كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ابدى دانيال تفاؤلا حذرا إزاء فكرة الدكتور سيمونز ، لكن لم يكن هناك خيار آخر ، وخرج ليعلن للموظفين ما تم الإتفاق عليه .
بعدما أنهى دانيال كلامه ، إختلت ليندا به لتستوضح أكثر عن المشكلة ، فطمأنها دانيال قائلا :
" يبدو انه أحد نوابغ علم المال ، ومن الجائز نه يمكن تطبيق الوسائل المتّبعة لدى شركته في أنكلترا ،على مؤسستنا ".منتدى ليلاس
" لكن الشركات تتطلب مالا وفيرا في البداية ".
" وهكذا فعلت مؤسستنا ، فقد بدأنا برأسمال ضخم ، لكنه في الآونة الأخيرة بدأ يتضاءل بسرعة جعلت النهاية غير مضمونة النتائج إلا إذا قمنا بعمل ما ، الأمر كله عائد الى كيفية إستثمار هذه المؤسسة ، فالمهم أن تتمكن المؤسسات من الحصول على مدخولات كافية من إستثماراتها من غير ان تحتاج الى مصادر اخرى تغذّيها ".
علّقت ليندا :
" هذا برأيي صحيح ، آمل ان ما تفعله سينفع المؤسسة ".
وقال بحرارة صادقة :
" لنامل ذلك ، فالشاب قادم في نهاية الأسبوع ، وسيرافقه الدكتور سيمونز بعد ظهر يوم الجمعة الى هنا ليلقي نظرة خاطفة على المكان ، وسيمكث في منزل الدكتور على الشاطىء ، ولسوء الحظ فإن الدكتور مضطر للعودة الى أوكلاند ، لكنه سيترك ( للعبقري ) كل الملفات والكتب المتعلقة بالمؤسسة ".
علّقت ليندا :
" مسكين هذا الضيف ، فقد سمعت أنه من المفروض أن يكون هنا في إجازة وليس محاطا بالأعمال والأعباء ".
ضحك دانيال وقال :
" أنت تعرفين الرئيس ، فقد أفلح في إظهار الأمر له جذابا ومثيرا ".
وضحكت ليندا أيضا ، فجميع الموظفين يحبّون الدكتور سيمونز ويجلّونه ، ويقدرون فيه غيرته على المؤسسة ومصالحها .
اعطى دانيال تعليمات صارمة بشان يوم الجمعة ، فكل شيئ يجب أن يكون عاديا كأي يوم عمل لأن الضيف يريد فقط الإطلاع على سير العمل في المدرسة .
تميز نهار الجمعة بتقلبات مفاجئة في الطقس ، بعدما كان الطقس صاحيا صباحا مع ضباب خفيف ، إنقلب ظهرا الى غائم مع رياح باردة ، وزخّات متقطعة من المطر ، بعد ظهر ذلك اليوم كانت ليندا جالسة في زاوية من زوايا صفها ، منحنية نصف إنحناءة امام خريطة كبيرة راحت تشرح عنها لتلاميذها المتحلقين حولها ، فجأة دخل دانيال برفقة الدكتور سيمونز والخبير الضيف.
كانت أنوار القاعة غير مضاءة والغيوم القاتمة التي تملأ السماء لا تسمح للداخل بالرؤية بوضوح ، فلم يرها الداخلون في البداية ، وقدّم دانيال الضيف الى التلاميذ فرحبوا به وبالدكتور سيمونز الذي يعتبرونه صديقهم بحرارة كبيرة ، نهضت ليندا من جلستها وهرعت تحيي القادمين ، وهي تضع نظارتيها اللتين تستعملهما للقراءة ، وللعمل المتطلب جهدا بصريا ، ولكن ما أن صارت في منتصف القاعة ، حتى مدت يدها لا شعوريا لتنزعهما عن وجهها ، وأمسكها دانيال بيدها مبتسما وسار معها ليقدمها الى الضيف الواقف أزاء الباب.
" اقدم لك الآنسة لورانس المسؤولة عن هذا العالم الصغير ".
ورفع يده مشيرا الى جدران القاعة المملوءة رسوما وألعابا وخرائط علّقت بطريقة ناعمة وجميلة ، لكن الضيف لم يعر الإشارة أو الرسوم أي إنتباه ، فعيناه كانتا مسمرتين على الفتاة الواقفة أمامه ، وأكمل دانيال :
" ليندا ، اعرّفك على السيد ريك برنيت".
أجابت ليندا من غير أن تفقد هدوءها :
" لا حاجة لكل هذا ، مرحبا يا ريك ".
لم يصدق ريك عينيه في بادىء الأمر ، لكنه كعادته سيطر على إنفعالاته متفوها بإسمها :
" ليندا ! ".
وراح يغمرها بنظراته ، من شعرها الطويل ، الى النظارات في يدها ، الى حذاءيها ، كانت عيناه تتكلمان ، تهمسان في عينيها من غير أن يجرؤ على التفوه بحرف ، وإبتسم إبتسامته المعهودة ، وكأنه يتعمد تذكيرها بالأيام الماضية ،لكنها لم تفقد مناعتها فإبتسمت بدورها إبتسامة ذات مغزى .
فوجىء الدكتور سيمونز بمعرفتهما لبعضهما فقال بسرور :
" أتعرفان بعضكما ؟".
أجابت ليندا موضحة وهي تراقب حاجبي ريك يرتفعان :
" نعرف بعضنا منذ مدة طويلة ( ونظرت الى الثلاثة ) لكن ليس هذا سبب قدومكم الى هنا ، أرجوكم اكملوا مهمتكم ".
تابع الثلاثة عملهم ، فراحوا يخاطبون الأطفال ويطرحزن الأسئلة عليهم وعلى معلمتهم ، وبرعت ليندا في الإجابة ببرودة على أسئلة ريك الذكية ، وبعد إنصرافهم أرتمت على مقعدها تهنىء نفسها على إجتيازها الإمتحان بنجاح ، فقد أيقنت لتوها أنها تمكنت من خنق ذلك المارد المدفون في أعماقها ، وأن ريك لم يعد يعني لها شيئا ، وحتى رؤيتها إياه فجأة لم تترك في نفسها أدنى اثر ، فأضاءت القاعة وأكملت شرح الدروس .
في تلك الليلة ، تعذّر على ريك والدكتور سيمونز العودة الى منزل الأخير فالمطر الغزير تسبب بإنهيارات عديدة جرفت معها الأتربة والصخور واغصان الأشجار ، مما قطع معظم الطرق ومن بينها الطريق المؤدي الى الشاطىء ، ولم يتمكن عمال وزارة الأشغال من القيام بعملهم بسبب غزارة الأمطار مرجئين عملهم الى صباح الغد.
فكان على ريك والدكتور سيمونز أن يبيتا ليلتهما ويتناولا العشاء في المدرسة ، وإرتأى دانيال أن يناما في إحدى غرف المستشفى الصغير .
بدّلت ليندا ثيابها وإرتدت ثوبا أزرق من الحرير الناعم قبل ان تذهب لتناول العشاء ، وتخلصت من حذاء العمل لتنتعل أجمل ما عندها .
عند ولوجها قاعة الطعام ، كان دانيال وريك والدكتور سيمونز قد جلسوا الى طاولتهم برفقة الممرضة انغريد جونز ، اصرّ دانيال على ان تشاركهم ليندا طاولتهم ، فجلب كرسيا ووضعه بقرب ريك قائلا :
" لا شك أن هناك كلاما كثيرا تودان تبادله".
أومأ ريك براسه بطريقة مهذبة وعيناه مسمرتان على ليندا فردت التحية بإبتسامة باردة ، وإستغلت إنشغال الاخرين عنهما لتعتذر منه قائلة :
" انا آسفة ، لكنهم يعتقدون أننا ما زلنا أصدقاء ، وهم يحاولون قدر المستطاع إتاحة الفرصة لنا للقاء والحديث ، أخشى ألا أتمكن من وضع حد لمحاولاتهم ".
" لست منزعجا ابدا من محاولاتهم ، تبدين أكثر ...".
وسكت من غير أن يكمل جملته مكتفيا بالنظر اليها .
فقالت ليندا بفتور :
" أبدو كالمربية العجوز ، أليس هذا ما تود قوله ؟".
إبتسم راجيا :
" لا ، لا أخالك تسعين وراء المشاجرة من جديد ".
" أليس هذا ما فكرت به بعد ظهر اليوم وأنا مع التلاميذ ؟".
" في الحقيقة ، بدوت كفتاة صغيرة تحاول الظهور بمظهر المعلمة ".
انقذ وصول الحساء ليندا من إيجاد جواب لكلامه هذا ، ولم تكد تلتقط ملعقتها حتى خاطبها :
" تبدين رائعة هذه الليلة ، دائما أتساءل كيف ستبدين عندما تنضجين ".
همست ليندا بتحدّ واضح :
" احقا تساءلت ؟".
تجاهل ريك تحدّيها وحاول أن يشغل نفسه برش بعض الملح في صحنه ، فسالته :
" كيف حال روث ؟".
" في أحسن حال ".
" وريان ؟".
" بخير ، ودائما يتساءل عما حل بك ".
قطع الدكتور سيمونز عليهما حديثهما موجها كلامه الى ريك ، فكانت فرصة لليندا لتتامله مليا مقارنة بين الأمس واليوم ، بدا أكبر سنا من قبل لكن شعره ما زال داكنا وكثيفا ، وظهرت بعض التجاعيد الخفيفة حول فمه وعينيه لم تعهدها ليندا من قل ، قابلت مظهره بمظهر الدكتور سيمونز الكهل صاحب الوجه السمح ، والمحبوب من جميع معارفه ، فلم تتمكن من إيجاد قاسم مشترك واحد بينهما .
انهى ريك حديثه مع الدكتور وإلتفت ناحية ليندا سائلا :
" ما اخبار عائلتك ، هل تتصلين بها ؟".
اخبرته ليندا أن أليسون وروبن تزوجا ، وأن بيتر وطوني ذهبل في رحلة سياحية في أوروبا وآسيا قد تدوم سنة على الأقل .
فعلّق ريك :
" إنهما مغامران حقا ! وانت تعيشين هنا بعيدة عن والديك ، كم مضى على قدومك الى نيوزيلندا ؟".
" حوالي الثلاث سنوات ".
" وهل تنوين البقاء ؟".
" لا أعلم ".
" الا تشتاقين الى اهلك ؟.
" طبعا اشتاق اليهم ، لكنني أحب لعيش هنا ".
" أتعنين أنك أحببت هذه البلاد ام هذا المكان بالذات ؟".
" الإثنين معا ، ساحزن جدا في حال إقفال هذه المدرسة ، وكل الموظفين هنا ينظرون اليك كنقذ".
" لا يمكنني ان أعد بشيء ، لكنني سأبذل ما بوسعي ".
" منذ متى تقوم شركتك باعمال كهذه ؟".
" منذ خروجي من المستشفى ، إنه وعد قطعته على نفسي في حال شفائي ، فقد فكرت أنه يمكن تحويل قسم من أموال الشركة لمشاريع الإنماء والأعمار ، عوضا عن إستثمارها في مشاريع أخرى ، وراقت الفكرة لريان ".
" هل تعرف شيئا عن جيمي ؟".
" ألتقيه من حين لآخر ، سيعمل في شركتنا عند إنتهائه من الدراسة ".
بعد العشاء ، إنتقل الجميع الى الصالة الكبرى لتناول القهوة ، تعمدت ليندا الجلوس بعيدا عن ريك ، فإختارت مقعدا قرب دانيال ، ودارت مناقشات صاخبة ، إشتركت ليندا فيها بهدوء ، لكن ريك كان محور الإهتمام طوال السهرة ، وتساءلت ليندا عن سبب ذلك ، ألأنه غريب عن المكان ؟ لكنها متأكدة من أنه في أية سهرة يدعى اليها ، يجعل الأضواء تتسلط عليه ، لا عن طريق فرض آرائه ، بل بسبب ما يختزنه من قوة مغناطيسية تجذب الاخرين اليه ، ولاحظت أنهم جميعا أحبوه ، وحتى هي احست مرة اخرى بميل اليه ، ومع ذلك فقد فرحت كثيرا عندما علمت أن زيارته للمؤسسة لن تطول ، وبذلك لن تراه ثانية .
وزاد من حيرة ليندا وإرتباكها ، أنها كانت تهنىء نفسها بعد الظهر لتغلبها على عواطفها وإكتشافها أنه لا يعني لها شيئا ، بينما بدأت تشعر الآن انها على أتم الأستعداد لتسليم عنقها لسيف الحب من جديد.
|