كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
نظرت اليها سوزان بحرد وقالت:
" لا تستطيعين التخلص بهذه السهولة ، انت لم تلتقيه مرة واحدة فقط ، أنا لست بطفلة ، ويبدو لي ان معرفتكما قامت على عدة لقاءات ".
" أوه ، كفى يا سوزان....".
وخرجت هارييت من البيت .
فألحت سوزان وهي تلحق بخالتها:
" حسنا ! ما الخطا الذي حدث بعد ذلك؟ أقصد أنه جذاب وقد ذكّرني بساشا دي ستيل".منتديات ليلاس
قالت هارييت غاضبة:
" يا ألهي ، لا يشبه ساشا دي ستيل ابدا ! هل ستساعدينني في نقل الحاجيات الى الداخل ام لا ؟".
حملت سوزان صندوق المأكولات وإستفسرت بعفوية:
" هل كانت لك علاقة غرامية به؟".
وللحظة لم تستطع هارييت الكلام لأن السؤال صعقها فأكملت سوزان حديثها وهي تحمل المأكولات الى المطبخ:
" أنه شيء طبيعي ، إنني اعرف فتيات في عمري و ....".
قاطعتها هارييت قائلة:
" أفضل أن لا اتحدث بهذا الموضوع".
وضعت هارييت أكياس النوم على الطاولة وتابعت قائلة:
" هل تفضلين الشاي أم القهوة ؟ أنا لا فرق عندي بين الأثنين".
فهتفت سوزان وهي تنظر اليها بتوسل :
" أخبريني إسمه على الأقل".
تنهدت هارييت وردت بسؤال:
" لماذا؟".
" اريد ان أعرف فقط ، وسوف اتوقف عن الأسئلة إذا اجبت بصراحة".
" أحقا ستتوقفين؟".
" نعم ، نعم اعدك بذلك".
إنحنت هارييت فوق الغراض وقالت:
" إسمه أندريه ، اندريه لاروش ،والآن ، هل يمكن أن نقوم ببعض الأعمال؟".
كان الماء يغلي في الأبريق المنظف ، واللحوم الباردة والجبنة والخبز المقمّر الطازج أشهى ما يمكن مع القهوة الساخنة، كان الباب موصدا على سواد الليل ، وضوء القنديل يبعث الدفء.
قالت هارييت:
" لم نجرب محاسن الإعتسال بالماء البارد ، وتذكري أنه لا يوجد حمام ، هل لاحظت التواليت وأنت تمرين بالجدول؟".
اومأت سوزان قائلة:
" إنه وراء الباب الخلفي مباشرة ".
فقالت هارييت :
" سوف نستعمل الكيماويات ...".
ثم زمّت شفتيها قرفا وتابعت:
"لا استطيع ان الوم أحدا على ذلك ، كنت أعرف أن التسهيلات غير مشابهة لما إعتدنا عليه ولكن...".
قاطعتها سوزان قائلة:
" سنبقى هنا اليس كذلك ؟ إنه ليس سيئا كما توقعناه ، وإذا أمّن لنا أندريه لاروش سريرين......".
" السيد لاروش من فضلك".
قاطعتها هارييت بحدة وتابعت قائلة:
" لا اعرف ماذا سافعل ، إذا أعاد لي السيد لاروش المبلغ ، من المستحسن أن أستعيد دراهمي".
فشهقت سوزان وقالت بإنفعال:
" أوه ، كلا !".
بسطت هارييت يديها كأنها لا تستطيع فعل شيء وقالت:
" يمكنني شراء بيت آخر ، وفي مكان اقل وحشة من هذا".
" لكنني أحب هذا المكان !".
هتفت سوزان وهي ترفع شعرها عن جبينها وبدت في هذه اللحظة تشبه والدتها كثيرا.
صوفي والدة الفتاة كانت ذات شعر أحمر وعينين زرقاوين ورثتهما إبنتها سوزان ، مع العلم أن شعر سوزان أكثر زرقة، ولم تكن لديها المشاكل الجلدية نفسها التي كانت والدتها تعاني منها ، اما هارييت فعيناها بنيتان وأقوى من عيني سوزان التي تشكو من قصر النظر ، تأثرت هارييت لذكرى شقيقتها وترددت مع أن كل شيء في داخلها كان يحثها على ترك البيت ما دامت الظروف تسمح بذلك ، وتفضل الإبتعاد عن روشلاك قبل ان تزج في وضع تندم عليه.
" سوزان.... سوزان".
قالت مسايرة ، لكن إبنة اختها كانت لها قوة ابيها نفسها فواجهت خالتها بعناد وقالت:
" وعدت بان نبقى هنا ، كنت دائما تقولين انك تودين الإقامة في وادي دوردون لتستكشفي القصور والكهوف ، أما الآن فانت تغيرين رايك، وكل ذلك من اجل هذا الرجل !".
" هذا ليس صحيحا !".
إحمرت وجنتا هارييت وتابعت:
" تعلمين يا سوزان أن المكان لم يعجبني عندما رأيته".
" لكنك كنت ستبقين ، وكنا سنحاول تحسين الوضع ، ذلك حتى اللحظة التي إلتقيت فيها اندريه لاروش!".
" سوزان !".
" لا اصدق أنك لا تحبين هذا اليت ، بإستطاعتنا تحويله الى جنة ، وأنت تعلمين ذلك ، ماذا حدث ؟ هل تركك أو حصل شيء من هذا القبيل ؟ الذلك أنت عانس في السادسة والعشرين؟".
حالما انهت سوزان كلامها ، ندمت على ما قالته فوضعت راسها على ذراعيها المطويتين وأجهشت بالبكاء كأنها مكسورة القلب ، تركتها هارييت تبكي لفترة وجيزة لأنها أيقنت ان هناك أسبابا أخرى غير خيبة الأمل التي جعلتها تذرف الدموع.
لم تشف بعد من صدمة وفاة والديها بحادث سيارات جماعي منذ ستة اسابيع ، وكانت هارييت مخطئة في تفكيرها إذ إعتقدت أنها تستطيع تحوير افكار الطفلة حينما يطيب لها ، بالنتيجة ربما إلتقت باندريه في أي وقت وفي عدة اماكن تجري فيها مزادات علنية في انحاء فرنسا ، ربما كانت فكرة صائبة ان تخرج طبقة من حياتها لآخر مرة ، على ان العلاقة التي كانت بينهما في تلك الحقبة من حياتها اثرت على كل علاقاتها اللاحقة ، ولم تكن سوزان مخطئة عندما إتهمتها أنها عانس ، فالرجل الوحيد الذي دخل حياتها بعد أندريه هو تشارلز ولم يكن بينهما إلا حبهما المشترك للأثريات.
نهضت من مكانها وتقدمت نحو الفتاة وإحتضنتها ، إعتذرت سوزان بصوت خافت وأسندت وجهها اليها وهي تشهق باحثة عن منديلها ، كانت العاصفة قد هدات فنظرت الى خالتها بسذاجة وقالت:
" آسفة".
قالت هارييت بمرح:
" لا تكوني سخيفة ، لست غاضبة وربما انت على حق فانا عانس بالفعل".
" كلا ، لست بعانس يا خالتي ، كل ما في الأمر انك تكرسين وقتك لعملك ، صديقاتي يقلن انك لبقة وثيابك دائما في غاية الأناقة ، أنت لا تشبهين أمي ، أقصد .... لم تبدي إهتماما بالزواج ولا بإنشاء عائلة، أليس كذلك ؟ ولكنني أعتقد انك عرفت عددا كبيرا من الرجال ....".
" إنك تظهرينني كإمراة قاسية انانية !".
كانت هارييت تبتسم وهي تجيب لتخفف اللم الذي احدثه كلام الفتاة ، لو علمت سوزان بالمرارة التي تشعر بها !
قالت سوزان:
" انا ايضا أود ان أكون مثلك ، لا أريد الزواج من أحد حتى اصبح في الثلاثين من عمري ، اريد ان تكون لدي مهنة".
إستدارت هارييت لتأخذ الأكواب الفارغة وتضعها على المجلى ، في الخارج اصبح السواد دامسا ، والحشرات التي يجذبها النور كانت تصطدم بزجاج النافذ الملطخ ، من فترة وجيزة كانت هارييت قد وضعت مكان الزجاج المكسور نوعا من الكرتون على النوافذ ، والان عندما رات الحشرات والبعوض تحاول ان تعبر الى داخل المنزل فرحت لما فعلت ، فهي لا تحب الحشرات على أنواعها.
سألتها سوزان وقد قررت ان تترك للغد إستيضاح هارييت حول بقائهما أو عدمه:
" أين سننام؟".
" هنا على ما أظن فالهواء في غرفة الجلوس يبدو رطبا ، وافضل أن تكون الحجرة نظيفة قبل أن نستعملها".
" حسنا".
إستعادت سوزان رباطة جأشها السابقة وأخذت تفرش أكياس النوم قرب النار ، وإستأذنت خالتها قائلة:
" هل بإمكاني تأجيل الحمام الى صباح غد ؟ إنني اشعر بالنعاس الشديد ".
" حسنا".
فقالت سوزان باسمة:
" لكنني سأذهب الى التواليت قبلك لتأكد انه خال من الحشرات التي تكرهين".
عندما عادت هارييت الى البيت سمعت نعيق بوم ، فكتمت ضحكة هستيرية كانت على وشك ان تخرج من اعماقها ، لماذا لم تتصور كيف يصبح المكان في الظلام ؟ وأقفلت الباب وهي تشعر بشيء من الإطمئنان.
ومع انها كانت منهوكة القوى ، إلا انها لم تستطع النوم جيدا لأن امورا كثيرة جالت بخاطرها ، ولا سيما القرار الذي ستتخذه في اليوم التالي ، اما سوزان فكانت تنعم بنوم هادىء عميق فحسدتها لأنها تستطيع ترك مشاكلها تحل نفسها بنفسها.
فكرت هارييت بالوضع الذي تعانيه ، ماذا ستفعل ، علما ان سوزان ستكون بغاية التعاسة إذا باعت البيت ، وكم سيستغرق إيجاد مكان آخر حتى لو توفر لها المال ؟ في كل حال ، لقد منحها تشارلز عطلة شهرين فقط كما على سوزان ان تعود الى المدرسة في شهر سبتمر / ايلول.
لا حل لها ألا البقاء هنا حتى لو لم تحب هذا التدبير ، إنها ثمانية اشهر فقط ، ومتى إستتب بهما المقام بطريقة مرضية ، فلا حاجة لهما لأن تريا أندريه لاروش ، فهما لا تدفعان إيجارا لتضطر الى رؤيته ، ولا شك أن زوجته ستسارع الى الإعتراض إذا بدأ يتردد عليهما بكثرة... هل هي غير واثقة من نفسها ومن مشاعرها الى حد الإستسلام الى فكرة الهرب الجبانة ؟ إن الماضي مات ، والألم الذي تحسه ناتج عن جرح قديم فتحته فجأة يد ثقيلة قاسية ، فكل جرح يتعرض للهواء قد يتأخر شفاؤه ، لكن ليس من شيء يقنعها بانها ستتخلى يوما عن إحساسها بالكره والإحتقار اتجاه الرجل الذي ايقظها بقسوة على حقائق الحياة.
|