كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
1- ملك يديها
************
أستحمت كايت بسرعة وجففت نفسها فى أقل من دقيقة وأرتدت قميصاً قطنياً قديماً قبل أن تخرج من الحمام متسللة إلى غرفة نومها المظلمة حيث أندست تحت الأغطية وكأنها نالت أخيراً ملاذاً آمناً )منتديات ليلاس)سعيت إليه لاهثة
أصغت السمع فإذا بها تسمع تنفس أبنتها الصغيرة سندى الرتيب لكنها لم تسمع شيئا من غرفة الجلوس وتساءلت عما إذا كان غراى أنهى قراءة تقاريره أم أستلقى ينشد الراحة فغفا وتساءلت عما إذا كان مايزال كعادته ينام من دون بيجامته فمر حينئذ مرأى جسده فى خاطرها نحيلاً أسمر ولكنها عادت فأبعدت صورته تلك عن تفكيرها بسرعة
أضجعت على معدتها تحاول إخماد خفقات قلبها السريعة والأثارة التى راحت تغزو جسدها للمرة الأولى منذ ألتقت غراى مجدداً تجد وقتاً يسمح لها بالتفكير بوضوح بشأن وضعها لماذا تحس بالرعب والصدمة! لقد هربت أساساً لتنقذ حياة جنينها لكنها يومذاك كانت تعتبر العم ماتيو هو الخطر الحقيقى عليها لا غراى لأنها لم تعتقد يوماً أن غراى قادر على أذية أى مخلوق بما أن العم ماتيو مات الآن فهل يعنى هذا أنها تستطيع أخيراً أن تتوقف عن الهرب ؟وأن بإمكانها المخاطرة برفع دعوى حضانة سندى ؟وتحركت فى فراشها قلقة ثم جلست لتسوى الوسادة التى بدأت فجأة ملبدة غير مريحة
لكن لم تكن الدعوى فى الواقع ما تقلقها بل ما ستقوله من أمور متعلقة بـ غراى فلو اخبرت المحكمة عن أسباب أعتبارها غراى غير كفء لأذته وهى حتى الآن لم تكن واثقة من رغبتها فى رؤيته فى السجن
أسندت ظهرها على قائمة السرير تحدق فى الضوء الذى يتسلل نافذاً عبر الستارة...صحيح إنها الآن بعد ما مر معها ما عادت تحب غراى لكن ذكراى لقائها الأول به مازالت راسخة فى ذاكرتها تلك الذكرى التى مازالت بقايا الحب فيها تؤلمها عادت كانت تقاوم لتدفن تلك الذكريات عند ظهورها لكنها هذه الليلة لم تستطيع مقاومتها فأغمضت(زهرة منسية) عينيها تعصرهما بقوة ثم أنقلبت تضغط وجهها فى الوسادة وهى تتصور تلك الحلوة المرة التى مازالت عالقة فى ذاكرتها
التقت غراى منذ ثلاثة سنوات ونصف فى لندن فى يوم حار رطب من أيام تموز أى بعد بضعة أشهر من أجتيازها الأمتحان بنجاح فى جامعة فكتوريا فى مدينة مانشستر وكانت قد جاءت إلى لندن كعضو مبتدئ فى مكتب الأدعاء العام. محامية شابة مندفعة فى الرابعة والعشرين من عمرها متلهفة للدفاع عن المظلومين ومصممة على النضال من أجل الحقيقة والعدالة . نعم يومذاك كانت ساذجة لكن ليس كثيراً وسرعان ما أكتشفت أن المظلومين لا يبالون عادة لا بالمساعدة ولا بمن يساعدهم وأن العدال ليس لها علاقة ببطء العمل الرتيب وقد أدركت بعد عدة أسابيع أن ما تعلمته كان مثاليات مفعمة بمبادئ ليس لها علاقة بأرض الواقع ثم باتت بعد ذلك لا تعرف ما الذى سزعجها أكثر السهولة التى يتمكن فيها المحامون المحترفون من إنقاذ زبائنهم المجرمين المحترفين من السجن أم السهولة التى يعاقب فيها المذنبون اليافعون من أبناء الفقراء الذين لا تكترث عائلاتهم بهم وتفشل البرامج الأجتماعية من حمايتهم من الأنحراف
بدأ اليوم الذى التقت فيه بعضو مجلس العموم البريطانى غراهام فولوود يوماً عادياً كانت تدافع عن قضية فى المحكمة وكانت مكيفات الهواء معطلة والحرارة فى القاعة مرتفعة جداً
وقفت كايت حتى دخول القاضى ليستوى فى مقعده وهى تحس إنها تنضح عرقاً وإنها مرهقة أكثر من المعتاد وهذا ما أزعجها يومها يومها لأنها لن تبدو بذلك محترفة .بعد أمر الحاجب جلست والتفتت تنظر إلى مؤكلها بيرت ميرفن كان يحدق حالماً فى الفضاء وقطرات العرق تنحدر فوق خديه الأسودين فتبللاقميصه
بيرت ولد من أولاد الشوارع فى 17 من عمره القى القبض عليه بالجرم المشهود وهو يكسر قفل باب شقة عضو مجلس العموم غراهام فولوود الذى هُدّد من قبل الشاب بمسدس محشو وعندما فُتش الأخير فى مركز الشرطة وجد أن جيوبه مملؤة بالكوكاين والحشيشة ووجد طبيب السجن أن بيرت الذى لا عائلة له ولا عنوان ثابت يعانى من سوء التغذية والسل. رغم حالته الصحية وإمتلاء ملف قضيته بالتهم رفض أن يقابل كايت ليقدم لها تفسيراً لتصرفاته الأجرامية
فى الأشهر التى أمضتها كايت فى مكتب الدفاع العام التقت بالعشرات أمثال بيرت ميرفن ومع ذلك لم تستطيع منع نفسها من الأحساس بأن هناك شيئا ما يكمن تحت صمته يستحق الأنقاذ.....
وكما توقعت سارت محاكمة بيرت بسرعة وسهولة فقد أعطى الضابط الذى أوقفه شهادته التى فيها الأدلة الدائنة ثم سألته كايت بعضة أسلئة لم تكشف عن شيئا بعدها أستدعى المدعى العام النائب غراهام فولوود للشهادة
كان النائب أصغر مما توقعته كايت وأكتشفت إنها كانت تحبس أنفاسها وهو يسير بثقة نحو منصة الشهود كان فى مشيته الرياضية شئ ما فبدأ لها إنه لا يلبس دائماً هذه الثياب الرسمية الأنيقة التى يرتديها الآن وأنه غالباً ما يخلغ عنه هذه الملابس ليرتدى ما هو أقل أرباكاً
سرد النائب بتجهم قصته فأحست أن كل كلمة يقولها تزيد من ثقل الأتهام على الفتى بعد أستماعها إلى الشهادة وقفت على مضض وهى تظن أن أستجوابها سيزيد المحكمة قناعه بذنبه ومع ذلك وتأدية لواجبها تجاه موكلها كانت مضطرة لإلقاء ظلال من الشك على قصة الشاهد
-حضرة النائب فولوود قال ضابط الشرطة الذى أعتقل موكلى إنه لم يجد أثرا لضرر فعلى فى باب شقتك فما الذى يجعلك تثق أن بيرت مارفين كان يخطط لتحطيم قفل بابك ولسرقة شقتك؟
-كان فى يده قضيب حديدى مخصص للخلع وكان يرفعه فوق رأسه وكأنه يستعد لتحطيم شئ ما وبما أنه كان يقف خارج بابى وذلك القضيب كان موجها إلى مقبض الباب فقد لى أنه من المنطقى الأفتراض بأنه يخطط لأقتحام شقتى ولو لم يكن يرفع المقبض فوق رأسه لأستطاع الوصول إلى مسدسه بأسرع مما حصل ولما تمكنت من تجريده من سلاحه
هز القاضى والمساعدين رؤوسهم بالموافقة على ما جاء فى كلام عضو مجلس العموم
-كيف تأكدت من أنه هو من هدّدك ؟
بقى صوت غراهام فولوود هادئاً راضياً لكن تعبير وجهه أصبح عطوفاً بشكل غريب وهو يرد :
-لقد كان أمامنا وقت طويل للتعرف على بعضنا حضرة المحامية فأنا وبيرت أطلقنا معاً جهاز الأنذار المركب على باب منزلى أثناء تنازعنا على المسدس ثم قبعت فوقه أنتظر قدوم الشرطة وقد دام ذلك حوالى 20 دقيقة....صدقينى بيرت ميرفن هو الشخص الذى هاجمنى دون أدنى شك.
صحيح أن كايت لم تكن تتوقع كسب القضية لكن هذه الشهادة وضعت الختم الخير على مصير موكلها وهئية المحكمة . مثل أكثر أهل المدن كانوا قد تعبوا من العنف ومن خرق القوانين وهكذا رفض القاضى طلبها بإرسال بيرت إلى أصلاحية أحداث وحكم عليه بالسجن فى سجن للراشدين
لم يكن لديها أدنى شك فى أن موكلها مذنب لكنها لم تستطيع إلا أن تحس إنها خذلته وأن النظام كله كان يخذله طوال حياته والتفتت إلى المتهم ورجال الشرطة يسوقونه :
-آسفة بيرت...أنت تعرف عنوان المكتب...أكتب لى إذا رأيت أننى أستطيع مساعدتك بشئ
أبتسم بيرت ونظر إليها مباشرة للمرة الأولى منذ أستلامها القضية :
-لا تزعجى نفسك سيدتى المحامية هناك أماكن كثيرة فى الخارج أسوأ من السجن ويا إلهى...لقد عشت فيها كلها لذا قررت أن أتعلم شيئا من القراءة والكتابة وأنا مسجون
فلمست ذراعه مشفقة :
-أفعل هذا أرجوك....حظاً سعيداً بيرت
أحست بموجة سعادة حادة غير منطقية عندما وجدت غراى فولوود ينتظرها خارج المحكمة مبتسماً أبتسامة توقف القلوب وتنتزع أصوات الناخبين بقوة ألف فولت :
-أنا ذاهب لمكان مكيف لأشترى شراباً بارداً...أتنضمين إلى سيدتى المحامية؟
ترددت كانت جاذبيته الغريزية تتصارع مع الإحباط الذى شعرت به بعد القضية فقال :
-أرجوك أن تقبلى أود أن أشرح لك بعض الأشياء عن بيرت ميرفن
-حسن جداً...شكراً لك
أصطحبها إلى مقهى لا يكتظ بالناس البرودة فيه نعيم بعد أن وصلت المرطبات التى طلبها بسرعة مع قصعة من الفستق أحست أن عضو البرلمان هذا من النادر أن يُترك منتظراً ومن النادر ألا يحصل على ما يريد بسرعة
أستند إلى الكرسى ليرخى رابطة عنقه قليلاً ويفك أخر زر فى ياقة قميصه:
-ماذا يدعوك أصدقائك يا أستاذة ؟
-كايت
-حسنا يا كايت كنت أراقبك خلال المحاكمة وعلمت أن النتيجة أزعجتك وأريدك أن تفهمى سبب أصرارى على التهم ضده
-لقد هددك بمسدس سيد فولوود....أليس هذا سبباً كافياً ؟ صحيح أن الحكم أزعجنى لكننى ليس تلك الرقيقة القلب لأعتقد أن الفقر وحده هو الداعى للأجرام
قال لها بصوت منخفض هادئ :
-أولاً أسمى غراى ثانياً أصريت على التهم ضد بيرت ميرفن لأنه كان حين هاجمنى أكثر من فظ ولولا قدرتى شل حركته لأتت العواقب وخيمة والله وحده يعرف من سيكون الضحية التالية
-ليس من الضرورى شرح هذا لى غراى لقد قراءة تقرير الشرطة وأعرف أن موكلى مذنب
-كايت...متى أجتازتى أمتحان الحقوق ؟
منتديات ليلاس
تصلبت وبدأ عليها الأستعداد للدفاع مقالت متوترة :
-منذ عدة أشهر. أعلم أن الخبرة تنقصنى فى قاع المحكمة ولذلك أحس أننى خذلت موكلى فما فرصة أستفادته من حياته الآن ؟ عمره 17 سنة والمجتمع وصمه بأن لا أمل منه
مد غراى يده إلى يدها بحركة أحست معها بإلاتياح غير منتظر :
-أظن أن أمامه فرصة . وربما فرصة أفضل مما تظنين فأنا مثلك كايت محامى عملت فى هذه المهنة 5 سنوات قبل أن أنتقل للعمل السياسى لذا أحدثك عن خبرة أكتسبتها . أن سجوننا ليست كلها سيئة نعم هى مكتظة وفيها عنف كبير وفيها من لا عمل له إلا التحديق فى الجدران إل أن الصغار من المحكومين يخرجون من السجن بصحة جيدة ويتعلم منهم عشرون بالمئة تعليماً حسناً وبيرت ميرفن كان يتيماً منذ الخامسة من عمره وعاش فى الشوارع منذ بلغ الثانية عشر وأحسبه لم يتناول يوماً ثلاثة وجبات كاملة لقد شاهدت بنفسك تقرير الطبيب وتعرفين أنه مصاب بالسل وأنه مدمن مخدرات نسى متى كان صاحياً آخر مرة والحكم بالسجنيوفر له فى الواقع أفضل فرصة حصلعليها فى حياته
-هذا إذا لم تسيطر عليه عصابة ما داخل السجن أولاً
-تعرفين كيف يعيش أولاد الشوارع أتظنيه لم يعانى من هذه الأخطار فى الخارج ؟
أدركت فجأة أن غراى محق صحيح أن الحياة فى السجن كئيبة وعنيفة فى بعض الأحيان إلا إنها آمن من الشوارع فأبتسمت له :
-أحاولت يوماً أن تكون وكيل مبيعات؟أظنك ستكون وكيلاً رائعاً لبيع المظلات والمعاطف الواقية للمطر لسكان الصحراء
فأرتسمت أبتسامة سريعة على فمه :
-ما رأيك أن أبيعك فكرة العشاء معى ؟
ردت مقطوعة الأنفاس :
-أشتريت . سأحب كثيراً أن أتعشى معك غراى
|