المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
فريق تصميم الروايات فريق كتابة الروايات الرومانسية |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
4-بين الموت والرغبة **
4- بين الموت والرغبة * *
ازداد صـوته برودة عندما قال : (( أريد تفتيشك لا اغتصابك )) .
ردت بمرارة :
ـ ولماذا لا تجمع بين الاثنين ؟ أليس هذا ما يفعله أمثالك من
الرجال عندما يريدون مأرباً ما ؟
كان صوته ناعماً . ولكن عضلة في فكه تحركت متوترة . . وأحدق
خط أبيض بفمه . وتابع يســأل :
ـ هل أنت واثقة أنك لا تطلبين هذا بالضبط . . إن للفتيات
المدللات مثيلاتك سمعة . . آه . . لا . . لن تفعلي هذا . .
أمسك يدها بسرعة عندما رفعتها لتضربه , وأنزلها إلى تحت , ثم
شدها بدون رحمة إليه .
كان تأمله الخبير لجسدهــا أكثر التجارب إذلالاَ . . وعندما أبعد
يديه عنها كانت نظرة عينيه متجهمة .
ـ أرأيت ؟ لست ممن يسيطر على رغباته , أليس كذلك ؟
ـ أنت . . أنت . . لا تطاق ! وأنا . . أكــرهك !
أوشكت دموعها على الانهمار فارتدت عنه لئلا يراها :
ـ نادين ؟
أهذه مخيلتها أم أن صوته رقيق فعلاً ؟ ارتدت على عجل وارتباك ,
وكادت تقع , فامتدت يده تتمسك بها ثم التفت ذراعه على جسمها
فشعرت بما يشبه الصدمة الكهربائية تنطلق لترجفها . اتسعت عيناها
وازدادت سرعة نبضات قلبها بإثارة , وارتفع اللون الأحمر إلى وجهها
بسبب شعورها بالذنب .
وصاحت :
ـ أخرج من هنا ! ولا تلمسني ! لا أطيق لمستك !
ولكن قولها هذا كان غلطة فادحة إذ سرعان ما أصبحت عيناه
وقحتين ساخرتين .
ـ لا ؟ . . أستطيع القول أن ذاكرتك بدأت تخونك نادين وأعتقد أن
أكثر ما يعجبك حقاً هو أن تضمك ذراعاي وتلمسك يداي .
ـ لا !
كرر مبتسماً :
ـ لا ؟ إذن فلنخضع هذا الإنكار للتجربة , أنفعل ؟
احتواها بين ذراعيه قبل أن تتحرك . . فأبقت شفتيها مطبقتين
بشدة , تحاول التفكير في أن لينو هو من يعانقها . ودفعت جسدها
ليحس بالاشمئزاز والثورة , لا بالسرور ولكن أصابعه الرشيقة بثت
الحرارة في بشرتهـــا .
أحست أن هذا كله لم يكن كافياً . . وتجاهل إحساس متمرد
قراراتها في المقامة والرفض . لكنها أخيراً تمكنت من انتزاع نفسها
وقد رافق ذلك صرخة احتجاج .
ـ سيرجيو ؟
منتديات ليلاس
ابتسم سيرجيو لها عند سماعه نداء ليديا , وابتعد نحو الباب تاركاً
نادين تغلي غضباً واحتقاراً لنفسها . ماذا دهاها ؟ كيف استجابت إلى
مداعباته ؟ إنها تكرهه ! . . ومع ذلك استجاب جسدها له . لماذا ؟
حين تأكدت أنها أصبحت بمفردها , استسلمت للدموع , راحت
تبكي بصمت فانتفض جسدها وانتشرت حول وجهها خصلات شعرها
الأحمر القاتم الحريري ولكن لم يكن فقدانها شعرها الحريري الناعم
هو ما يحزنها , بل شيء أعمق , وأصعب على الفهم . عندما لمستها يدا
سيرجيو انتفض شيء ما في أعماقها والمؤسف أنه شعر به . ففي إحدى
اللحظات , قبل أن تبدي مقاومة نظر إليها وعرف أن جسمها رغم
منطقها وكبريائها يرغب في الاستجابة للأمر الرجولي الذي في يديه .
كانت حقيبة يدها معها , فتشت فيها عن مناديل ورقية . . ليتها
فكرت في وضع قميص آخر معها . . فبعد جفاف دموعها أحست
بالحرارة والعرق . كانت ساقاها متسختان ولم يكن في الغرفة ماء
لتغتسل وباستثناء سيرجيو , لم يكن آسروها يهتمون كثيراً بضروريات
المدينة والنظافة الشخصية , حتى ليديا . . ولكن نادين كانت موسوسة
بمظهرها ولأنها لم تتمكن من الاستحمام أو من تنظيف أسنانها شعرت
بالقرف .
هناك نهر في الوادي . . شاهدته من النافذة الأمامية . ورؤية الماء
المتدفق بنعومة , زاد من شوقها إلى برودة الماء ونعومته على بشرتها . .
وتساءلت عما إذا كانت قادرة على طلب طست للاغتسال . ولكنها تعلم
أن ليديا سيسعدها رفض طلبها أما الطلب من لينو فمرفوض عندها
بسبب نظرة ذاك الرجل إليها , أما سيرجيو فتخشى إن طلبت منه ذاك
المطلب أن يظن أن لاهتمامها بالنظافة علاقة به !
ومر النهار وهي جالسة بمفردها بدون عمل يشغلها يدوياً أو
فكرياً , وهذا ما زادها خوفاً ورعباً وإحباطاً ولعل سبب الإحباط اقتناعها
بأن حياتها ستنتهي هنا في هذا لمنزل المهترئ .
بعد الظهر سمعت تحركاتهم في الطابق السفلي ولكنها لم تر أحد
منهم ومن النافذة شاهت لينو يعمل في كروم العنب , فدعت إلى
الله . . أن يرسل الشرطة الذين إن وصلوا عمدت إلى إخبارهم الحقيقة
ولو أدى ذلك إلى قتلها . وعندها تكون قد قامت بمحاولة ولكن ربما
تسببت في مقتل آخرين كذلك ! وهذا ما لن تتحمله .
كانت قد شاهدت سيرجيو ينطلق بسيارته بعد وقت قليل من تركه
لها , ثم عاد عند المغيب . لا شك في أنه ذهب ليرسل الصورة والشريط
إلى أبيها . حاولت نادين التفكير كم من الوقت سيمضي قبل أن يتلقوا
الرد منه . إنهم بالطبع لن يرسلوا الصورة والشريط مباشرة لأن ذلك
سيسهل في اقتفاء أثرها . . إذن ماذا فعل سيرجيو ؟ هل أرسلها إلى روما
لتنقل من هناك إلى عنوان والدها ؟
بعد عودة سيرجيو بنصف ساعة أتت ليديا تفتح الباب فتصاعدت
روائح تثير الشهية من الأسفل , فأدركت نادين مستغربة أنها تتضور
جوعاً . وقالـت ليديا بعدما دفع بيدرو حاجبيه تعجباً للرائحة :
ـ اشترى لنا سيرجيو المعكرونة والصلصة لنطبخها .
لاحظت نادين أن بيدرو ولينو جلسا إلى المائدة بدون أن يغسلا
أيديهما ودون أن يبدلوا الجينز المهترئ بما هو جيد أو نظيف . ولكن
سيرجيو كان يرتدي قميصاً أبيض نظيفاً , غير مزرر عند العنق , كما
لاحظت أنه استخدم الحنفية الوحيدة ليغسل يديه قبل الجلوس إلى
المائدة مع أنه لم يكن يعمل كالآخرين . . وحذت نادين حذوه بدون أن
تطلب الإذن , وعندما انساب الماء على يديها أغمضت عينيها بسعادة .
سمعت ليديا تســخر :
ـ حساسة جداً . . أليس كذلك ؟ تحـــاولين التأثير في سيرجيو
بتصرفـــات السيدة الأنيقـــة . . صحيح ؟
ردت نادين بــــهدوء ســاخر يحاكــي سخرية الفتاة :
ـ يحب بعضنا النظـــافة والانتعاش .
لمعت عينا الفتاة بشــــكل خطير :
ـ ماذا تعنين بالضبط ؟ سيرجيو . . أكانت سجينة أن لا . . لــن
أتحمــل إهانة هذه الفاسقة الصغيرة . . فإما أن تطلب منها المحافــظة على
أدبها أو أقوم أنا بتأديبهــا ؟
عرفت نادين أن الفتاة تعمدت إثارتها . . ولكن لماذا ؟ ألكــي تسنح
لها الفرصة لتعرضها للمزيد من العقاب الجسدي ؟
لاحظت نادين أن ما من أحد آخر تجرأ على تحدي أوامــر سيرجيو ,
وكان سيرجيو بطريقة ما بعيداً منعزلاً عنهم جميعاً بما فيهم ليديا التي
كانت عشيقته بدون شك .
كان الطعام لذيذاً مدهشاً , فالمعكرونة طرية وزكية الرائحة ومـــا
أذهلها أن تتناول صحنها كله . . فقد يكون رأسها يائساً في تفكيره
ولكن جسمها يحتاج إلى الغداء , فيما بعد رافقها سيرجيو إلى
(( غرفتها )) . ما إن دخلتها حتى انتظرت سماع صوت إقفال الباب ,
واستدارة المفتاح في القفل . . ولكن ما أدهشها أن سيرجيو بقي واقفاً .
سمعته بعد قليل يقول متردداً , أو هكذا بدا لهــا :
ـ أستطيع إقناع ليديا باصطحابك إلى النهر لتستحمي إذا شئت ؟
فسرت نادين لهجة الإشفاق في صوته على غير محلها وهذا ما
دفعها إلى القول بمـــرارة :
ـ ما الأمر ؟ هل تزعج ثيابي القذرة وجــسدي غير النظيف أحاسيسك
المرهفة ؟ أمــر مؤســف ! يجب أن تتعلم العيش مع قذارتي .
ما إن تفوهت بالكلمات حتى ندمت عليها لأنها تمنت لو قبلت
عرضة بلا تعليق , ولكن الوقت فات على سحب قولها المتسرع , فقد
ارتد سيرجيو إلى الباب , يهز كتفيه بدون اكتراث :
ـ فليكن ما تريدين . . فكرت فقط في أنك سترحبين بفرصــة
لإنعاش نفسك . . بدءاً من مساء الغد سيرافقك أحدنــا فيجب أن
تخرجي وإن لم تخرجــي طوعاً أجبرناك .
ســخرت منه :
ـ لم كل هذا الاهتمام بصحتي ! لماذا ؟ أتظــن أننــي لا أعرف أن لا
فرصة لـي بالخروج من هنا حية ؟
كان صوتها مشبعاً بالكآبة والألم وانعكس هذا في عينيها وهــي تنظر
إليه . بدا لها لهنيهة بأنه فهم , وأراد أن يواسيها , ولكن لا بد أن هذا
مجرد وهم بصري , فقد تحرك وكانت عيناه باردتين وقاسيتين كحالهما
دائماً . ويسألهــا بصوت ناعم :
ـ وإن لم تخرجــي من هنا على قيد الحياة . فماذا ستفتقدين ؟ ذراع
عشيق آخـر أم الإحساس بالحرير الفاخر على جسدك ؟ أم لمعان
الجواهــر ؟
ردت بصوت خـشــن :
ـ لا شيء من هذا كله . . ما سأفتقد إليه هو تنشق الهواء النقي مــرة
أخرى , الهواء غير الملوث بأنفــاس الحيوانات أمثالك . . حيوانات !
ضحكت بجنون هستيري :
ـ الحيوانات لا ترتكب بحق بعضها بعضاً هذه الجرائم . هي لا
تدمر وتقتل في سبيل المال . كم من المال طلبت من والدي ؟
ـ مليون جنيه . . إنه مبلغ رائع أليس كذلك ؟
ـ وهل خططت لهذا منذ البداية ؟ منذ الحفلة الراقصة في روما ؟
ـ أجــــل .
كــــان الاعتراف جازماً , يرفض الإفصاح عن أي ندم أو عطف .
ـ ورغم علمك بما سيجري كنت قادراً على . . على . .
ـ العبث معك ؟ كان أمراً ضرورياً , ولم يكن صعباً .
تحركت عضلة في فكه النحيل الأسمـــر , وتابع ساخراً :
ـ أنت امرأة في غاية الجاذبية وكان الجو مؤاتياً وما من إيطالي
أصيل قد يفعل غير هـــذا ؟
صــاح بها عقلها الباطني : (( غبية . . غبية ! )) لقد صدقت أن ما جرى
بينهما عنى له شيئاً . . لقد صدقت كمراهقة مجنونة .
ـ أنــت مـجرد آلــة لا رجل !
خالته لبرهة سيضربها ولكنه نظر إليها متجهماً , وقال بهدوء :
ـ تكرهين نفسك لأنك تستجيبين لــي . لا تكرهي نفسك . .
فاستجابتك ردة فعل طبيعية في تلك الظروف . امرأة لها تجربتك لا بد
أن تستجيب , خــاصة لـرجل . .
ـ حاول إغوائــي ؟
هز كتفيه :
ـ هذا يدل على براءة كلانا يعرف أنك لا تملكينها , وستكون
الأمور أسهل لو توقفت عن المقاومة . فأنا لا أرغب في إيلامك أو
إذلالك .
أسكتته ضحكتها المريرة فمد يده إليها يمسك ذراعيها .
ـ اسمعـــي . .
انتزعت نفسهــا من قبضته , وسألت بغضب :
ـ ماذا تحاول أن تفعل ؟ أن تغار ليديا ؟ لماذا لا تدعوها إلى هنا
لترى . . .
ـ أنت مصممة على إزعاجــي . . أليس كذلك . . أم أن هذا مـا
تريدين حقـــاً .
اشتدت قبضته عليها بسرعة وشدها إلى صدره , وتحركت يداه من
كتفيها إلى ظهرها , يضمها إليه . كانت إحدى يديه تلتف على مؤخرة
عنقها تجبرها على إحناء رأسها , والأخرى تلصقها به . . فصاحت :
(( لا )) .
اختنق احتجاجها المتأوه على صدره وحينما استكانت بين ذراعيه
أدركت كم أثارت غضبه . . فمن الواضح أنه رجــل غير معتاد على أن
تنتقده امرأة . . حاولت مقاومة اللامبالاة الذائبة التي راحت تتسلل إلى
جسدها . . واستطاعت تذوق طعم الدم المالح في فمها من شدة ما
ضغط وجهها على صدره . . ولكن لم تلبث أن استرخت ذراعاه قليلاً
فعمت كيانها موجة ارتياح أفزعتها وتركتها ضعيفة مرتجفة غير قادرة
على فهم ما يحدث لها . . إنها تكرهه . . تحتقره !
ســألت بصوت متحشرج أجش : (( ماذا تحاول أن تفعل ؟ )) .
ابـتسم مكشراً عن أسنانه :
ـ قد أسألك السؤال نفســه .
أصمتها سؤاله لبرهة ثم انطلقت إلى النافذة تسير على ســاقين
تهددان بالانهيار , لتتأمــل الطبيعة خارجاً . لماذا تختبر مثل هذه الجاذبية
الغامرة كلمـا اقترب سيرجيو منها ؟ إنها تكره الرجل وتحتقره , لكـــن
جسدها يتوق إليه .
قال سيرجيو يكســـر الصمت ساخراً :
ـ إن رغبت في التجربة مجدداً , فتجنبـــي أن تختاري لينو لأنك قد
تحصلين على ردة فعل لا تتوقعينها . . إلا إذا كانت ليديا على حق ,
وكانت المعاملة القاسية الخشنة هي ما تجتذبك أهذا هو الأمر ؟ أهذا ما
تأملين فيه ؟ لا ريب أنك كنت تشاهدين أفلاماً سينمائية كثيرة . قد
تكونين مرغوبة , ليس بالنسبة لي . . حين أرغب في ذلك أحب أن أكون
بين ذراعي امرأة عطرة الرائحــة .
منتديات ليلاس
سحب التهكم كل لون من وجه نادين , وسألت بشراسة :
ـ ألهذا تقوم بمثل هذه الأشياء ؟ لتبقى قادراً على أن تعيش في
مستوى راق ؟ إذا كان الأمر كذلك , فلماذا لا نعقد اتفاقاً مفيداً ؟
كان قد طرأ على بالها فكرة ما , وقبل أن تفقد شجاعتها حاولت
وضعها قيد التجربة . . ابتلعت الخوف المتزايد في نفسها , ومالت إلى
الأمام قليلاً , بشفتين منفرجتين وأصابع راحت تتسلل إلى الشق في
قميص سيرجيو :
ـ مليون جنيه مبلغ كبير , إن كــــان لك وحدك .
لم يتحرك , ولم تفصح عيناه عن شيء . ســأل : (( ماذا تقترحين ؟ )) .
كان أشبه بتمثال غرانيت لا يلين , فأردف : (( الخيانة ؟ )) .
هزت كتفيها محاولة الظهور بمظهر المرأة الهادئة المسيطرة على
الموقف .
ـ ولمَ لا ؟ هل ستقول إنها كلمة شرف بين لصوص ؟
قالت هذا بعذوبة ولكن السهم أصاب هدفه . . فقد سارع إلى إبعاد
أناملها عن قميصه بقسوة وظهــر على وجهه التحفظ .
ـ وإذا وافقت ؟ وإذا أردتك أنت إضافة إلى المليون جنيه مثلاً ؟
استقرت غصة ثقيلة في صدرها سببت لها ألماً شديداً .
ـ أنا . . نحن . . قد تصل إلى اتفاق ما .
أخافتها نظرة عينيه , فمدت يدها إليه فوجدت أنه وضع عرض
الغرفة حاجزاً بينهما , والتوى فمه بازدراء .
ـ يا إلهي . . كل شيء سيــان عندك .
لاحظت نادين صدره يعلو و يهبط تحت القميص الأبيض الرقيق ,
وكأنه يلهث من الركض . . بعثت قوة الغضب الذي استحوذ عليه
الخوف إليها . مع أنها لا تعلم ماذا فعلت ليغضب هذا الغضب كله .
ثم قال لها ســـاخراً :
ـ من تخدعين بحسب رأيك ؟ أتحاولين القيام بتضحية ؟ يا لها من
تضحية ! أنت تريدينني . . ولكنني لن ألمسك حتى لو كنت آخر امرأة
على وجه الأرض . أتظنين أنني لا أعرف ما يدور في خلدك ؟ ألا
تعتقدين أنني أعرف كل شيء عن الإثارة التي تحصل عليها امرأة مثلك
من مجرد التفكير بأنها ستغتصب بالقوة ؟ إذا كان هذا ما تريدينه حقاً ,
فلينو هو الرجل المناسب لك , لا أنا . . فأنا أحب أن تكون علاقاتي
سوية .
خرج قبل أن تتمكن من الرد تاركاً لها الإحساس بالألم والذل
بسبب رفضه . آمنت لهنيهة إنها ستتمكن من استخدام الفدية طعماً
لانقسام آسريها . . ولكنه قلب كل الطاولات في وجهها مشيراً إلى أنها
تحاول إقناعه باغتصابها .
صاح بها هاتف داخلي . . لأجل ماذا كل هذا ؟ ودافعت بمرارة :
إنها لا تريده . . إنها تكرهه . . إنها تحتقره !
مضى على سجن نادين أربعة أيام . الأمل الذي تمسكت به في
البداية تلاشى تاركاً مكانه شعوراً فاتراً باللامبالاة . وجرت الأيام برتابة
مملة ففي الصباح تقفل ليديا باب غرفتها بعد أن تقدم لها الماء
للاغتسال , ثم ترافقها إلى كوخ بدائــي صغير بعيد عن المنزل . . في
البدء عانت مرارة الإحراج كلما اضطرت إلى تحمل هذه المهانة , ولكن
السجن والطعام البدائــي الذي كانت تتلقاه , سلباها قدرتها على
المقــــاومة .
قبل النوم , كانت كل ليلة تغسل الثياب التي تلبسها نهاراً , ومع
أنها كانت تجف ليلاً , إلا أنها بدأت تبدو الآن رثة , وأحست بالحرمان
والوضاعة . لكن اهتمامها بمظهرها , كان قد اتخذ مقعداً خلفياً بالنسبة
لخوفها على مصيرها .
كان الجميع في الأمسيات يتناولون الطـعام في الغرفة السفلى وغالباً
ما كانت نادين تحضر ذلك الطعام تحت أنظار الحرس , فاليوم كان
سيرجيو غائباً وأحست بغيابه مع أنها لم تكلمه منذ فتشها . . في البداية
جعل تجنبها الواضح له ليديا تضحك , ولكن نادين وجدت الفتاة
الأخرى تراقبها وكأنها تجد صعوبة في فهم قدرتها على اللامبالاة .
ولكنها لم تكن غير مبالية خاصة في أسرها الحالي بل كانت
كراهيتها له تتعاظم حتى تكاد تسلبها القدرة على التفكير في أي شيء
آخــــــــــــــــر .
وصل سيرجيو فيما كانت نادين تتفحص العنب مع لينو . وهذه
عملية تكسر الظهر . . وما أشد ما رغبت في الاستقامة لتريح ظهرها
لولا خوفها من أن يعتبر سيرجيو حركتها انهزاماً . كان كلاهما متورط
في معركة إرادات صامتة , وكانت تعلم أن صمتها يغضبه فهذا ما تراه
في عينيه .
وهذه المعرفـــة بعثت إليها لذة منحرفــة . كان يريد أن يحطم إرادتها ,
ويريد أن يبعث الخوف إلى قلبها . ولكنها لن تحقق له ما يريد , ولن
تنضم إلى صفوف ضحاياه !
صاح بها لينو عندما توقفت عن العمل بدون أن تستقيم أو تتمطى .
ـ ما بك ؟ هل أنت ضعيفة أمام العمــل الشاق ؟
كان أفراد العصابة دائمي السخرية منها ولكنها تعلمت القوقعة على
نفسها بعيداً عن تهجماتهم , مع أن غريزة وليدة عميقة , كانت تحذرها
من لينو الذي كانت ليديا تتعمد تركه معها وكانت كبرياؤها تمنع نادين
من تصحيح ما تقول حين تلمح لـ سيرجيو إنها أمضت معظم يومها معه .
وفي الواقع كانت تفضل البقاء سجينة غرفتها , ولكن سيرجيو أصر
على أن تمضي نهارها في الخارج , وفي الهواء الطلق لتحرك أطرافها ,
ولم تستطع فهم السبب . لكنها باتت الآن مقتنعة بأنها لن تترك المزرعة
وهي على قيد الحياة . كان سيرجيو يذهب يومياً إلى البلدة القريبة
لتسقط الأخبار عن أبيها . . وقد حدث أن طلبوا مهلة أسبوع للرد ,
ومرت خمسة أيام منها . حاولت نادين أكثر من مرة أن تتصور حالة
والدها والتوتر الذي يعاني منه . ولكن عالمها بات مرتبطاً بحراسها ,
والتفكير في ما يحدث خارج هذا السجن أصبح مؤلماً ألماً لا تكاد
تتحمله وقتـــاً طويلاً .
ذبحت ليديا إحدى الدجاجات التي كانت تجوب في فناء المنزل ,
وقامت نادين بطهيها جيداً وحينما دخلت ولينو إلى المنزل انبعثت
رائحة الدجاج الشهية , وكان سيرجيو يقرأ جريدة , وليديا قربه
وذراعاها حوله . . فرفع رأســه , فأشاحت نادين نظرها عنه , وفمها
مشدود قرفاً . . فقال لها :
ـ أظهر والدك على الأقــل بعض التعقل . . فليس في الصحف مــا
يشير إلى اختطافك . ثمة خبر صغير في صحيفة لندنية , يقول إنك
تقضين إجازة مع أصدقائك .
سخرت ابتسامته منها وأثارتها ولكنها رفضت الرد . بدأت تسير
نحو السلم وكادت تصل إليه حين امتدت يده تمسك معصمها . فذعرت
وارتدت نظرتها لتلتقي بعينيه , وتصادمت عيونهما . كانت ترى بشرته
السمراء المغطاة بالشعر تحت القميص الأبيض الشفاف فتحرك شــيء ما
في داخلها . شــيء غريب , غير مرغوب . وجذبت نفسها عنه بتوتر
ويأس لتتخلص من الإحساس بقربه . .
فسألها : (( إلى أين ؟ )) .
ـ إلى غرفتــي .
ـ لماذا ؟
ـ لأننـــي أريد الانفراد بنفسي . . هل من اعتراض ؟
صاحت ليديا :
ـ فلنذهب سيرجيو . . لا يمكنها الفرار , ولن تحــاول . إنها أضعف
من أن تحاول . . فطوال حياتها كانت تستخدم مال أبيها واسمه لتنفتح
الأبواب لها . وها قد باتت الآن غير قادرة على فتح أي باب بنفسهــا .
هذا غير صحيح !
تكونت الكلمات على شفتيها , ولكنها لم تتفوه بها . . فقد جعلتها
الكبرياء تلوذ إلى الصمت ومنعتها من القول بأن هذا الاتهام كــان صائباً
منذ سنة أمـــا الآن فلا .
ـ سيرجيو !
جعل نداء بيدرو الملح من الخارج ليديا ولينو يخرجان ودفع
سيرجيو إلى أن يترك ذراع نادين وهرع إلى الباب . سمعت نادين كلمة
(( الشرطة )) فقفز قلبها أملاً . هل أتو بحثاً عنها ؟ هل بلغت باميلا عن
غيابها , وهل أدرك الشرطة ما قد حدث لها ؟ آه , ليتها تستطيع جذب
انتباههم بطريقة مــا !
طغى التوتر على المنزل المتداعي عندما كانت سيارة الشرطة تتقدم
في الممر الضيق الموصل إليه . السلاح الذي كان دائماً ظاهراً , ابتعد
عن الأنظار , وحده لينو كان يتلاعب بسكين . وعندما سمعت السيارة
تقف جف حلقها . فجأة انفتح الباب بشدة , ودخل رجلان يرتديان
بزتيهما وراح يتأملان الغرفة العفنة .
وســأل أحدهم : (( لستم هنا منذ مدة ؟ )) .
كان سيرجيو يستند إلى الجدار أمامها مشكلاً حاجزاً بينها وبين
الشرطيين أما ليديا فتسللت إلى الطابق العلوي . . وعرفت نادين أن
سيرجيو لم يكن يبالغ في تهديداته , وأنه قد يطلق النار عليها وعلى
الرجلين ولكنها رغم ذلك لم تكن قادرة على ترك الفرصة تمر بدون
محــاولة تحذير الشرطيين .
قال سيرجيو :
ـ ورثت المزرعة عن خالي . . إنها مهدمة ولكننا سنصلحها .
ـ أنتم لستم من هذه المنطقة ؟
هز سيرجيو كتفيه :
ـ نحن من روما . . لكنني أفضل الريف على المدينة . وكذلك
إخوتــي .
توجهت عينا الرجل إلى نادين حينما راح زميله يجوب الغرفة . .
ثم سأل سيرجيو :
ـ أهذه شقيقتك ؟
كانت نادين من حسن الحظ تفهم وتتكلم الإيطالية , فتدخلت
بسرعة : (( لا , أنا . . )) .
رد سيرجيو بأسرع منهــا : (( إنها زوجتــي )) .
ارتد إلى الخلف يحيط كتفي نادين بذراعيه , ولكنها أحست بضغط
أصابعه المحذرة على لحمها , وقال مردفاً :
ـ أتبقيان لمشاركتنا طعامنا ؟
رفض الرجلان الدعوة , وعادا إلى الباب , فاستدارت نادين بفزع
في دائرة ذراعي سيرجيو . . ترجو الله أن يلاحظ أحدهما الكرب الذي
تمر به . . ولكنهما خرجا برفقة لينو إلى سيارتهما , وظلت هي في
مكانها تشعر بالغثيان يسيطر عليها . لقد ولى آخــر آمالهــا , واستحوذ
عليها إحباط شامـــل .
تركها سيرجيو في اللحظة التي برزت فيها ليديا من الطابق
العلوي , وعيناها مركزتان عليهما بريبة . ورأت نادين بوضوح أنها
تغار , ولكنها لم تكن تملك القدرة على الاستفادة من هذا الاكتشاف ,
إذ استحوذ عليها إحساس بأنها ستموت فمهما فعل والدها , فلن يتمكن
من إنقاذها . . . وارتجفت , فتجهم وجه سيرجيو بعبوس شديد . لماذا
يدعي الاهتمام بها ؟ يعرفون جميعهم أنها مجرد وسيلة للكسب لجمع
المال لقضيتهم . . لامست بشرة وجههــا حيث صفعها , وأحست
بالكراهيــة تتجدد .
فقدت نادين شهيتها للدجاج المطبوخ , ولم تكن قد أكلت الكثير
وقت الفطور كذلك . وعندما أمرها سيرجيو بأن تنهي وجبتها اضطرت
لــــكبح ضحكة مريرة .
ـ لماذا ؟ ستقتلوني على أي حــال , فلِمَ لا أقوم بهذا نيابة عنكم ؟
ضحكت ليديا :
ـ إنها ليست غبية كما ظننت . . أم تراها تحــاول اجتذاب شفقتك
(( كارا )) عزيزي . . لا بد أنها قرأت الكثير عن العلاقات التي تتطور في
مثل هذه المواقف بين الآسر والضحية .
تجاهل سيرجيو كلام ليديا وقال بإصرار لـ نادين : (( يجب أن
تــأكلي . . . )) .
ثم التفت إلى لينو متسائلاً : (( أحظيت بقدر كاف من التمرين ؟ )) .
هز الرجــل كتفيه : (( كانت تعمل في الحقل بعد الظهر )) .
أضافت ليديا : (( وفي كل ليلة يرافقها أحدنا عندما تسير )) .
التفت سيرجيو إلى نادين :
ـ ستأكلين , وإلا اضطررت إلى إطعامك بنفســـي .
قاطعته ليديا : (( أسمعت شيئاً عن لندن ؟ أكان . . )) .
ـ ينفذ والدها حتى الآن جميع تعليماتنا حرفياً . إنه يحاول جمــع
المال , ويأمل الحصول عليه في الوقت المحدد .
لمعت عينا ليديا السوداوان :
ـ يجب عليه ذلك وإلا أرسلنا ابنته قطعة قطعة .
حين دفعت نادين بطبقها بعيداً هذه المرة , لم يحاول سيرجيو
منعها . . وأدلى لينو برأيه :
ـ كلما انتهينا من هذا بسرعة كلما كان أفضل . . ضقت ذرعاً بهذا
المكـــان . . !
كان الظلام قد خيم على الطبيعة خارجاً فانبعثت أصوات الجنادب
بلا توقف , ورمت الفراشات الصغيرة بنفسها على النوافذ سعياً وراء
الضوء . ما إن انتهت وجبة الطعام , حتى قال سيرجيو لـ نادين :
ـ تعالي سأسير معك الليلة .
أرادت أن ترفض فقد أحست بعيني ليديا تخترقان ظهرها وكأنما
خنجران , وشاهدت لمعان الامتعاض في عيني لينو . . لكن ليديا
اعتادت على التسلل بعيداً في الوقت المفترض بها السير معها وكانت
تتركها وحيدة مع لينو الذي كانت عيناه تستمران بالتحديق إلى جسدها
بشغــــف .
عندما خطت إلى الخارج أحست بالعرق يبلل بشرتها فتمنت
لو تستحم مهما كلفها الأمــر . . منعت نفسها من الضحك بسخف لأنها
تذكرت نكات يدور موضوعها عن الموت . بدا لها أن دهراً قد مر منذ
ضحكت آخر مرة بشكل طبيعي , وبدأت تفهم كيف يعمل الرهبان في
أديرتهم , بعيداً عن العالم . . فتحت رحمة غرباء , كان من السهل أن
يحس المرء بحكمته تتلاشــى وبإرادته تتحطم .
وجهها سيرجيو ناحية النهر , وكأنه قرأ ما يدور في خلدها من
أفكار , فأراد أن يزيد من عذابها . كانت رائحة جسده تتناهى إليها مع
رائحة الريف . . وكانت أحاسيسها مركزة عليه حتى ضاقت منها .
لم يقترح من جديد فكرة الاستحمام في النهر , منعتها كبرياءها من
الطلب كما رفضت أن تطلب منه شيئاً , مهما كان ضرورياً .
ـ أتعلمين . . أنت مختلفة عمــا كنت أتوقع .
فاجأها التعليق الهادئ , وكادت تفقد توازنها حين وقفت فـي
الظلام تنظر إليه بحثاً عن السخرية في وجهه ولكنها لم تجد شيئاً .
فســألت : (( كيف ؟ )) .
جعلت , عباءة الظلام الكلام أسهل , ودفعت الكراهية بعيداً قليلاً .
أحست به يهز كتفيه :
ـ في كل يوم . . تبدين أكثر ضعفاً , مع ذلك أقوى , وأكثــر مرونة .
توترت نادين وتشنجت لأنها شكت في أنه ينصب فخاً لها , وقالت
بصوت مرير حاد :
ـ ألم تجد أننــي تلك المدللة الثرية التي كنت تتوقعها ؟ لست ابنة
(( دادي )) المدللة التي كنت مؤمناً أنها قادرة على شراء أي شيء ؟ لست
غبية , أعرف المواصفات , وأعرف سبب وجودي هنا . وإذا كنت تتوقع
أن أركــع أمامك متوسلة حين أعرف أنك ستقتلني . .
ـ وإذ لم تعرفـــي ؟
ـ أهذا ما تريد ؟ أن أزحف باكية ؟ لماذا ؟ أيسعدك هذا ؟ أنــا لم
أتوسل إلى رجل قط في سبيل أي شيء , ولن أبدأ بهذا الآن !
ـ ألم تتوسلي قط إلى رجل ؟
التفت إليها فشاهدت تحت نور القمر السخرية تتسلل إلى قسمات
وجهه القاسية , وقال بعذوبة :
ـ ليس هذا ما سمعته عنك . . فالكلام الذي يدور حولك يقول إنك
أسهل الفتيات على الإطلاق , وأفضلهن . . فتاة قوية , تعرف كيف
تحصل على الرجل الذي تريده .
ـ لكننــي لا أريدك !
كان الرد الأجش فظاً خالياً من الانفعال فقد آلمها مجرد الإصغاء
إلى ما قاله , كانت تعرف ما هي سمعتها بالطبع . . واستولى عليها
إحساس سقيم وهي تتذكــر كيف ظنت أن هناك شيئاً مميزاً بينهما . . .
قالت له بمرارة :
ـ حتى المريضة جنسياً قد لا ترغب في أي رجل قد تقع عليه
عيناها . . ماذا تعمل حين لا تعتمد على الخطف من أجل معيشتك ؟
أتؤجر نفسك للمليونيرات من العجــائز ؟
شهقت حين أمسك بها تحت ذراعيها , وهزها بعنف . ثم أنبأتها
نظرة واحدة ألقتها على تعابير الغضب البارد على وجهه إلى أنها تمادت
كثيراً . . ولكن , هل تمادت إلى درجة أن يرغب في قتلها الآن ؟ فجــأة
أرادت أن تتوسل إليه لئلا يعذبها قبل أن يقتلها . اسودت عيناها بثقــــل
مشاعرها , أبرزت هذه القصة البشعة بنية وجهها وضعف جسدها شديد
النحول بعد أن خسرت بعض الوزن .
ـ نادين . . .
ســرعان ما أشاحت بعينيها عنه كارهة رنة الشفقة في صــوته , رافضة
إياها . وقالت بلؤم :
ـ ماذا دهاك ؟ أتفكر ثانية ؟ لماذا لا تذكر هذا لليديا . . ستكون أكثر
من سعيدة إن تخلصت مني بل ستجد متعة عظيمة في قتلـي .
كان الغضب المرير هو ما دفعها للتفوه بهذه الكلمات ولكنها
أحست بتوتر جسده الذي تجاوب مع كلماتها , وقال بعذوبة :
ـ ربما ستفعل هذا . . وإذا كنت تحاولين دفعي إلى أن أفقد
السيطرة على نفسي . .
صمت ثم تمتم بشيء من بين أسنانه في الوقت الذي كشف فيه
ضوء القمر الاحتقار في عينيها . . ثم أصبحت بين ذراعيه , تحس
بالحرارة تتصاعد من جسده كما شعرت بإحدى يديه تتعقب خطوط
عنقها , وبالأخرى تشدها إليه .
حاولت المقاومة , لكن قوته كانت عظيمة . . وتصاعد الذعر في
أعماقها حينما شعرت بيده تجول على ظهرها , لكنه كان خوفاً سرعان
ما أخلى الطريق لمشاعر أخرى .
نسيت كل ما قادهما إلى هذا العناق وكل ما حدث بينهما , وما
جعلها تكون في هذا المكان . .
أرادت أن تدفعه عنها , ولكنها بدت عاجزة , وارتفعت ذراعــاهــا
لتلتفا حول كتفيه . . وتصاعدت آهة حارة من أعماقها وراحت تشده
إليها . . وانحنى رأسه ببطء إليها , فانطلقت في جسدها كله ثورة من
التوتر , وكان أن اشتدت أناملها الظمأى على شعره الأســـود .
ـ سيرجيو !
أجفلهمـا صوت مرتفع حــاد . وكانت ردة فعله أسرع منها . . فتركها
متراجعاً إلى الوراء في اللحظة التي وصلت فيها ليديا إليهما . . ولكن
نادين لم تظن للحظة واحدة أن الإيطالية خدعت . .
قالت ليديا :
ـ قلقنا عليكما . . لقد مضى على خروجكما وقت طويل .
تشدق سيرجيو ببرود :
ـ قلقتم ؟ أم تملككــم الفضول ؟
صاحت ليديا بشراســة , تهجر ضبط النفس فجأة :
ـ كنت تغازل هذه الساقطة الصغيرة !
ـ ما ذلك بجريمة وقد نطلق على ذلك اسم الواجب . ولكنك بكل
تأكيد لا تغارين (( كارا )) ؟
كان يتعمد إغاظة الفتاة , مع أنها لم تفهم السبب , ولا فهمت
كذلك ما الذي دفعه إلى أن يعانقها بتلك الطريقة . شعرت بأنها ما زالت
تحترق بنيران ذاك العناق ولكنها مهما وبخت نفسها الآن لن تتمكن من
إنكــار تجاوبها معه . ولكن لماذا كانت هذه الرغبة من حظ سيرجيو في
وقت تشعر بالبرود تجاه جميع الرجال الذي تعرفت وتتعرف إليهم ؟
كانت في حالة شحن عاطفي قوي وقد فضحتها هذه العاطفة .
وفيما كانت غارقة في أفكارها , لم تشعر بالغضب المطل من عيني
ليديا . ولكنها شعرت أثناء العودة إلى المنزل بذلك حين دفعتها ليديا
متعمدة حتى كادت تقع . . لقد جعلت منها عدوة لدودة خطرة . أما
النظرة التي رمقتها بها عند دخولهم إلى المنزل فكانت تعد بعقاب شديد
لتجرؤها على احتلال مركزها مع سيرجيو .
قالت نادين لنفسها مبارك عليها هذا الرجل . صحيح أنها انجذبت
إليه في البدء , ولكن هذا التجاذب لم يدم بعدما عرفت طينته . راحت
رغبة الانتقام للمرة الثانية تحرق أحشاءها ولكنه انتقام لن يحدث إلا إذا
خططت للعودة من الموت , لتلاحقه . في وقت متأخر من الليل أيقنت
أنها تسير إلى حتفها لا محالة . ولكنها في بعض الأحيان كانت تفكر
بطريقة من لا يتوقع الموت أبداً . نهرت نفسهـــا فعلى المؤمن المشرف
على الموت واجب ديني ألا وهو إعداد النفس له . . ولكن كيف للمــرء
أن يهيئ نفسه ؟ بالصلاة ؟ بطلب المغفرة للأعداء ؟ ولكنها لن تقدر على
هذا أبداً .
كان الفجــر قد أوشك على البزوغ حينما غلبهــا النعاس . . تهدهـــد
نفسها متظاهرة بأنها طفلة صغيرة يحتضنها والدها بين ذراعيه .
نهاية الفصل (( الرابـــع )) . . .
|