كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وتوقف المفتش قليلا قبل ان يكمل قائلا :
" زملائي في أميركا ياملون أن نتمكن من إقناع غوميز بإعطاء أدلّة تدير أفراد العصابة ، في حوزته معلومات مهمة تفيد رجال الشرطة ".
" وهذا سبب آخر لرغبتك في إصدار اقصى عقوبة ممكنة في حقه ، تريد ان تخيفه ليفضح اسرار العصابة".
عضّ المفتش على شفتيه ، ومن ثم ضحك قائلا :
"نحن نحب المساعدة عندما نستطيع ذلك ".
وقف كايد فجأة وتوجه الى النافذة ، وبعد لحظات قال :
" اتعلم أن غوميز عاش حياة شريفة في السنوات العشر الماضية ، قبل أن تتصل به العصابة ، هل تعلم ذلك ؟".
تردد المفتش قبل أن يجيب :
" وكيف تعلم أنت ذلك ؟ إن لم يدخل السجن ، ولم يحاكم في السنوات العشر الأخيرة فهذا لا يعني بالضرورة....".
" كان يعيش حياة شريفة ....زوجته اخبرتني بذلك ، كانت العصابة تضغط عليه بتهديده بإيذاء زوجته وطفلته".
" يا لها من أساليب شريرة ! ".
" هل كنت تعلم ذلك ؟".
"لا ، كل ما أعرفه أن زوجته ماتت ، أليس هذا هو السبب الذي جعله يريد قتلك ؟ ماتت في سيارتك ... أليس كذلك ؟".
"صحيح ، وإلتحق غوميز بالعصابة لينتقم مني ، وفاة زوجته أفقده توازنه".
وإعترف المفتش قائلا :
" حقا إنها ظروف مؤسفة ... لكن الرجل ... قاتل".
" في بعض الدول يعتبرون هذا نوعا من الجرائم العاطفية ، فتصدر المحكمة حكما مخففا ، وإن تمكن القاتل من تنفيذ جريمته ".
وإبتسم المفتش قائلا :
" هل تقصد بكلامك هذا ان نكف عن ملاحقته ؟".
وبادله كايد إبتسامته :
" لا رغبة عندي بإنهاء حياتي ، لكنني لا ارغب كذلك في الإنتقام من رجل عانى الكثير في حياته ، حاولت مرارا الإتصال بغوميز للتحدّث اليه قبل مغادرتي للولايات المتحدة الأميركية ، كان يتصل بي هاتفيا ليهددني ، لكنه كان يرفض الإستماع الي ، خطتك لا تعجبني يا حضرة المفتش ، ولذا أطلب منك إبعاد رجالك عني".
وساد صمت مفاجىء ، ولم يكد المفتش يتمالك دهشته حتى قال :
"آسف ، لا أستطيع تلبية الطلب ، الرجل مطلوب من رجال الأمن هنا وفي الولايات المتحدة الأميركية ".
" حسنا ، هذا شأنك ، لكنني أطالب برفع حماية رجال الشرطة عني".
ورغم إعتراض المفتش موريس اصرّ كايد على موقفه مصرا أن رجال الشرطة لا يستطيعون ان يفرضوا عليه حماية لا يريدها .
وتدخل موريس قائلا :
" لكنك لا تستطيع ان تمنعهم من مراقبة المنزل من الخارج ؟".
" أعرف ، لكنهم لن يتمكنوا من القبض عليه متلبسا طالما لم يدخل المنزل ، ولو سمحوا له بإختراق حواجزهم والوصول الي ، ستكون فرصتي الوحيدة لأجعله يعرف الحقيقة ، وفي الحالتين لن أكون الطعم الذي يريدون ".
" ولماذا تصر على مقابلته الى هذه الدرجة ؟".
" من اجل زوجته ! ".
وهنا تدخلت كاريسا بعد صمت طويل :
" تريد أن تريح ضميرك يا كايد ؟".
" ربما ".
وعاد يلتفت الى موريس :
" موريس ، سأذهب الى الفندق إن كنت ترغب بذلك".
" لا ، لا ، ستبقى هنا .... وسأبقى معك ، أما كاري فستعود الى شقتها".
" لا ، كاريسا ستبقى هنا ايضا ! ".
إنتفض موريس ونظر الى كاريسا فوجد وجهها جامدا لا يعبر عن أي إنفعال ، وأضاف كايد :
" لا تخافا شيئا ، غوميز ليس مجرما محترفا ، لن يؤذيكما ، يريدني انا فقط ".
وتوقف قليلا قبل ان يتابع :
" تستطيع وكاريسا أن تتصرّفا بحرية ، يمكنكما ان تتقاسما غرفة واحدة بدون أي إحراج... كالعادة ".
إضطرب موريس ، وعندما نظر الى كاريسا اساء فهم نظرة الرجاء في عينيها فقال :
" لم أتقاسم في حياتي غرفة واحدة مع كاريسا ، أنت مخطىء تماما في ظنك ، كاريسا مساعدتي وأنا أحترمها جدا ".
رفع كايد حاجبيه بتعجب وقال :
" آسف ، كنت أظن أنكما على علاقة غرامية ".
" ابدا ، أنت مخطىء تماما ".
ونهض موريس قائلا :
" سأذهب لعداد بعض الشاي والقهوة ".
وعندما خرج من الغرفة إلتفت كايد الى كاريسا ساخرا :
" يا لك من مخادعة ! ".
" انا لم اكذب ، أنت إستنتجت ما يحلو لك ".
" لكنك ساهمت في تأكيد إستنتاجي ، لماذا ؟".
" لأبعدك عني ، ماذا كان إسمها ؟".
" إسم من ؟".
" زوجة غوميز ، ام انك لا تذكر ؟".
" بلى أذكرها جيدا ، إسمها كارلوتا ، ولماذا كل هذا الإهتمام بإسمها ؟".
" هذا جزء من عملي ، سأذهب الآن لمساعدة موريس".
أرادت ان تهرب منه ، ومن السؤال الذي يحرق حلقها : هل كنت تحب كارلوتا ؟ لكنها لم تعرف الجواب جيدا ، كايد لا يحب أحدا ! لماذا إذن يخاطر بحياته لمساعدة زوج كارلوتا ؟يعاني من أزمة ضمير ؟
واخذت تتصوّر كارلوتا ، يا له من إسم جذاب ومثير ، هل صاحبته جميلة يا ترى ؟ يا له من سؤال سخيف ! طبعا هي جميلة ، كل نساء كايد جميلات....
المفتش قال أن كارلوتا ماتت في سيارة كايد ، حادث إذن ؟ كايد كان يقود السيارة ، ومن الطبيعي إذن ان يحمّله زوجها مسؤولية وفاتها ، وكايد هل يعتبر نفسه مسؤولا عن موتها ؟ ألهذا يريد مقابلة غوميز ؟ ليبرر وفاة كارلوتا ؟
وعادت كاريسا الى غرفة الجلوس بفناجين القهوة ، ووراءها موريس يحمل طبقا من الأجبان والخبز ، وجلسوا يتناولون طعامهم وشرابهم وكان شيئا لم يحدث في الأيام الماضية .
حملت كاريسا الأطباق والفناجين الفارغة وعادت بها الى المطبخ لغسلها ، وفجأة أحست بكايد يقف وراءها.
" ما بك ؟ هل خشيت أن افر من الباب الخلفي ؟ أو ان أحمل منشفة بيضاء ألوح بها لشريكي في المؤامرة ؟".
إبتسم بمرح وأجاب بكلمة واحدة :
" ربما ".
وامسك بمنشفة نظيفة وراح يساعدها في تجفيف الأطباق ، وخطر ببالها سؤال آخر لم تتمالك من طرحه:
" ماذا حدث لإبنة كارلوتا ؟".
" هي مع جدتها ، كانت كارلوتا تتركها بعهدة والدتها عندما كانت تاتي لزيارتي ".
" طبعا ، لم تكن المراة لتصطحب إبنتها الصغيرة في زيارتها لصديقها".
وتمنت كاريسا لو لم تفتح هذا الموضوع لأنه أجابها ساخرا :
"وهذا السؤال أيضا جزء من عملك ، ماذا تريدين أن تعرفي بعد؟".
" كنت مهتمة بالطفلة ، انا احب الأطفال وأعتقد انه من واجب الكبار الإهتمام بهم وتحسين العالم الذي يعيشون فيه".
ولم يجب ،وعلى غير عادته اشاح نظره عنها وإنهمك في تجفيف الأطباق ، وبعد دقائق من الصمت الثقيل سألها :
" أجيبيني بصراحة يا كاريسا ...".
قاطعته بمرارة:
" وهل تعتقد أنه بإمكاني ان أكون صادقة وصريحة ".
تجاهل تعليقها وسالها بسرعة:
"كيف كنت تفكرين بي في السنوات الماضية ؟ بكره ؟ أعرف أنني كنت في غاية القسوة معك ، لكنها كانت تجربة جديدة بالنسبة الي أيضا ".
" وهل أزعجك هذا الأمر؟".
" تعرفين جيدا أنه ضايقني جدا ، ولذا كنت قاسيا معك ، شعرت بالذنب .... ألا تفهمين ذلك؟".
لم تجب فسارع الى القول :
" لم تجيبي على سؤالي بعد ! ".
" حاولت أن لا افكر بك على الإطلاق ، لم يكن هناك ما أريد أن أتذكره ".
" لا شيء ؟ لا شيء على الإطلاق ".
" وماذا تريدني أن تذكر ؟ العار ، الذل ، الألم ؟ ولماذا أتذكر كل هذا ؟ اريد ان أنسى ما حدث ".
تسمّر كايد في مكانه ، وبعد لحظات قال بصوت فيه مزيح من الحزن والتوتر :
" آسف ، لو كنت أكبر سنا لكان بالإمكان معالجة كل هذه الجراح ".
وتردّد قليلا قبل أن يضيف :
" آمل ان يكون الرجل الذي عرفته بعدي قد تمكن من تصحيح الخطأ الذي إرتكبته ".
" أي رجل ؟ لم أعرف رجالا بعدك ".
" ماذا ؟".
" لم اعرف أي رجل بعدك ، نفرت من كل الرجال ".
" هل آلمتك لهذه الدرجة ، يا الهي ، لا أستغرب الآن أن تكرهيني الى هذا الحد ، يا الهي ".
وإنصرف عنها ، فإتكأت على الطاولة ، وإنهمرت الدموع من عينيها لتفتح جرحا لم يطوها النسيان.
|