كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
6- سيف الحب
أحيطت ليندا بكثير من الرعاية بعد الصدمة التي تلقّتها على يد ريك ، وإزداد إهتمام أخوتها بها ، فحاولوا جاهدين ان يوفروا لها حياة إجتماعية جديدة ، لم يدعوها ابدا بمفردها تستسلم لأوهامها ، بل هناك دائما أحد بقربها يمنعها من الإسترسال في التفكير ، وينتشلها من نوبات القنوط والتجهم التي راحت تنتابها من وقت لآخر ، حتى في قرارة نفسها لم تعد تلك الفتاة العفوية المتحمسة لأظهار مكنونات صدرها ، بل صارت تحسب ألف حساب قبل أن تدع الناس يكتشفون مشاعرها الدفينة ، وصارت تتفاجأ بإعجاب الرجال بها ، خاصة عندما تقارن وجهها بوجه أختها الدافىء والبديع ، أو بين رصانتها وفظاظتها أحيانا وبين شخصية اختها العذبة وإطلالتها المشرقة والضاحكة أبدا ، فكانت تهزأ من إطراء الناس لها ، وتنفر من الذين يتوددون اليها .
وإكتشفت أنها ما زالت فتيّة على تفهم مشاعرها فكيف بإمكانها أن تسبر غور شخص مثل ريك وتفهم عواطفه ؟ وجهها اليافع لم يكن كافيا لشخص مثل ريك ، ففضّل عليها إمرأة خبرت الحياة ولها القدرة على فهمه.
وجاء اليوم الذي قضى على آخر ذرة أمل لديها ، وأخمد بصيصا ما زال في فؤادها ، ففي ذلك اليوم ورد خبر صغير في إحدى الصحف يحمل نبأ زفاف ريك والممرضة روث في إحتفال بسيط هادىء ، إقتصر على الأقارب في إحدى أصغر كنائس لندن ، لم تكن هناك أية صورة للثنائي السعيد .
فسألت اليسون مستفهمة :
" ماذا يعني الحرفان ر. ر. ؟".
إكتشفت ليندا كم كانت معرفتها بريك سطحية ، فقد عجزت عن تفسير معنى حرف الراء الثاني لأختها فإكتفت بالقول :
" الراء الأولى تعني ريك ! ".
وكتمت حسرتها تاركة أختها تحاول بمفردها إيجاد الجواب .
أتمت ليندا دراستها في المعهد ونالت سهادة التعليم ، وبدأت عملها كمعلمة في مدرسة محلية .
وتزوجت أليسون من شاب بعد قصة حب غريبة ، فهو لم يابه لها في بادىء الأمر مما زادها تعلقا به ، وظلت تتعقبه بمراوغة وحذق فائقين متعجبة من نفسها كيف تنساق وراء شاب كانت تتصور أنه من النوع الذي لا يعني لها شيئا ، وفي النهاية وقع الحب وحلّت الخاتمة السعيدة.
وتزوج روبن ايضا ، اما ليندا في سنها الرابعة والعشرين فقد بدات تحس بالتملل والجر ، فإنتقلت الى لندن حيث راقها العمل في مدرسة للاطفال المعاقين ، فتذكرت حين راتهم جيمي ، ذلك الطفل الجريء صاحب العينين الداكنتين والساق الصناعية ، فلعل العمل مع هؤلاء الأطفال ، يساعدها على ملء الفراغ الهائل الذي ينغص عليها حياتها الهادئة .
أعجبت ليندا كثيرا بعملها الجديد ، فبالرغم من الأعباء الجديدة التي القاها على كاهلها ، شعرت أنها وجدت فيه الإكتفاء والصفاء اللذين كانت تنشدهما .
ولكن كتب على ليندا أن لا تهنا براحة أو تسعد بأمر ، وكان القدر خاصمها طوال العمر فيريد الثأر منها كيفما تصرفت واينما رحلت ، ففي يوم أحد ، كانت تتنزه كعادتها في إحدى الحدائق العامة ، تراقب العائلات الإنكليزية تفترش الأرض مقيمة الولائم على العشب الاخضر ، والصغار منهم من يطعم اسراب الأوز التي تختال في نهر قريب ، ومنهم من يلعب بالكرة في الفسحات الخضراء بين الأشجار ، ولفت إنتباهها ولد في حوالي الثالثة من عمره بجماله وترتيبه ، واحست ان فيه شيئا ما مالوفا لديها .
كان يلاعب طفلا آخر منه بكرة ملونة ، وفي الجهة الأخرى فتاة صغيرة بإبتسامتها الفاتنة ، تشاركهما اللعب، لكنها ما لبثت أن تعثرت في جريها ووقعت ارضا ، وبسرعة مدهشة ركض الولد الصغير نحوها وساعدها على النهوض برقة والقلق يغشاه .
إبتسمت ليندا أمام هذا المنظر المؤثر من غير ان تدري سببا لإهتمامها بمراقبة الولد ، الى أن حجبت عنها الرؤية إمرأة أسرعت على صراخ الصغيرة وإنحنت مباشرة تنفض التراب عنها ، ولحسن حظ ليندا ان القادمة لم تنتبه لها فقد كانت الممرضة روث سيدني أو بالأحرى السيدة برنيت والدة الأطفال .
لم تصدق ليندا كيف وصلت الى مسكنها الصغير لتستسلم لنوبة بكاء طويلة ، فلا عجب من إهتمامها المفاجىء بالطفل وبوجهه المألوف لديها ، فهو يشبه أباه تمام الشبه ، ولا شك أنه صورة مطابقة لريك في طفولته .
حاولت ليندا قدر إستطاعتها أن تمنع نفسها عن التفكير بما جرى ، فالحزن لا يجدي وحان لها ان تتحرر من قيود الماضي ، لكن القدر ما برح سيد مصيرها يتحكم بها كيفما يشاء ، فشاءت الصدف ان تقرأ يوما عن طلب معلمة للعمل في مدرسة في نيوزيلندا ، واحست ليندا وكأن القدر يفسح لها في المجال لتتخلص من نمط حياتها الحالي ، ودفعها حبها للمغامرة الى الإبتعاد عن اهلها ومنزلها بعدما أخبرتهم ان غيابها لن يطول ، وهلها من جهتهم لم يحاولوا ثنيها عن عزمها فهي قبل كل شيء راشدة وقد بلغا الرابعة والعشرين من عمرها .
إنتقلت ليندا الى نيوزيلندا ، حيث أمضت سنة كاملة كمعلمة في مدرسة كبيرة ، إنتقلت بعدها الى كورومانديل حيث المنزل الصغير والعناية بالأطفال المعاقين ، هناك إنصرفت كليا الى عملها ، برفقة أصدقاء لطفاء وغير متطلبين ، وصرفها واقعها الجديد عن التفكير بذلك الشاب الأسمر الذي عرفت معه أجمل ايام عمرها ، والذي رددت شفتاه إسمها ، وحضنتها ذراعاه أمسيات عديدة .
لكن الأيام لم تقو أبدا على محو يوم واحد فقط من ذراكرتها ، يوم نظر اليها ببرودة وطلب منها الخروج من حياته.
|