كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
10 - القلب نهاية المطاف
**********************
مدت كايت يجها لكنها لم تجد إلا أغطية الفراش متجعدة وفراغاً واسعاً موحشاً فتسارعت تمر بها الذكريات متصارعة تدحرجت تدفن وجهها فى الوسادة
كانت أشعة الشمس تتدفق إلى الغرفة مشيرة إلى أن الصباح قادم لكنها تمنت العودة إلى النوم إذ لم تكن مستعدة بعد لأعتراف بحقيقة ما جرى الليلة مع غراى
لكن أغماض عينيها لم يكن ذلك الدرع الفعال ضد الصور التى بقيت واضحة حية أمامها تساءلت كيف لها ولـ غراى أن يعودا بسهولة للوقوع فى رتابة حياتهما الزوجية المدمرة ؟ كان دائماً ينسيها مشاكلها فى حمى الحب ولم تكن الليلتان الماضيتان أستثناء عن القعدة القديمة فهى لم تتعلم شئ من الأشهر الطويلة التى أفترقا خلالها فما زالت غير قادرة على مقاومته
جلست فىالسرير الضخم تنظر حولها شئ ما فى هذا الصمت المحيط بها يشير إلى أن غراى غير موجود داخل الكوخ وهذا أمر عادى كان فى حياتهما الماضية ويبدو أنه سيبقى هو أنها أعتادت علىالأستيقاظ دون أن تجده قربها فى الليل كان يُسكت أسئلتها بقبلاته الجائعة وفى ضوء الصباح كان يبتعد عنها ليمنع النقاش معها
أستحمت وأرتدت الجينز والكنزة الصوفية ونزلت إلى المطبخ غراى ترك لها القهوة فى الأبريق الكهربائى راحت تحتسى القهوة وهى تنظر من النافذة وتخطط لما ستقوم به
كانت الشمس بقوة نادرة فى مثل هذا الوقت من تشرين الثانى فشأهدت من بعيد طيف غراى يتمشى قرب الشاطئ فوق الحصى فأبتعدت عن النافذة ثم حطت عينيها على شئ معدنى يلمع فى ضوء الشمس...إنها مفاتيح.... غراى ترك مفاتيح سيارته على طاولة المطبخ
التقطت المفاتيح وطارت إلى فوق دون أن تدرك ما تفعل أمسكت حقيبتها فرمت فيها ثيابها بسرعة جنونية ثم حملتها تخرج بها من المنزل . كانت السيارة فى المكان الذى أوقفها فيه غراى بالأمس على بعد خطوات من الشرفة المسقوفة
لم تكن أبواب السيارة مقفلة فرمت حقيبتها فى المقعد الخلفى ودست المفتاح فى قفل المحرك وأنطلقت مسرعة إلى الأمام غير عابئة بسحابة الغبار والحصى التى أثارتها خلفها
لم يكن قد وصلت بعد إلى تقاطع الطريق حتى خففت من سرعتها الجنونية وأخيراً أوقفت السيارة إلى جانب الطريق فى فسحة خضراء وأطفأت المحرك مرتجفة تفكر فى الحماقة التى تقوم بها كانت تصرفتها خلال الربع ساعة الأخيرة ملأى بالخبل فإلى أين تنوى الفرار ؟ وكيف تتوقع أن تطالب بـ سندى ؟ بل ماذا تود أن تثبت بالهرب من جديد ؟ إن حقيقة ما حصل ليلة أمس لن يمحوها ببساطة عجزها عن مواجهة غراى فى الصباح
خرجت كايت من السيارة تستند إلى مقدمتها تجبر نفسها على أن تعيد التفكير فى وضعها خلال فترة هروبها الطويلة فقدت على ما يبدو فى مكان ما قدرتها على مواجهة مشاكلها . فقد كانت تحاول حل أى مشكلة تواجهها بالأرتداد على عقبيها هاربة بأسرع ما يمكنها لكن المشطلة أن بعض المشاكل لا تزول بالهروب ومشكلتها إنها تحب رجلاً كان محتالاً وهذه حقيقة ستبقى سواء أواجهتها هنا أو أمضت حياتها كلها هاربة
حتى لو تمكنت بمعجزة ما من أختطاف سندى مرة أخرى من تشارترفارم أترغب حقاً فى أن تقضى حياتها مختبئة فى شقة مفروشة حقيرة ؟
لن تتمكن أبداً لا هى ولا أبنتها من العيش بكرامة حتى تتمكن من مواجهة غراى بكل ما تعرفه عنه
تنفست نفساً عميقاً أخيراً من هواء البحر المنعش وعادت إلى السيارة التى قادتها بسرعة فى الأتجاه الذى قدمت منه . بعد خمس دقائق أوقفت السيارة ودخلت الكوخ فوجدت غراى يجلس على الأريكة فى غرفة الجلوس وعلى ركبته كتاب مفتوح وفى الغرفة موسيقى هادئة تملأالجو وفىالمدفأة نار مستقرة تزمجر بدت الغرفة بسيطة وكأنها ترحب بها
رفع غراى رأسه إليها عند سماعه دخولها شاهدت للحظة الأرتياح يشع من عينيه :
-تسرنى رؤيتك....حين تركت المفاتيح على الطاولة حسبتنى لن أرأك ثانية
فردت بهدوء :
-لقد أنتهى عهد الهرب وعلينا الآن أن نتحدث بصراحة
تقدمت نحوه تدس يديها فى جيبى سروالها فنهض عن الأريكة وأتجه إلى النار ليحرك الجمرات والحطب المشتعل :
-أجل....يجب أن نتكلم
أدركت مذهولة أن زوجها...السياسى الخبير الذى لا تعوزه الكلمات أبداً ولا تخونه كان أكثر منها إضطراباً فقالت بصوت هادئ منخفض :
-غراى...أريد أن أشرح سبب هروبى منذ سنتين
حرك كتفيه لكنه لم يقل شيئاً للحظات بل وضع القضيب من يده بحذر مبالغ فيه والتفت يواجها :
-أود من كل قلبى لو أعرف السبب
-لقد هربت منك لسبب بسيط و واضح لكن كان هناك أكثر من مشكلة فى زواجنا فنحن مثلاً لم نجد يوماً وقتاً كافياً للحديث إذ لم نكن يوماً وحدنا إلا فى الفراش ولو عدت بالذاكرة إلىالماضى لرأيت أننى لم أستطيع إنهاء حديث معك يوماً فإما أن تقاطعنا أمك أو الهاتف أو أندرو فى رسالة مستعجلة هذا عدا الليالى التى كانت أمك فيها تستقبل ما لا يقل عن خمسة عشر وعشرين ضيفاً لكوكتيل أو عشاء لم يكن لنا حياة خاصة غراى كانت حياتنا الزوجية ستفشل دون أن أولى هاربة
-أنت محقة لكننى أعتقد أنه كان بأمكانك حل هذه المشاكل فنحن على أى حال نحب بعضنا
-أجل....كنا نحب بعضنا يوماً
-يوماً ؟ هل أصبحت مشاعرنا من الماضى كايت ؟ليلة أمس قلت أنك تحبينى
-قد يقول الناس أشياء كثيرة لا يريدون قولها فى الوضع الذى كنا عليه ليلة أمس
-الناس ربما...لكن لا أنت
عقدت يديها بشدة :
-الزواج يحتاج إلى أكثر من...من....الرغبة ليتماسك يا غراى نحن نتجاوب معاً لكن هذا لا يكفى
-لكننى أعتقد أن هناك أكثر من الرغبة والتجاذب بيننا وأظن أنه يمكننا أن نحق مستقبلاً حسنا لو سعينا لأنجاح علاقتنا يا كايت أقله من أجل أبنتنا... أتودين أن نجرب ؟
بقيت صامتة فأبتسم متوتراً :
-لقد تحسنت تصرفاتى خلال السنتين الماضيتين وأنت تعرفين هذا فقد تبين لى خلال السنتين الماضيتين أننى متعصب أنانى تملك العمل على كيانى لكنننى الآن ما عدت أؤمن بأن الدنيا ستقف مترددة عند محورها إذا أنا توقفت عن العمل وتناولت رغيف خبز مع عائلتى
لم تستطيع مقاومة الأبتسامة :
لكنك مازالت تعتقد أن لندن ستغرق فى نهر التايمز إذا لم تكن موجوداً فيها لتمنع حدوثذلك
فضحك :
-ليس هذا صحيح فأنا هنا اليوم مع أنه من المفترض أن أسافر إلى زامبيا.. ألا يثبت هذا أن شخصيتى تغيرت ؟
آلمها كلامه فأجفلت :
-ربما
-كايت أرجوك فكرى فى ما أطلبه منك إذا كنت تريدين أن تمنحى حياتنا الزوجية فرصة أخرى فأنا أضمن أن أهئ لها عوامل النجاح . فى المرة الأولى لم نترك لنفسينا مجالاً للأتصال النفسى والواقعى لكننى هذه المرة سأسعى إلى أن نمضى وقتاً معاً خاصة وأن لنا أبنة لا أريد لها إلا الأحسن
توترت أعصابها فجأة وقد أدركت أنها لم تعد تستطيع تأجيل ذكر سبب هروبها الحقيقى وقالت:
-أنا لم أشرح لك الأمور بشكل جيد وأنت مازالت لا تفهمنى غراى فأنا لم أترك البيت للأسباب التى عرضناها الآن لم أحطم زواجنا لأنك كنت أناناياً لا تعب إلا بعملك ولا لأن أمك كانت تصعب علىّ الحياة بل لأننى أكتشفت أن البعض الرأسمالين المحتالين رشوك ورشوا ماتيو كونسويلو بمئات الآلاف من الجنيهات
-تركتينى بسبب ماذا ؟ !!!!!
أحست بيديها رطبتين من العرق فمسحتهما بسروالها متوترة :
-لقد تركتك لأننى لو بقيت لتوجب علىّ تقديم الدليل الذى سيثبت تورطك مع شركة المقاولات المتحدة تركتك لأننى أضطررت إلى سجب أحد المخبرين فى القضية لأحميك لكن ضميرى لم يطاوعنى أكثر
-هربت لكى تحمينى...
وضغط إصبعه على جبينه مفكراً :
-رحلت فى 16 تموز....تباَ...! دعينى أفكر ! ما الذى أكتشفتيه بشأنى وبشأن ماتيو ؟ ماذا حدث فى 16 تموز بالله عليك ؟
-دعنى أنشط ذاكرتك لقد أجتمعت فى مطعم بسيط لتناقش شروط مساعدتك لجماعة الشركة المتحدة فى نقل نشاطهم إلى لندن وأن نسيت فأذكرك أنك أقترحت ربع مليون جنيهاً لخدماتك لقد بعت مواطنيك بثمن بخس....ربع مليون جنيه لتسهي لالفساد فى بلادك !
شحب وجه غراى وهو يسألها :
-كيف توصلت إلى هذه المعلومات كلها بالله عليك ؟
لم ينكر...أحست بالدموع تتجمع فى بركة عميقة خلف مقلتيها لكنها أجبرت نفسها على متابعة القصة المؤلمة :
-توصلت إليها بتحقيقاتى التى قمت بها بشأن فساد العم ماتيو لكننى تلقيت أمراً من المدعى العام لأتنحى عن القضية أما المباحث المحلية فتابعت التحقيق وزرعت عميلاً مستتراً فى مكتب العم ماتيو أتصل بى المخبر مايسون فى الأسبوع الثانى من تموز ليقول لى أن لديه دليل ثابت على أن الرئيس الكبير من لندن سيجتمع مع جماعة الشركة المتحدة لبحث شروطه وبطريقة ما غراى عرفت أنك الرئيس الكبير
فضحك غراى ضحكة غريبة قصيرة :
-هكذا إذن أثبت أننى النذل المشارك فى الفساد حتى قبل كشف ما تسمينه الدليل
فأغمضت عينيها متألمة :
-كنت آمل أن يكون شخصاً أخر أوهـ يا إلهى...غراى أتظننى لم أدعُ الله حتى لا تكون أنت ؟
-لمَ الدعاء؟ أظننتنى بحاجة إلى معجزة لأكون بريئاً ؟ أن رأيك بى لا يسر النفس أبداً
-الدلائل كلها أشارت إليك
-من وجهة نظرك أعتقد أن هذا صحيح الدلائل كلها أشارت إلىّ مع ذلك لم تسلمى ملفاتك...حتى بعد أن تأكدت أسوأ مخاوفك...لم تبلغى المدعى العام بما أكتشفت...لقد كنت فى ذلك المطعم وسمعتنى أتفاوض على ذاك المبلغ ومع ذلك لم تبلغى أحداً
أصطبغت وجنتها باللون خجلاً وأحساساً بالخزى والعار
-لا....لا...لم أقل للمدعى العام ما أكتشفته لقد تخليت عن مبادئ التى أؤمن بها بتركى تشارتر فارم دون أن أبلغ أحد ما أعرف...أرجوك الأمر مهم حقاً هل...هل....قطعت صلتك بهؤلاء الناس بعد وفاة العم ماتيو ؟
-قولى ما تعنين قوله أتريدين أن تعرفى ما إذا كنت إلى الآن أتقاضى رشوة من المجرومين...تريدين أن تعرفى ما إذا كنت أملأ جيوبى حتى الساعة على حساب المواطنين اللذين أقسمت على تمثيلهم
فهزت رأسها وهى مطاطئة فرد عليها :
-لا...أنا لا أقبل الرشوة من أحد أقسم لك كايت
أمسك خصرها بخفة وأدارها نحوه ومسح الدموع التى ترقرقت فى مآقليها :
-كايت...يا حلوتى الحبيبة...لماذا لم تخبرينى بما شاهدته ؟
-لأننى كنت خائفة
-خائفة ؟ منى ؟ أحسبتنى سأوذيك ؟
لم يكن هناك مجالاً للخطأ فى الألم الذى فى صوته فأجابت :
--لا....ليس هكذا...لكننى كنت خائفة مما قد يفعله بى العم ماتيو ومساعدوه كان يعمل مع جماعة من المجرمين يا غراى
-ألم تثقى بأنى قادر على حمايتك ؟
-لوعلم جماعته بما أكتشفت لما ضمنت سلامتى
سادت لحظة صمت وتكلم غراى بهدؤ ك
-هذا ما كان المدعى العام والسكوتلنديارد خائفين منه ولهذا حرموا علىّ البوح لك بما يجرى.جماعة من السكوتلنديارد أصروا على أن جهلك بالموضوع أفضل حماية لك
-هل منعوك من البوح لىّ بما يجرى ؟ماذا تعنى بالضبط يا غراى ؟
-أنا لم أتلق يوماً رشوة يا كايت ولم أساعد المجرمين على الفساد . ما سمعته فى المطعم كان جزءاً من خطة قبل أربعة أشهر من هجرك إياى أكتشف العم ماتيو دنو أجله الذى تزامن مع تقارب جماعة الشركة المتحدة الذين طلبوا مساعدته فى تسوية عملياتهم غير القانونية ولم تكن هذه المرة الأولى التى يُطلب فيها منه العمل على ترتيب الرشاوى للرأسمالين واشك فى أنه قبل العمل أكثر من مرة على كل لم يكن ماتيو بذلك الفساد الأسود الذى أحببت تصويره به نعم كان يساعد فى تنظيف الكثير من الأموال المشكوك فى نظافتها ونعم كان متخصصاً فى الدفاع عن المجرمين الأثرياء اللذين يعرف هو قببل أى أنسان آخر أنهم مذنبون لكن الواقع كذلك أن الدستور يضمن حماية الجميع لا الطيبين من الناس فقط وماتيو لم يخالف القانون فى دفاعه عن أشخاص يعرف أنهم مذنبون
-غراى أرجوك لا تبتعد عن المكوضوع فهذا مهم ماذا حدث بعد أن أتصل جماعة الشركة المتحدة به ؟
-وافق على طلبهم وقال إن خططهم رائعة ثم جاء إلىّ أختارنى لأننى قريبه ولأننى كنت رئيس لجنة محاربة الجريمة المنظمة فى المجلس
-وماذا فعلت ؟
-حسنا..كونى على ثقة أننى لم أوافق على ان أُرش وفى الواقع أن ماتيو لم يعرض علىّ الرشوة فآخر شئ كان يريده هو أن يقضى الأشهر الستة الأخيرة من حياته فى مساعدة المجرمين وأقترح أن نبلغ السكوتلنديارد وأن نتعاون مع الوزارة فى إطلاق نوع من التحقيقات
رمت كايت نفسها فوق الأريكة تحاول إستيعاب المعلومات التى تسمعها من غراى وبدأت أحداث كثيرة مرت فى ذلك الصيف تتخذ لنفسها وجهة نظر مختلفة وقالت بذهول :
-لا عجب إذن أن المدعى العام منعنى من التحيق بشأن ماتيو ! أتحاول أن تقول إن الدليل الذى أكتشفه المخبرون المحليون كان مدبراً ؟
فقال بهدؤ :
-أجل هذا بالضبط ما أقثوله لك
منتديات ليلاس
-وعندما سمعت أنك تقبل رشوة كنت متورطاص فى تحقيق حكومى رسمى ؟
-أجل...كل مخطط سكوتلنديارد كان مرتكزاً على أن أبدو أنا ذلك الندل فقد ذهب ماتيو إلى رئيس الشركة المتحدة ليقول له أننى أعانى من عجزاً مالياً وأننى جاهز لأستقبال الرشوة وفتحت الأسكوتلنديارد لىّ حساباً فى سويسرا وبدأت الشركة تدفع تدريجياً دفعات على حسابى وفى هذه الأثناء كنت أنا وماتيو نسير ومعنا أجهزة تصنت وما سجله ماتيو لمدير الشركة كان العمود الفقرى للدعوى كلها فبناء على ما قدمه لهم أحيلت الجماعة إلى المحاكمة
-أوهـ...غراى....كنت تضع حياتك فى خطر كلما أقتربت منهم
-ليس حقاً فقد كنت أتقيهم فى أماكن عامة ولم يكن لديهم سبب ليرتابوا بى لحسن الحظ أن المجرمون يجدون عادة من السهل الأعتقاد بأن الناس مثلهم فاسدون ولم يرتابوا البتة فى أننى ليست فاسداً فى الواقع كان ماتيو فى خط أكبر لأنه كان يتعامل معهم تقريباً كل يوم لكن شرح لىّ بأنه يريد أن يفعل شيئاً ذا قيمة قبل أن ينضم إلى خالقه لذا لم يكن يهتم بالخطر وتلك الأسابيع الأخيرة حين كان يتأكل المرض والألم كان ماتيو فى غاية الشجاعة
********
|