المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
غلمة قصة قصيرة حمادي بلخشين
غلمة!
ــ 1 ــ
كنت أهمّ باجتياز عتبة شقتنا الجديدة، حين بلغني صوت جدّي مدوّيا.... مرّة بسؤاله: " يا غجر يا غجر.. أين بوصلتي يا غجر؟!".. و أخرى بوعيده:" يا غجر أين المفرّ ... لأحرّقنّكم بلا شفقة أوندامة.. أين عمّار ليقرّب لي النّعامة"!.. و ثالثة بتهديده: "أم ظننتم أننيّ قد وهنت؟.. هيهات ثم هيهات! فالأسد أسد و ان كلتّ مخالبه!"
كنت استدبر جدّي ــ الذي ارتفع في المدّة الأخيرة منسوب نظرية المؤامرة لديه إلى حدّ أزعج الجميع ــ، حين اجتاز الأخير نوبة سعال ديكيّ حادّ، ثم أضاف صارخا بين لهاثين:
"لن أدع منكم ديّارا، فان كنتم ريحا فقد لاقيتم إعصارا!"
هتفت بجدّي مشفقا:
ـــ ما خطبك يا جدّاه؟ّ
تهللّ وجه جدّي و هو يطالعني سائلا:
ـــ أدركني يا عمّار و إن كنت أنفع الأشرار!
ـــ ...
ـــ أين بوصلتي؟
ما ان اتمّ جدي سؤاله، حتى هرعت الى أقرب كرتون لم يفتح بعد، عالجته بسرعة، قبل أن اخرج منه بوصلة ألمانية عتيقة من مخلّفات الحرب العالمية الثانية.. ما ان سلمت البوصلة لجدّي حتى ردّها إليّ مزمجرا:
ـــ حدّد لي مكان القبلة!
قال ذلك ثم أسرع الى التواليت..
كان شخيخ بول جدّي يصلني متقطعا حين صاح بي بين
دفقتين:
ــ أسرع يا طائرا بلا منقار!
ما ان أكمل جدي أمره، حتى اندفع من التواليت صائحا بي، وقد فرغت بسرعة ــ بحكم تجربتي ــ من تحديد القبلة بخط أفقي رسمته على أرضية الغرفة:
ــ تأخّر عني ايها الضبّ!
حين نبهّت جدّي إلى كونه لم يتوضأ بعد، نهرني قائلا:
ــ قلت لك تأخّر عني أيها الضبّ، و خلّ بيني و بين الكلب!
كانت قوّة الصدمة التي سببتها هرطقة جدّي كفيلة بتجميدي في موقعي.. كنت مسمّرا في مكاني، حين كان جدّي يتحرّى اتجاه القبلة بدقّة متناهية.. ما ان اطمأنّ إلى صحّة وجهته، حتى رفع صوته صارخا دون ان يكلّف نفسه تكبيرة إحرام:
ــ تعال هنا يا كلب بن الكلب!
ـــ ...!!!؟؟
ـــ هيا اخبرني يا كلب!
ـــ..؟!
ـــ لم استقبلت الكلب بعد الكلب؟
ـــ ...؟؟؟!!
ـــ ألم يكفك حماية كلب حتى عالجت جروح أعقر و أكلب كلب ؟!!
ـــ ...؟!!
ـــ الا تعلم يا كلب، ان بحمايتك كلب، ثم بمعالجتك كلب، قد اثبت لنا انك كلب بن كلب!؟
ـــ ...؟!!
ـــ ثم اخبرني يا ذا النفاق و الرّياء
ـــ...؟؟!!
ـــ كيف تسقى الناس الماء، و أنت بمساعدة السفاح علي عبد الله صالح تعين على سفك أنهار الدّماء؟!!
حين بلغ أخو الضبع، هذا الحدّ من التجديف الذي تنشق له السّموات السّبع، اضطررت إلى إستدباره أولا، ثم تطويقه بكلتا يديّ ثانيا، ثم جرّه قسرا إلى أقرب أريكة ثالثا.. وقد ساعدتني نحافته الشديدة على إكمال مهمتي دون مشقة تذكر... ما إن حملته على الإضطجاع، حتى سارعت إلى حقنه ــ كما أوصى طبيبه الخاص ــ بمادّة مخدّرة، دون أن أبالي بشتائمه المتصاعدة كمّا و إقذاعا، حدّة و إرتفاعا.
ــــ 2 ــــــ
بعد زهاء ساعة، و حين قدّرت أن مفعول الحقـنة قد قارب الزوال، دخلت على جدّي ثم شرعت في تدليك كتفيه الهزيلتين تمهيدا لإيقاظه.. ما ان فتح جدّي عينيه ثم تطلّع إلي بنظر كليل و طرف عليل، حتى بادرني صائحا:
ــ يا سليل قوم مفسدين أصرت ظهيرا للمجرمين؟!
ـــ...؟!
ــــ يا كليب بن كلب لم حلت بيني و بين الكلب؟!
أجبت جدّي مهدّئا:
ــ كان يجب عليّ فعل ذلك قبل أن تصيبك صاعقة،أو يتفق أجلك مع جهرك بكفر بلا مراء، و ردّة صلعاء.
صاح جدّي محاولا النهوض:
ــ أيّ صلعاء و أي جمّاء يا بقرة قرناء (ثم بعد سعال) في بريّة!
ـــ!!!؟؟؟
ـــ ألم تدرك بعد أنني كنت أوبّخ الملك عبد الله..
ـــ..؟!!
ـــ عاهل السّعوديّة!؟
ــ... ؟؟!!
ـــ ألم يبلغك استقباله اليوم الرئيس عليّ عبد صالح كلب اليمن الجريح، ثم إنقاذه بعمليّة جراحيّة!؟
ـــ ...؟!
ـــ بعد استقباله الشقيّ رئيسنا الفارّ زين العابدين بن عليّ؟!!
كنت مستغرقا في الضحك حين أضاف جدّي سائلا:
ـــ بالله خبرني يا كبير الخصيتين
ـــ ..؟؟؟!!
ـــ أخادم حرمين مقدّسين هذا، أم خادم كلبين أجربين!؟
بعد فراغي من تهدئة جدّي و حين سألته، و حتى يزول ريبي ويطمئن قلبي، عن مسألة سقاية الناس الماء، أفادني بأنه قد شاهد في فضائية سعودية مئات الشاحنات العملاقة و هي تستعدّ
لبدء حملتها السنوية لسقي زوار بيت الله مجانا بمعلّبات فاخرة من ماء زمزم، كلّ ذلك على نفقة العاهل بالغ الغباء، الذي يسفك من اليمنييّن الدّماء، ثم يرائي الناس بالتصدّق بالماء، بمناسبة موسم الحج!
و حين سألت جديّ عن مغزى تكلّف استقباله القبلة و تعريض نفسه للتهمة. حكّ شيبته طويلا ثم ردّ مبتسما:
ـــ لسببين.
ـــ .؟!!
ـــ أمّا الأول، فمن أدب المتكلّم إستقبال مخاطبه بالكليّة، و إن كان مخاطبه في مثل خسّة ووضاعة عاهل السّعوديّة.
ـــ؟!!
ــ وأمّا الثاني، فمن الإحتياطات الأمنية، أي بنيّ، عدم إستدبار و لو جثة ملكية من بقيّة سلالة سعوديّة اشتهر أفرادها ــ بعد خيانتهم للأمة المحمديّة، و عمالتهم للقوى الأجنبيّة ــ، بشبقهم وغلمتهم الإستثنائية!
ــ ؟؟!!
أوسلو 29 ديسمبر 2011
|