كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
1-شاطىء الأمس
إعتادت ليندا لورانس اللجوء الى أحضان الطبيعة كلما ضاقت بها الدنيا وإسود أفق حياتها وشعرت أنها بحاجة ماسة لأن تكون وحدها ن بعيدة عن اعباء العمل.
واليوم إختارت شاطىء مضيق التايمز تفترش رماله مرتدية ثوب الإستحمام ، تمتع الطرف بمنظر البحر بصفحته الفضية التي تعكس غيوما رمادية اللون تملأ الأديم وبالإسترسال في الإستلقاء والإستمتاع بحمام الشمس.
وتوجهت ليندا مضطرة الى سيارتها لتبدل ملابسها وتعود ادراجها الى مسكنها الموحش ، متمنية لو لم يكن هذا اليوم يوم عطلة ، ففي الأيام الأخرى تكون منهمكة في العمل في مدرسة إيلين ديوك حيث تتولى الإعتناء بالأطفال المعاقين ، فهذا النوع من العمل المضني يتطلب الكثير من الجهد والتركيز مما ينسيها بعضا من ذكرياتها الموجعة ، البارحة أمضت يومها في تحضير الدروس حتى أنهت ما ستلقّنه للأطفال في الأسبوع المقبل ، لتجد نفسها صباح الأحد وحيدة بلا رفيق ، فالمدرسة التي تساعدها في عملها تقيم مع أهلها في مدينة تايمز وتقضي أوقات فراغها مع صديقها الشاب.
أما الممرضات فكعادتهن ، لا يتغيّبن عن المدرسة ، بل يلتزمن الدوام كاملا حتى في أيام العطلة ، لكن الممرضتين بيغي واتسون وكليو برانت لم تجدا دقيقة فراغ لتؤنسا وحدة ليندا ، وعلى كل حال ، فهي لا تعتبر نفسها رفيقة مسلية لهما.
لماذا إختارت المجيء الى عالم يحرك دفائن اعماق نفسها ؟ هل هي الذكرى التي تدفعها لا شعوريا الى هنا ، أم أنها قصدت القدوم لتمتحن قوة إرادتها على النسيان ؟ في كل الحالات ومهما تعددت أسباب مجيئها ، تمنت لو لم تأت ، فصور الماضي تتراكض في مخيلتها ، تنسيها حاضرها ، وتنتقل الى زمن ولى ، وحكاية كتبت سطورها على الرمال الذهبية بحبر قلبها وعينيها ، حكاية حب كانت شرارتها الأولى يوم إلتقت ريك برنيت على أحد الشواطىء الفرنسية.
يومها لفت إنتباهها ، ولا شعوريا أخذت تراقبه مأخوذة بوسامته وقالت في نفسها أنه مثال الشاب الفرنسي الجذاب ، كان ممشوق القامة ، اسمر ، أشعث الشعر وغي عينيه نظرات صبيانية.
تلفت الشاب حوله ينظر الى رواد الشاطىء المنتشرين في كل مكان ، ثم إتجه نحو الماء ، راميا منشفته قرب فتاة جميلة مستلقية تحت الشمس ، وتأكد لليندا أنه أصاب هدفه ، فالحسناء رفعت راسها عندما ألقى منشفته وراحت تراقبه بعين فضولية وهو يسبح.
تمدد الشاب بجانب حسنائه وهو يبتسم لها إبتسامة ذات مغزى ، فتذكرت ليندا عند رؤيتها تصرف الشاب نصائح عائلتها وتحذير أخوتها لها من تصرفات شباب اليوم.
أخوتها الثلاثة تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والثالثة والعشرين ، وأختها الأخرى في مثل سنها تقارب التاسعة عشر ، صغيرهم تدعوه ليندا طوني الصغير ساخرة من طول قامته ، ويليه روبن ثم تأتي اليسون الفتاة الأخرى ، وبيتر وهما توأمان.
كان لأليسون تأثير كبير على ليندا بحكم الخبرة التي إكتسبتها من خلال علاقتها مع أحد الشبان ، كما كانت ليندا موضع إهتمام أخويها روبن وبيتر ، اللذين دأبا على تحذيرها من الأساليب المختلفة وغير اللائقة التي يتوسلها بعض الشباب.
وليندا بدورها لم تكن غريبة عن هذه الأجواء ، فقد مر في حياتها شبان كثيرون ، لكن ، عندما تصل الأمور الى أبعد من ذلك ، كانت لديها طريقتها الخاصة لإفهام الطرف الآخر بإيقاف العلاقة عند حدود الصداقة ، حفاظا على سعادة الطرفين ، فتنتهي العلاقة بخيبة أمل لدى الشبان ، فيسعون الى فريسة اسهل منالا ، أما هي فلم تشعر أبدا أنها بحاجة الى حماية احد ، بعض الرجال يقدر الصداقة ، ويعجب بتصرفاتها الجدية ، وحديثها اللبق أحيانا ، والصارم والعنيف الى درجة التوبيخ أحيانا أخرى.
بدا لها الشاب من النوع الذي طالما حذرتها منه عائلتها ، ولكن أخوتها أكتفوا بالتحذير من غير أن يأتوا على ذكر ماذا تفعل لو صادفت احدهم.
وصل الى مسمعها صدى ضحكة أطلقتها الحسناء ، وهي ترجع راسها الى الوراء ، وفجأة ساد الجليسين صمت وإرتباك ، فقد قطعت الحسناء ضحكتها لتنهض على قدميها محدّقة في وجه عملاق أشقر وقف أمامها.
لم تسمع ليندا ما دار من حديث ، لكنها رأت الحسناء تشير بيدها الى الشاب المذهول الذي مد يده مصافحا الزائر المفاجىء ، تردد العملاق هنيهات طويلة قبل أن يمد يده هو الاخر ، متمتما بعض العبارات.
لم تتمالك ليندا نفسها عن الضحك ، فقد كان مشهد الشاب ، بإرتباكه وحرجه أمام عملاق يفوقه طولا بعدة سنتيمترات ، مضحكا للغاية.
جلس الزائر الأشقر بقرب حسنائه ، وأحاط خاصرتها بيده ، وتجاهلا وجود الشاب معهما ، فما كان منه إلا أن تناول منشفته محييا وإنصرف يبحث عن مكان يلتقط فيه أنفاسه ويخفف من تصبب عرقه ، فإلتقت عيناه عيني ليندا ، ورآها وهي تضحك على النهاية المأساوية التي آلت اليها محادثته ، متظاهرة بالتفرج على ولدين يتجاذبين دلوا صغيرا لتعبئة الرمل ، راجية أن لا يكون قد لاحظ سخريتها منه ، لكنها إكتشفت أن الشاب متجه نحوها ، فحاولت إقناع نفسها أنه مار بقربها فحسب ، لكنه توقف امامها بسحنته السمراء وشعره الأسود الفاحم ، ثم حياها باللغة الفرنسية.
" آسفة يا سيد ، فأنا لا اتكلم الفرنسية".
فرد بلغة إنكليزية متقنة:
" حسنا ، سنتكلم الإنكليزية إذن".
وبدهشة إستدارت نحوه قائلة:
" أنت إنكليزي؟".
فأجاب الشاب بكل هدوء:
" أجل وما العجب في ذلك فالمكان يعج بالسياح كما تعلمين ، وأظن أن الأجانب يفوقون الفرنسيين عددا على هذا الشاطىء".
وأشار بيده الى حيث يجلس العملاق الأشقر وحسناؤه مردفا:
" كصديقنا الإسكندينافي هناك ( وعلّق بفرح ) أليس كذلك؟".
ثم فرش منشفته المبللة ، ومن غير إستئذان جلس قرب ليندا وسألها:
" بما انك كنت تتفرجين ، فهل ألام على إنسحابي؟".
لم تجب ليندا بل إكتفت بإبتسامة تهكم ، وأكمل الشاب بلهجة أكثر لطفا ونعومة:
" لا بأس ، بإمكانك ان تضحكي ، أعتقد أن المنظر بدا مضحكا من هنا".
فضحكت وإستلقت على ظهرها متجاهلة إياه ، ولم تعجبه ضحكتها ، فتجهم وجهه وإتكأ على مرفقه بقربها وسألها بغم:
" هل كان المنظر مضحكا لهذه الدرجة؟".
فأفتر فمها عن إبتسامة ناعمة وقالت:
" ظننتك فرنسيا وأعجبت بأسلوبك".
ولمعت عيناه ببريق أحسته ليندا سهما يخترقها ، وتنبهت لحظة فإبتعدت عنه قائلة:
" لا أخالك تحاول معي ، فأنا مجرد متفرجة".
فرد بسخرية:
" ألديك إسم ينادونك به؟".
" طبعا ، ولكن ليس من عادتي أن أعطيه لرجل غريب".
" أنت حقا محترسة ، لكن ما الضرر من الإفصاح عن الإسم ، أنا أدعى ريك برنيت".
|