المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
فريق تصميم الروايات فريق كتابة الروايات الرومانسية |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
8- ليلتهــــا الأخيــــرة * *
8- ليلتهــــا الأخيــــرة * *
كانت نادين مستقلة على الفراش الضيق في غرفتها التي عمها
الظلام ولكنها كانت ترى نور القمر يتسلل من النافذة . استوت على
السرير , فعاد كل ما جرى إلى ذاكرتها . . وبدأت ترتجف وتبتلع ريقها
بصعوبة لترد الغثيان الذي ارتفع إلى حنجرتها التي بانت عليها
الكــدمات أقوى , وبلوزتها تتدلى ممزقة .
يا الله ! ارتجفت لمجرد التفكير في ما كان سيصيبها . استوت على
فراشها محتبية تلف ذراعيها حول ركبتيها وتضع ذقنها عليها . وترت
الطرقة الخفيفة على الباب أعصابها ولكنها لمحت وجه سيرجيو
المتجهم المطبق , فأدارت وجهها وهي ترتعد من شعورها بالغثيان من
جديد . ولكن مشاعرها انعكست في عينيها قبل أن تطبقهما مجدداً ,
لتخفي ما فيهما عن الرجل الواقف في الباب والحامل قصعة صغيرة في
يده , والمرهم في الأخرى .
ـ نادين .
نطق اسمها وكأنه ينادي مخلوقاً يعيش بعيداً عن حضارة الإنسان .
كان صوته متزناً , ناعمــاً عندما اقترب من السرير :
ـ لا بأس عليك أبداً . . لا أريد أذيتك . . أريد فقط أن أعاينك
لأتأكد من اندمـــــال جرحك . ســـأضع بعض المـــرهم على كدماتك . .
أترين أنه لا يؤلم . . أليس كذلك ؟
وتركته يمسك ذراعها وراح يدلك الكدمات بالمرهم ولــكن
جسدها توتر بشـــــدة :
ـ نادين . .
اندفعت الدموع إلى مآقيها واهتز جسدها كله . . فأنت بصوت
منخفض جعله ينحني لــسماع كلماتها المعذبة :
ـ لا تلمسني . . لا تقترب مني . . أحــس أننـي قذرة . . قذرة .
راحت تتأرجح من جانب إلى آخــر وعيناها مرهقتان مظلمتان . ومــد
سيرجيو يده إليها , ولكنهــا انكمشت وظلت ترتعــش .
ـ نادين . . لا بأس عليك . . أعدك بألا يلمـسك مرة أخرى . سيكون
كل شيء على ما يرام . تعالــي أريد أن آخذ هذه البلوزة , لتتمكنـي من
الاغتسال . ســـأحمل إليك بعض الماء وعندهــا ستشعرين بأنك أفضـــل
حالاً .
توجه إلى الباب , ولكــــن لم يظهر على نادين دليلاً يشــير إلى أنها
سمعته أو شاهدته . كانت ذراعاها النحيلتان مطبقتين حــول جسدهـــا
المتوتر ولسانهــا يكــرر :
ـ قذرة . . قذرة . .
وعندما عاد , كانت على حالهــا السابق فاقترب منها بصبر وكــأنه
يعامل طفلة فأبعد ذراعيها عن ركبتيها , ومد لها أطرافها المتشنجة ,
وأزال عنها البلوزة الممزقة . . انتفضت من لمسة يديه اللتين راحتا
تعالجان كدماتها ولكنها لم تحــاول تجنبه . وظلت أصــابعه تدلك بشرتها
بالمرهم , حتى بدأ التوتر يزول عنها تدريجياً . ولما أحــس بذلك توقف
وراحت عيناه تبحثان في وجههــا وهو يقول بلطف :
ـ أنت بخــير نادين . . لم يحدث شـــيء . . هو لم . .
فــأضافت ترد عنه :
ـ لم يغتصبني ؟ لكنه كــان يهم بهذا , ولم أستطع فعل ما يحول دون
ذلك . لم أشــعر إلا أننــي ســأموت .
راح صوته ويداه يهدهدانها وطفق لسان حاله يقول لها إن كل شيء
قد انتهى , ثم ضمها إليه كـطفلة صغيرة ولم يتركها إلا عندما اطمأن إلى
أنها بدأت تسترخــي . . أشــار إلى وعاء كبير على الأرض .
ـ حملت إليك الماء . سأتركك لتغتسلــي , ثم أعود بعد نصف
ســاعة مع بعض الطعام .
عندما خرج وقفت نادين مرتجفة , تغسـل نفسها ببطء . كانت بقايا
بلوزتها الممزقة تثير موجة إثر موجــة من الذكرى المرعبة , ولكنها
أبعدتها عنها وارتدت الأخــرى وفيما كانت تزررها وصــل سيرجيو حــاملاً
العشـاء .
لم تكن ترغب في طعــام ولأنه أحــــــس برفضها قال :
ـ لن أتركك قبل اختفاء آخــر لقمة . . قالت ليديا إنك لم تــأكلـــي
شيئاً طوال اليوم .
ـ وما الفائدة ؟
كان صوتها يرتجف , والدموع تترقرق في مقلتيها .
ـ تعالــــي . . .
وصلت ملعقة كبيرة من اللحم و المعكرونة إلى شفتيها ففتحت
ثغرها كطفلة مطيعة . ما إن بلعت أول لقمة حتى أدركت مدى
جوعها . . كان سيرجيو قد حمل إليها أيضاً القهوة , ولكنها حين
تذوقتها كشرت بسبب طعمها القوي .
ـ اشربيها , فهي ستخفف من وطــأة الصدمة , وتساعدك على النوم .
النوم . . ! كيف تنام وهي كلما أغمضت عينيها يطالعها وجه لينو ,
وتحس بيديه على جسدهـــا ؟ وضعت كوب القهوة من يدها بحذر مبالغ
فيه : (( سيرجيو )) .
ـ أعرف . . ولكن هذا كله سيمر وينتهي .
صــاحت بوحشية :
ـ وكيف تعرف ؟ أنت لم تتعرض لما تعرضت إليه . . كان الأمــر
كريهاً مقيتاً جعلنــــي أشعر أنني ملوثة . . ومدنسة . .
قاطعها بعذوبة :
ـ نادين . . . ما حدث لم يكن غلطتك . إذا كانت غلطة أحــد فهــــي
غلطتي . . كنت أعرف أنه يرغب فيك ومع أن ليديا حــاولت إقناعي بأنك
تشجعينه , إلا أنني كنت أعرف أن هذا غير صحيح . فلا لــوم عليك
أبداً . . يجب أن تصدقي هذا .
صاحت متألمــة :
ـ وكيف أستطيع ذلك , فلو اغتصبني لما صدقني أحــــد . سأشعــــر
كلما لمسني أحد بأنه هو من يلمســـني . لا أستطيع . .
ارتجفت ثانية بصمت ولكنها لم تلاحظ طريقة تجهم سيرجيو ولا
اسوداد عينيه :
ـ نادين . . أنا . .
قالت مرتجفة :
ـ لا تتركــني وحدي الليلة سيرجيو . . أرجوك لا تتركـــني وحدي , لا
أستطـــيع التحمــل . . أنا . .
ـ هس ! هس . . !
التفت ذراعاه مجدداً حولها , ليجبرهــا على الاسترخــاء :
ـ لا بــأس عليك . . كل شيء على ما يرام . . سأبقى . . تعالي . .
استلقي وحــاولي الخلود إلى النوم . أعدك أن أكـــون هنا إذا احتجتني .
ونامت فعلاً , ولكــن جفنيها لم يغمضـــا إلا لعلمها بأن سيرجيو
يشاركهــا السرير الضيق , ويضمهــا إلى دفء ذراعيه بحيث لم يعد هناك
مجـــال لصــورة لينو .
لم يكد السرير الضيق يتسع لهمــا . واستيقظت بعد فترة من الليل
فرأت أنها متقوقعة بين ذراعيه ورأسها مستقر على صدره وذراعاها
ملتفتان حول خصره .
ـ سيرجيو . . أنت مستيقظ ؟
ـ أجــل . . هل أنت خــائفــة ؟
ـ لا أخــاف عندما تكون معــي . . لينو . .
ـ انســــي أمر لينو . .
انتزع ذراعيها عنه فارتجفت وطـاف بها الألم مجدداً , فــأمسكت
يداه بوجههــا وقال بعذوبة : نادين . . لا ترتجفـي . . فككت كلماته التوتر
في داخلهــا فبكت بكـاء العاجز عن التوقف أبداً . تركها تبكـــي وكانت
تشـعر بالراحــة بسبب دفء بشرته تحت خدهـا , وبسبب أصابعه التي
كــانت تبعد الدموع عن وجههــا .
لم تشعر بالخوف في أحضانه , ولا بالذعر حين مرر أصابعه على
شفتيها . . واستجابت له , لكنهـــا عادت فتشنجت لأنهـا تذكرت لينو
ووحشيته فحالت صورته بينها وبين الرجل الذي يضمها بين ذراعيه . .
وارتفع الغثيان من جديد وترقرقت راحتيها بالعرق البارد .
ـ نادين . .
كان في نبرة صوته ندم وتفهم . فتركهــا ببطء .
ـ لا !
منتديات ليلاس
من مكــان ما , وجدت الشجاعة على الاعتراض , وارتفعت ذراعاها
إلى كتفيه , وأكملت همســاً :
ـ لا . . لا تتركني سيرجيو . . عانقني , ألا ترى ؟ أنا لا أذكـــر إلا لينو
ولا أشم إلا رائحته النتنة ولا أسمع إلا صوته . أرجوك ؟ أرجوك لا أريد
أن يكــون الذكرى الوحيدة . . .
ـ نادين . . يا إلهي . . هل تعرفين ما تطلبينه مــني ؟
كانت كلماته المكبوتة تحمل عنفاً أرســل الألم من رأسهـــا إلى
أخمص قديمها , ولكنهــا رفضت اختبار ألم رفــض جديد . . فتمتمت
بــانكســــار :
ـ ألست جذابة ؟ أم تراك لا تطيق لمســـي بعدما لمســني لينو . . .
سمعته يشتم متوتراً . ثم ضمها بين ذراعيه وسمعته يهمس بعذاب :
ـ لا تقولي هذا . . لست بحاجة لـي . . تريدين شخصاً يمحــو من
ذاكرتك صورة لينو , ولا يهم من يكــــون هذا الشخــص . إن كنت أملك
ذرة من التعقل لـ . . يا إلهي . . أريدك أيضاً نادين . . ولكنك تجعلينني
أجد صعوبة في عــدم معانقتك واحتضانك .
لم ترد عليه . . كانت تعرف أنها تحتاجه لــيكون الترياق الــشافي
لنفسها من ذكرى تهجم لينو عليها . . كما تعرف أنه لن يــســــيء
معاملتها , مهما كان السبب , ومهما كانت مهمته في الحياة . أحست أنه
يفرض على نفسه سيطرة شديدة لا يعرف كم من الوقت هو قــادر على
الاحتفاظ بها . . ولم تكن تريد منه أن يفقد السيطرة , لأنها تريده صاحياً
واعياً لا يشغل باله قلة خبرتهــا . . أرادت أن يتحابا بسبب حاجة ورغبة
متبادلتين , أرادت أن تغرق في عذوبة الاستسلام وتنسى متى وأين وماذا
يحـــــدث .
تسللت يداه إلى ظهرها , يرفعها إليه لتصبح مستلقية بين ذراعيه ,
وامتدت يداها إليه . كانت أشبه بطفلة صغيرة ترفض فتح غلاف هديتها
قبل الوقت المحدد , ثم أدركت أنها يمكن أن تفقد الهدية , فسعت
بحرارة للكشف عن جميع الهدايا دفعة واحدة .
تمتم سيرجيو في أذنها مرتجفــــاً :
ـ نادين ! ألديك فكــرة عما تفعلينه بي ؟ (( ديو )) يا الله لا بد أنني فقدت
صوابي . . ليتك تعرفين كم من الليالي أمضيهـــا وحـــدي وأنا أحلم بك
بين ذراعي كمــا أنت الآن .
كانت كلماته تعويذة سحرية أزالت جميع الشكوك التي تدور في
خلدها .
فجأة أحست به يتوتر وبجسده يستمر وبلسانه يهمس :
ـ لا أستطيع فعل هذا نادين .
لا . .
ولأنها لم تكن المرة الأولى التي يرفضها فيها شعرت بأسى كبير
ولكنها مع ذلك قالت له عندما رأته يهم بالخروج .
ـ أرجوك , سيرجيو لا تتركني , إبق معي فقط ليس أكثر فلن
أطالبك بالمزيد ولكن لا تتركني لذكرى لينو . إبق معي فقط .
ـ حسناً , لن أرحــل فاهدئي أرجوك .
كانت متعبة ومهزومة وكئيبة فأخذت عيناها تغمضان ثم شعرت به
يستلقي قربها .
استيقظت مرة أخرى أثناء الليل خائفة من كابوس فتناهى إليها
صوت سيرجيو في صمت الليل يحثها على الاستيقاظ :
ـ لا بأس عليك . . إنه مجرد كابوس . . لينو ليس هنا . أم
اتخذتني مكانه في كوابيسك ؟
لم تتظاهر بعدم الفهم وتضرج وجهها لأنها تذكرت كيف توسلت
إليه بدون خجل أن يحبها . . ولقد كان على حق في رفضه. . وقالت :
(( لا تقل ذلك , رجـاء )) .
ـ أما زلت تتوقعين أن تميد بك الأرض ؟
أجفلتها سخريته ومع ذلك أردف :
ـ معي يا عزيزتي لقد اخترت الشريك غير المناسب .
ـ لماذا تقــول هذا ؟
ـ إنني بشر ألا ترين كم أتعذب لأبعد نفســــــي عنك ؟
أحست أن شيئاً يخنقها , وحينما وجدت القدرة على الكلام أخيراً ,
قالت بارتباك :
ـ شـكـــراً لك .
لم تكن ترى وجهه , ولكن كان هناك الكثير من التوتر في كلامه
عندما قال : (( هل لنا أن نترك هذا الموضوع ؟ )) .
عندما فتحت عينيها ثانية , أحست أن هناك أمراً مختلفاً . . عبست
تحاول أن تتذكر ماذا , ثم فهمت . . إنها وحدها في السرير , مدثرة
بالغطاء الذي دثرها به سيرجيو قبل أن يخرج .
قال تفكيرها السليم إن عليها الشعور بالخجل , أو على الأقـــل
الندم , بسبب ما كادت تقدم عليه البارحة لولا تراجع سيرجيو أخيراً .
ولكنها تمنت لو أنه لم يتراجع فـ سيرجيو هو حلمها الكبير . ولكن
أين هــو ؟
تناهى إليها صوت غيب من الخارج , فهرعت إلى النافذة , تنظـــر
إلى الطبيعة حيث رأت طائرة هليوكوبتر في مثل هذا المكان النائــي يعني
شيئاً ؟
شعرت بالتوتر والانفعال وسمعت في الأسفل جلبة . لا بــد أن
سيرجيو هناك . . ولا ريب أنه رأى الطائرة . ولكنها أحست الآن
إحساساً مختلفاً فلأول مرة تفكــر في أنهمـا في موقعين متقابلين , وأن
حريتها تعني فشله . لقد أوضحت ليديا ما يحدث للفاشلين . استولى
عليها خــوف رهيب , ولكنها نحته بعيداً .
انفتح الباب ودخــل يقول بشفتين مشدودتين وبلهجة قاطعة حــادة :
ـ عظيم . استيقظت سنغادر المكــان .
ـ بسبب الطائرة ؟
ـ شاهدتها إذن ؟ أجل . . ذكرتني ليديا أن بقاءنا هنا كانت فكرتــي .
وهي لا تكن لك مشاعر لطيفة هذا الصباح .
صمت ينظـــر إليها باهتمــــام متحفظ :
ـ إذن . . لقد عدت الآنسة كلايتون المتكبرة , بعدما أدركت أن
العالم الخارجي لم ينسك ؟
آلمها كلامه وشعرت بالخوف عليه . عندمــا اندفعت عبر الباب
لتخرج لامست ذراعها ذراعه العارية , فأرادت في لحظة ضعف التعلق
به والتوسل إليه حتى يرحل حالاً ما دام أمــامه متسع من الوقت . نظرت
إليه وترقرقت الدموع في مآقيها لأنها تعلم أن إنقاذها يعني سقطه .
ولكن تعابير وجهه حذرتها من التفوه بمــا تشعر , فنزلت لتواجه حقـد
ليديا المرير , وشـــر عيني لينو المتقدتين الذي كان يراقب السماء من
النافذة .
قضت الخطة المغادرة حالما يتناولون الطعام فهمت نادين مما
سمعت أن لديهم منزلاً آخــر حُضر قبل اختطافها وأنهم سيصحبونها
إليه .
قالت ليديا وهي تسخر من سيرجيو :
ـ قــــلت لك إننا أطــلنا المقــــام هنـــا . . وحذرتك من أن أباهــــا يتلاعــب
بنا . . لكن لا .. أنت تعرف أفــضــل منه . . أم تراك كنت تريد وقتاً أطول
لمعاشرتها ؟ فهــــل وجـــدت المتعة التي نشدتهـــا ؟ ولكن عندمـــا ستعرف
رومــا بهذا . . .
رد بحــــــزم :
ـ روما لن تعرف شيئاً قبل أن أقــــــــول لها أنا . . بيدرو اذهب إلى
الخارج وساعد لينو في تخضير اللاندروفر . . يبدو أن شيئاً ما قد
حدث . . فهــو يحاول تشغيله منذ وقت .
ظلـــوا يسمعــــــون هدير المحرك عدة دقائق ثــم ظــهر بيدرو متجهماً
غاضباً .
ـ لم يدر المحرك , والله أعلــم ما السبب . فالمحرك اللعين ينطفئ
حالما يُشغـــل .
ـ حسناً . . فلنستخدم السيارة الأخرى .
شعرت نادين رغم توتره البادي أنه لا يهتم حقاً إذا ما رحلوا أم لم
يرحلوا , وكانت هذه الفكرة التي عنت على بالها غريبة .
هز بيدرو كتفيه : (( فعلت ذلك ولم أفلــح )) .
عبس بيدرو فجأة واستدار ليفتح علبة السكـــر , ثم سأل ليديا : (( كم
كانت الكمية الموجودة هنا ؟ )) .
رأت نادين عينا الفتاة تتسعان وهي تنظر إلى علبة السكر , والتفت
بيدرو إلى سيرجيو , وقال بوحشية :
ـ صديقتك الصغيرة وضعت السكر في المقود ! لهذا لا يدور
المحرك اللعين !
نظرت إليه ليديا بمرارة :
ـ تعني أننا عالقون هنا ؟ حين يعودون سيلقون القبض علينا وكـــأننا
فـئران في مصيــــدة !
رد سيرجيو :
ـ هذا إن عــادوا . . فلسنا واثقين . .
قاطعته بشـــراسة :
ـ أوه . . لا . . لسنا واثقين . . لكننا قادرون على التخمين . . إنهم
الشرطة بدون شك ولن يعودوا بدون سلاح ولكن الفتاة مــا تزال معنا .
و (( دادي )) لا يرغب في استعادة ابنته مليئة بالثقوب . وهذا بالتأكــيد ما
سنفعله إن لم يعطنا المــال والــضمانة للخروج من البلاد .
فكرت نادين بقلب غائر في أن الجرذان أيضاً قد تكون خــطـــرة , فلا
بيدرو ولا لينو تجادلا مع ليديا , وما من شك لدى نادين أن الإيطالية
ستنفذ ما قالته بالضبط إذا دعت الحاجة . ولكنهم مخطئون في أمــر
السكــر فهي لم تمسه .
قال سيرجيو لــ ليديا بحدة : (( أقفلي عليها باب غرفتهــا )) .
وتحرك فرأت أنه يحمل مسدساً , ولكن هذا المسدس ليس كسلاح
الباقين بل هو أفطس ذو منظر شرير . كسى جسدها طبقة خفيفة من
العرق . . يا الله . . إذا كان هذا هو معنى إنقاذها , فهي تفضل البقاء
أسيرة !
لكن ليديا رفضت :
ـ لا . . ستبقى معنا هنا بحيث نستطيع مراقبتها . . ليحذروا عندما
يطلقون النار علينا . . كم سيطول الوقت قبل وصولهم إلينا ؟
لاحظت نادين أنها مذعورة , ولم تستطع إلا أن تلاحظ كيف أنهم
جميعاً حتى لينو كــانوا يتجهون إلى سيرجيو طلباً للنصيحة والقيادة .
ـ هذا وقف على المدى الذي سيتقدمون به إلينا . . ربما ساعتين ,
هذا إذا عرفوا أننا هنا . . لذا علينا المباشرة بالاستعداد . . ليديا
اصطحبي معك نادين واحضري كل مؤونة الطعام فلا نعرف كم سنبقى
مسمرين هنا . لينو , بيدرو , أحضروا ما لدينا من ذخيرة .
رطبت ليديا شفيتها : (( ألن تحذر رومــا ؟ )) .
ـ وما الفائدة ؟ لا يمكنهم نجدتنا في الوقت المناسب . لا . . فنحن
وحدنا في هذه الورطــة .
لاحظت نادين أن سيرجيو يتمتع بالموقف في حين أن الآخرين
متوترون . أدركت فجأة أنهم كالطبل الأجوف , صوته عالٍ وداخله فارغ
فما إن ظهرت قوة تفوق قوتهم حتى انكشفوا على حقيقتهم .
كان سيرجيو مخطئاً في تقديره بالنسبة للوقت , فقد عادت الطائرة
بعد ساعة ونصف تماماً فراحت تدور حول المزرعة قبل أن تحط قرب
النهر بعيداً عن الأنظــار. . فقال بيدرو ساخطـاً :
ـ اللعنة . . إنهم بعيدون عن مرمى النيران ! ماذا سيفعلون ؟ هل
سيجتاحوننا أم سينتظرون ؟
بدا سيرجيو غير متأثر : (( هــذا وقف . . ؟ )) .
ســألت ليديا بصوت حاد مذعور : (( على مــاذا ؟ )) .
ـ على ما إذا كانوا الشرطة الإيطالية لأنني أخشى أن يكــون السير
برادلي قد أقنع الحكومة البريطانية بأن من حق ابنته البريطانية الجنسية
حماية الجيش البريطاني .
ابيض وجه ليديا هلعاً :
ـ أتعني فرقة الإنقاذ الخــاصة ؟ لكن السلطــات الإيطالية لن توافق !
ـ أعتقد بعد مذبحة (( موريو )) أن السلطات الإيطالية ستكـــون شاكرة
الحكومة التي ستحمـــل الوضع المحرج عن عاتقها . . على أي حــال
أليس إسقاط الحكومة وإظهــار فشلها هدفاً من أهداف منظمتنا ؟
تساءلت نادين بحيرة عما إذا كان سيرجيو يدرك أنه بهذا يزيد من
مخــاوف رفاقه بدل تهدئتهم . . وكأنه يعرف كم ترعبهم مواجهة فرقة
الإنقاذ الخاصة , ويتعمد التلاعب بأعصابهم ولكنها بدون شك تتخـــيل
مــا هو غير موجود .
ـ سيرجيو . . هناك قرب بستان الزيتون . . انظـــر !
محت كلمات لينو المتوترة كـــل ما يتعلق بالسبب الذي يدفــــع
سيرجيو إلى هذا التصرف . وكان كــالآخرين اهتمامه منصب على
الأشباح المتحركة بين أشجــار الزيتون . مـــاذا سيفعلون ؟ الإيطاليون
يعمدون إلى اقتحام المبنى مهما كــان من بداخــله أما البريطانيون فيميلون
إلى الدبلوماسية قبل العنف .
تبين فيما بعد أن الوسيلة الأخيرة هي المعتمدة . . فقد تقدم رجــــل
يرتدي بذلة مموهة إلى المنزل يحمل مذياعاً يدوياً , ويحيط به رجلان
يحملان الرشاشات . . تكلم الرجل عبر المذياع بالإيطالية , طالباً من
الخاطفين إطلاق سراح نادين ولكن لينو رد عليهم بإطــلاق الرصاص .
وشاهدت نادين الرجال الثلاثة يرتمون أرضــاً , وفي اللحظة عينها كــان
سيرجيو يدفعها إلى الأرض قائلاً باقتضاب :
ـ ابقي منخفـضـة .
أخفض رأسه أيضاً فيما كانت طلقات رشـــاشه تصيب جـــدار
المبنى .
ثم فيما بعد لم تعد نادين تتذكـــر بوضوح ما حدث . كانت تعاني من
الخوف ومن حرارة لا تحتمل , أمـــا الغرفة فازداد توترها . كانت رشقات
متقطعة من النيران تذكرهم بأنهم لن ينجو من المبنى أحياء .
كم مضى من الوقت , لم تكـــن نادين واثقة . فقد بدا أن الزمن يجر
أقدامه الثقيلة , والخوف يستولي على كيانها , أما الموت فقد كان أقرب
لها من بندقية ليديا , وسكين لينو , ولن يتردد أحد منهما في إطلاق النار
عليهــا .
كان سيرجو يستلقي إلى جانبها , يحرس إحدى النوافذ . حين
حــاولت التسلل إلى فوق , نحو غرفتها لتجتذب انتباه المنقذين , أطبقت
أصابعه على معصمها ولكن الإمساك بها لم يلهه عن هدفه .
صرخت ليديا بحـــدة في مرحلة مــا , بعدما تلقت توســلاً آخــر
بالاستسلام .
ـ لن تأخذونا أحياء . . ولن تسترجعوا الفتاة . . سنقتلها أولاً !
بعد ذلك بدا أن الجو خــارجاً قد عمه السكون فصعد لينو إلى فوق
ليحقق من أي حركة خلف المنزل , لكن ما إن صعد حتى تصاعدت
الطلقات من الخارج تجذب اهتمام الآخرين إلى مهاجميهم .
كانت نادين تواجه الدرج منبطحة على وجهها وعضلاتها متشنجة ,
لكن خائفة من أن تصاب برصاصة طائشة إن تحركت . . . لذلك كانت
أول من شاهد الرجال الأربعة الذين برزوا من فوق بسلاحهم الكــامل
وبزتهم المموهة التي أثارت في نفسها الطمأنينة .
فيما بعد , لم تستطع أن تقول ماذا دهــاها , فهي عوضــاً عن البقاء
صامتة , دفعت ذراع سيرجيو , فالتفت بسرعة . . وفي اللحظة نفسها
صرخت ليديا بذعــر :
ـ سيرجيو . . الفتاة . . اقتلها الآن !
وشاهدتها نادين ترفع سلاحها , فجلس سيرجيو وشــد نادين معه
في اللحظة عينها التي انفتح فيها الباب عنوة , وسمعته يتمتم :
ـ إلى الباب . . اركــضي . . بسرعة .
أطاعته مذهولة فقد شاهدت العزم في عيني ليديا , وتحـــرك سيرجيو
يرمي بنفسه بينها وبين البندقية , وسمعت نادين انفجاراً مدوياً , حملتها
قوته إلى الباب , ثم التقطها الرجال ذوو البزات المموهة وهم يؤكدون
لبعضهم بعضاً أنها سالمة .
كانت تصــيح منتحبة : (( سيرجيو . . سيرجيو . . )) حينما التفت
حول جسمها ذراعان حبيبتان وبرز أمامها وجه أبيها وهو يتطلع إليها ,
وضمهــا إليه :
ـ آه . . يا فتاتي المسكينة !
كـــان غـريباً فعـلاً في ثيابه العسكرية , أكبـــر سنــاً وأكثر وقـــاراً مـمــا
تذكره , ثم تقدم رجـــل آخر وهــو الضابط على مـــا يبدو يقــــول بصوت
منخفض أن يتركــا الرجال يقومون بالعمل الذي جـاؤوا من أجله . مشيراً
إلى اللاندروفر المنتظــر وساعدها والدها لتصعــد إليــه . . ولكنها تطلعت
من فــوق كتفهـــا إلى الوراء , كانت أصـــوات الطلقـــات النارية تتردد في
أرجاء المنزل الذي أخــذ الدخان الكثيف يتصاعد منه .
قال لها والدهــا متجهماً . .
ـ لديهم أوامــر باعتقالهم ويجب أن يكونوا أحياء . لكن لــحسن
الحظ سيحاكمون في إيطاليا , وهذا يعني أن يحصلوا على حكم قاس
جداً . . ربما سجـن مؤبد . . على أقــل تقدير .
سجن مؤبد ؟ فكــرت نادين بـ سيرجيو وهو مسجون في زنزانة . . .
فالتوى شيء ما في داخلها . . لقد أنقذ حياتها , أفلا يعني ما فعله شيئاً ؟
التفتت إلى والدها , تريد أن تخبره ولكنه أصمتهــا وضمها إليه وهو
يرتجف قائلاً :
ـ يا حبيبتي المسكينــة ! لا أستطيع الانتظــار حتى أحملك إلى
المنزل . سنذهب معاً إلى مكــان ما وستكون لنا إجــازة جيدة نضع فيها
كــل هذا وراءنا .
وافقت نادين مخدرة التفكــير . . ترفض أن تعترف أن قسمــاً مما
جرى لها في الأســر لن يُنسى بسهولة . إنها الآن حــرة وســالمة . . وعلى
هذا يجب أن تركز أفكــارها وتحاول النسيان , نسيان أي شيء آخـــر .
نهاية الفصــل (( الثامن )) . . .
|