كاتب الموضوع :
ليتني اعود طفلة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: 227- المبادلة العادلة - فاليري بارف - مكتبة مدبولي
لم تعرف جاكلين ماذا تقول لـ كريس ذلك لأنها أحست بنفس المشاعر فى الطفولة , و لكنها كانت تعوز ذلك إلى أن كل طفل فى تلك المرحلة يحس بنفس المشاعر و الأحاسيس و لذلك لم تبتئس كثيراً من ذلك الشعور و قالت:
ــ أنا أتفهم مشاعرك هذه جيداً كريس.
ـ أنا أرتاح فى حديثى إليك يا جاكلين مما يجعلنى أفضى إليك باسرارى التى ربما أخفيها حتى عن أخى ناشى و عن أمى لأنى أعلم أنها سوف تدهش و تصدم عندما أصرح لها بكل ما يعتمل بداخلى من مشاعر و أحاسيس و لذلك فإنى أجد فيك يفهماً لهذه الخلجات يا جاكلين و ربما لأنى كبرت و لىّ أخ شقيق بدون أخت شقيقة أستطيع أن أفضى إليها بمشاعرى , بما كان ذلك هو السبب.
خامر جاكلين شعور بعدم الارتياح لما قالته كريس و حاولت تفادى التحدث فى هذا الموضوع خشية أن تحنث بعهدها لـ ناشى بكتمان الأسرار.
فنهضت و هذبت فستانها و قالت لها :
ــ ألا نعود إلى الحفل الآن, يجب ألا نترك الضيوف هكذا!
ــ أنت محقة ما كان ليّ أن أثقل كاهلك بأفكارى المجنونة.
كان ثمة شعور بالانكسار و التداعى فى صوت كريس كان بمثابة دليل على أن انصراف جاكلين عن الاستماع إليها قد جرحها و آذى مشاعرها . لقد كانت أول مرة تشارك فيها أفكارها و ضعفها مع أية إنسانة أخرى . و الآن فأمامها وقت طويل قبل أن تخاطر مرة ثانية بإطلاع الغير على خصوصيات عواطفها الداخلية.
لقد تعلمت من أمها أن اطلاع الغير على خصوصيات نفسها السرية من شأنه أن يحمل بين طياته المخاطر . أما استجابة جاكلين السلبية للاستماع و الانصراف إلى ما يجيش به مكنون صدرها جعل كريس تتأكد من كل هذه الحقائق . ولكم تمنت كريس لو أن هناك طريقة أخرى أكثر لطفاً و تعاطفاً تنهى بها جاكلين حديثها عن أسرارها و هموم قلبها,إلا أنها تجرعت غصة الألم فى صمت بدون أن تـُعلم أحداً بتعاستها
انضمت كريس و جاكلين للحفل و قالت سوزان لها:
ــ أين كنتما ؟ لقد كنا فى انتظاركما لتقطيع تورتة عيد الميلاد.
التفتت جاكلين ذات اليمين و ذات اليسار متسائلة:
ــ و ماذا عن ناشى ؟ أين هو ؟ يجب أن ندعوه للحضور
سمعت صوته من ورائها الأمر الذى حرك جوانح نفسها و هاج منها الفؤاد و العاطفة , و كان يتوكأ على عكاز مزين بالنقوش و كان قد غير ملابسه الملطخة بالدماء وارتدى بنطلوناً جديداً و بدا شاحباً إلا أنه لا يزال جذباً... قالت :
ــ ما كان لك أن تمشى و تتجول هكذا.
ــ أجل و لكنى لم أحب أن أفقد ما تبقى من الحفلة . وهناك مزيد من الوقت للراحة فيما بعد .
ــ نعم لقد صدقت يا مستر ناش
أيقنت زهرة منسية أن الطبيب قد أعطاه مسكنات للألم حتى لا يشقى بالجروح.
للحظة كالبرق انطلقت سوزان مسرعة نحوهم و أطلت برأسها تتطلع إلى عكاز المستر ناش كامبيل و صاحت :
ــ ما الذى وقع لك؟
و من وراء رأس سوزان رأت عينا المستر ناش عيون جاكلين و قد أحست الفتاة فيهما نوعاً من الشعور الكامن بالتقدير لها و المودة , قال يخاطب سوزان :
ــ لقد كنت أتجول فى ضوء القمر و لكنى لم أبصر موطأ قدمى فزلت منى الساق فهويت و أصبت بتلك الجروح .
تجهمت سوزان و توتر وجهها فى لطف محبب و قالت :
ــ لقد سمعت بتجولك فى ضوء القمر . فى المرة القادمة عليك أن تصحبنى معك لأكون بجوارك و ساعتها سوف أبذل لك من عنايتى و حسن الرعاية
ــ لقد كنت بين أيدى طيبة قامت بالواجب معى و أحسنت إلىّ....
أستشعر ناش كامبيل استهجان سوزان و كان ما أنقذه من الموقف وصول التورتة الضخمة الخاصة بعيد الميلاد و قد أحاطت بها الشموع المتوقدة , و قرأت جاكلين ما خط على قمة التورتة و قد كتب عليها
(عيد ميلاد سعيد لـ كريس & جاكلين )
فقالت :
ــ هلى هى فكرتك يا مستر ناش ؟
ــ من...فكرتى أنا؟ و تصنع البراءة و السذاجة ليتهرب من الإجابة .
ــ و من غيرك ؟! كان المفترض أن المدام جين أن تصنع التورتة لـ كريس و ليس لىّ أنا....
رد ناش قائلاً :
ــ و الآن هى لكما أنتما الاثنتين, ألن تساعدى كريس فى إطفاء الشموع و الهمس فى داخلياتك بما تتمنين من منتديات ليلاس أمنيات سعيدة لك فى المستقبل ؟!
منتديات ليلاس
كانت جاكلين تتمنى أمنيتين أثنتين أولاهما العثور على أمها الحقيقية و الأمنية الأخرى لم تجرؤ على الهمس بها حتى لنفسها, ذلك لأنها أمنية جديدة جداً خلقتها الظروف الطارئة . لقد تمنت لو أن المستر ناشى قد أحبها و غرق فى عشقها . فهى بين جدالها و نزاعها معه و بين إنقاذها لحياته وقعت فى حبه و صارت تعشقه.
كان تقطيع التورتة يبشر بنهاية الحفل بالنسبة إلى أولئك الضيوف اللذين كان يتعين عليهم التوجه إلى بيوتهم البعيدة.
ساعدت جاكلين كريس فى توديع المدعوين و قد شعرت بأن الكلام الذى أبدته لها كريس يفوق كل ما تتوقع
وعلى الرغم من أن معظم الضيوف لم يكونوا يعرفونها إلا أنهم جلبوا معهم لها الهدايا و تمنوا لها الأمنيات السعيدة.و حينما جاءت عائلة الطبيب جالين للتوديع صافحت جاكلين الأيادى معهم , و جاءت الفرصة لتسأل الطبيب:
ــ كيف حال ناشى بصراحة؟
تلفت الطبيب حاوليه و من وراء كتفه كانت زوجته تتسامر مع كريس فقال لها :
ــ لقد كان جرحاً نافذاً و يحتاج إلى غرز جراحية , غير أنه ليس ثمة أى أعصاب قد أتلفت و بناءاً عليه سوف يلتئم الجرح التئاماً جيداً إذا التزم بالراحة التامة , ذلك أن ساقه بحاجة إلى أسبوع كامل على الأقل لتشفى...و أنا أعتمد عليك فى ذلك , لقد جاءتنى انطباعات مختلفة عن ذلك حينما كنت أخيط له الجرح.
ــ ربما كان ذلك من تأثير الألم و الجرح .
ــ على أية حال , انه موقن تماماً بأنك أنت من أنقذت حياته من الجراح الخطيرة , و مما هو أكثر....
حينذاك امتلأت جاكلين سروراً , أن الطبيب لم يكن يعرف شيئاً من تفاصيل ما حدث , و بذلك أعطاها الطبيب هدية عيد ميلادها أكثر قيمة و غلواً من أى هدية أخرى من أولئك التى تلقتها اليوم , قالت:
ــ لقد فعلت فحسب ما يفعله أى أمرئ آخر فى مثل هذه الموقف
قالت ذلك فى هدوء أعصاب و ثقة من نفسها ...
ــ ربما كان ذلك صحيحاً و لكنك كنت هناك حينذاك و هو لديه من الشكر و التقدير لك ما يفوق الوصف.....
علمت جاكلين أن أمتنان ناشى لها لن يفيد كثيراً فى علاقتها بشأن فرض الراحة التامة عليه , فقالت لطبيب :
ــ كل ما نستطيع فعله هو أن نحاول أن نجعله يمتثل لأوامرك .
ــ هناك أول تنازل دائماً, فلو قدم لك أو تنازل لنجحت جاكلين...و أنا أعتقد أنه لو كان ثمة شخص يستطيع ممارسة النفوذ و التأثير عليه فهو أنت و لا ريب جاكلين.
كان أمام جاكلين بعد انتهاء الحفل و انصراف القوم أن تمضى تلك الليلة على عواهنها , فأخذت الصحون و الطباق لكى تغسلها إلا أن كريس أصرت على تركها قائلة:
ــ ألق هؤلاء الأطباق بعيداً و أتركى للخادمات تنظيفها...
ــ و لكن هناك الكثير من العمل الذى يتوجب الإنجاز...
ــ و كذلك هناك كتيبة من العاملين تم استئجارهم خصيصاً للقيام بذلك...هلم أمامى إلى غرفة نومك يا جاكلين بعد كل ما حدث لك هذه الليلة لابد أنك الآن تشعرين بالضنى و الضعف.
ــ أشعر بأنى قد سافرت سفراً طويلاً استغرق أميالاً و أميالاً . أن كل عضلة فى جسمى تتألم.
ــ لذلك, فما الذى يجعلك تنتظرين ؟ هيا أخلدى إلى الراحة ...
أيقنت جاكلين أن كريس قد اعتزمت تماماً و لن تتراجع , فتوجهت إلى غرفة نومها . ولم يبدأ الضنى و التعب فى الظهور على جسدها و عظامها . و تمنت لو أنها أخذت حماماً و ألقت بنفسها على الفراش فذلك منتهى أملها الآن.
ولكنها لم تلق راحة أو هناء فى نومها . لقد أنشغل عقلها مرة تلو المرة فى استرجاع اللحظة التى وقع فيها ناشى على الأرض مضرجاً فى دمائه تحت تأثير المطواة الجارحة ثم استسلمت جاكلين إلى التعب و راحت فى نوم عميق .
وقعت جاكلين تحت تأثير حلم مزعج , رأت و كأنها فى ضوء النهار و ليس ثمة فلاش كاميرا لإرباك المهاجم المجرم الذى أصدر صرخة عظيمة و قفز واثباً من بين الأحراش و أغمد المطواة فى ظهر ناشى الأعزل من اى سلاح . مادمت الأرض بها. و تلطخت بالدماء إلا أنها قد أعاقها أعاقة تامة السياج المحيط و لم تستطيع بكل ما أوتيت من قوة أن تتخلص من ذلك السياج فصرخت تستحث ناشى:
ــ انتبه يا ناشى...انتبه....
و حاولت ان تضرب بأيديها و هى غارقة فى النوم فى حركات بطيئة حمقاء فصارت كما الذى يحاول أن يخوض فى بحور من العسل. وعلمت تدريجياً أن ناشى لم يعد له حراك , فارتفع صوتها يبكيه فى نحيب و عويل و تفجع عليه قائلة:
ــ أوهـ ....كلا ! لا....
فاستيقظت عند ذلك على تأثير صراخها بمفردها صراخاً عالياً فركزت على ما حولها من أشياء فى صعوبة بالغة , و علمت أن ناشى لم يمت مطلقاً: اللهم إلا فى خيالها و رؤياها كان لا يزال ماثلاً أمام ناظريها ميتاً حتى أنها أيقنت أنها لن يرتاح لها جفن حتى ترى بنفسها أنه بخير و لم يصيبه السوء.
مـــنــتــديـــاتــــ لــــيــــلاســــ
|