كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
-بكل تأكيد هذا عدا حاجتى إلى حمام أشعر وكأننى لم أغتسل منذ أسبوع
صعدت جوانيتا السلم تحمل سندى وتربت على ظهرها لكنها تجاهلتها تماماً ولعلمها أن أحداً لم يكن يهتم ببكائها صمتت وبدأت تنظر حولها بإهتمام حذر نأداها غراى من تحت بأنه سيصعد ليراها قبل أن تنام لكنها تجاهلته ولم تستطيع كايت إلا أن تحس بالشفقة عليه لأنها أدركت أن الهدنة بينهما قد أنتهت
توقفت جوانيتا أمام الأبواب الخشبية :
-لقد وضعتك وسندى فى غرفتين متصلتين حمامهما فى آخر الردهة إن الحمامات أحدى مشاكل تشاتر فارم فحين تجديد المنزل فى الخمسينات لم يبنين فيه ما يكفى منها
منتديات ليلاس
شهقت كايت وهى ترى الغرفة التى لم تكن تشبه يلك الغرفة الكئيبة الملئية بالأثاث الأثرى المعتم التى كانت تقيم فيها ثلاثة من جدرانها مدهونة بلون ليمونى فاتح والرابع رُسمت عليه صورة مراعى خضراء فيها دببة وحيوانات أليفة . كانت السجادة السميكة الناعمة بنية اللون والنوافذ مغطأة بستائر معدنية بيضاء جذابة وفى أحدى الزوايا سرير صغير أصفر اللون وطاولة للأطفال قربها رفوف صُفت عليها الكتب المصورة والألعاب
صاحت سندى :
-جميلة ! أترين ماما ! أنظرى !جميلة !
-أجل...إنها جميلة جداً لكننى لم أفهم جوانيتا...كيف تمكن غراى من تحضيرها بهذه السرعة ؟
-هذه الغرفة كانت جاهزة وحاضرة منذ سنتين
-منذ سنتين ! لم أفهم....
-حين أتصل أخوك ليقول إن الطفل ولد كاد غراى يجن....
فأحمر وجه كايت وقاطعتها :
-أنا آسفة...أنا آسفة حقاً لما سببته لكم من آلام...
فردت جوانيتا بحدة :
-لا تقدمى أعتذارك لى فليست أنا من آلمته...
تململت كايت مدركة سخرية موقفها إنها لم تستطيع الدفاع عما فعلت كما لا تستطيع شرح سبب هروبها بالضبط
صحيح أن العم ماتيو ميت وهذا يعنى أنه لم يكشف الحقيقة لكن غراى حى فهل هى مستعدة حقاً لوضع والد طفلتها فى السجن ؟ربما بعد وفاة العم ماتيو قلب غراى صفحة جديدة فى حياته ووضع حداً للفساد الذى كان يعيش فيه أوهـ...يا إلهى....لقد عادت الآن إلى منزله أليس من واجبها إذن أن تبلغ المدعى العام بما أكتشفته منذ سنتين ونصف ؟
-جوانيتا...صدقينى....لم أكن أستطيع القول لأخى أكثر من أن سندى ولدت وكان لدى أسباب وجيهة كان هناك أشخاص آخرون متورطين لهذا لا أستطيع تفسير سبب تركى لـ غراى
-ربما هذا صحيح فى نظرك لكن تصرفاتك كانت قاسية على غراى فهو لم يكن يعرف أن طفله صبياً أو بنتاً لقد قضى ثلاثة أيام بعد مكالمة شقيقك حابساً نفسه فى غرفته بعدها خرج ليوكل أفضل مخبرين فى البلد للبحث عنك وعاد ليدهن الغرفة هذه بنفسه وأضعاً لها أوراق الجدران والصور وأشترى الأثاث والألعاب تدريجياً خلال سنتين وكان تعويضاً له عن مشاهدة طفله ينمو أما عينيه
أغمضت كايت عينيها ترفض السماح للدموع الساخنة بالأنهمار لا سبب يدعوها لتحس بالذنب فغراى كان النذل الذى سبب المأساة لا هى مع ذلك فما من شئ تقوله قد يقنع جوانيتا بالعكس فأبتلعت كلمات الأعتذار التى لا قيمة لها ومدت ذراعيها لأبنتها وحملتها ثم قربتها من صورة الجدار لتتأملا الدببة والحيوانات الأليفة
أنسلت سندى من ذراعى أمها وراحت تركض من أول الجدار إلى آخره ثم توقفت أمام صورة دب سمين :
-هذا دبى...أنظرى أمى...هذا دبى !
راحت سندى تفتش عن تلك الصورة بينما أكملت جوانيتا :
-أنهى غراى ديكور هذه الغرفة فى أيلول منذ سنتين وما من أحد كان يظن أن الوقت سيطول قبل أن يرى طفله ما فعله له
نظرت كايت إلى ساعتها كى تحول أهتمام جوانيتا عن هذا الحديث الذى قد يضطرها إلى إطلاق كلمة جارحة :
-يا إلهى....الوقت يمر وأنا سندى بحاجة لحمام لكننى لا أجد أثراً لحقائبنا أتصنعين معى معروفاً وتبحثين عنها ريثما أهيئ سندى للنوم
-بالطبع....وسأطلب من مديرة المنزل تحضير طعام خاص لـ سندى هل لديك أقتراح ما ؟
-حساء الدجاج يكفى إنه المفضل لديها لقد بلغت مرحلة تحاول فيها مقاومة ما أجبرها على أكله لأجل صحتها وأنا الليلة ليس لى طاقة للصراع معها
فأبتسمت جوانيتا :
-كل من أعرفهن من الأمهات يقلن أن الأطفال فى سن الثانية لا يطيعونهن قد تتحسن عادات أكلهم لكن كل شئ آخر يسوء
فتأوهت كايت :
-لا تخبرينى عن هذا فأنا من يحتاج إلى الدلال بعد تعب اليوم
فضحكت جوانيتا سأؤرى ما حل بحقائبك لا تنسى كايت غرفتك هى المجاورة تماماً والناشف فى الحمام حيث ستجدين فرشاة أسنان فى خزانة الأدوية
ركضت سندى كالبرق تضم ساقى جوانيتا :
-باى باى خالتى
وكأنها سُرت بهذه اللفظة فأخذت ترددها:
-خالتى...خالتى...خالتى خذى هذه لك
ووضعت فى يدها بقايا قطعة الحلوى اللزجة وأبتسمت وأظهرت أسنانها البيضاء :
-باى باى خالتى نينا زورينا قريباً
تبللت عينا جوانيتا وهى تحتضن الطفلة :
-أهـ يا ربى..ما أروع وجودك بيننا
أمطرت السناء فى الصباح التالى ذلك المطر الذى يتخلله ندفاً من الثلج لكن غرفة الطفلة ذات الديكور الزاهى الألوان بقيت ملئية بالنور لم تكن كايت تتذكر متى كانت أخر مرة أستيقظت فى صباح يوم أثنين دون أن يكون لديها ما تفعله سوى الأستمتاع بوقتها كان الأحساس بالحرية وأوقات الفراغ رائعاً حتى نسيت أمر غراى ومشاكلها فأستلقت على بطنها فوق السجادة السميكة تبنى برجاً من المكعبات الخشبية الملونة مع سندى ظاهرياً لكنها فى الواقع كانت تتمتع هى بالألوان المختلفة وضعت سندى مكعبين من الخشب فوق بعضهما وقالت :
برجى أحمر
-لا هذه مكعبات خضراء
-خضراء ؟ لا... برجى أحمر
-بأمكانك تسميته بالحمر ولكن الخشب أخضر
نظرت سندى إلى أمها ثم فقدت الأهتمام بالنقاش فراحت تجر بطة خشبية تصدر أصواتاً وهى تتحرك حول الغرفة ثم ضحكت بصوت مرتفع عندما أصطدامت البطة بجدار البرج الذى بنته أمها لتهدمه وعلمت كايت أنه لن يطول الأمر بها حتى تقتحم البرج كله وتهدمه وهى تضحك...سندى هى من لفتت نظر كايت لوجود غراى فجلست مجفلة على الأرض وهى تحتضن البطة الخشبية :
-مرحباً يا رجل
سندى معتادة على لقاء كل أنواع الناس فى ظروف عادية فلماذا تتصرف على هذا النحو مع غراى ؟
-مرحبا سندى كيف حالك هذا الصباح؟
لم ترد سندى بينما كايت هبت واقفة بدأ أن قلبها قد تغيرت خفقاته الرتيبة ثم لاحظت النظرة القاسية فى عمق عينيه فبردت الحرارة فى عروقها بسرعة كما أرتفعت وقالت :
-مرحباً غراى لم نكن نتوقع رؤيتك اليوم مدبرة المنزل إنك مسافر إلى لندن
-أنا مسافر بالفعل لكننى وددت التأكد من أنك تفهمين القوانين قبل سفرى
-القوانين ؟
-ستجدينها بسيطة . لك مطلق الحرية فى مغادرة المنزل ساعة تريدين...إذا أحتجت لتسوق أطلبى من مدبرة المنزل لأئحة بأرقام حساباتى فى عدة مخازن محلية وإذا أحتجت إلى مال نقدى أطلبيه من أندرو
أحست جسدها يرتجف من الغضب فأجابته بصوت أجش من الأذلال :
-إذا كنت تحاول إهانتى غراى فقد نجحت لكن أعلم أنك لن تغرينى بوضعك المبالغ الطائلة بين يدى لن أصرف فلساً واحداً من مالك ولن أطلب بكل تأكيد من اندرو مالفود أن يعطينى شيئا فأنا أفضل أن أتضور جوعاً على أن أطلب شيئا
فرد بكل برود :
-هذا شأنك كما أن لك الحرية فى البقاء أوعدمه فإذا قررت الرحيل فسيكون أندرو سعيداً كذلك فى حجز مقعد لك إلى أى مكان تشائين وأجرة السفر طبعاً ستكون على حسابى
-طبعاً
تجاهل مقاطعتها وسخريتها وأردف :
-تذكرين بالطبع أن تشارترفارم محاطة بسياج مكهرب لكن رجال الشرطة نصحونا منذ مدة ان نشدد الأجراءات الأمنية داخل المنزل ومنذ رحيلك وضعنا فى المنزل أجهزة جديدة وبدون بطاقة ممغنطة خاصة لا يمكنك المرور عبر الأبواب
إذن فمغادرة تشارترفارم ستكون أصعب مما تصورت...تقدمت كايت نحو السرير تجلس على طرفه وتضع سندى على ركبتيها فقد أحست إنها بحاجة إلى دفء جسد أبنتها
-هل ستعطينى أحدى هذه البطاقات ؟
-لا...لن أعطيك بطاقة فكما قلت أنت حرة فى مغادرة المنزل ساعة تشائين شريطة أن تكونى وحدك.لن يسمح لك الخروج مع سندى وأحذرك الجميع هنا من العمال المؤقتين إلى الخال جوانيتا يعرفون أنه من غير المسموح لك بالخروج من المنزل مع أبنتك إل اإذا كنت أنا معك
وقفت كايت وهى تحمل طفلتاه وتقدمت نحوالنافذة وقالت :
-حسنا..أعتقد أن هذا كل ما تحتاج إلى قوله
-لا ليس ما أحتاجه بل ما أنت مستعدة لسماعه حالياً
فالتفتت إليه مبتسمة :
-رحلة موفقة سيدى عضو مجلس العموم...ولا تسرع فى العودة من أجلى
-سأعود غداً مساءً
تقدم نحوها ليلمس سندى ويسألها :
-كيف وجت سريرك الجديد ؟ صعدت إليك لأقرأ لك قصة ليلة أمس فوجدتك نائمة أرجو أن تعجبك هذه الصور واللعب كلها...أختارتها خصيصاً لك حالما عرفت بوالدتك
نظرت الطفلة إليه بصمت ثم حولت نظرها إلى الفراش فالصورة ثم إليه مجدداً وقد بدأ ظاهراً إنها فهمت ما يقول لكنها تعمدت عدم الرد فوضع يديه فى جيبيه وقال محبطاً :
-سندى أنا والداك وأريد أن أكون صديقك عندما أعود من رحلتى هل لنا أن نمضى الوقت معاً لنتصادق ؟
أغمضت سندى عينيها ودفنت رأسها فى عنق أمها فراقبها غراى بصمت للحظات ثم التفت فجأة وأتجه إلى الباب :
-لا تشتاقى إلى كثيراً أثناء غيابى
وأقفل الباب بحدة
حدقت كايت فى الباب المغلق إلى أن أحست بأصابع أبنتها تمسك بذقنها:
- ما الأمر حبيبتى ؟
- الرجل ذهب...أنظرى إلىّ..لا تنظرى إلى الرجل
- لا تقلقى سندى..أعدك أن غراى لا يريدنى أن أكون أمه
أنسلت من بين ذراعى أمها وركضت نحو البرج الذى بنته كايت قبل دخول غراى وأخذت تركله وتعيث فيه فساداً ثم التفتت إلى أمها :
-كله وقع
-أجل...وقع كله....أنبنى برجاً آخر أكبر منه ؟
التقطتت سندى أكبر قطعتين من الخشب وضربتهما معاً سألت الصغيرة أمها وجبينها متجعد من التركيز :
-الرجل أبوك ؟
-لا غراى ليس أبى...أنه زوجى...غراى هو أبوك أنت سندى...أبوك أنت
رمت سندى المربعين من يدها والتقطت دبها وقالت بلهجة لا تتحمل الجدال :
- الدب أبى
وأدارت ظهرها إلى كايت وسارت نحو رف الألعاب ووجدت لعبة طبل وضربت عليها عدة مرات مكررة :
-الدب أبى...الدب أبى
وأخذت تضرب الطبل أكثر فأكثر ليرتفع صوته عالياً وسرعان ما أستحوذ نغم الطبل على تفكيرها فحملته تدور به فى الغرفة وتضربه وتضحك للصوت الذى يصدره ونسيت كل شئعن غراى
حسدت كايت أبنتها فهى بحاجة إلى ما هو أقوى وأهم من الطبل لتخرج غراى من تفكيرها
|