كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
3- لمسة الذكرى
جلسا في الظلام الدامس يلفهما الصمت ، وبعد ربع ساعة تقريبا اشار لهما الحارسان بالتحرك ، فعادت كاريسا تركز إهتمامها على القيادة ، كم تشعر بالإرهاق ، هي تعبة ، وتريد ان تغلق عينيها في نوم عميق ، عليها ان لا تستسلم لهذا النعاس.
كان كايد قد أسكت المذياع عندما طلب منها إطفاء المحرك فسالته :
" هل تمانع الإستماع الى المذياع مجددا ".
" طبعا ، كما تريدين ".
وعادت الموسيقى الهادئة تملأ الجو .
" ما بك يا كاريسا ؟ هل أنت بخير ؟".
" نعم لا تقلق ، اشعر بإرهاق بسيط ، القيادة متعبة في الظلام والطريق طويل ، أحسس بملل".
" هل هذا تعليق على رفقتي؟ هل تفضلين أن أتحدث اليك ؟".
" طبعا لا ".
" طبعا لا ... ماذا؟".
" اقصد أنني لم أعلق على رفقتك ، مللت الطريق ... لا رفقتك ، تكلم إن كنت ترغب بذلك ، لكن لا تعتبر نفسك ملزما بتسليتي ".
وهمست كاريسا لنفسها : بل على العكس تماما ، من المفروض أن أكون أنا الملزمة بالترويح عنك على الأقل هذا ما طلبه موريس منها ، لو عرفت مسبقا شخصية الرجل الذي وضعه مديرها في عهدتها ، لما وافقت على القيام بهذه المهمة ، لكنها لا تستطيع أن تتراجع الآن بدون إثارة شكوك موريس ، في أي حال ، لن تترك وجود هذا الرجل يؤثر عليها ، عليها أن لا تنسى أنها لم تعد مراهقة في السابعة عشرة من عمرها بل إمرأة ناضجة في الخامسة والعشرين ، لن تكرر مرة أخر اكبر خطأ إرتكبته في حياتها.
تبادلا بضعة أحاديث سطحية تخللها الكثير من فترات الصمت ، وعندما توقفت السيارة أخيرا أمام بوابة المنزل الريفي تنفست كاريسا الصعداء.
توقفت سيارة المرسيدس وراءهما ، فترجل الحارس ذاته وإقترب منهما ، اشارت له بيدها الى الدرب المؤدي الى كوخ الصيادين ، فاشار بدوره الى صديقه بالتوجه الى هناك ، ولم يتحرك هو من مكانه.
" إن كنت لا تمانعين يا آنستي ، سأذهب برفقتكما الى المنزل الريفي".
ناولته مفاتيح البوابة الحديدية ، وعندما فتحها على مصراعيها إنتظرا مرور كاريسا ليعود ويغلقها جيدا ، ثم صعد في المقعد الخلفي، لم يتكلم حتى أوقفت الفتاة السيارة في المرآب.
" ارجوكما البقاء هنا ، سأتفقد المنزل اولا ، أعطني المفاتيح من فضلك ، لا تغادرا مكانكما قبل عودتي".
وإختفى في الظلام ، احست كاريسا بتوتر كايد الذي فتح باب السيارة بعصبية ، فذكّرته برقة :
" طلب منا البقاء هنا ! ".
" إنه يعمل عندي ، انا الذي أصدر الأوامر ".
" إنه يؤدي عمله ، دعه يفعل ذلك ".
تمتم بكلمات غير مفهومة فعرفت أنه يريد اللحاق بالرجل ، بدل الجلوس كأي جبان رعديد ، وتذكرت ان عليها الإهتمام بسلامته ، فكذبت قائلة :
" من جهة ثانية ... لا أحب البقاء بمفردي في هذا الظلام الدامس ".
نظر اليها بحدة وأغلق الباب بقوة :
" لم أكن أظن أنك إمرأة ضعيفة ".
" لست كذلك ! ".
وأحست فجأة بأصابعه الباردة تلف معصمها ، وسمعت نبرة ساخرة في صوته وهو يعلق ببطء :
" اعتقد ان نبضك سريع بعض الشيء ".
لم تستغرب كاريسا ذلك ، دقات قلبها كانت تتسارع وهو لا يشعر بالذكريات التي تدفقت في وجدانها حين لمسها ، فجاة أحست بكره شديد نحوه.
كيف يجرؤ على التصرف بهذه الحرية واللامبالاة ، لقد غيّر مجرى حياتها وجعلها عاجزة عن التجاوب مع أي رجل آخر ... حطم حياتها ، وها هو يجلس قربها الآن ، لا يتذكر أي شيء عن اللحظات الحميمة التي جمعتهما... وكرهته أكثر لأنه لا يتذكر.
هذه المرة لم تسحب يدها من قبضته ، بل شعرت برغبة بدائية لرفعها وصفعه بكل المها وغضبها ، تمالكت أعصابها ، وسحبت يدها بهدوء.
وبعد دقائق عاد الحارس ومعه رفيقه فإستغربت كاريسا الأمر.
" كيف تمكن رفيقك من فتح البوابة ؟ ظننت انك اغلقتها بالمفتاح بعد دخولنا".
" السيد ويات أعطانا مفتاحا إضافيا ، إستعدادا لكل الإحتمالات ، تستطيعان دخول المنزل الان ، تركنا رقم هاتفنا على طاولة الإستقبال ، تصبحان على خير ".
خرج كايد اخيرا عن صمته ليقول:
" شكرا لك يا ستان ، تصبح على خير يا بات ".
وعندما إبتعد الحارسان سألت كاريسا بدهشة :
" ستان ؟ بات؟ متى إلتقيت بهما؟".
" أثناء وجودك في المكتب ، لا يستطيعان بالطبع اداء مهمتهما بدون التعرف أولا على المعني بالقضية".
" آسفة ، لست معتادة على هذا النوع من المغامرات البوليسية ".
" ولا انا ".
غادرا السيارة وحملا حقائبهما الى المنزل ، دخلت كاريسا المطبخ الصغير وألقت حقيبتها ارضا.
" ساضع ابريق القهوة بالماء " ووضعته على نار هادئة ، وصعدا معا الى الطابق الأعلى ، فتحت كاريسا باب غرفة النوم الأولى وسالته :
" اتعجبك هذه ؟ إنها مجهزة بحمام خاص".
" حسنا ، سأبقى هنا ".
القى غيتاره على السرير بينما ذهبت كاريسا لإحضار الاغطية والوسائد والمناشف ، وعندما عادت كان كايد قد خلع سترته وربطة عنقه ، كم يبدو وسيما وجذابا ، لا ، لن تستسلم لسحره.
" القهوة ستكون جاهزة بعد خمس دقائق ".
ولحق بها الى المطبخ ، رأى حقيبتها مرمية أرضا فحملها سائلا :
" أين تريدين ان أضعها؟".
" دعها الآن ، سأحملها الى غرفتي لاحقا ".
لم يتحرك من مكانه ، ولم ينزل الحقيبة من يده.
" أين تريدين أن أضعها؟".
ترددت كاريسا لحظة فسبقها الى القول :
" ما رايك بالغرفة المجاورة لغرفتي؟".
" لا بأس ، شكرا".
|