كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
احست هارييت بإحمرار وجهها وإنتبهت الى فتحة قميصها وشكلها المشعث ، فحتى تلك اللحظة كانت مشدودة الى مظهره فلم تبال بمظهرها .
إرتفعت اصابعها بطريقة آلية لتقفل زر قميصها ، وكأن الرجل أحس بحرجها فادار وجهه لتفقّد النار ، كانت خيالات الغسق تعتم الممر في الخارج فبدت النار فرحة ومشعّة ، وإنعكاس الشمس الغائبة اضفى على الغرفة سحرا غريبا.منتديات ليلاس
ظنّت هارييت أنه بعد تنظيف البيت وطلاء الجدران سيتحسن منظره ولكن البيت لم يعد المشكلة بل الرجل الذي يقف قرب المدفاة اصبح هو العقبة.
شدّت سوزان كم قميص خالتها وسالتها بلوعة:
" سنبقى هنا ، اليس كذلك؟".
فبدرت عن هارييت حركة توحي بنفاد صبرها وقالت:
" ارجوك ، لا تضايقيني!".
كانت سوزان مصممة على البقاء لكن هارييت رفضت الإبتزاز ، صحيح انها هي التي إقترحت ان تصطحب إبنة اختها لبضعة أشهر لتشفيها من صدمة موت والديها ، لكن إذا كان السيد فروند مستعدا لأعادة المبلغ اليها ، فلا يوجد سبب يمنعها من شراء بيت او كوخ في مكان آخر من البلاد ، إلا انها تحب منذ زمان هذه المنطقة ، وتريد البقاء فيها.
لكن كل هذا كان قبل أن تعرف من سيكون جارها ، كيف تستطيع أن تمكث هنا ، على رمية حجر منه ومن عائلته ؟ كيف تستطيع أن تتحمل فكرة لقائه في أي وقت.... أو إلتقائها بزوجته؟ ربما وجودها هنا سيعتبره دعوة مفتوحة ليجدد العلاقة التي كانت بينهما ، وهي لن تدعه يفعل ذلك ابدا ! إن وجوده هنا أذهلها ، وتساءلت منذ متى أصبح يقوم بأعمال يدويه؟
وقال فجأة :
" أخيرا تبدو النار متقدة كما يجب!".
تقدم من المغسلة ليغسل يديه المتسختين ثم سال:
" هل تنويان قضاء الليل هنا؟".
لفّت هارييت حمالة حقيبتها حول معصمها ، وردّت بإختصار:
" اجل ، لقد ذهبنا الى القرية بحثا عن نزل ، لكن صاحب المقهى المدعو ماكون قال لنا أنه لا توجد بانسيونات في هذه الناحية".
" هذا صحيح ، مع العلم ان شركة اميركية ، رغبت مؤخرا في شراء القصر وتحويله الى فندق من الدرجة الأولى ".
" قصر روشفورت؟".
فقطب حاجبيه وسالها:
" هل ذهبت الى هناك؟".
قالت وهي تهز راسها:
" كلا ، مجرد فكرة .... لا يهم ".
نظرت هارييت الى سوزان ثم اضافت :
" ربما نعلمك غدا إذا كنا سنبق ... الوقت اصبح متأخرا ، ونحس بالجوع".
نشّف يديه بمنديل سحبه من جيب بنطلونه ، لم يكن المنديل جديدا لكنه نظيف للغاية ، ووجدت نفسها تتساءل عن حقيقة مكانته ، عن حالته تحيّر ، حتى لو كان يستحق العقاب.
قال وهو يضع المنديل في جيبه:
" كيف ستنامان ؟ إن السرير الموجود فوق لا يصلح".
" لا اعتقد ان هذا الأمر يهمك ، يا سيد لاروش".
قالت ذلك ببرود جعل وجهه يحمر قليلا ، فأجاب بهدوء:
" لم أقصد التطفّل".
احست هارييت باللوم وقبل ان تكمل أضاف:
" إذا قررتما البقاء ، سآتي لكما بسريرين عوضا عن الذي فوق والذي يجب ان يتلف".
لم تشكره هارييت ، فالبيت بيع مؤثثا ولا جدال حول ضرورة وجود سرير فيه .
وسالت سوزان فجأة :
اين الطباخ؟".
أجاب لاروش:
" لسنين خلت كان الفرن الوحيد المجاور للموقد الطباخ الوحيد ن لكننا زودنا المستأجرين القدامى بفرن على الغاز ، مع الأسف نقلته منذ اشهر االى القصر وسوف ارسله اليكما إذا آثرتما البقاء".
تنهدت هارييت وقالت:
" وكيف نستطيع تحضير شراب ساخن؟".
فدلّها على ابريق حديدي قرب الموقد وقال معتذرا:
" آسف ، عليك ان تغلي الماء في هذا الوعاء الليلة".
توقف قليلا وكان عينيه تبحثان عن شيء في وجه هاريييت ، ثم اضاف:
" ما لم تودي أن تنضمي الى العائلة لتناول العشاء".
فأشاحت عنه بإنفعال وقرف ، كيف يجرؤ ؟ كيف يستطيع ان يدعوها الى تناول العشاء والجلوس الى الطاولة نفسها مع زوجته وعائلته مع علمه بعلاقتهما... السابقة؟
كادت تختنق وهي ترفض دعوته ، فتحرك منكبيه ودلّت هذه الحركة على أصله الفاليكاني وقال:
" كما تشائين".
واقدّم نحو الباب متابعا:
" سأعود في الصباح لعرف قراركما".
ثم أشار الى القنديل المتدلي من السقف وقال:
" يوجد زيت في داخله ، هل تستطيعين إضاءته؟".
إنتصبت هارييت وقالت:
" أظن ذلك يا سيدي ، تصبح على خير".
أجاب بتهذيب:
" وأنت من اهل الخير".
حيا سوزان بإبتسامة صغيرة ثم تركهما وذهب عبر الممر.
إنتظرت هارييت حتى وصل الدرب ، فاسرعت الى النافذة ،وهي تسكت سوزان التي حاولت الكلام ،وأخذت تراقب الطريق الذي سيسلكه.
إنعطف الى الطريق الممتدة بين بلسوربو وروشلاك ، ودخل بين مجموعة الأشجار التي تحد الجدول ، اكد بذلك نظرية هارييت بأن هذا الممر يقود الى القرية ، إنتظرت حتى غاب عن النظر وإتكأت على الحائط ويدها تضغط على شريان عنقها المنتفض ، نظرت اليها سوزان لثوان ثم سالت بصبر نافذ:
" من هو ؟ ماذا يجري هنا؟".
إنتصبت هارييت وهي تهز راسها:
" قلت لك ... هو ... أنا ... لقد إلتقينا منذ بضع سنوات في باريس".
" هل هو تاجر تحف قديمة ايضا ؟".
" لا أعرف".
" لكنك قلت انك إلتقيته في مزاد علني!".
" اجل ".
ثم ضربت هارييت يدها في الهواء واردفت بحزم:
" إسمعي ، لا وقت لدينا للحديث عن هذا الموضوع ، ستظلم قريبا وعلينا أن نفرغ السيارة".
|