قضمت جاكلين شفتها السفلى لكبت و كظم صرخاتها حتى لا تصدرها ثانية... أومأت برأسها لــ ناشى مؤكدة له خوفها المرضى من كافة أشكال العناكب و العقارب فأخذ بيدها و ذراعها وحثها على القفز فى اتجاهه و جعل نفسه واقفاً بينها و بين ذلك الشئ المزعج فى الحمام و قال فى تؤده و ثقة:
ــ هلم تعالى...سوف أخرجك من هنا!
قالت جاكلين و هى مجمدة الأطراف :
ــ لا أستطيع !
ــ أجل سوف تستطيعين...هلم تعالى فى خطوة واحدة و سوف أطير بك من فوق الزجاج المتناثر على الأرض.
ركزت جاكلين على صوت نبراته و كلماته الهادئة و قبضة أصابعه المطمئنة لها....التقطها كما يقطف الوردة عبر أرضية الحمام حتى ارتطمت أخيراً بين ذراعيه و صارت واقعة فى أحضان صدره العريض ....قال وقد اكتسحها حاملاً إياها بين ذراعيه فلم تطأ أقدامها الأرض:
ــ كل شئ على ما يرام...لقد التقطتك!
بعد ذلك بدقائق أودعها على أرضية غرفتها ثم رجع أدراجه مرة أخرى ...تشبثت بذراعه قائلة فى صراخ:
ــ أين سوف تذهب؟
ــ سأقتل العنكبوت و أعود....لن أتأخر!
صدق ناش كامبيل فيما قاله....لقد اجتاز الطريق عائداً لتوه إلى الحمام...أسرع فى الصالة الرئيسية كالصاروخ و سمعت جاكلين صوت مطرقة عظيمة ثم صوت الماء المنساب الجارى و هو يجرف تلك الحشرة المزعجة بعيداً...أن صورها كانت تملأ عقلها و ذهنها فراحت ترتجف و ترتعش....عاد ناشى بسرعة إلى جانبها و قال فى صوت خفيض ملئ بالحنو:
ــ أنتهى كل شئ....هل أنت بخير الآن؟
ــ سوف أكون بخير ....كم تمنيت ألا أكون بهذه الدرجة من الجبن و الغباء. ــ أن مجرد خوفك و خشيتك من شئ ما ليس معناه الجبن أو الغباء, أن الإنسان الجبان هو الذى يحجم عن مواجهة و ملاقاة السفاح قاطع الطريق وهو يحمل مطواة.
ابتسمت جاكلين ابتسامة هادئة و قالت :
ــ لقد تحولت أنا إلى شئ هلامى لمجرد رؤية العنكبوت المزعج!
ــ أنت متعبة و منهكة القوى....ما كان عليك أن تنزعجى من هذا الشئ الصغير .
ــ لقد كنت أحسب أن كل شئ ضخم فى تكساس....أما هذه الحشرة فقد بدت و كأنها تستطيع التهام طائر بمفردها!
ــ بعضها يفعل ذلك...إلا أن معظمها غير مؤذ أو ضار...أن الاستراليين يبقون عليه من أجل إمساك و اصطياد الذباب.
ــ أوهـ ....يا إلهى....
منتديات ليلاس
أخذت جاكلين تنهيدة عظيمة و شهقت الهواء ثم قالت متذكرة:
ــ من الأفضل أولاً أن أرتدى شيئاً من الملابس!
ــ آهـ...بالمناسبة...عندى لك خبر هام
ــ و ما هو ؟
ــ عندما عدت إلى غرفتى وجدت أختى كريس قد تركت لىّ رسالة تقول فيها أن أمى سوف تعود ثانية إلى مدينة سيمور غداً !
قالت جاكلين فى لهفة :
ــ أصحيح ما تقول؟
ــ أجل...من المقرر أن أقابلها فى محطة الأتوبيس و أصطحبها بالسيارة إلى منزلنا بالمزرعة
ــ ربما لا تعرفنى عندما ترانى لأول وهلة!
ــ لا تشغلى بالك...سوف أعرفكما على بعضكما البعض !
تفكرت جاكلين برهة ثم قالت :
ــ إذن...لقد أنتهى بنا المقام و المكوث فى هذا الفندق...ينبغى على وحدى أن أبقى فى هذا المكان حتى أجد عائلة أخرى تستضفينى.....أو أرتب العودة إلى بلادى...إلى تكساس!
ــ كلا....هناك ما هو افضل من كل ذلك.
أعادت جاكلين أمر عودتها إلى بلادها فى ذهنها مرة أخرى....كانت تعلم انه حينما يأتى الأجل فإنه سوف يلزم عليها الإنفصال عن المستر ناشئ كامبيل... شعرت كما لو كان العالم كله قد توقف عند هذه اللحظة...هزت جاكلين رأسها يأساً و كأنما تقول لنفسها "ألقى وراء ظهرك الظنون التى ربما لا تفيد شيئاً فى عالم الواقع"
عندما أنصرف المستر ناشى من غرفتها متوجهاً إلى غرفته لينام وجدت جاكلين نفسها بمفردها , توجهت إلى النافذة و كأنما تريد أن تلقى منها شيئاً كبيراً يجثم فوق صدرها الرقيق...ألقت بنظرها فى أعنان السماء و هى تتنفس نفساً عميقاً أعقبته بتنهيدة غامضة , فرأت أبراج كنيسة سوثرن كروس و قد غلفتها السحب و غيوم الضباب فجعلت الأمر مستحيلاً على النجوم أن تسبح فى الفضاء الرحيب.
شعرت أن الأمور فى حياتها تمضى على نفس الوتيرة و النمط .
تساءلت فى نفسها ...هل سيأتى يوم ما تستطيع أن ترحل فيه عن هذه البلاد فى طريقها إلى موطنها مرة ثانية؟...لم تجد جاكلين رداً على سؤالها....بحثت طويلاً عن إجابة....إلا أن التعب تمكن منها فراحت فى نوم عميق....