كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رشف قهوته واجاب بهدوء:
" لا سمح اله ، لكنني أتوقع الموافقة على بعض التغييرات ، طلب مني التحقق من النواحي المالية والأدارية للمؤسسة ، لكن بالطبع ، بإمكانك إيجاد الجواب على سؤالك اثناء قيام مجلس الإدارة بعملية أقرار الموازنة او تعديلها ، آخذا بعين الإعتبار عوامل عديددة أخرى".
" عوامل اخرى ؟ كالعزل مثلا ؟". منتدى ليلاس
تطلع ريك اليها بحدة مستجوبا :
" هل سبق ان ناقشت هذا الموضوع مع أحد؟".
أجابت بعفوية غير مبالية بتعابير وجهه:
" مع دانيال ، قال أن مشكلتنا الوحيدة هي بعدنا عن الشركة الأم وصعوبة التنسيق معها ، فهناك قسم من الأهالي يعانون صعوبات هائلة لزيارة اولادهم ، وأشار الى ان الحل الوحيد لهذه المشكلة هو نقل المدرسة بكاملها ، وبالطبع مجلس الإدارة عاجز عن القيام بذلك ".
رد ريك بفظاظة :
" لا يمكنني إخبارك شيئا ، ساقدم تقريرا مقتضبا عن دراساتي الى مجلس الإدارة ، وهو على درجة من الأهمية بحيث لا يمكن مناقشته مع الموظفين قبل عرضه على المجلس ، ربما أطلعك دانيال على المزيد "تضايقت ليندا من نبرات صوته الفظة :
" فهمت ، أعتذر عن تمادي في الأسئلة( وضعت فنجانها على الطاولة سائلة ) متى تنتهي من تحضير تقريرك ؟".
وضع ريك بدوره الفنجان على الطاولة مجيبا :
" يلزمني اسبوعان لانتهي منه ".
تأملت ليندا الفناجين الفارغة على الطاولة ، تحسب في مخيلتها كم هي طويلة مدة الأسبوعين ثم خاطبته :
" هل ستعود بعد ذلك الى منزلك ؟".
" من المحتمل أن مدد عطلتي اسبوعا آخر ، لكن بعيدا عن العمل هذه المرة ، لم تسنح لي الفرصة لأطوف كما يجب في نيوزيلندا ، وقد أخبروني ان هناك أماكن ينبغي ان أزورها ".
حاولت ليندا جاهدة أن تخفي تاثرها بمجرد تفكيرها بأنه بعد أسبوعين من الآن قد لا يتسنى لها رؤيته مرة اخرى ، فتظاهرت باللامبالاة :
" بالفعل ، هناك احواض المياه المعدنية في روتوروا ، وكهوف الكلس والحباحب في وايتومو ، إضافة الى صيد السمك في توبو ، هل تصطاد السمك ؟".
" لا ، لكن بودي ان أفعل ، هل زرت كل هذه الأماكن ؟".
" أنا ايضا لا اصطاد السمك ، لكنني زرت كهوف الحباحب وأحواض المياه ".
" برفقة دانيال ؟".
اجابت بعفوية خالصة :
" لا ، لم اكن اعرف دانيال يومها ".
" كم مضى على معرفتك إياه ؟".
" سنتان ، منذ قدومي للعمل في المدرسة ".
" تبدين معجبة به ".
إحتارت ليندا كيف تفسر كلامه هذا ، تساءلت إن كان يرمي الى شيء آخر من خلاله ".
" اجل ، فهو عدا كونه صديقا ، رئيسي في العمل ".
" صديقان حميمان فقط ؟ ( وأردف قبل ان تجيب ) يبدو ان صداقتك الحميمة قد طالت رجالا عديدين منذ عرفتك ".
" البعض منهم ".
حدّجها بنظرة ثاقبة جعلتها تضطرب قليلا وهي تستعيد في ذهنها كيف شدّد على كلمة ( صديقان ) .
عاد يسألها :
" هل يمانع دانيال في أن أراك ؟".
" أبدا ، لم يخطر بباله يوما ان يتدخل في أموري الشخصية ، فهذا امر لا يعنيه البتة ( وأضافت مستعيدة في ذهنها ما قرأته عن حالة المعلمين والخدم في القرون الماضية وكيف كانوا مسيّرين من قبل مخدوميهم ورؤسائهم حتى في شؤونهم الخاصة ) لسنا في القرون الوسطى على ما أعتقد ".
" بكل تأكيد ".
نهضت ليندا تحمل الفنجانين الفارغين الى مطبخها الصغير آملة أن يفهم من ذلك ان عليه الإنصراف ، عند عودتها كان قد نهض من مقعده فبادرته :
" شكرا على العشاء وعلى الحفلة ".
بدا مسروران وعيناه تلمعان ببريق زاه ، ثم إتجه نحو الباب قائلا :
" سنعيد الكرة ، أليس كذلك ؟".
" لا مانع عندي ".
مد يده مصافحا فترددت لحظة ثم تركت يدها تعانق اليد الممدودة اليها هامسة :
" طابت ليلتك ".
تخلى عن مصافحته لها قائلا :
" أهذا اقصى ما يمكنك القيام به ( وأمسكها من كتفيها ) جربي مرة أخرى ".
تركته يعانقها بهدوء ، لكن جسمها كان ككتلة من إسفلت وأعصابها مشدودة ، لم ترد أن تخون نفسها فأحجمت عن تلبية نداء قلبها وصراخ أحاسيسها .
رفع رأسه قليلا ممررا يده على وجهها مستوضحا :
" ما بك يا ليندا ؟".
هزت رأسها من غير جواب ، فمال اليها مرة أخرى علّه يحوز على تجاوب حقيقي منها ، لكن من غير جدوى ، كانت أكثر برودة وجمودا من المرة الأولى وحاولت التخلص من ذراعيه ، فأفلتها لتبتعد عنه وتخبىء وجهها بين يديها ، وتمتم :
" أعتقد أنه لن يكون هناك مرة ثانية ".
أومأت برأسها صامتة تنصت الى وقع خطواته تبتعد بعد ان أقفل الباب خلفه.
وافقت ليندا على الفور عندما عرض عليها ريك القيام برحلة الى روتوروا ، فقد كانت تنتظر الفرصة لتزيل من ذهنها ذكرى السهرة الأخيرة أو بالأحرى نهايتها، السهرة غير الكافية التي لم ترة عطشا مزمنا بالنسبة الى ريك ، وغير المنتظرة فلم تعط مجال إتخاذ القرار بالنسبة لليندا ، كما أن يوما كاملا يمضيانه معا قد يساعد في صفاء ذهنها ، خاصة وأن ايامه في المؤسسة باتت معدودة .
لم تصرف النزهة ليندا عن ملاحظة تصرفات ريك معها ، فإنتبهت الى ملامسته لها بيده وهو يساعدها في تخطي عد من الممرات الوعرة ، الى تشبثه بها خلال إجتيازهما طريقا أوتقاطع طرق ما ، والى إبتسامته الناعمة والحنونة أثناء نظره اليها ، لاحظت نه كان طوال النهار يبثها حبه بلطف ورقة بعيدا عن اللجاجة والتصنع.
كان قد خيّم الظلام عند وصولهما الى بلدة تايمز لكن ريك لم يسلك الطريق المؤدي الى المدرسة بل إنعطف بسرعة في درب مغاير ، إلتفتت ليندا مستوضحة فطمأنها :
" عندي لك مفاجأة ، حضّرت لك عشاء شهيا ، ألم أقل لك أنني إعتدت على أعمال المنزل ؟".
لم يسع ليندا أن ترفض ، فلو فعلت لبدت وكأنها تحاول التظاهر بالحشمة أو تتعمد الفظاظة ، دعاها ريك للجلوس بينما ينهي تحضير الأطباق ، ثم جلسا الى المائدة حيث سكب لها قليلا من الحساء ثم أتبعه بقطعة من الدجاج محمّرة مع قليل من السلطة والبطاطا ، حاولت ليندا مساعدته :
" دعني أملأ لك طبقك ".
" أرجوك أنت ضيفتي ، وأنا الليلة خادمك فلا تزعجي نفسك بشيء ".
بعد ذلك جلب ريك أنواع الجبن وطبقا من الفاكهة إختارت منه ليندا تفاحة حمراء كبيرة وإجاصتين .
قالت له وهي تتناول فنجان القهوة من يده :
" عشاء شهي لللغاية ، لا أظنك كنت تمزح بشأن قيامك بأعمال المنزل ".
رشف ريك قهوته ثم سألها مبتسما :
"هل تمتعت بالنزهة هذا النهار ؟".
" جدا وماذا عنك ؟ فأنت السائح ".
" أهذا ما أنا ؟ يبدو أنك بتّ تعتبرين نفسك من السكان الأصليين هنا ".
" تقريبا ".
أنهى قهوته ونهض يأخذ منها الفنجان ليضعه في المطبخ ، عند عودته رآها غارقة غير مرتاحة في كرسي جلدي كبير فبادرها :
" إسترخي ، إنك تجلسين على أحسن كرسي في المنزل ومع ذلك تبدين منزعجة ".
" شعري يضايقني".
بالفعل كان شعرها السبب ، فالعقدة الكبيرة الناجة عن ربطها لشعرها تمنع عليها إسناد راسها الى حافة الكرسي ، أجابها بغير إكتراث :
"دعيه يتهدل على كتفيك أو إجلسي على الأريكة ( تقدم ليقف أمامها واضاف بنعومة ) ليتك تقومين بالعملين معا ".
إنحنى نحوها وجذبها بيديها نحوه غير مبال بمقاومتها اللينة ،ثم دفعها الى الأريكة وجلس بجانبها ، حاولت ليندا أن تعترض لكنه كان قد سبقها الى نزع الدبابيس من شعرها يرميها على الأرض ، فرفعت يديها تحاول منعه قائلة بوهن :
" لا لزوم لهذا الان ".
لامست اصابعه الربطة المطاطية وبنعومة فائقة فكها ليتهدل شعرها كالشلال فوق كتفيها .
حاولت ثنيه عن عزمه ممسكة بمعصمه ، فأمسك بإحدى يديها وأدناها من صدره بينما راحت يده تداعب عنقها ، فهتفت بضعف :
" لا ".
لكن بعد فوات الأوان ، تخلت عن معصمه واضعة يدها على كتفه ثم حول عنقه ، وعندما أفلت يدها الأخرى ليضمها قرّبتها بملء إرادتها من صدره تستمتع بدفئه.
واحست فجأة بالبركان الخامد في اعماقها ينفجر ، لكنها في الوقت نفسه كانت تنصت الى صوت في اعماقها ، فلو كانت مع شخص غير ريك لأوقفت ما يجري منذ البداية ، يتجاذبها إحساسان ، إحساس نابع من عاطفتها وغريزتها ، وإحساس آخر نابع من تحكيمها لعقلها ، سيطر هذا الصراع عليها ، فإستسلمت لحالة من التشنج والتردد، شعر بها ريك ، فرفع راسه قائلا :
" ارجوك يا ليندا ، إمنحيني ذكرى حلوة أستعيدها بعد ذهابي".
أحست ليندا وكان السماء قد إنهارت على رأسها ، وجاهدت حتى تخلصت منه وإتجهت نحو النافذة تنظر الى البحر من غير ان ترى شيئا .
غشى الياس عينيها وحطم كل ذرة أمل أدخرتها في الماضي ، وقفت وحيدة، وجهها بين يديها تذرف دموع الخزي والندم.
|