كاتب الموضوع :
ضحكتك في عيوني
المنتدى :
القصص المكتملة (بدون ردود)
الجزء السادس :
*
*
*
الهاربون يستعمرون المنافذ لسد كل معبر ..
هم فقط العازمون أمرهم من يتخطون الحواجز ..
ليسكنوا على وجه المسطحات و يقيمون المملكات ..
*
*
*
على مساحات الضجر كانت ليلتي باردة .. وحيد إلا من ظل الوجع ..
أقاسي متراميات إخفاقاتي ..
نعم .. أخفقت بكل ما يتعلق با علي ..
أعتقدت بأني أنقذه من دهاليز المستشفيات حيث يخطون له آلاف التشخيصات
و حفظت له إنسانيته من سياط الجلاد .. نعم جلد حرفيا و أدميَ ظهره و قدماه
" مخبول " .. " مجنون " هكذا دوما كان ينعت من كل من تعرض له علي من غير
وعي , لم أفهم .. إذا كان هكذا يرونه .. كيف إذا طاوعتهم قلوبهم أن يعاملوه كا
حيوان ! ..
يضرب ليصبح أليف على حسب مناهجهم الدموية ؟!
علي منذ أول خطواته كان شقيا هكذا دوما رددت والدتي يرحمها الله ..
و أبي من كان مركز الأمان أوصاني دوما بأن أراقب المخبول , سيجلب لنا المتاعب
و يجعلنا أضحوكة لكل تافه .. حتى وفاته رددها .. رددها حتى صدقته !
كنا دوما نخفيه عن أعين الغرباء و عندما يهرب في غفلة منا كنا نعيده تحت مسمى
مخبول ... كنا له ظالمين أكثر من ظلم كل العالمين ...
لم أتعض .. و لم تكفل لي سنين عمري التي تفوق سنين عمره أن أوقف انحدار عقله
لبؤرة الظلام .. لا .. لم يكن علي مخبولا .. كان فقط يعاني من مرض نفسي حولناه
بجهلنا لمرض عضال أصاب العقل وحده !
المرض الذي حوله لمجرم تسبب في مقتل أبو سالم و احتراق وضوح التي ولدت
طفلها ميتا و إقصاء صديقه و ابن عمه أصيل لدائرة المذنبين ...
.. تبدوا الذكرى جدا قريبه و بالأخص و الريح تطرق نافذتي .. صوتها
الذي يشبه هلوسات و أنين علي المختبئ خلف حاوية القمامة !
و صوت خطواتي المتثاقلة عائد من المسجد حيث وجدت فيه الراحة بعد أن فقدت كل
شيء في الحريق الذي اعتقدت أن أخي أول ضحاياه ...
ياااا كيف في لحظة تغير كل شيء .. قمة الأسى تحولت لوديان زاهرة با
الفرح عندما أعدت النظر و دققت بمن كان مختبئ .. هذا هو أخي حي يرزق !
لم أضمه في حياتي كما ضممته في تلك اللحظة و لما أراه ضعيفا مكسورا كما رأيته
و هو يجاور القطط ... خفت عليه وزورت و كذبت ظنا مني أني أنقذه من مصير
مخيف و مظلم .. لكن ها أنا سجانه و اكبر مذنب ... و معذب .
مذنب .. من .. إلى .. حياة علي با المجمل ...
و ها هو آخر الليل يذهب بي بعيدا في معركة قديمة مع ضميري الذي يحاول
الصمود ... و من ثقل الكوابيس التي تشربت في جميع المسامات أصبحت ملهوفا
لرؤية الشمس و انقطاع الذكريات ...
*
*
*
أم ساري : حلفت ما تطلع قبل ما تريق معاي ..
شملان يقترب من عمته ليقبل جبينها : اليوم راضيه علي ؟!
أم ساري ترسل نظرها بملامحه الوسيمة : كل ما تكبر أشوف أخوي في ملامحك ..
شملان يبتسم و يقترب ليجلس : و طبايعه ؟!!
أم ساري تصب له القهوة : هو كان قاسي و أمك معاه كانت تعاني بس فينا يا أخوانه
ما كان يسمع و لا يشوف .. كان الأبو لنا كلنا ..
شملان : و أنا سديت بمكانه أو فشلت ؟
أم ساري : أنت ما قصرت على أنك ما أنت بمجبور ..
شملان يرتشف قهوته و يمد لها الفنجان : آسف ما قدرت أرد الحق ..
أم ساري : ما لنا حق عند ردينه و لا نبي منها شي .. طلبتك يا شملان خل أبو ساري و لا عاد تعرضه هذا هو في دين و عماة عين و فوقه خسر شغله ..
شملان بإصرار : ردينه مصيرها بتعاقب على كل شي سوته في أهلي و فيكم ..
أم ساري تمد كفها لتمسك ذراعه قبل أن يغادر : كانت شراكه يا شملان و كان لازم يكون فيها خاسر و ربحان ..
شملان بسخريه : و ردينه دايما هي الربحانه !! .. ما سألتي نفسج شلون و ليش ؟
*
*
*
استيقظت بمزاج ثوري ..
و يقين بأني كنت سوف أبقى لو أني رأيت ضوء في آخر النفق لكن مع إستحالة
البقاء في ظل الخوف كان علي أن أتخذ القرار با الرحيل .. ليس من أجلي بل من
أجل سالم أخي الصغير ... لو أن شملان عتقني من أخيه و أعاد لي إنسانيتي بدل أن
يبتزني و يمارس قوته على من لا قوة له لكنت له ممنونة و شاكرة و ممكن خادمة !
لكن القمع يولد القهر و منه تولد الثورة ..
نعم ردد أنه سوف يزجني في السجن و التهمه ملفقه بأوراق وقعتها ساذجة في غفلة
عن أي مخططات لشيطان .. لكن أليست الساذجة الآن أكبر و تعرف أنها ارتبطت
بمجنون .. و تعرف يقينا أن ليس هناك غيرها و غيره من يعرفون بوجوده ..
هو يخفيه . .لماذا ؟ .. لا أعرف .. لكن لا يهم .. لأن الأهم أنه ورقتي التي سأساوم
بها شملان ...
بدأت أول خطوة و لملمت ما يمكن حمله من حاجياتنا و سارعت في المغادرة من
دون حتى أن ألتفت خلفي .. خريطة مسيري واضحة في ذهني لكن مخاوفي تتعثر
بها خطواتي ... و أجد نفسي أردد مخاوفي ... أنا فتاة صغيرة لم تتجاوز الخامسة و
العشرون من عمرها و بمعيتها طفل بعقل مراهق .. مفلسة و جاهلة و مقطوعة من
شجرة ... هذه ببساطة كلي أنا ! .. من سيكون الطامع التالي بي .. و أين سيصل بي
قد يكون شملان شريرا لكن اعتدته و أعرف كيف التعامل معه ..
كل ما علي أن أفعل لدحر مخاوفي من المستقبل هو أن أعود أدراجي قبل أن يدرك
شملان اختفائي !
لا .. هكذا رددت و أنا أنفض الشحنات السلبية من رأسي قبل أن يلتقطها سالم ...
*
*
سالم بتذمر : أنا تعبت من المشي ..
وداد : خلاص خلنا نستريح قريب من المسجد .
سالم بانفعال : لو أموت ما أقعد عند المسجد بعدين يحسبوني شحاذ ..
وداد بغضب : أنا قلت لك بنستريح عند المسجد .. ما قلت بنشحذ ..
سالم بغضب مماثل: و الناس شدراهم ..
وداد ترضخ رغم المزاج السيء : أفففف منك .. خلاص وين تبينا نقعد ..
سالم بحماس : شوفي هنااااااك ورى المجمع فيه حديقة عامه خلينا نروح لها و نشتري السندويشات اللي و عديتني فيها و نستريح با المره ..
وداد تمد نظرها بعيدا : متأكد أن ورى المجمع فيه حديقة عامة ..
سالم بحماس : أي متأكد وداني لها شملان مره لما كان فيها سوق خيري ..
وداد بذعر : شملان يدل الحديقة .. لا أجل هونا خلنا نروح مكان ثاني ..
سالم بضجر : يوووووووو وين نروح أنا تعبت ..
وداد : سالم أنت رجال اللحين مو وقته تتصرف مثل الأطفال .. أنا قايله لك ما فيه راحه لين نوصل حارتنا القديمة و نتغدا هناك بأي زاوية..
سالم بنبرة متعبه : أنا شسوي مكسر و جسمي كله يعورني أبي أرتاح ..
وداد باستسلام : خلاص نروح الحديقة و ندور لنا مكان صاد ..
سالم يسارع بفرح و يجر أخته خلفه : يله اجل عشان نوصل بسرعه ..
وداد : شوي شوي .. مو توك تقول مكسر و تعبان !!
............................................................ .............
لم يكن لأي حائك أن يحيك لي لحاف يقيني برد الجفاء ...
تجافيني منذ ذاك المساء و أنا الذي كنت أجافيها من قبل .. أم هي من بدأت ؟!!
في دائرة مغلقه من موت المشاعر أنا و هي .. تجافيني لأجافيها و تجفى لجفاف
تفطر فيني ! ..
با الرغم من ابتعادها و ابتعادي إلا أني أتمنى لحظة التلاقي ..
وضوح هي من غيرت كل مساراتي .. من حولتني من صعلوك إلى ملك يحكم
و يأمر و له كل ما يتمنى و يطلب !
قبلها .. كنت لأعوام أرتدي عباءة المحتال أمجد الكل و في السر أتجه فقط لمصدر
الفائدة ! .. أتسكع مع عذبي في مدن العالم عيناي تنهش ما لم يحله الله لي .. كنت أبن
عمته با الاسم و مرافقه الخاص با الفعل .. خادم أو تابع لا فرق .. فقد كنت مجرد
ظل لزير نساء ألتقط فضلاته و أوهم نفسي با النصر !
إلا أن نبهتني وصايف با الأنثى التي اكتملت أمامي ..
*
*
............. من ذاكرة ساري ..............
*
*
وصايف تساعد ساري على ترتيب حقائبه : شراح تجيب لي ..
ساري : و شجيب لج تراني مفلس مو شفتيني كل يوم أسافر قلتي هذا مريش ..
وصايف بإبتسامة ساخره : لا أنا عارفه أنك محمول و مكفول ..
ساري يرد عليها بإبتسامه مماثله : عليج نووور
وصايف : زين أنا أقدر أسلفك و قاصدني على مهلك .
ساري يطلق ضحكه عفوية : أحط الدين على ظهري عشانج .. مجنون أنا ..
وصايف ترمي على مهل نسارتها : لا مو عشاني .. عشانها .
ساري في غفلته : أصلا بليا ما تقولين أمي و بعد عمتي بشتري لهم هدايا أما أنتِ و
خواتج أنسوا ..
وصايف بتأفف : ياربيييييي أبتليت في أخو مخه مسكر .. و شجاب أمي و عمتي بسالفة ... أنا أدري أنك تذكرهم دايما و لا أنت محتاج توصيه ..
ساري بانتباه : أجل من تقصدين ؟!
وصايف بإبتسامة خبيثة : وضوح .
ساري يرفع حاجبه علامة تعجب و بنبرة بلهاء : وضوح بنت خالي ؟!!
وصايف تقلد نبرته : أي وضوح بنت خالي .
ساري بتوجس : و ليش أجيب لها هي هدية بذات ما باقي إلا تقولين جيب لفينوس ..
وصايف : و شجاب لجاب ؟!! .. اللحين وضوح اللي تقط الطير من السما تقارنها بفينوس ؟!! .. أنت الظاهر ما عاد تشوف . عاد أنا قلت مع ها السفرات و التفتح على العالم بترتقي بذوقك و بتشوف الجمال الحقيقي في بيت جيرانا .. جيرانا الحلوين اللي يطللون عليك من دريشتهم و أنت رايح و جاي .. أنت شنو ما تحس ..
ساري الذي كان منصتا بدهشة : يعني بتفهميني أن وضوح معجبة فيني أنا !
وصايف : مالت عليك .. شنو معجبة .. البنت مغرمة .. معقول أنت عمي ما تشوف .
ساري يرفع يده بتهديد : أقول روحي من وجهي اللحين ليجيج كف يطير راسج الفاضي ..
وصايف بتصميم على إفهامه : ساري أنا أتكلم جد .. حرام عليك من أمس وضوح ميته بجي جايينها خطاب و أنت و لا حاس ..
ساري يبعدها ليكمل ترتيب حقيبته : الله يوفقها .. و أستحي أنتِ على وجهج و بلا ها السوالف الماصخه و لا تقعدين أطلعين كلام من مخج لأنج تبين بنت خالج ما تروح بعيد عنج ..
وصايف با غضب : تدري ساري صداقاتك مع عذبي كسرت شي في داخلك .. أنت أكيد تسأل نفسك اللحين ليش وضوح حبتني أنا بذات و ما حبت عذبي أو أصيل ..
ساري بإندفاع : سؤال منطقي . .و جوابه ممكن يكون لأن وضوح في داخلها شي منكسر و تبي تجبره بأحد تظنه اقل منها ..
وصايف : أو بكل بساطه لأن وضوح شفافه و صادقة قدرت تكتشف فيك شي أنت للحين ما أدركته ..
ساري بفضول : مثل ؟
وصايف تهم با الخروج : لا تضيع الفرصة و اسألها بنفسك ..
*
*
منذ ذالك الحوار الذي قلب كياني أصبحت وضوح بؤرة اهتمامي ..
عيناي برعت في ترصدها و أصغت مسامعي لكل ما يأتي في ذكرها ..
و بدأ قلبي يرتبك من مجرد معرفتي بتواجدها في منزلنا ..
و ما أن وقفت أمامي بخجل ذات مرة تخبرني بأنها رسول بمطالب ثقيلة لمن يحملها
فا البنات احترن من يوصلهن لسوق و هي من تحدتهم بي أنا ..
نفضت ما كنت عليه و استلهمت من جرأة عذبي و حاكيت سلوكياته التي أوقعت
كل فتاة ترصدها بشباكه ..
و انهمرت عليها بلذيذ الكلمات و و شوشت لها بما يوسوس به عقلي و قلبي و كلي
في حضرتها .. لتحتضن كفها الصغيرة خدي بصفعه و تنطلق بأسى مبتعدة ..
باكيه و هي تردد .. كم خيبتي بك الآن متعاظمة !
جننت بها .. و كل صد واجهته بعزم أكبر لتقرب منها .. لكن كانت أبية شريفه و أنا
المذنب كليا با تغافل أبناء خالي !
و عندما هربت لأقصى بقاع الأرض و عدت تابع لعذبي أدركت ما لمحت له
فينوس .. أنا هنا و العالم بين يدي ناقص .. و معها كنت كما أريد .. واثق .
عدت سريعا و قبل أن ينطلق الكل بترحيب أخبرتهم أنني أريد الزواج من وضوح ..
*
*
*
أنفال منقطعة الأنفاس تقطع على ساري انسياب ذكرياته : ساري وضوح اختفت .. كبتها فاضي ما خلت شي وراها !
ساري يقفز من مكانه : وين راحت ؟!!
أنفال في قمة القلق : و أنا شيدريني .. أتصل على شملان أكيد يعرف وينها ..
............................................................ ............
في قمة الحماس كل منهم يريد أن يسترعي أنتباهي ...
هل ألبس هذا الفستان ؟ .. ليبعدها المتنمر من أمامي و يسألني أن اصفف له شعره فا
هو يريد أن يشبه عمه أصيل بكل التفاصيل ! ..
فينوس تسرح شعر فطومي بينما تحادث عبدالله : عبودي يا قلبي الجل مو زين
لشعرك بعدين يتساقط ..
عبدالله يضخم صوته ليفخم من عمره الذي لم يتجاوز الست : أنتِ ما تعرفين هذا جل أصلي مو بطقه مثل مال السايق ..
فينوس تطلق ضحكه تملئها الدهشة : و منو شرالك الأصلي ؟
عبدالله بشقاوة : ما شريته .. أنا أخذته من غرفة عمي أصيل ..
فينوس تسارع بتأنيبه : لااااا عبود لازم ما تاخذ شي من غير ما تستأذن .. اللحين عمك يزعل عليك ..
أصيل الذي سمع الحوار يقتحم الغرفة بحضوره الآسر : أبو عذبي كلي حلاله ..
عبدالله يسارع لتقبيل عمه الذي يراه قدوة : عمي أبي أقص شعري مثل قصتك .
أصيل يمسك بأرنبة انف عبود : غالي و الطلب رخيص .. بكره آخذك الحلاق معي .. آمر بعد شنو تبي ..
فينوس أنتهت من تسريح شعر فطومي و التفت على ردينه التي نامت قريبا منها: لا خلاص عبود مو طماع و بيقول لك مشكور يا عمي ..
عبدالله أصبح في جدا مطيع بحضور عمه المهيب : مشكور عمي ..
أصيل يبتسم بحنان : عفوا يا أبو عذبي ..
عبدالله : أنا ما ابي أسمي ولدي عذبي .. أبي اسميه أصيل ..
أصيل يطلق ضحكته الساحره التي تميزه : أنت الحين خلص الابتدائي و يصير خير
.... إلا و شعندكم كاشخين .. بتروحون مكان ؟
فينوس تسبق عبدالله في الإجابة : بوديهم يزورون أمهم .
أصيل أرتبك : أخذتِ الأذن من أبوهم و إلا من راسج قررتي ..
فينوس لم يعجبها ما قاله : طبعا أخذت الأذن من أبوهم ..
أصيل يراوق : و من أمي ؟
فينوس : أمي تفهم شعور الأم و لا يمكن أتخيل أنها ترفض أنهم يزورون أمهم .
أصيل يبتسم بسخريه : صج ؟!! .. زين وين أختج ديمة .. بتودينها تزور أمها بعد أو ما استأذنتي لها للحين ...
فينوس : ديمة معزومة على حفلة ..
أصيل تأجج صوته با الغضب : معزومة على حفلة ؟!! .. خير أن شاء الله و ين قاعدين في لوس أنجلوس .. خلاص كملت العشرين تنعزم و تعزم و تروح و تجي على كيفها ..
فينوس تقطع عليه الطريق : أبوي موصلها و هو اللي راح يردها و هي بنته و مشاورته و كيفه هو وياها ..
أصيل مازال غاضبا : ما راح يخربها إلا أبوي بدلعه الزايد لها ..
فينوس في محاولة لدفاع عن ديمة : اللحين عشان وداها توسع صدرها مع صديقاتها صار مدلعها !!
أصيل : مو هو نفسه اللي كان يوديج و يجيبج من بيت عمي و آخرتها تمردتي و بنفسج هجيتي مع ولد عمج من غير شورنا ..
فينوس تنتفض من مكانها و قبل أن تنطلق با غضب أنتبهت لفاطمة و عبدالله المنصتين :
يله يا حلوين تأخرنا على ماما ..
أصيل يقف أمامها قبل أن تخرج : تبينهم عذر .. تبين تعيدين اللي كان ..
فينوس و غصه تتعاظم لتبث في نبرتها حزن : ربي أعلم في نيتي و ما ني في رجا عفوك يا أخوي ..
أصيل يبتعد بعينيه عنها : أنا راح أوديهم و انتِ أنثبري في مكانج وبيت عمتي مالج مراح له ..
فينوس تنسحب من المواجهة : حلو توفر علي المشوار .. دقايق خلني أنادي المربية تروح معاكم ..
*
*
*
سوف لن أموت ... لا جديد في آرائه .. و كل ما في الأمر أنه يجدد إهاناته ..
هكذا أردد في محاولة لإقناع نفسي أني في مقصورة الاعتياد تبوأت مقعد القائد ..
*
*
روحها المتنازلة و عيناها الخاضعة تفتز القسوة من محاجري لأرسل لها نظراتي
المحرقة و يتبع لساني بتسلط أوامري .. لا أعرف إن كنت نادم أم ذو ضمير معذب
.. كل ما أعرفه أني أود أن أعود لأعتذر !
...........................................................
*
*
*
وصلت لمقر عملي و عندما ترجلت من سيارتي بدأت الأفكار تتجاذبني ..
و ما أن وصلت للبوابة حتى عزمت أمري أن أقطع هذه الأفكار و أريح أعصابي
و أوفر وقتي المهدر على بوابة التأجيل !
عدت أدراجي و انطلقت هذه المره متجها للمنزل الذي سجنت به ثلاث أرواح طاهرة
منذ أن طرقت على الباب حتى استشعرت با غرابة الأجواء ..
يبدوا المكان جدا هادئ .. لا صوت لسالم المشاغب و لا لوداد هاوية التنظيف و
إغداق الماء على عتبات الباب ...
وقفت للحظة و عزمت أمري أن أتوجه للخلف و أدخل مباشرة على علي ..
و على أن المسير كله خطوات إلا أن عقلي قاسه بساعات طوال !
خوف .. بل رعب .. مما ينتظرني ..
أيعقل أن ستار الليل أخرج المارد مره أخرى من علي ليشكل جريمة أخرى ...
أيعقل أنني ساعدت علي تشكيل نهاية سالم و وداد كما شكلت نهاية والدهم .
*
*
*
شملان دخل بتوجس على علي الذي كان يجلس بين الفوضى يبكي كا طفل : علي ..
علي شفيك .. في شي يعورك ؟ .. وين وداد و سالم .. ما جوك الصبح ؟
علي : ما لقيت دفتري .. لما قمت الصبح ما لقيته .. وين .. أبي أكتب اللي تخمر في عقلي ..
*
*
تركت علي خلفي و اتجهت للباب الذي يفصل بين غرفة علي و الممر المؤدي
للمكان لمخصص لوداد و سالم .. .لأنادي على أمل أن أسمع أصواتهم لتو مستيقظين
لكن عندما رد الصدى اتجهت بعزم باحثا عنهم في إرجاء المكان .. و كلي أمل أن لا
أجدهم ! .. نعم .. لا أريد أن أجدهم جثث خالية من الحياة ... بطبع لن يكون علي
المتهم فا علي كان محبوسا وراء الباب المغلق .. لكن فتاة وحيدة و أخيها صبي
صغير عرضة لأي طامع و مراقب لوضعهم الغير ملائم !
لكن من حسن حظي أم حظهم .. لا أعرف لكن من المؤكد أنه أسعدني أنني لم أجد
لهم أي تواجد.. و هناك عدة أجوبة لهذا الاختفاء المفاجأ ..
*
*
شملان يعود لغرفة علي : علي وداد و سالم ما جوك اليوم ؟
علي : بلى جت وداد و سالم وجابو لي فطوري .. بس مدري من فيهم سرق دفتري ... روح جيبه منهم و إلا ترى ما عاد راح آكل شي يجيبونه لي ..
شملان : أي دفتر اللي تكلم عنه ؟
علي يصرخ في شملان : دفتري اللي من جيت أقولك عنه .. أنت ليش ما تنبه للي أقوله .. ها الدفتر هو بس اللي يسمعني و إلا أنتم كلكم ما تسمعون ..
شملان بتوجس : و ها الدفتر شنو فيه .. شنو اللي تقوله له ..
علي يسرح ليرد بصوت مختلف : أكدس فيه بعض اللي باعوه البؤساء و كل من تشرد عطيته ورقة و خليته يخط فيها عريضة .. فيها أخوي و ولد عمي .. فيها
كل من تمرد و سكن في عقلي و تنفس ..
شملان بخوف : علي أنت كتبت فيه شي عني .. عن أصيل ؟
علي يلتفت لأخيه و يبتسم بخبث : و أنت و شعرفك في أصيل ؟ .. مو أنت قلت لي أن أصيل شخص من ورى السور .. و إلا أنت أنجيت ؟!!
شملان بإرتباك يحاول أن يلهي علي : تبيني أجيب لك دفتر ثاني تكتب فيه ؟
علي بصوت ملهوف أشبه لصوت طفل : أيه بس أبيه أكبر و معاه قفل .. و أبي أوراقه ملونه .. و على غلافه أبي تحط صورة أصيل .. بعدها ضحك علي بشدة
... ترى امزح معاك ما ابي دفتري يشبه دفتر هنوده ..
جيب لي ورق .. بس ظنك أي ورق بيكفيني عمر ؟!!
شملان يبتعد عن علي و يحاول أن يستعيد توازنه : علي أنا بروح اللحين أجيب لك أرواق بس اول بعطيك دواك و بتنام على ما أجي .. زين ؟
علي : أي أنا أبي أنام .. ما عندي شي أسويه .. دفتري مو معاي والورق يبيله عمر..
*
*
كا طفل نام سريعا و كا لص تسللت على أطراف أصابعي هاربا ..
لا اللص ليس أنا .. وداد .. وداد هي اللص و المجرمة !
أيعقل أن تكون وداد بهذا الخبث .. تسرق بأناملها الصغيرة دفتر علي لتجرمني عندما
أحاول أن أبتزها لتعود سجانه تحت أمرتي !
با الطبع و إلا ما سر اختفائها وأنا من با الأمس كان من يهددها ..
لو كنت فقط أكثر انتباها لذاك الدفتر الذي لا يفارق علي لكنت الآن أكثر أمانا ..
................ رنين هاتفه يقطع عليه أفكاره ................
*
*
*
ساري : وضوح معاك ؟
شملان : و شيجيبها معاي ؟!!!
ساري بذعر : إذا مو معاك و لا هي في البيت أجل وين راحت ..
*
*
*
قفز عبد الله بحماس و تبعته فاطمة على استحياء و تعلقت ردينه الصغيرة في رقبة
مربيتها خائفة من المكان !
و ترددت أنا على عتبة الباب بدخول .. كيف سيكون استقبال عمتي لي
و هل سأصادف زوج عمتي السارق .. و ماذا عن وصايف هل هي على بعد
خطوات مني وكل ما علي أن أنبهها بتواجدي و أقترب أكثر من مرادي ..
*
*
ساري المرتبك كان خارجا من الباب بسرعة ليرتطم بأصيل الذي عاجله بسؤال: شفيك عسى ما شر وين طاير ؟!!
ساري توقف لحظة ليتأمل أصيل و تبدأ شكوكه تهيأ له أن أصيل يعرف بمكان تواجد وضوح : خالي وينه ؟
أصيل : مدري بس آمرني تبي شي أنا أسد محله ..
ساري بشك : أنت شعندك مسير علينا .. مو العاده ..
أصيل : الظاهر ما انتبهت لعيال أختك اللي توهم أدخلوا ..
ساري يلمح شملان من خلف أصيل : أعذرني أصيل أنا عندي مشوار مع شملان و إلا جان استقبلتك ..
أصيل لم يعجبه رد ساري : واضح أن في شي ما تبيني أعرفه .. بس تذكر أنا ولد خالك و أول واحد بيوقف معاك أنت بس آمر ..
شملان الذي أستمع لما قاله أصيل : و أنت أول واحد راح وشهد ضد أبو ساري ..
و أول واحد كبر قلب أخوه على أم عياله ..
أصيل أستفزه شملان ليقترب ويواجهه بكلماته المباشرة : و أنت يا ولد عمي أول واحد طعن و خان و ها المره و أنا متأكد أنك ورى كل اللي صار ..
ساري يتدخل : قصروا حسكم ترى لا المكان مناسب و لا الوقت ..
شملان بتحدي : أنا ماني متحرك من مكاني لين ولد عمي يجيب كل اللي عنده ..
*
*
*
خالد الذي لتو أوصل هند لمنزل عائلتها استوقفها بعصبية : لحظة وين رايحه ..
هند مستغربه : وين بعد بروح ! .. بنزل ..
خالد : أنتِ ما تشوفين أخوج و ولد خالج معاهم رجال واقفين قدام باب بيتكم ..
هند : هذا أصيل ولد خالي مسامح ..
خالد يدقق النظر في هند : أي ؟ .. و هذا بعد حسبة أخوج ؟
هند تحاول أن تتفادى التصادم : إذا ما تبيني أنزل أجل حرك اللحين قبل ما ينتبهون لنا و يعتقدون انك ما تبي تسلم عليهم ..
خالد بغضب متزايد : ماني متحرك لين تجاوبيني .. أنتِ ميانه مع عيال خوالج ؟ .. تسملين عليهم و يسلمون عليج و البساط أحمدي ..
هند تكبت غضبها : لاحول و لا قوة إلا با الله ..يا أبن الحلال السلام لله و إلا لا أنا هامتهم و لا هم هاميني ..
خالد : اسمعيني يا هند أنا أكره ما علي أن الواحد يستخف في عقلي و يردد بينه و بين نفسه خلني آخذه على قد عقله .. أهلج اليوم تقولين لهم ماراح أزوركم وولد خالي ماخذ راحته في البيت و قولي لأخوج الرخمه ترى البيت له حرمه و عليك حفظها ..
هند أستفزها خالد بكلماته التي أنتقص فيها من كرامة أخيها : لو فيك خير و رجال تنزل الحين و تقول لأخوي يا الرخمه و با المره تقول لولد خالي ...
خالد قبل أن تكمل هبط على رأسها بقوة يده ماعقبا : رجال غصبا عنج يا بنت الرخوم ..
*
*
*
اختنقت .. تلاشت كل ذرات الهواء مع تبخر الكرامة ...
كرهته .. كرهته في لحظة و أنا التي منذ سويعات كنت أعوم في أعماق غرامه
وحش .. نعم .. وحش .. مزق أنثى ظنت أنه الفارس ..
*
*
كنا في معمعة تراشق الاتهامات و لم يوقف سيل الغضب العارم إلا صرخات أنثى
مذعوره .. ألتفتنا كلنا في نفس اللحظة لنرى امرأة و رجل في سيارة متوقفة أمام
المنزل هو يصرخ بها و يمسك ذراعاها و هي تبكي بهستيرية و تحاول أن تخلص
نفسها منه في الحيز الضيق الذي كان ساحة لمعركة غير متوازنة الأطراف ..
و لم يقطع ذهولنا إلا صوت ساري و هو يردد هند .. هند ...
تبعنا ساري الذي أندفع مسرعا يقصد السيارة التي حبست فيها أخته و هي تحت
هجوم من شخص يفوقها قوة .. كان المشهد تراجيديا .. ساري الهادئ أصبح وحش
كاسر أنقض على الرجل الذي من المؤكد أنه زوج هند بقبضاته المتوالية ..
شملان حاول أن يفككه من يده و هو يحاول أن يكون الحكم .. أما أنا تصلبت
كل أوردتي و انقطعت إمدادات الدم لرأسي وقفت مذهولا و أنا أراقب أنثى منكسرة
بُعثِرت كرامتها تأن بضجيج أخترق مسماتي ووصل لعروقي ..
فينوس .. صورة فينوس تراءت أمامي لأندفع مواسيا ألملم ما تبعثر من حقيبتها
و أسندها لتصل للمنزل لحيث الأمان ولم أتوقف إلا عندما صرعني الثقل لتتلقفني
الأرض و أغيب على أصوات با القرب مني تلاشت ...
*
*
*
تتلاشى الظلمة في تجرد مواقفنا
لنتعاطى مع المواقف ببسالة عندما لم يعد الأمر .. من المهم !
............................................................ ...............
*
*
*
*
انتهى ..
|