كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ولم تصدق ريتا وإن تظاهرت بعكس ذلك ، إقتربت منها قائلة :
" كايد يقيم حفلة كبيرة في شقته ، لماذا لا تذهبين وتمرحين قليلا ؟".
ترددت كاريسا فقالت ريتا :
" هيا يا عزيزتي ، إغسلي وجهك وضعي قليلا من مساحيق التجميل ، ستشعرين بتحسن بعد ذلك ".
وإمتثلت كاريسا لنصيحتها ، لن يفيدها البقاء وحيدة ، سجينة الجدران ، وسجينة وحدتها والمها ، الإختلاط بالناس سيبعد ذهنها عن معاناتها.
وذهبتا معا الى شقة كايد ، كانت غرفة الإستقبال تعج بشباب الفرقة ، جلس بعضهم ارضا ، وتفرق الآخرون على المقاعد المريحة ، كان كايد يقف في الزاوية المقابلة ، وعندما رآهما إبتسم بحنان وسعادة ، هكذا ينظر إذن الى ريتا ، همست كاريسا لنفسها بألم وهي تدخل المكان بتردد ، إقترب منهما كايد والإبتسامة الرقيقة ما تزال تتراقص على شفتيه ، نظر الى كاريسا قائلا:
" هل تشعرين بتحسن؟".
" نعم ، صحتي أفضل بكثير ، شكرا".
وحدّق فيها بإهتمام وكأنه يحاول ان يخترق الحاجز الذي وضعته بينهما ليدخل الى أعماقها ، ويعرف الأحاسيس التي تتفاعل داخلها ، وناداه شخص ما فإلتفت اليه.
إقترب منها احد أعضاء الفرقة ، شاب لم تكن تعرفه جيدا ، حيّاها بمودة وجلس على الأرض قرب قدميها يحدّثها بحرية ، بينما كانت ريتا تتبادل الكلام مع جاك بنتون ورجل آخر لا تعرفه.
وبدأ شاب ما بالعزف على الغيتار وإرتفعت بضعة أصوات باغنية مرحة ، أقنعها رفيقها بأن ترقص معه ، ودعى شخص آخر ريتا .
وتوقف الرقص عندما قرع جرس العشاء ، وقادها الشاب الى غرفة الطعام حيث ختار طاولة لا تتسع إلا الى شخصين فقط ، وأحست كاريسا بسعادة لأهتمامه بها ، من الواضح انه كان يحاول أن يجذبها اليه ...ولم تمانع هي محاولاته ، أي شيء يبعدها عن دائرة كايد ترحب به في الوقت الحالي.
وحاولت كاريسا تجنب النظر الى الطاولة التي كان يجلس اليها كايد وريتا ، ركزت كل إهتمامها على الشاب الجالس أمامها ، وفور إنتهاء العشاء إستاذنت بالذهاب الى فراشها.
ولم تكد تصل الى غرفتها حتى كان كايد وراءها ، حاولت أن تغلق الباب بسرعة لتمنع دخوله ، لكنه كان أسرع منها إذ دفع الباب بشدة ودخل الغرفة وهو يقول:
" تأخرت يا عزيزتي".
واغلق الباب وراءه بالمفتاح ، إحتجت كاريسا على تصرفه هذا.
" لا أذكر أنني دعوتك الى غرفتي ".
" اريد أن أكلمك ، يبدو أنك إسترجعت عافيتك بسرعة ".
إحمرت وجنتاها ببريق مشرق ، ولمعت عيناها ببريق ساخر .
" العلاج كان مفيدا ".
كانت تقصد الصفعة التي وجّهها لها صباح اليوم ، وإصراره على إصطحابها معه على الطائرة ، لكنه أساء فهم عبارتها.
" آه ، نعم ، لمسات الشاب الذي كان يرافقك ، وكلماته المعسولة كانت كافية لإسترجاع عافيتك ! ".
لم يلمسها الشاب ، صحيح أنه حاول الإمساك بيدها لكنها سحبتها بسرعة ، وكادت تنكر إتهامه بشدة ثم تراجعت عن ذلك في اللحظة الأخيرة، الطريقة المثلى لإقناع أي رجل بأنه لا يحوز على إهتمامك ، هي التظاهر بالإهتمام برجل آخر ، إبتسمت بغموض وتركته يظن ما يشاء .
ويبدو أن موقفها هذا لم يرق لكايد الذي لوى شفتيه بغضب ، وساد الصمت بينهما فقطعته كاريسا قائلة :
" ماذا تريد يا سيد فرناند ؟ أية خدمة؟".
كان عليها ان تشعر بالخطر عندما رأت البريق الحاد الذي يلمع في عينيه ، لكنها تجاهلته مرة اخرى ، أمسك بكتفيها وأخذ يهزها بقوة وعنف حتى كادت تصرخ من الألم ، وفجاة حاول عناقها ، فقاومته بضراوة .
" كايد ، أرجوك ، لا ".
" هذا سيعلمك ان لا تناديني بالسيد فرناند مرة اخرى ".
" لا ، لا ، ارجوك ، قلت بانك جئت لتكلمني ".
" لا ، لأن كل احاديثنا تنتهي بعراك".
وحاول مجددا ، فكررت بنعومة هذه المرة :
" اخبرني أولا ، ماذا كنت تريد أن تقول ؟".
" كنت أريد ان اتكلم عني وعنك ، وعن ريتا ".
" ريتا ، نعم علينا ان نتحدث عن ريتا ".
وفجأة احست بالخجل لوجوده معها في غرفتها.
وعاد كايد يحتضنها .
" لا ، ليس الان ، لا أريد أن أتحدث عن احد الآن ... ولا حتى عن ريتا ".
بهذه السهولة إذن هو مستعد لأن يخون ريتا ، وهي ! كيف سمحت له بأن يعانقها.
وصرخت في وجهه :
" إبتعد عني ، أنت رجل حقير ".
" ما بك ترفضينني ، لم تمانعي من قبل؟".
واحست بالدموع تكاد تخنقها ، فلاحظ إضطرابها :
" آسف ، لم أكن أنوي إزعاجك ، أخطات عندما فرضت عليك المجيء معي ، لكنني اردتك بقربي ، وعندما لم اجدك جننت ".
فأجابته بمرارة :
" دائما تغضب عندما لا تستطيع الحصول على كل ما تريد ".
لم يجبها ، لكنها احست بيديه تمسكانها بحنان ، ثم همس في أذنها :
" عندما تركتك آخر مرة ، كنت آمل ان استطيع نسيانك قبل عودتي ، وجودك معي كان الإمتحان الذي فرضته على نفسي لاختبر عواطفي و..".
وتردد كايد ، فسألته بفضول:
" و.... ماذا؟".
" قبل ان نفترق قلت لي بأنني لا اعني لك شيئا ، وأكّدت ذلك هذا الصباح ، لكنني أعرف انك ما زلت تحملين عاطفة ما لي ، لا تستطيعين إنكار ذلك ، وأنا ما زلت أريدك ".
" مؤقتا ".
وشد قبضته عليها وكانه يريد ان يهزها .
" إسمعي ، إنسي كل ما قلته لك سابقا ، معك بدات اعرف معنى الحب ، إكتشفت أحاسيسا لم أكن أعرفها ، وأحيانا يشعرني هذا بالألم ، وعندما اتالم أتعمد إيذاء الغير ، لكنني احاول الان ان أسيطر على طبيعتي هذه ، خاصة منذ وجدت ريتا ، أريد ان اجنبها كل الآلام التي عرفتها حتى الآن ".
" كيف تستطيع إذن أن....".
" لم أقل أنني رجل مثالي ، قلت لك انني احاول ، ريتا وأنا امضينا فترة طويلة بدون إنتماء الى أي شخص".
وهمست كاريسا بألم :
" إذا كان بإمكانها إسعادك ، فهذا يفرحني".
" طبعا تستطيع إسعادي ، لكنها لن تتمكن من إعطائي نوع الأحاسيس التي أريد ".
" لكنها تحبك ".
" الأمر يختلف تعرفين ذلك جيدا ، أخذت وقتا طويلا للتفكير قبل ان أقرر الزواج ، كاريسا ، حتى عندما تركتك لم أكن افكر بالأمر جديا رغم انني كنت أعرف جيدا ان امرا مهما حدث في حياتي ، لا أستطيع الهروب منه ، ريتا كان لها الفضل في إعادة تقييمي للأمور ، وساعدتني على ان افهم أن الحب ليس مجرد علاقة عابرة ، لقد اعطينا بعضنا الكثير خلال الأشهر الماضية ، لكن هذا ليس كافيا يا كاريسا ، لم أكن مستعدا لأن أقول هذا قبل اليوم ، لكن آن الأوان لأعترف بحقيقة شعوري ، انا احبك... احبك".
وإتسعت عيناها وهي تحدق به ، وأحست بالألم يمزقها ، وهي ترى الرائع في عينيه .
" لكن كايد ....جئت متأخرا".
ورأته يبلع ريقه بصعوبة وهو يعض على شفتيه ، فكررت :
" تأخرت يا كايد ، آسفة ، عليك ان تكتفي بما تستطيع ريتا منحك إياه".
لا تريد أن تؤذي ريتا ، كفاها ما فعل بها الدهر ، وكايد أيضا لا يحق له أن يؤذيها ، ولا يستطيع أيضا أن يحتفظ بهما معا ، هذا سيفسد حياتهم جميعا.
صحيح أنها لن تتوقف عن حبه ، لكنها لا تستطيع إلا أن تعترف بانه ما زال إنسانا أنانيا.
القى كايد يديه بتثاقل على جانبيه ، وإنطفأ البريق في عينيه .
ولم ينظر اليها وهو يغلق باب الغرفة وراءه.
|