كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
نظر اليها بلطف وتابع:
" لا اتوقع أي طارىء يا آنسة انغرام ، إن إبنة أختك شابة وبصحة جيدة ، كان الجرح نظيفا لكن الآدات تقلقني ، من الممكن أن تكون أدوات الحديقة خطرة".
أومأت هارييت قائلة:
" هل يمكنني مشاهدتها؟".
" بالطبع ، لكن ربما بإمكانك أولا أن تعطيني بعض الإيضاحات عنها .... إسمها ، تاريخ ولادتها ، عنوان سكنها ، الى آخره ، سيستغرق هذا دقيقة ، ثم تستطيعين لقاءها لوقت قصير ، إسمها سوزان ، أليس كذلك ؟ لقد اعطيناها مسكّنا وأقترح أن تبقي معها لدقائق معدودة".
كانت سوزان نعسانة عندما دخلت هارييت لمشاهدتها ، لكنها قبضت على يدي خالتها وصرخت:
" لا تتركيني هنا ".
فشدّت على اصابعها مطمئنة وقالت:
" عليّ ان أفعل ذلك ، ستبقين هنا الليلة ونأخذك غدا الى البيت".
" ولكنني لا اتكلم الفرنسية".
فعزّتها هارييت قائلة:
" لا تقلقي يا حبيبتي ، إنهم يتكلمون الإنكليزية وسيهتمون بك ".
" اين السيد لاوش؟".
تقلصت هارييت وأجابت:
" لماذا تسالين؟".
" اود مشاهدته لأشكره لأنه جاء بي الى هنا".
" سوف تفعلين غدا ، والان عليك أن تستريحي لتستعيدي قواك وتذهبي الى البيت".
دمعت عينا سوزان وقالت:
" هل يمكنك أن تعودي لاحقا؟".
تردّدت هارييت واجابت:
" ربما أستطيع ، سأستوضح الأمر وانا خارجة ، وإذا إستطعت ، اعدك بأن أفعل".
شهقت سوزان قائلة:
" لقد خيّطوا ساقي ... وقالت الممرضة ان الجرح إحتاج الى عشرين قطبة".
هزّت هارييت راسها:
" عشرون قطبة ؟ هذا كثير".
" اعلم ذلك".
وزها وجهها عندما أيقنت انه أصبح لديها قصة ترويها لصديقاتها في المدرسة عندما تعود لأنكلترا ، ثم تهدّل فمها وعلّقت بحزن:
" لن أستطيع لعب التنس هذه السنة.
فشجّعتها هارييت بقولها:
" ستفعلين في العام المقبل".
عندئذ دخلت إحدى الممرضات فقالت خالتها:
يجب أن أذهب الآن ".
قالت الممرضة بلطف:
" من فضلك يا آنسة".
فإنحنت هارييت وقبّلت خد سوزان هامسة بحنان:
"ساراك فيما بعد".
وإبتسمت وهي تغادر الغرفة.
لكنها في الخارج فقدت الثقة ومشت بإتجاه بهو الإستقبال وهي تحس نفسها غريبة على أرض غريبة ، من المفروض أن تكتب الى والدتها لتخبرها بما حدث ، مع أنها لا تتشوق للقيام بهذا العمل ، كانت السيدة أنغرام صعبة الأقناع بأصغر الأشياء ، وجرح إحتاج الى عشرين قطبة لم يكن أمرا تافها.
وجدت الممرضة خلف مكتبها حين ظهرت في الباب إنما لم تجد أثرا لأندريه ، إمتعضت ، وإنهارت معنوياتها ، لكنها وضعت أحاسيسها جانبا وإقتربت من المكتب وهي تسأل:
" هل من الممكن ان أعود لاحقا ؟ إن إبنة أختي تحس بالإنقباض وليتني أزورها ثانية ، في الساعة السادسة ... مثلا؟".
فكرت الآنسة دوبوا قليلا ثم قالت:
" لا أحد يمانع في ذلك إنما هل لك أن تتصلي بنا قبل مجيئك؟".
شكرتها هارييت وذهبت ، لم تحس أنها قادرة على التفسير للآنسة دوبوا بأنها بلا هاتف ، في كل حال قررت ان تعود فيما بعد وليس لديها شيء آخر تفعله ، لاحظت أنها لم تحضر حقيبتها وكونها لا تحمل نقودا لا تستطيع تأمين إنتقالها ، ترددت عند الباب وهي تميل لتسال الممرضة أن تقرضها بعض المال ، وفجأة فتح الباب وظهر اندريه ، إرتاحت لرؤيته ونظرت اليه فاقدة الصوت ، ولاحظت إنقباض فمه قبل أن يسأل:
" هل هناك مشكلة؟ هل انت جاهزة للذهاب؟".
" ماذا؟".
لملمت نفسها بصعوبة ، وتابعت:
" أجل ، أجل".
سألها:
" هل سوزان على ما يرام؟".
فاومأت وأجابت:
" كما قلت سيبقونها هنا هذه الليلة".
" حسنا ،والآن ، هل نجد مكانا لتناول الطعام؟".
مرّت هارييت من تحت ذراعه وهو يفتح لها الباب ، ومشت مرتخية وهي تنزل السلم الحديدي ، تبعها اندريه ثم تجاوزها ليفتح لها باب السيارة ، فتوقفت وهي تحس بتوتره وقالت:
" إعتقدت انك ذهبت".
" أذهب؟ والى أين أذهب؟".
بدا وجهه خاليا من أي تعبير فقالت:
" الى البيت ، لتعود الى القصر".
دفعها اندريه بخشونة الى داخل السيارة ثم أغلق الباب ولفّ من حول السيارة ليجلس قربها ، لم يتكلم وهو يضع المفتاح ويدير المحرك ، وضعت هارييت يديها بين ركبتيها وتمنت لو لم تحاول أن تفسر الموقف ، غادرا الزقاق ودارا حول ساحة السوق وسلكا الجسر الى خارج المدينة ، خاب أملها وإندهشت لأنها كانت تنتظر أن يتناولا الطعام في أحد المقاهي تحت الشمس ، ربما اندريه سحب دعوته لأنها تصرفت بغباء! أحست بالبرد يهاجم معدتها.
كانت تحاول إستجماع شجاعتها لتسأله الى أين سيذهبان حين إنحرف عن الطريق الى درب ضيّق مظلل بالأشجار كأنه يقود الى طريق مسدود ، إنتهى الطريق فجأة الى بوابة حديدية ، حيث المراعي تنحدر الى النهر والضفاف ملأى بالأزهار ، كان المكان رائعا ، وصوت جرس الساعة يقرع عن بعد مما زاد من رونقه ، نظر اندريه اليها ولاحظ نظراتها المستغربة فقال:
" ظننت أنك تفضلين هذا المكان على أي مقهى تحت انظار عشرات الناس ، أنت غريبة هنا والناس فضوليون".
" هل سنتناول طعامنا في الهواء الطلق؟".
مدّ اندريه يده الى مؤخرة السيارة وأخرج رغيفا فرنسيا طويلا ، وبعض الجبنة ودراقا مقشرا ، وقال بهدوء:
" أحضرت هذه الأشياء وأنت تتكلمين مع الطبيب".
" لم اعرف، لم اتصور....".
تلعثمت لكنه هزّ كتفيه بطريقته المعهودة وفتح باب السيارة ، بعد تردد قصير لحقت به وأسرعت لتفتح البوابة.
أغصان شجرة الكستناء المتفرقة كانت تؤمن واحدة ظل ، وبعد إستئذان هارييت فرش اندريه البطانية التي حمل بها سوزان على الحشيش ، ثم إشتمت أشهى رائحة خبز عندما قطعه ، جلست على طرف البساط ، وهي تتمتع بالمنظر الذي يبدو مألوفا ولكنه غير مألوف ، محاسن هذا المكان تشبه المناظر التي تعرفها في انكلترا ، كانت الألوان نفسها إنما تختلف بعض الشيء ، فالخضرة هنا أغمق وأقوى ، وخط التلال الحمراء أقسى... الشفق يخيّم بكسل فوق المراعي ويبعث رائحة عشب وثوم بري... وسرب من الأوز البري أزعجه شيء غريب فإندفع الى السماء وأجنحته القاتمة ترفرف في عرض الأفق.
إسندت هارييت ذقنها على ركبتها وتساءلت أي خطر زجّت نفسها فيه.
|