كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
3- أذهب يا رجل
×××××××××××
بدأت كايت عملها فى السوبر ماركت فى شهر تشرين الثانى ومنذ ذلك التاريخ كانت تمضى ساعات دون ان تفكر فى غراى لكنها اليوم لسبب مجهول لم تستطيع إبعاده عن تفكيرها . مخاوفها كانت شديدة أحست بها غصة فى حلقها أضطرت إلى أبتلاعها بصعوبة مراراً كما تطلبت منها جهداً إضافياً لمنع نفسها من الهروب عن الصندوق المالى الذى تعمل عليه
أنهت حساب قيمة مشتريات زبونة شابة ومدت يدها لتأخذ بطاقة إعتماد زبونة أخرى أكبر سناً :
-صباح الخير سيدة آردن كيف حالك اليوم؟
-بخير شكراً . الشمس رائعة اليوم بالنسبة لتشرين الثانى أليس كذلك ؟
-أجل...والأفضل أن نستفيد منها فموظف الأرصاد تكهن أن هناك موجة صقيع وثلجة قادمة قبل نهاية الأسبوع القادم
-أوهـ لا تبالى بما يقوله موظفو الأرصاد ! أنهم يتوقعون إنهمار الثلج كلما أقتربت الأعياد إنهم يرغبون فى أسعاد هواة التزلج
ضحكت كايت بعد أن ردت الرد المناسب مع إنها لم تكن قد وعت تماماً ما قالته للسيدة . فخلال السنتين الماضيتين إعتادت على أجابة الناس فى وقت يكون فيه تفكيرها بعيداً كل البعد عما يحيط بها
إزدحم المخزن بالزبائن صباح السبت كالمعتاد وكان معظمهم من النساء راحت عينا كايت تجولان على الرجال لكنهم بدوا لها كما يجب أن يكونوا المتبضعون فى يوم خريفى فى بلدة بيرت الأسكوتلندية الواقعة على ضفاف نهر إلوا . كان معظمهم يرتدى الكنزات السميكة والأحذية الجلدية المرتفعة الساق وبعضهم يعتمر القبعات الصوفية
ما من أحد منهم كان يرتدى بذلة رسمية ذات ثلاث قطع وقميص رسمى أبيض وربطة عنق وما من أحد منهم له من الطول 185 سنتمتراً أو له شعر أسود كجناح الغراب أو عينان رماديتان نفاذتان ولم يبدُ لها أياً منهم أن ينوى أختطافها ولم ترى بينهم من يشبه أتباع العم ماتيو أو من يشبه غراى فولوود
لمحت أحد المشرفين على العمال يسير أمامها فنادته لتطلب منه بصوت منخفض :
-جو ! أيمكن أن تستلم الصندوق عن بضعة دقائق ؟
-طبعاً....ما بك كايت ؟ تبدين وكأنك رأيت شبحاً أليست بخير ؟
-ليست بخير فى هذه اللحظات ولكننى قد أستعيد نشاطى بعد قليل إن هذه مشكلة النحيلون الشاحبين فهم يبدون كالأموات حتى عندما يشعرون بالنشاط . شكراً لك وشكراً للمساعدة
كانت حاجتها للخروخ من السوبر ماركت غامرة فى الماضى كانت غريزتها صائبة أكثر من مرة خلال السنتين الماضيتين . وقد عودت حواسها كونها هاربة على الأستشعار بالخطر وهى تشعر بخطر سيحدق بها اليوم كما أحدق بها من قبل فى كرونويل ووايلز وليدز قبل أن تنتقل إلى هذا المكان البعيد النائى فى أسكتلندا . إنها واثقة إن غرزيتها تقول لها إن الوقت قد حان لتوضيب الثياب والهرب مجدداً لتبقى آمنة
ركضت عبر غرفة ملابس الموظفين نحو الخزائين الصغيرة وفتحت خزينتها تحس بندم حاد لتوقعها مغادرة هذه البلدة الآمنة بسرعة لم يمضى على وجودها فيها زمن طويل حاولت جاهدة خلال السنتين الماضيتين أن لا تتعلق بأى مجتمع تعيش فيه لكنها هنا أحست بأن كل شئ يسير على ما يرام
أمسكت حقيبتها وسترتها ثم توجهت إلى الباب فدفعت بطاقة الدخول والخروج لئلا تترك للمدير فرصة عتاب . لكن السوبر ماركت مزدحم وأكثر العمال يعملون وقتاً أضافياً لذا لن يلاحظ أو يتسلءل
أحد عن سبب خروجها المبكر فى الحادية عشر ونصف صباحاً
المخزن مدين لها بأجرة أربعة أيام لذا لن تشعر بالذنب . صحيح أن مغادرتها المباغتة سوف تربكهم إلا أن هذا على الأقل ليس سوء ائتمان
دفعت كايت أبواب مدخل الموظفين الزجاجية فإذا بنور الشمس يمنع عنها الرؤية فمدت يدها إلى جيبها لتخرج النظارة الشمسية....مر ظل بينها وبين الشمس ثم تكلم صوت ناعم :
-مرحبا كايت . كنت أنتظرك
جمدت أصابعها ووقعت النظارة على الأرض وهى تهمس :
-غـراى !
أنحنت تلتقط النظارة المكسورة ثم دست يديها فى جيبى سترتها لئلا يرى أرتجافهما ثم سألته بصوت أجش :
-ماذا تريد ؟
-وماذا تخالنى أريد ؟ أريد طفلى بالطبع !
كانت تتوقع سماع هذا القول ومع هذا صدمها قوله فراحت تتصرف دون وعى فأرتدت على عقبيها تركض بكل قوة وخوف عبر موقف السيارات لكنه لحق بها قبل أن تبتعد جمسين متراً أمسك ظهر سترتها وأجبرها على الألتفات.......فصاحت :
-لا تلمسنى !
نظر إليها فى برود وقلة إكتراث لاحظت بحيرة أن عينيه لا تحملان الكراهية وقال ببرودة :
-سنذهب إلى سيارتى حيث نستطيع التحدث فيها بعيداً عن محاولات الهرب كلما سمعت ما لا يعجبك
-ليس هناك ما تقوله قد أرغب فى سماعه...وليس لدى شئ أقوله لك
جرّها معه إلى سيارة جاكوار خضراء متجاهلاً ملاحظتها :
-ذهبت إلى شقتك قبل المجئ إلى هنا فلم أجد أحداً فى المبنى بل لم أجد أحداً من الجيران لأسأله
-لا يحق لك أن تسال جيرانى عنى ! كيف تجرؤ على العودة بالقوة إلى حياتى ؟ لا يحق لك الذهاب إلى حيث أسكن !
-لا يحق لى ؟لقد أفيت ولدى عنى سنتين وأنا أب لا أعرف حتى أسم طفلى ولا جنسه إذا كنت ذكيةة كايت فلا تحدثينى عن الحقوق لأن سيطرتى على نفسى هشة فى هذه اللحظات وقد لا أطيق هذا النوع من الكلام
-لا حقوق لك....لا حقوق لك بشأن طفلى
-لحسن الحظ القانون يقول عكس هذا . أشكرك لأختفائك عن الأنظار لأن محامىّ بسبب فرارك الدائم لم يجدوا عنوالنك ليوصلوا إليك أوراق الطلاق وهذا يعنى أنك مازالت حتى الآن زوجتى وهذه حقيقة مرة لنا معاً لكنها لها أهمية قانونية
-لن أسمح لك برؤية طفلى....سأستدعى الشرطة إذا حاولت إجبارى
-أتكرهينى إلى حد أن ترفضى الأفصاح عن جنس الطفل ؟ لا يهم سأراه قريباً بنفسى أصعدى إلى السيارة
-لا....لن أصعد
-أقترح عليك هذا لأنك ترتجفين فقط
-يا لحنانك !
تلاشت صدمة لقائه الأولى وبما إنها كانت قد رسمت خطة تتبعها إذا التقته قررت أن تعمد إليها صحيح أن ليس من السهولة خداع غراى لكنها أكتسبت مهارات وقدرات عديدة خلال السنتين الماضيتين منها القدرة على تمثيل أدوار مختلفة . فى الماضى كان الكبرياء يمنعها من إظهار العجز لكن للكبرياء الآن الدور الثانى بعد الأمور العملية العقلانية فعلمت بلمح البصر أن ما تحتاجه هو أن يحس غراى بالأمان ويتخلى عن حذره عندها ستستخدم معرفتها التامة بالجوار لتهرب منه وتمكنت من إعتصار بضعة دموع من عينيها :
-لن أرافقك إلى أى مكان
ومسحت الدموع لأتمام الدور :
-ولن أدخل السيارة
فرد بهدوء :
-كايت لا تكونى سخيفة شفتاك أصبحتا زرقاوين من البرد وكل ما أريده أن تشعرى بالدفء أدخلى بالله عليك
سبحت كتفها من تحت يده المطمئنة وأدعت الغضب لكن لمسته فى الواقع أراحتها وتجنبت النظر إليه وهى تصعد لاسيارة قبل أن تقفل الباب خلفقها ثم قالت :
-يمكنك تهديدى كما تشاء ...لن أرافقك لرؤية الطفل...لدى حق قانونى يمنعك من دخول بيتى ولن أستسلم بسهولة !
-أمازلت تفكرين تفكير المحامين ؟ لكنك نسيت شيئاً هاماً هو أننى كنت محامياً قبلك بثمانى سنوات
مد يده إلى جيب سترته الداخلى ليخرج وثيقة مطوية بعناية :
-وهذا أمر رسمى من المحكمة أستصدرته من كمبردج مرجعية قضيتنا وهذا الأمر يطلب رد طفلى إلى هناك حتى جلسة الوصاية وفى هذهالأثناء أُعطيتُ الحق بالوصول إليه دون شروط وبأمكانى أستدعاء شرطة أسكتلندا لتنفيذ الأمر....فماذا تختارين ؟
وتصاعد الغثيان إلى معدتها فأضطرات أن تلف ذراعيها على خصرها هذه المرة لم تضطر إلى إدعاء الخوف فهو ظاهر على محياها وعلى كل خط من خطوطه فمعرفتها الأكيدة بإنها لن تستطيع هزمه فى المحكمة هى ما جعلتها فى هرب دائم ما يقارب السنتين ونصف وإذا لم تتمكن هذه المرة من الهرب فهى ستفقد طفلها إلى الأبد وإذا حاول إتباع العم ماتيو لتطبيق طرقه فستكون محظوظة لو نجت بحياتها لذا لم تكن تمثل عندما التفتت إليه وعلى وجهها تعبير الغضب والتحدى :
-قرأت فى الصحف أنك مرشح لعضوية مجلس اللوردات فى الأنتخابات القادمة فإذا حاولت كسب حق حضانة طفلنا سأذهب إلى وسائل الأعلام وأخبرهم لماذا تركتك بالضبط عندها سترى كم سيكون حظك فى النجاح السياسى !
وضع المفتاح فى أداة التشغيل وأضاءت وجهه سخرية مريرة :
-إنها مسألة تثير الأهتمام كايت...أخبرينى ماذا ستكشفين للعامة يا ترى ؟أكلى الثوم دائماً مع الطعام؟أو ولعى بمشاهدة أفلام الرعب على الفيديو ؟أم ستذكرين أمور أهم....هل ستقولين للصحافة أن لدى رغبة لا تصدق فى المعاشرة الزوجية ؟ ترى ما هو تأثير هذا كله على مستقبلى السياسى ؟أتظنين أن ناخبى دائرتى الطيبين لا يوافقون على المعاشرة الزوجية يوم الأحد ؟
دفعت عن رأسها الأفكار التى أثارتها كلماته فالذكريات خطرة وعشرتهما الخاصة الحميمية أمر لا تريد أن تتذكره أبداً قالت بهدوء :
-لا شئ من هذا...لكن سأقول لهم لماذا تركتك بالضبط
-هذا ما سيوفر مادة مثيرة للقراء ومثيرة لى أولاً أيجب أن أنتظر حتى أقرأه بنفسى أم تتكرمين علىّ بإعلامى مسبقاً ؟ لماذا تركتينى بالضبط يا كايت ؟ أنه سؤال حيرنى خلا السنتين الماضيتين
- لا تتلاعب بى غراى فأنت تعلم لماذا تركتك ما عدت ساذجة غبية من الصعب أن يجد المرء وظيفة دون أوراق توصية وكنت أتحايل على القانون بصورة دائمة منذ سنتين والمرء يتعلم بسرعة عندما يعمل فى حانة أسرع مما يتعلمه فى مكتب المدعى العام فعيناى الآن أصبحتا مفتوحتان بشكل دائم على كل ما يجرى حولى فى هذه الأيام يبدو أننى أنام وعيناى مفتوحتان ما عدت تلك المحامية البرئية الحديثة العهد بالتخرج التى تظن أن كل من يقسم يمين الولاء فى الدولة يكون قصده خدمة الشعب
رده أكد لها أنه يعرف عما تتكلم :
-العم ماتيو مات من سنة ونصف
منتديات ليلاس
لم تستطيع إبعاد السخرية من صوتها وهى تقول :
-حسنا...أرجو أن يكون أقيم له مأتم رائع أم كان عليه الأكتفاء بالمدفن التقليدى الأسمنتى المعتمد فى بلاده ؟
-قضى السرطان على حياته....عرف مرضه بعد زوجنا بقليل ولازم الفراش لثلاثة أشهر قبل أن يموت
-أنا أسفة
-إذا قررت خوض المعركة الأنتخابية يا كايت فلن تحتاج الصحافة إلى أى إقناع منك لنبش ما يستطيعون عن علاقتى بالعم ماتيو لذا لن أخشى أن لا يكون لتهديدك هذا أى وزن بالنسبة لى خالتى تزوجت ماتيوس قبل ولادتى بل هى تزوجته ضد إرادة العائلة كلها لكن إذا أراد الناخبين أن يجعلونى مسؤولاً عن أعمالهم فلن أقدر على فعل شئ والآن أرشدينى إلى منزل المربية أو إلمكان الذى تضعين فيه طفلى أثناء عملك
××××××××××
|