كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
كان بلا درابزين والدرجات عالية جدا ، مما جعل هارييت تستبعد فكرة تغطيتها بالسجاد ، لكنها كانت متينة على الأقل توصل الى شقة مربعة ذات سقف ينحدر بشدة في إتجاه نوافذ صغيرة فيما الأرضية الخشبية خشنة وغير متساوية ، كانت هناك هيكلية سرير متداعية ودعّاسة بالية ، ومنضدة قديمة للإغتسال عليها طشت وإبريق مشقان ، رائحة الفاكهة الفاسدة كانت اقوى هنا ، وحرارة الشمس تحرم الغرفة من الهواء وتلفها بجو خانق قابض للنفس.
وخيّل الى هارييت ان النوافذ سليمة على الأقل ، لكنها عندما حاولت فتحها إستعصى عليها ذلك بسبب خشبها المنتفخ.
سوزان تبعتها الى فوق ، وسمعتها تهتف ملهوفة:
" إنظري! يوجد فراغ في السقف كانه عليّة ، وهناك باب خفي".
نظرت هارييت حولها بضيق وهي تلف شعرها الطويل الفاتح حول أذنيها بيد لا مبالية.
كانت سوزان تومىء الى فتحة مربعة في السقف المفتت ، فلمحت هارييت سلما خشبيا مسنودا على الحائط قرب السرير ، تركت النافذة العنيدة وإقتربت لتقف تحت الفتحة ، لكنها قطعت على سوزان رغبتها في مواصلة الإستكشاف ، إذ نظرت الى ساعتها وقالت:
" قاربت الساعة الخامسة إلا ربعا ، إذا اردنا قضاء الليل هنا ، وانا لست متأكدة من صواب ذلك ، يجب ان ننشط لتنظيف الطابق السفلي وترتيبه ".
حدّقت اليها سوزان قائلة:
" هل تفكرين في الرحيل؟".
فردت هارييت بهدوء:
" ليس هذا بالضبط ، لكن عليك ان تعترفي بان المكان ليس كما توقعنا ان يكون".
" لا يهمني".
" تقولين ذلك لأنك.....".
" بل أعني ما اقول ، فهي مغامرة بالنسبة الي وقد نمت في اماكن اسوأ يا ألهي ، عندما ذهبت الى مخيم الكشافة".
فقاطعتها خالتها بحزم:
" انا لم انفق آلاف الفرنكات لأحصل على بيت كهذا لا يصلح إلا كمضرب للخيام!".
وحين رأت وجه سوزان يتقطّب أضافت بسرعة:
" ربما إستطعنا ان نفعل شيئا بشان البيت ، لكن بالنسبة الى الليلة فيجب ان نجد نزلا ننام فيه ريثما يتسنى لي الإتصال بالسيد فروند...".
زمّت سوزان شفتيها وإعترضت بإمتعاض:
" لكننا قررنا ان نخيم هنا ! وأحضرنا أكياس نومنا".
فقالت هارييت تذكّرها وهي تشير الى خلف:
"كما تلاحظين يوجد سرير واحد ولا اسمح لكلب بأن ينام على ذلك الفراش ، كما أن الهواء فاسد ويجب فتح النوافذ لمدة كافية".
تجاهلت نظرة الضياع التي إرتسمت في عيني سوزان ، وهبطت السلم وهي تحدث قرقعة على الدرجات بنعليها المصنوعين من الفلين ، ودخلت المطبخ حيث الهواء اكثر نقاوة.
لحقت بها سوزان وتفقدتا الغرفة معا ، وعادت هارييت تقول بإصرار :
" يجب ان تعترفي بانه رهيب ! ".
فاحنت سوزان كتفيها وسألت:
" اين سنمكث إذن ؟ وماذا ستقولين عندما تكلمين السيد فروند؟".
هزت هارييت راسها فهي نفسها لا تعرف ماذا ستقول ... هل تقدر أن تسترد بعض المال المدفوع ؟ إنها تشك في ذلك ، إذ كان عليها أن تتفقد العقار قبل شرائه ، ولا تسمح لنفسها بأن تنخدع باساطير دعائية عن الكرمة والقصر ، وأمسيات الإسترخاء على ضفاف النهر وهي ترشف الشراب المثلج.
وقالت بصدق:
" لا أعرف الآن كيف ساتصرف".
لاحظت الغبار الذي لطخ قميصها وعبرت الغرفة بحذر على الأرض المليئة بالحفر ، وخرجت الى ضوء الشمس تتنفس بعمق ، ثم فكت زرا ثانيا أظهر عمق فتحة صدرها التي ما جرؤت على عرضها وهي في بلدها.
كانت السيارة متوقفة على الدرب وراء السياج الشائك المحيط بالحديقة ، والهدوء شاملا والوقت يؤذن بالغروب ، ولدى إقترابها من ممر مظلل بالأشجار أحست نشوة كالتي تحسها سوزان ، ولكن حتى هذه الفسحة الأمامية من الحديقة كانت تنبت فيها الأعشاب والشجيرات بفوضوية ، وما بدا لها عملا بسيطا قبل هنيهة إتخذ الآن ابعادا كبيرة ، فجدران المنزل بحاجة ب الى طلاء إضافة الى التصليحات الأخرى ، وما كان أغباها عندما سمحت للورد والمتسلقات ان يعميا بصرها عن هذا الواقع ، أجل ، لم تلحظ الأعشاب التي تصل حتى الركب ، ولا الأشواك الخانقة أو العليق المهدد بخدش الأرجل.
وسالتها سوزان بلهفة وهي تدير المفتاح في القفل الصدىء:
" سنعود اليه ، اليس كذلك؟".
رمقتها خالتها بأسى وقالت:
" سنضطر الى ذلك على الأرجح ، أو قد نعود الى بلدنا".
إرتجفت شفتا سوزان وقالت متوسلة:
" لن تفعلي ذلك ... اقصد انه لا يجب أن نفعل ذلك..".
قطبت هارييت بإذعان وقالت موافقة:
" سنعود على الأرجح ، هيا بنا ، انا عطشى ، هناك علبة من عصير الليمون في السيارة على ما أظن".
احست هارييت بمزيج من التعب والتشاؤم ، كانت تقود السيارة منذ الصباح الباكر والشوق يحثّها على الوصول الى وجهتهما المنشودة ، لكن كل آمالهما فقدت رونقها ، وحتى إستياؤها من السيد فروند تحول الان الى غضب على نفسها ، متى ستتعلم ان الناس ليسوا دائما كما يبدون؟
تقاسمت علبة العصير مع سوزان متظاهرة بإهتمام لم تكن تشعر به إطلاقا ، إستعانت بالخريطة التي فردتها على مقود السيارة وقالت وهي تشير بدقة الى مكانهما:
" نحن الآن على بعد ثلاثين كيلومترا من بيناك وأظنها أقرب مدينة الينا ، لكن القرية اقرب بالتأكيد وتدعى روشلاك ، هل علينا برايك أن نحاول إيجاد مكان فيها؟".
أجابتها سوزان:
" بكل تأكيد".
|