كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
لم يكن النهار الذي قضته عند اهلها في غيلفورد نهارا بسيطا ، أخذت هارييت ملف سوزان الطبي لتعطيه للطبيب هناك ، وكان عليها أن توضح كيفية تنظيف الجرح لوالدتها التي صعقت عندما رات المنظر وهتفت:
" يا للبنية المسكينة !".
وعطفها المتزايد كاد يحمل سوزان على البكاء.
أما الجرو فكان متعة للعين وأحست هارييت بالإرتياح في طريق عودتها بعدما تركت سوزان وهي تلاعب الكلب قرب المدفأة .
لم تبق سوزان عند هارييت لوقت طويل حتى تعتاد عليها ، وبعد أيام عادت الى روتين حياتها ، إنما لم تستطع ان تنام جيدا ولا ان تأكل بشهية ، وفي أوقات يقظتها لم يساورها إلا فكر واحد هو أنها قضت على أملها الوحيد في إيجاد السعادة، ولو إستطاعت أن تعيش الأسابيع الماضية في فرنسا ثانية ، وهي تعلم أن ما قاله لها تشارلز ، لأختلف الأمر تماما.
في بعض الأوقات كانت تفكر بالعودة الى روشلاك ، لم تطلب من الوكيل بيع البيت ، وتصورت دهشة أندريه لو علم أنها تعيش فيه مرة ثانية ، لكن عندما تتصور أنه من الممكن ان يعاملها كما عاملته هي ، كانت ترفض ان يحدث ذلك ، لا جدوى ، فهي لا تملك الشجاعة الكافية على العودة وعلى طلب ما كانت ترفض الحصول عليه.
وفي أحد الأيام حصل شيء غير متوقع ، كانت تلبي طلبات أحد الزبائن ، عندما فتح الباب ودخل بول لاروش ، نظرت صوبه وإتسعت عيناها من الدهشة والخوف عندما رأته ، كان يرتدي بنطلون جينز وقميصا رثا ، لا يختلف عن أي شاب تراه على الطريق ، لكنه لا يشبه بالتأكيد الزبائن الذين يترددون على المتجر ، كان تشارلز يعلم أن هارييت مشغولة فأتى من الغرفة الخلفية ثم عبس عندما شاهد الصبي ، وقال له:
" نعم؟".
كانت هارييت تحاول التركيز على العمل بين يديها لكنها سمعت اللهجة الرادعة في صوت تشارلز فايقنت أنه سيتخلص من الشاب ، إستأذنت الزبون الذي كان يتامل شمعدانا أثريا ووقفت بين الرجلين ، نظر اليها تشارلز بصبر نافد فقالت له بسرعة:
" هل تعرف إبن أندريه يا تشارلز؟".
بدا تشارلز مندهشا فإستدارت هارييت نحو بول ولاحظت كم فقد الصبي من وزنه ومن غطرسته السابقة ، وربما المشهد الذي رآه بينها وبين والده قد غيّر مشاعره إتجاهها ، وخاطبته بعفوية:
" هل تبحث عني؟".
وتساءلت بخوف إن كان حصل شيء لأندريه ، فأجابها بول:
" أجل".
وإبتسم لتشارلز الذي كان يستعيد رشده ، ثم ركّز إهتمامه على هارييت وقال لها:
" هل بإمكاني أن اتكلم اليك؟".
فقال تشارلز:
" بإمكانكما إستعمال مكتبي".
لكن هارييت لاحظت إضطراب بول فقالت لتشارلز:
" بل سنذهب لتناول بعض القهوة".
وشدّت ذراع تشارلز وهي تمر به ليفهم ثم تبعت بول الى الخارج .
كان النهار مشمسا فمشيا بإتجاه الحديقة العامة إقترحت هارييت أن يشتريا بعض الكعك والعصير ، إلتهم بول الكعكة كأنه يموت جوعا ، فأحست بالألم وهي تراقبه وسألته:
" متى تناولت الطعام لآخر مرة؟".
فإحمر وجه الشاب وأجاب:
" يوم أمس".
تنهدت وأعطته كعكتها التي أكلها بالطريقة نفسها ، جلسا على مقعد في الحديقة وأدارت هارييت نحوه نظرات متسائلة وقالت:
" ماذا تفعل في لندن ؟".
فتح بول علبة العصير قبل أن يجيب:
" لقد هربت".
فصاحت به:
" ماذا ؟ ولماذا فعلت هذا؟".
" هربت منذ عشرة ايام تقريبا وفي تلك الليلة التي وجدتك مع أبي!".
حدّقت اليه بإنذهال وهمست:
" أوه ، كلا ! ولكن يا بول...".
" لا تغضبي ولا تلومي نفسك ، كان علي أن أصدق .... لكنني هربت....".
شرب بعض العصير وكانت هارييت تفكر بما ستفعله فسالته:
" هل يعلم والدك اين أنت؟".
هزّ رأسه قائلا:
" لا أظن".
" إذن فهو مشغول عليك الى حد الجنون!".
" أجل ".
بدا بول جادا فإنفجرت تهتف بتذمر:
" ألا تبالي؟".
فردّ عليها بصدق:
" وهل تبالين أنت؟".
عندها إحمر وجهها وقالت:
" إننا لا نتكلم عني".
" بل نفعل ، لأنك هربت أيضا ، اليس كذلك؟".
فحدقت اليه وسألته:
" كيف عرفت أنني عدت الى لندن؟".
" لأنني لم أجدك في البيت ، واين ستكونين إذن؟".
تملكتها الحيرة فسألته ثانية:
" وضّح لي من فضلك ، ماذا كنت تفعل في البيت؟".
تنهد بول وقال:
" حسنا ، قضيت الليلة في القصرعندما شاهدتكما معا لأنني عرفت أن والدي لن يبحث عني هناك وكان يلزمني وقت للتفكير ، في اليوم التالي ذهبت الى عمتي في سارلات ، لم تشك في أمري لكنني فهمت انني لا أستطيع البقاء طويلا ، فعدت الى روشلاك لأنني أردت مشاهدتك والتحدث اليك ، ولما لم أجدك هناك قررت السفر الى لندن".
هزّت هارييت رأسها وكأنها لا تصدق وقالت:
وهل لديك جواز سفر؟".
فهز راسه نفيا:
" إذن كيف كنت تعيش؟".
" إستدنت بعض النقود من عمتي ، وبواسطة النقل المجاني وصلت الى ديجون في سيارة شحن ، ثم إختبأت في المركب الى هنا".
كان يبدو فخورا بما فعل لكن هارييت إرتعبت وشحب وجهها مما جعل بول يسالها عن السبب فطمأنته قائلة:
" إنني بخير ولكن كيف تتصور حالة أبيك الان؟".
فاحنى كتفيه ولاحظت كم ضمرتا عن السابق ، أجابها:
" لست أدري ، ربما هو لا يبالي".
" أنت تعلم أن ما تقوله ليس الحقيقة ، فهو تبعك في تلك الليلة ليحاول ان يشرح لك الأمور...".
وفهمت لماذا لم يعد أندريه اليها....
تنهد بول ثم سأل:
" وأنت لماذا هربت؟".
فقالت تنكر الحقيقة وهي تعلم أنها تنكرها:
" انا ما هربت بل جئت بسوزان الى بيتي هنا".
" لكن والدي يهتم بك أليس كذلك ؟ هل تبادلينه نفس الشعور؟".
بدت خائرة القوى وقالت بصراحة:
" أجل ابادله الشعور ذاته ، هل هذا ما أردت سماعه؟".
قطب بول حاجبيه قائلا:
" كنت ارغب دائما في المجيء الى لندن ، لكن والدي لم يسمح لي أبدا ، لقد إتخذتك عذرا".
" فهمت".
" اما الآن فأريد العودة الى البيت".
أخفت إرتياحها وسألته:
" كيف وجدتني يا بول؟".
"وجدت إسم والدتك في دليل التلفون وإستعملت آخر نقودي لأتصل بك ، لكن إمرأة خرى ردت عليّ تدعى السيدة بيرنز ، أعطتني عنوانك هنا ، فجئتك كما ترين".
تنهدت هارييت قائلة:
" أوه ، بول !".
" كانت مغامرة شيقة أليس كذلك؟".
" كيف سأعيدك الى فرنسا وأنت لا تملك جواز سفر؟".
نظر اليها بول متوسلا وقال:
" ستجدين طريقة ، إنني واثق من ذلك".
وتساءلت هارييت ، هل جاء الى لندن لمقابلتها أم لكسب عطفها ؟ لكنه أراد أن ياتي الى لندن وربما لم تعجبه ، في كل حال ، إنها مدينة لأندريه بإعادة إبنه الى البيت ، والشخص الوحيد الذي يمكنه إيجاد طريقة هو تشارلز.
|