات و الآراء متداولة في الشبكات الاجتماعية ..
أصيل بإصرار: أنتِ فاهمه شنو أقصد ..
فينوس ترمي با الكتاب على الطاولة المقابلة و تقف لتواجه أخيها : أي مهتمة .. و كل اللي أفكر فيه شنو راح يصير على ولد عمي .. مثل ما ديمة و و وصايف و هند و أنفال يفكرون ..
أصيل : لأ ... انتِ تفكيرج غير .. و هذا هو اللي يبيه .. قط بنفسه بتهلكة عشان يقهرج و يخليج تندمين .. و طبعا عارف أن الكل بيستنفر عشانه إتباعا لمقولة الظفر ما يطلع من اللحم .. و انه بيطلع منها بكذا لقب .. بطل .. مضحي و آخر شي بياخذ الجائزة اللي حطها براسه .. اللي هي أنتِ ..
فينوس : لا تبالغ .. شملان با اللي سواه خسر كل شي .. وظيفته و مستقبله و حتى سمعته .. و أنا مو جائزة تنعطى و هو عارف ها الشي ..
أصيل مستمر في محاكمة فينوس : لو طلع براءة بتردين له ؟
فينوس : تبيني أقول ما راح أرد له لو باقي له ساعة و يعدمونه و أنا آخر أمنياته ..
أصيل : مفروض هذا يكون ردج ..
فينوس : هذا ردي .. ارتحت ؟
أصيل يبتسم : جدا .. اللحين أقدر أوقف معاهم عشان نبرئه و أنا عارف أني ما صرت ضدج و راح أظلمج ...
*
*
*
أنت و هم و كل من نظر لي بعيون الشفقة ظلمتموني و أرغمتموني أن أرتدي عباءة الكبرياء البالية و كلما أردت أن أرميها ذكرتموني بسبب ارتدائي لها , لأعيد ترقيعها بأنامل تقيحت بها الجروح و أرتديها بحزن من جديد ..
*
*
*
*
هذه الجدران الرمادية هي أنيسي في هذا السجن المزدحم فا عليها أعلق صوري الذهنية و أتأملها لساعات .. لم أعرف من قبل أن العقل يمكن له أن يحلل الصورة المحفوظة بكل دقة و لا أن امتداد الوقت يساعد في تصفية ألوانها حتى تصبح أقرب للحقيقة ...
لكن ها هي فينوس معي و هي من كانت دوما تختبئ بخجل عند وجود البشر من حولي ... و ها أنا لم أعد أخاطب الأنس و لا أهتم للجمادات من ورق و قلم و لا أتطلع لمقابلة أحد .. هي معي و هذا يكفي !
*
*
*
علي الذي يزور شملان بالسجن يهمس غاضبا: لا تجنني يا شملان ... لما تطلع بكفالة المفروض انك تستريح في البيت و تفكر لك بحل مو تخطط تهج من الديرة ...
شملان المسترخي على مقعده : أقعد في الديرة ليش ؟
علي : ليش ؟!! .. شا السؤال الغبي ؟!!
شملان بهدوء : أنا لما سلمت نفسي حليت قضيتك و رديت لك هويتك و عطيت وضوح درس بأن محد لها .. بس أنا خسرت كل شي و قررت أني ما أطلع من هني إلا و أنا مستفيد ....
علي بغضب : أولا أنا للحين من وزارة لوزارة أدور عن هويتي و وضوح ما صحاها اللي صار و حالتها متردية ... و أنت اللحين رديت لطبعك و تبي تهرب ...
شملان : الموضوع أبعد عن تصورك .. أنا أبي أنحاش با فينوس و أهج من ها الديرة و منكم كلكم ..
علي المصدوم : شنو ؟!!
شملان يستبدل نبرته الهادئة بأخرى غامضة : إذا كانوا اللي حولك سلبيين و يخافون من اللي يهمسون حولهم لازم أنت تكون إيجابي أو مغامر المهم تقدم و تغير و لا تهتم ..
علي بتهكم واضح : دايما تبرر لنفسك .. كنت اعتقد أنك تغيرت بس للأسف ما في شي فيك تغير ..
شملان : يمكن .. بس أنت تغيرت و صرت تعيب و أنت معيوب .. طالع نفسك و شوف ليش أنت تخبط من وزارة لوزارة أدور عن هوية تقدر تحصلها بمكالمة ...
علي : بمكالمة ؟!!
شملان : أصيل صديقك الصدوق و تؤمك الروحي بمكالمة وحده يقدر يحل لك الموضوع .. بس طبعا أنا و أنت عارفين أنك ما تبيه يساعدك و هو ما يبي يساعدك .. كل واحد منكم ما يبي شي يتغير .. كلكم خوافيين و تحطون قدامكم فزاعات و تلتفتون وراكم و تخوفون اللي يتبعكم ...
علي : اللحين لما عريتك يا الفاضل طلعتني سايكو !
شملان لم يهتم لهجوم علي : وداد حبتك مجنون و عاقل و ما راح تختفي من حياتك مثل وصايف .. روح طلع هويتك و أثبت وجودك و تزوجها و خلني أعيش حياتي مثل ما أبي ..
علي يبتلع غضبه : فهمني .. لا تخليني أرد البيت و أنا أحاتيك ..
شملان منهيا النقاش: روح يا علي من دون ما تفهم ..
*
*
*
يحدث معي أحيانا أن أتخيل حوار لم يحدث إلا في خيالي , كنت دوما اعتقد بان جرثومة في جزيئاتها الجنون هي المسئولة لكن اكتشفت أنها وشايات لمؤرقين ولدت مع روحي ... شملان و وضوح و أصيل و كل هؤلاء المؤرقين احتلوا دوما مساحات شاسعة في مساحة السكون التي أجد نفسي بها أتنفس .. منذ صغري و أنا أتخيل حياتهم ...أرسم عواطفهم و أعزف أحاسيسهم و أقف بهم على المنعطفات و أراقبهم من الزوايا .. و أتساءل أحيانا هل هم من صنع خيالاتي أم شخوص من واقعي ! ... ألست مجنون و كل ما أنطق به من صنع خيالي ... قد أكون من وجدتهم في غرفتي البيضاء أم هم من وجدوني ليصبح لحياتي معنى ..
هل أخلد لنوم و أتجاهل وشاياتهم و أترك الأرق لهم .. أم أستمر في السهر و أرسم لهم نهاية سعيدة ... أم اهتم بنفسي و أجعل وداد هي أنيسي الوحيد في غرفتي البيضاء التي تشبه قلبها .
............................................................ ..........
*
*
*
يوم الاثنين مساءا وشايات المؤرقين تودع أبطالها ..
ألتقي فيكم على خير بأذن الله ...