المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
فريق تصميم الروايات فريق كتابة الروايات الرومانسية |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
9- بقــي فــي أحـلامهـا ! **
9- بقــي فــي أحـلامهـا ! * *
شغل اختطاف نادين , وإنقاذها الغريب من نوعه الصحــافة . ولكن
المراسلين الذين كانوا يلاحقونها على أساس أنها مادة خصبة لمقالات
الشائعات الاجتماعية , أخذوا الآن يطاردونها للحصول على مقابلة
معها , حتى أصبح من المستحيل عليها , أن تخطــو خطوة خــارج شقة
أبيهــا .
منتديات ليلاس
كانت علاقتها الجديدة مع أبيها , مكـافأة غير متوقعة وقد أثر
اهتمامه الرقيق فيها عظيم التأثير . كان يخطط لاصطحابها بعيداً في
عطلة حالما يزول ضغط العمل عنه . ولكنهما حتى الآن لم يتطرقا إلى
موضوع محنتها ذلك أنها أبدت رغبة في تناسيها وأذعـــن هو لمشيئتها . .
مع أنه حذرها من أنها لن تستطيع دفن ما حدث بعيداً .
كانت يوميــاً تقلب الصحف بحثاً عن خبر عن مختطفيها . . ولكن
دور فرقة الإنقاذ الخاصة ظل قيد الكتمان . أما سبب اشتراكهم فهو
السلاح العالي التقنية الذي شاركت شركة والدها في إنتاجه وخشيت
الحكومة أن يكون شــيء من هذا القبيل قد تسرب إلى الخاطفين , أو
على الأقــل هذا ما قاله لها والدها .
لكن نادين , التي دأبت على قـراءة الصحـــف لم تجـــد ذكراً للغارة
على المزرعة ونتيجتهــا . وأقنعت نفسهــا أن من الطبيعي أن تشعر
بالفضول لمعرفة مصير خاطفيها . ولكن الواقع أن شخصاً واحداً منهم
شغل أفكارها ويشغلها , إنه سيرجيو . . هل نجا , أم أُســـر ؟ قالت لنفسها
يجب أن تسر لأنه اعتقــل , ولكنها رغم ذلك كانت تشعر بالألم والعذاب
بسببه .
بعد شهر من عملية إنقاذها اصطحبها والدها إلى الكاريبي حيث
أمضيا أسبوعين رائعين استلقيا خلالهما على الرمال الفضية الشاحبة
تحت السماء اللازوردية الدكناء . . كانت العطلة مثالية ولكن نادين لم
تجدها هكذا . لأنها ما زالت متوترة , تقفز مذعورة كلما سمعت وقع
أقـــــدام .
قالت لوالدها بثبات في صباح يوم :
ـ حين نعود . . ســأركز اهتمامــي على عملــي . . فما نفعله الآن هــو
تسلية ولهو لا فائدة منهمـــا .
رد والها ممــــازحاً :
ـ شرط ألا تبذري مكاسـبنا على مشاريعك الخيرية .
كـــان يعاملهـــا وكأنها من زجـــاج معرض للكــسر . وحتى يطمــــأن إلى
حــالها راحت تعرض عليه خططها وهما في الطائرة في طريق العودة إلى
الوطن . إنها رحلة طويلة تـــدوم ثماني ســاعات . استيقظت نادين قبل
الغروب فسمعت الطيار يعلن أن الطائرة ستحط في أقرب مطـــار
اضطراراً , وأكــــد لركابه أن عطلاً غير خطير أصاب المحرك .
كانت المضيفـــات يوزعــن الابتسامات على الركــاب , وأكــدت لهــا
إحداهن مبتسمة , وقد جــاءت لتتأكد من سلامة حزام الأمـان .
ـ السلامة أفضل من الندم . . ثمة طائرة أخرى تنتظــرنا , ولن
تتأخـــروا فترة طويلة .
التفتت المضيفة إلى والدهـا تبتسم له بفتنة , فوالدها مــا زال رجلاً
جذاباً , عندها وجدت نفسها تتساءل عما إذا كان والدها قد فكر يوماً
بالزواج مرة أخــرى , وإنجاب المزيد من الأولاد . وشعرت بالخجــل
الشديد لأنها لا تعرف شيئاً عن والدها وآماله وأحلامه والأسوأ من هذا
أنها لم تكن ترغب في المعرفة وأنها كانت تعامله وكأنه مجـــرد ممول .
من الآن وصاعداً سيتغير هذا كله . وضغطت على يده وهما يستعدان
للنزول من الطائرة وأصغت إليه وهو يتحدث إلى المضيفة . . سألت
نادين المضيفة وهي تتجه إلى مقعدها في مؤخرة الطائرة (( أين
سنحط ؟ )) .
ـ في روما . . لكن لن يكون هناك وقت للزيارة .
روما ! ازدادت أصابع والدها ضغطاً على يدها قليلاً وكانت عيناه
متعاطفتين ومتفهمين . مسكين أبي ! لقد كانت الحادثة أشد وقعاً عليه
وهي حتى الآن لم تخبره شيئاً عمــا مر بها وعمــا تُكِــن من مشاعر
لــ سيرجيو .
وكما قالت المضيفة , لم يتأخروا في المطار إذ سرعـــان ما وضعت
طائرة جديدة تحت تصرفهم , ولكن فيما كانوا يهرولون إلى بوابة
الذهاب لفت اهتمام نادين عناوين صحيفة . (( تقدم عصابة خطف إلى
محاكمة مبكرة . . وابنة لورد إنكليزي ستكون شاهدة عليهم )) كان في
المقال تفاصيل أخرى لم تجد الوقت لتقرأها لأن والدها كان يستعجلهـــا
ووجهه شــــــاحب منهك .
قالت له تتهمه عندما جلسا في مقعدهما في الطائرة الجديدة .
ـ لم تخبرني بهذا .
ـ لم أشــأ إزعــاجك . . لست مضطرة للظهور في المحاكمة إذا لم
ترغــــبي . في الواقع قلت للانس . . .
ـ لانس ؟
ـ لانس آدمز , كنت وجده شريكين . . ولا أظنك قابلته يومــاً . إنه
أكبر منك بعدة سنوات . . إنه في الثلاثين .
ـ لا . . لم أقابلــه . لكن ما علاقته بالمحاكمة ؟
ـ لا شيء ولكنه محام بارع , وكنا نناقش إمكانية اضطرارك للظـــهور
في المحاكــمة قبل سفـرنا . ونصحني أن أحذرك . . ولكنـــني أردت أن
تكوني في هذه الإجــــازة حرة مما يخيم عليك فهل أخطــأت ؟ في الواقع
قلت للانس لا أريد أن تظهري . . .
ـ ولكن إن لم أشهد , فلن يتمكنوا من إدانتهم . . أليس كذلك ؟
ـ لا أعتـقــد . . فــأنت الشــاهد الــوحيد , و لـك الكلمة الأولى
والأخيرة . لكنني أرفض أن أعــرضك لخطــر أو إزعاج .
ـ خطـر ؟ تعني من أفراد العصابة الباقين ؟
ـ لقد أصبح معظمهم قيد الأسر . فقد استقصت الشرطة معلومات
من خاطفيك عن شركاء كثر , اقتفوا أثرهم واعتقلوهم .
كان والدها يعرف معلوما كثيرة عن القضية كلـــهـــا وهذه
المعلومات أكثر مما ادعى أنه يعرف . وقال لها وقد عرف ما تفكر فيه :
ـ طلبت تزويدي بكل جديد . . قد حظي السلطات الإيطالية
بمساعدة كبيرة من رجالنا . . مع أن الأمــر كله كان سراً دبلوماسياً .
ـ أعتقد أننــي محظوظة .
ـ لا تفكري في ما حصل . . ربما لانس على حق فقد يكون ظهورك
في المحكمة كارثة لك , فــأنت لم تكلميني عمـا حدث قط .
ـ ولكنك على ما يبدو تحدثت عن القضية كثيراً مع لانس .
عضت شفتها وهي ترى تجهم وجه أبيهــا وقالت :
ـ آسفة يا أبي . . لم أكن منصفة عندما تفوهت بتلك الكلمات .
ـ قلقنا عليك . أنا و لانس صديقان رغم فارق السن , وأنا أقدر
أحكــــامه .
لم يتطرقا إلى الموضوع حتى وصلا إلـــى الوطن ثم إلى المنزل
حيث وجدت نادين مغلفاً رسمياً بانتظارها .
تبين لها أنه من السلطات الإيطالية فحملته معها إلى غرفتها , أمام
والدها فتركها تفعل ما تشاء . . ما إن دخلت إلى غرفتها حتى تكورت
فوق الكرسي الهزاز الذي احتفظت به منذ طفولتها .
غريب أمر الإنسان . في بداية أسرها , كانت ستسعد بهذه اللحظــة ,
وتتمتع بالتفكير في إرسال سيرجيو إلى السجن وبحرمانه من الحرية
كما حرمها من حريتها . . أمـا الآن . .
وفيما كانت تحـدق في المغلف راحت الأحداث والمشـــاعر التي
كانت قبلاً غريبة عليها , تتراءى لها , وبدأت تنظــر إلى الرسالة شاردة
لأن الحقيقة صدمتهــا بقوة .
إنها تحب سيرجيو ! لهذا لم تتمتع بالعطلة ولهذا أمضت عدة ليال
في سهاد وأرق ولهذا قضت أيامها في ألم عميق . لقد ظنت مخطئة أن
ما كان بينهما مجرد افتتان أو حاجة شعرت بها عندما ظنت أن حياتها
قصيرة . . لكنها في الحقيقة كانت طريقة جسدها في دفعها إلى مواجهة
الحقيقة . . وأنها لم تكن ترغب سوى بـ سيرجيو , و سيرجيو وحده .
كانت في الطريق للوقوع في حبه عندما شاهدته على الشاطئ وقد
أجبر الجو الخانق في منزل المزرعة ذلك الحب على النضوج باكراً . .
فجأة عرفت ما يجب أن تفعل . . ولن يكون سهلاً , ولكن والدها بدون
شك سيصاب بالصدمة وسيتألم . ماذا تفعل ؟ إنها تحب سيرجيو , وهي
مستعدة للمقاتلة من أجله مهما فعل في الماضي . وحينما تبلغ
السلطات أنه أنقذ حياتها في تلك الدقائق اليائسة , عندما دفعها بعيداً
عن فوهة رشاش ليديا , فسيعمدون بالتأكيد إلى تخفيف الحكم ؟ تعرف
أنه لا يشبه الخاطفين . . ولكنها لا تعرف ما كــان يفعل , ولا
تعرف حتى ما هو شعوره نحوهـــا , إنما كل هذا لا يهم . إنها تريد أن
تنقــــذه .
وجد والدها تصميمها على حضور المحــاكمة , غريباً ومع ذلك لم
يبدُ قلقه , ردت نادين على الحكومة الإيطالية , تقول إنها ستقف
شاهدة , وقررت أن تقدم توسلها لــصالح سيرجيو , في قفص
الشهادة . .
لم تكن حمقاء بل تصورت ما ستنشره الصحافة عنها ذاكرين أن
ضلال حكمها يعود إلى سيرجيو وعندهـا ستعود الشائعات حولها إلى
الانتشار ولكنها لم تعد تهتم . . فـ سيرجيو سيعرف الحقيقة .
كانت المحاكمة ستجري بعد شهر , ولم يمر يوم لم تفكر فيه
بـ سيرجيو , ولم تمض ليلة بدون أن تحلم بذراعيه تضمانها وما
استيقظت صباحاً إلا وذكراه في رأسها .
قدمت السلطات موعد المحاكمة خشية أن يسعى أفراد العصابة
الطليقون إلى تحرير رفاقهم . ولحضور هذه المحكمة اختارت نادين
ثوباً حريرياً ذهبي اللون يشبه لونه لون الزعفران . وقد أبرز هذا الثوب
شعرها الأحمــر وعينيها العسليتين الصفراوين . وجعلها تبدو أكبر سناً ,
أم أنها فعلاً كــبــرت ونضجت ؟
قال لها السير برادلي , إنها تبدو ساحرة ولكنه في سره , كـــان يعرف
أنها تبدو هشة ضعيفة إلى حد يدمـــي القلوب . . وتمنى لو يعرف ما الذي
يحمل هذه الظلال إلى عينيهــا وهـــذا القنوط إلى شفتيها . لكنه كــــان
متفهماً وحكيماً فلم يســأل , فعلاقتهمــا الجديدة أثمن من أن تعــرض
للانهيـــار .
كان يريد مرافقتها إلى إيطــــــاليا , ولكنها رفضت كمــا أن بعض
المستجدات فرضت عليه رحلة عمل إلى نيويورك في أسبوع المحــاكمة
نفسه وهذا يعني أنه لن يتمكن من مرافقتها .
قبل موعد الانطلاق إلى روما , عادا إلى المنزل باكراً مــساء
الجمعة . . كانت نادين مشغولة بتوضيب حقائبها , فصعد إلى غرفتها
والتعب والتوتر باديان عليه ثم قال لها بدون مقدمات :
ـ أعرف أنك ستعترضين على هذا . . ولكنني قررت أن يرافقك
أحــد إلى رومــا .
ردت ساخرة : (( لا تقل إنه لانس الـــذي لا يقدر بثمن )) .
لقد سئمت قليلاً من ذكره أمــامها ولكنه تجاهل تعليقهـا الفظ وهز
رأســـه :
ـ لا . . إنه أحد الرجال الذين اقتحموا المزرعــة , فهو مطلـــوب
للشهادة أيضـــاً .
شهادة قد تدين سيرجيو ! ذعرت نادين . . فهذا ما لم تخطط له ,
وهـــذا الرجـــل الــذي يشير إليه والدها , ما هو إلا أحــد رجــال الفرقة
الخاصة التي أنقــذتها . على أي حال لم تتعرف إليه بل هي أصلاً لا تذكر
الكثير عن ذلك اليوم . لكنها وجدته لطيفاً ومهذباً , عندما كــان يجلس
إلى جانبها في الطــائرة .
لم تدرك مدى توترها إلا بعدما كادت الرحلة تنتهي . قال لها
بهـــدوء :
ـ أعــــرف أنـك تستصعبين الشهــادة . . خاصــة وقــد عـــايشت أفـــراد
العصابة . والمخطــوف في هذا الموقف إما يكره الخاطف بشدة أو يعتمد
عليه كثيــراً . .
كان يراقبها , فشعرت نادين بأنه يتســـاءل عن الموقف الذي
اتخذته : الكره أم التعاطف . لكنه سيعرف سريعاً . شدت على شفتيها
لتصبحا خطاً رفيعاً . فما قاله صحيحاً إنها تشعر فعلاً بالاعتماد على
سيرجيو , فبدونه لا طعم للحياة ولا نكهة ومع ذلك فهــي تعرف أن من
المحتمل ألا يبادلها المشاعر . لكن إن استطاعت تحريره فيحتاج إلى
مساعدتها وعونهــا . تحركت بقلق في مقعدها . . أهذا ما تريده ؟ عرفان
جميل بالقوة ؟ تبعية لها , لأنه لا يجد شيئاً آخــر أمامه ؟ أتريد حقاً أن
يتقزم إلى هذه الدرجة ؟ ألم تحبه لأنه متكــبر ومستقل ؟ أيرغب حقاً في
الحرية بهـــذا الثمن ؟ أم سينقلب مـــا يكنه لهــــا إلى كراهية واحتقار ؟
حاولــت نفسها سـلباً وإيجاباً أثناء الرحــلــة ولكنها لم تصل إلى نتيجة
ولكن ما تعرفه خير معرفة أنها لن تسمح لـ سيرجيو بالذهاب إلى السجن
بدون أن تحــاول على الأقــل إنقاذه . أمــا ما يحدث بعد ذلك فشأنه هو .
عندما رأت الحراسة المشددة التي طالعتها في المطـــار والتي
أحاطت بالفندق الذي نزلا فيه , علمت أن السلطات تنظــر إلى تلك
المحاكمة بطريقة جادة , وأدركت أن فرصتها في إنقاذ سيرجيو قليلة .
كانت الحكومة الإيطالية تريد الانتقام وستكـــون مساعدة نادين هــي
السبيل للحصول على ما تريد . وهذا ما تأكد لها في اليوم الأول
للمحاكمة , حين طلبت للشهادة .
فــي قفــص الإتهام , شاهــــدت ليديا , تحــــدق إليهـــا بغــضــب , كمــا
شاهدت لينو و بيدرو إلى جانبها , ورأت آخــرين وقفـوا وراءها لم تتعرف
نادين إليهــــم , لكـن سيرجيو لم يكن بينهم . بدأ الخوف والذعر يستوليان
عليها . . أين هو ؟
تدفقت الأسئـــلة عليها , وأجبرت نفسها على الرد بدقة ولكنهـــا
تعمدت عدم التلميح إلى دور سيرجيو . كان توترها يزداد كلما بحثت
عنه عيناها في قاعة المحكمة . هل استطــاع الهرب ؟ لم تقــرأ شيئاً عن
هذا في الصحــــف .
في إحــدى المراحــل , حين اضطرت لذكــر تهجم لينو عليها , أخــذت
القاعة تميد بها , وأصبح صوتها أجش متوتراً . فــســارع القاضــي يأمــر
بإحضــار كــأس عصير لــها , وطلب منها أن تهدأ . ثم ســألها :
ـ في تلك المرحلة أنقذك أحد أفــراد العصابة ؟ فهل هذا الرجــل . .
هنا بين الموجودين في قفص الاتهام ؟
تقدم شخص من القاضــي ليهمس شيئاً في أذنه , فهز القاضي رأســه
ببطء , ثم ابتســـم لــ نادين :
ـ آه . . أجل . لقد نسيت . . ذلك الرجل أصيب أثنـــــاء القتال
وأصبح أبعــــــد من عدالة الإنســـان .
مــــادت قاعة المحكمــة , وانقلبت , ودارت بجنون حولهــــا . .
سيرجيو مات . . مات . . . كانت الأصوات حولها تتخطــاها وتتباعد
عنها في موجــات ثقيلة . . شخص ما في مؤخــرة القاعة , كــان يصيح ,
ويركض إليها ومسدسه في يده . . فجــأة انفجر العنف فـــي قـــاعة
المحكمة , وصرخ شخص ما ثم دفع نادين إلى الأرض , في اللحظة
التي مرت سكين قرب أذنها . . ودوت أصوات الرصاص , ثم حينما
رفعت نادين رأسهـــا رأت جسـد لينو خامداً ممدداً ووجه ليديا متلوياً
ألمـــــاً .
منتديات ليلاس
تبدل المشهد أمامهـا وشاهدت نادين سيرجيو مكـــان جســـد لينو ,
ذراعاه مفتوحتان وجسده بدون حياة . . فطغى حزنهــا عليه على جميع
مشــاعرها .
سمع حـارسها يشتم , ثم ســألها ما إذا كانت بخير , وقال متمتماً :
ـ لقد حــذرني لانس من حــدوث شيء كهذا . .
لكن ما قـــاله لــم يكـــن يعــني شيئاً لــ نادين . . فــ سيرجيو مــــات . لم
تستطع ترك الأمـــر هكذا . . فبعــد مــا حدث لم يطلب منها المــزيد مــن
الأقوال ولكنهــا رفضت مغادرة قاعة المحكمة , حتى تعرف ظـروف مقتل
سيرجيو كـــاملة .
كــان فــي عيني حــارسهــا شفقة وحنو , عندمــا قالت له إنه قد يضطــر
إلى حملهــا بالقوة إلى خارج القاعة , وإنها لن تغادرها قبل أن تعرف كل
شــيء . . وكان في عينيه كذلك إحســاس آخــر لم تستطع نادين تسميته ,
ربما هو الشعور بالــذنب .
شاهدت تلك النظرة مجـــدداً , حين تحدثت مع مســؤول إيطــالي
أنيق , متجهم الوجه , يتكلم الإنكليزية بطــلاقة . وقد اعتذر هــذا
الإيطالي بلياقة رسمية لما كــاد يحدث لها , وقال بمرارة :
ـ السفلة ! هذه الحيوانات لا تستحق الحياة . . إنهم يريدون تمزيق
المدينـة , إنهم لا يستحقون الحياة .
رفعت نظراتها المتوسلة إلى حــارسها , للتدخــل ولطرح السؤال
الذي لم تستطع نادين طرحــه :
ـ آنسه كلايتون مهتمة بأمر رجـــل اسمه سيرجيو . . قتل أثناء
الحادثة , على مــا أعتقد .
أهي مخيلتها , أم أن رسالة صامتة تبودلت بين الرجلين ؟ . . بعد
تردد قليل , قال الإيطالي :
ـ أجــل . . هذا مــا حصل له .
أرادت أن تعرف الحقيقة مهما كانت مؤلمة . إنها تريد أن تعرف
كيف قتل سيرجيو :
ـ هل مــات في منزل المـــزرعة ؟
ـ أجــل , أصــابه أحـــد منقذيك . .
ـ بل أحــد أفراد عصــابته .
جــاء التفسيران في الوقت نفســه , ولامست تقطيبة شديدة جبين
نادين , ولكـــن قبل أن تتســاءل عن تباين تفسيريهما , اعتذر الإيطالي
بــــلطف :
ـ أجل . . طبعاُ . . أنت على حق وأنا مخطئ . لقد تلقى رصــاصة
من أحـــد منقذيك .
إذن سيرجيو مات ! لكنها لم تتمكـــن من تقبل هذا الخبر . لقد كــــان
رائعاً ولطيفاً , ســلاحه قوة إرادته . وأخذت تشنجــات بكاء هستيري تهز
جسدهــا فبدا حارسهــا غير مستريح وهكذا بدا الإيطالي أيضاً .
ـ سنيوريتا . . أرجوك . .
ـ مــاذا حدث لجثته ؟
صمت مطبـــق . . : (( دفنت )) .
ـ وأين قبره ؟
ـ غير معــروف , وهذا ما يليق بالمجرمين أمثاله .
وكانت هذه الضربة القاضية . . لقد رحل سيرجيو وكأنه لم يكن .
ذهب بدون أن يكــون له قبر يحدد ولادته وموته .
بدا حارسها مندفعاً لإخراجها من قاعة المحكمة , وشعرت بأن
انفعاله هذا هـو لإبعادها عن طـرح المـــزيد من الأسئلة . كان يتصرف كمن
يريد إخفــاء شيء عنها . ولكن ما هو هذا الشيء ؟
عندمــــا حطــت الطــائرة في مطـــار هيثرو كان والدها بانتظارهـــا ولكــن
عندما رأى الحزن على وجهها وتحركها البطــيء الذي يشير إلى أنها تكـاد
تتمـزق إرباً أرباً لم يحـاول معانقتهــا . ثم أســـرع يدير أمــر ذهابهــــا إلـى
الريف . ولم تذكــر نادين متى كانت المرة الأخيرة التي أمضـيا فيهــا بعـض
الوقت في الريف , حـاولت أن تجبر نفسهـــا على التجاوب مع مزاج أبيهـا
ولكنهـــا فشلت في ذلك .
كـان سيرجيو يلاحقهـا . . وعندما فقــدته أدركت شــدة حبهـــا له , فهــي
الآن تشعر بألم جسدي كبير ولعل أكثــر ما يؤلمها موضع لحده المجهول
فلو عرفت المكان لذهبت تزوره في لحــده علها تجد بعض السلوان .
أفضت بمكنونات قلبهــا إلى أبيها على أمــل أن يستطيع تقصــي بعض
المعلومات عن موضع قبر سيرجيو ولكن أباها بدا متردداً وقال مفسراً
تــصــرفه :
ـ سيزيد هــذا من قسوة الأمــر عليك .
ولكن نادين كانت مقتنعة بأن مــا يقولـه ليس السبب الحقيقــــي ,
وشعرت من جديد بأن الجميع يراوغ ولا يقول الحقيقة .
أخذ والدها يقنعهـــا بأن عليهــا لملمة خيوط حياتها ولكنها لـــم تشعـــر
بما يدفعها إلى هــذا . وبعد أربعة أيام من وصولهـــما إلى المنزل الريفـي
وحتى ترضي أباها , وافقت على تناول العشاء خارجــاً . وقــاد السيارة
بنفسه إلى مطعم ريفي صغير , يرتاده المحليون بكثرة , وطلب وجبة
لهـــا .
كان طلب (( البانيه )) الذي قدم لهما مع الخبز الطــازج يثير الشهية . .
ولكن ما كادت نادين تتناول لقمة واحدة , حتى شاهدت رجلاً يقف في
طرف قاعة الطعام البعيد , كــان شعره الأسـود متجعداً فوق ياقة قميصه
وحركته مرنة . لمحته من الخلف ولكنها كانت لمحة كــافية لانتزاع
اللون من وجهها ولم تشعر إلا ولسانها ينطق اسم سيرجيو بألم . جاءت
ردة فعل أبيها سريعة فسارع يخفي وجهها الشاحب وجسدها المرتجف
عن سائر الموجودين . وقال لها بهدوء :
ـ لا يمكن أن يكـــون سيرجيو , نادين .
ولكنها لما نظرت إليه وجدت نظرة في عينيه لم تستطع تحليلها .
كــانت نظرة ملؤها الغضب والإحساس بالذنب . حين تأكد من استعادتها
رباطة جأشها , قال لها إنه تذكــر مخابرة هاتفية عليه إجراؤها قبل العودة
إلى المنزل .
عندمـا ابتعــد يطـلب الهـاتف , حـــاولت استجماع شتات نفسهـــا . وبدا
لها أن والدهــا تأخر كثيراً , وحين عــاد بدا مشغول الفكــر غارقــاً فــي
التفكير .
غـــادرا المطعم فـــوراً تقريباً , وما إن وصـــلا إلى المنزل حتى قال لهــا
بنعومــة :
ـ أعرف أنك لم تذكــري إلا الأمور الأساسية عمـــا حــدث أثناء
خطفك وأعرف ما تشعرين به نحو سيرجيو . . ولكنك كتمت أموراً
كثيرة جرت . أيــساعدك التحدث عن الأمـــر نادين ؟
رمت بنفسها بين ذراعيه فتداعت رباطة جــأشها الهشة :
ـ آه , يا أبـــي !
وأجهشت بالبكــاء وراحــت تقص عليه مــا حدث فأصغى صامتاً
وعندما أنهت الــسرد بدا متجهماً , وأكــبر سناً :
ـ يــا طفلتي الصغيرة الحبيبة ! مــــاذا أقــــول ؟ أنت تتحــــدثـيـن عن حبــك
لهذا الرجــل , فهل أن واثقة بأن الأمــر ليس مجرد افتتان . . ولو افترضنا
أنه نجـــا فهل يشعر . .
وأردفت تتم عنه جملته باكــية :
ـ فهل يشعر بما أشعر به ؟ أبي , لا أدري أعرف شيئاً واحداً وهو
أننــي أحبه وبدونه لا طعم للحياة عندي .
ـ أحببته كثيراً ؟
ـ أجـــل . صــدقـني أو لا تصــدقـني , كــان حبي الأول . . وأنا سعـــيدة
بذلك . ولا تقل لي إنني ما زلت صغيرة , وإن أمامي العمر لأجد شخصاً
آخــر , لأنني لن أجـد شخصاً كــ سيرجيو .
ـ آه . . يا ابنتي المسكينة ! ماذا أقول ؟ الزمن يشفي الجــراح ! عندما
فقدت أمك . .
تنهد وبدا مرة أخــرى أكبر سناً :
ـ نادين . . لقد أســـــأت الحكم عليك والأنكـــى . .
ردت بحــزن : لأنني قلت لك أن سيرجيو هــو حــــبي الأول ؟ لا ألـــــومك
أبي . . فسمعتي لم تكن عظيمة .
ـ اسمعــي يــا ابنــتي أنت أكـــبر مــن أن أقــــول لـك ملاحظــات تافهـــة ,
وأصغــر من أن تتقبلـــي أن هذه الملاحظات هي فــي النهـــاية صحيــحة .
أدركت نادين إنه كان يراقبها بحزن متعاظــم أثـــناء العـــــودة إلى لــندن .
وفي لندن انخرطت بالعمــل بلا توقف وكــان العــمــل الوسيلــــة الوحيـدة
لإرهاق نفسها حتى تنام ليلاً . وما كان أشد حاجتها إلى النوم , فأحلامـها
كانت تشمل دائماً سيرجيو الدافئ المحب .
منتديات ليلاس
حان عيد الميلاد وولـى وبدأ شعـــرها يسترسل من جديد . لكنها
أصبحت نحيلة ومتوترة وهـشة كــالزجــاج . . وكان الألم يزداد سوءاً .
في مطلــع السنــة الجديدة , كـــان على والدهــا السـفر إلى نيويورك مرة
أخرى . . وكان والدها في الأسبوع الذي سبق رحيله يبدو متوتراً عصبياً
على غير عادته . . وعندمــــا واجهته نادين بذلك , قال إن السبب عــــدم
رغبته في تركهــا وحيدة ثم قال وهو يتجنب النظـر إلى عينيها :
ـ طلبت من لانس أن يزورك ليتأكد من أن كــل شيء على ما يرام . .
إنه في السويد حالياً ولكنه سيعود الأسبوع المقبل . . ولديه مفتاح
للشقــة .
أرادت نادين أن تقول له إنها ليست بحاجة إلى عين ساهرة ولا إلى
أن تعامل وكــأنها طفلة حمقاء ولكنها لم تقل له ذلك بسبب قلقله
وحزنه . عندما امتنعت عن الكلام , قــال :
ـ نادين . . أنا . . فليسامحني الله على ما فعلته بك . . فأنا لا
أستطيع مسامحة نفســي . لـيتني كنت أعلم . . .
اعتقدت بأن لســان حاله يقول إنه لولا ثراؤه لما تعرضت للخطف
ولما التقت بـ سيرجيو , فردت تقاطعه بنعومة :
ـ وعلى ماذا أسامحــك يا أبي ؟ أعــلم يا أبـي أن حبــــي لـ سيرجيو هـــو
أثمن من كل ما في الحياة . ربما أنت على حق , فربما كان سيرجيو يُكن
لــي المشاعر نفسها .
قاطعهــا والدهــا بعنف :
ـ بالطبع كــــان يُكنهـا . . نادين . . أنا . .
علمت أنه يحاول تخفيف ألمهــا , فضحكت ضحكة مرتعشة :
ـ ماذا تعني (( بالطبع كان يكنها )) . . ولمـاذا يحبنـــي ؟ ألأننــي ابنتك ؟
ســافــر السير برادلي بعـــد ظهـــر اليوم التالـي وكـــانت نادين قـــد أقلته
بنفسها إلى المطار بسيارة الرولزرويس الضخمة . وبعدمــا أقلته عـــادت
ولكن عوضاً عن العودة إلى الشقــة التي تحتل الطابق الأخــير من البناية
التي يسكنان فيها , توجهت إلى المكتب تغرق نفسها في العمل .
كــانت تصل إلى المكتب في الثامنة صباحــاً ولا تغـــادره حتى الثامنة
ليلاً , وعندما تعود إلى الشقة في أعلى البناية كانت تشعر بإرهاق شديد
يكاد يمنعهـا عن تحضير لقمـة طعام ولكن جسمهـــا اعــتاد على هـــذه
الخطوات العقابية , وعــاد النوم إلى مراوغتها .
قال لها رئيسها ذات صباح عندمــا وجدهـا جالسـة على مكتبهــا وحول
عينيها دوائــر كبيرة :
ـ نادين لن تستمري على هــذه الحــال . استريحــي بضعة أيــام . هــــذا
أمر ! لن تقدمـــي للعمل فائدة وأنت على هذه الحــال .
اعترفت بصدق قوله فاستسلمت ولكن الشقة بدت لها مقفـرة بدون
والدها ولذلك قررت الذهاب إلى منزلهما الريفي في (( سوراي )) .
عندمــا غـــادرت لـندن انهمــر الثلج . كانت رقــع الثلج تتســاقط هشـة
ولكنها كانت متماسكة كحبها لــ سيرجيو , الذي أخذ يزداد تماسكاً بدون
أن تشعر به حتى فــات الأوان . . فات الأوان . .
وصــلت إلى مـــنزل سوراي متأخرة , وفيمــا كـــانت تهم بفــتح الباب
فكرت في الاتصــال بأبيها الذي سيقلق إن اتصــل بالشقة في لندن ولم
يجدها . لكن قيادة السيارة مدة طويلة أرهقتها وأتعبتها فنامــت حالمــا
استلقت في الفراش . . وكــان أن استسلمت إلى أحــلاك ليس فيهـا إلا
سيرجيو .
نهاية الفصل ما قبل الأخير (( التاسع )) . . .
|