المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
فريق تصميم الروايات فريق كتابة الروايات الرومانسية |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
3- سأقتلك يومـــاً **
3- سأقتلك يومـــاً * *
اندفعت فوهة الرشاش بقسوة إلى ظهر نادين , وأمرتها ليديا
بصوت متجهم : (( ادخلـــي إلى اللاندروفر )) .
لكن نادين رفضت أن يسيطر عليها الرعب خاصة وهي تعرف أن
ليديا تريد منهـــا أن تخاف .
راقبها الرجلين وهي تصعد إلى اللاندروفر على مضض , ولكن
الرجل الأصغر جسماً و الأدكن لوناً هو من جعل نادين ترتجف بسبب
الطريقة التي كانت عيناه تستكشفان جسدها . قالت ليديا وهي تدخل
قدميها إلى داخل اللاندروفر .
ـ تذكرا ما قاله سيرجيو , علينا حينما نصل إلى المزرعة أن نظهر
كــل شيء بمظهر طبيعـــي .
رد الأكثــر اسمراراً بكــراهية :
ـ سيرجيو ! ديو . . يا إلهــي ! من هو ليعطــني الأوامر ؟ طالمـا عملنا
سابـقاً وحدنــا !
أجابت ليديا بقسوة :
ـ هذا كان قبلاً أما الآن فلدينا أوامــر من روما . سيرجيو هو
المسؤول . أليس هو صاحب الاقتراح ؟ سنجني مالاً أكثر بكثير مما . . .
قاطعهــا الأطول موافقاً :
ـ المال . . آه . . أجـــل , نحن بحاجة دائمة إلى المال . منظمتنا لا
تلقى دعم الأثرياء .
ضحك الثلاثة , ثم شهقت نادين ألماً حين أمسكت ليديا بمعصمهــا
وأمرت بيدرو أن يأخذ المقود على أن يساعدها لينو على تكبيلها
بالقيود .
كان لينو أصغــر الرجلين جسماً وهو من كرهته نادين وعندما مال
إليها ذعرت من قسوة جسده , لم يكن طويل القامة , إلا أنه قوي
العضلات فأصابعه قبضت بسهولة على معصميها في آن واحد وكان أن
اضطرت للاستسلام إلى الإذلال الأخير بوضع الأصفاد في يديها مربوطة
إلى جانب اللاندروفر , قالت ليديا :
ـ نتخذ هذا التدبير لئلا تقومي بعمل أحمق , كالقفز من السيارة
مثلاً . ولكنك لن ترمي نفسك , فأنت لست من الصنف المغامر . .
أليس كذلك ؟ ألم تفكري يوماً وأنت تعيشين حياة الترف , أن في العالم
أشخاصاً يعيشون على الكفاف , ويضطرون دائماً لإعطاء ضريبة من
مدخولهم القليل لدعم مضطهديهم ؟ ولكن , سرعان ما ينتهي هذا كله .
أفزع خيالها المفرط نادين التي لم تفهم ما تقوله الفتاة . . ولكن
هاتفاً حثها على إظهار الاهتمام , وكأنما في إصغائها لآسريها قد
تكتشف مفتاح الحرية .
ـ أتؤمنين بالمساواة بين البشـــر ؟
برقت عينا ليديا :
ـ أنت على حق . من حق الجميع الرجال والنساء المساواة , لكنهم
محرومون من هذا الحق الإنساني الأساسي . . فالثورة التي يجب أن
تكون مقسمة بينهم تمسك بها الأقلية , خاصة الكنسية . . ولكن سرعان
ما سينتهي كل هذا .
لم تستطع نادين تصديق ما تسمع , وقالت :
ـ لكن إيطاليا بلد الكاثوليك . . ولا أظن الناس سيتخلون عن
دينهم .
قاطعها لينو :
ـ إذن سنضطر لاستخدام القوة . . وفي النهاية سيرى الشعب
الحكمة فيما نفعل . فالكنسية أصبحت مهترئة . . إنها آلة لصنع المال ,
ولتجويع الناس . . سنأخذ تلك الثروة ونتقاسمها فيما بيننا .
فكرت نادين برعب , بأنهم لا يصدقون بالطبع أن بإمكانهم إنجاز
ما يقولون ولكنها كانت ترى أنهم يصـدقون . فعلى وجه كل واحد منهم
تعبير ثابت حالم , وحماسة مجنونة مسطورة بوضوح على قسماتهم . .
أيشاركهم سيرجيو وجهات نظرهم المتطرفــة ؟ . .
قالت لها ليديا :
ـ تتلقى المنظمة دعماً كبيراً في الجامعات . . فشبابنا يرون زيف
الدين المسيحي . (( فليتبارك الضعفاء )) أليس هذا ما يقولونه ؟ لكن القول
والفعل أمران مختلفان ففي هذا العالم لا يداس إلا على الضعفاء .
سألتها : (( وأنتم تنوون تغيير هذا ؟ )) .
رد بيدرو بصوت خال من الشفقة :
ـ هذا ما يظنه الكثيرون من الناس , ولكن لا بد من وجود من
بيدهم السلطة دائماً , ومن ينحني أمام تلك السلطة , لكن قبل أن
نستطيع إعادة البناء , علينا أولاً أن ندمر . وحتى نفعل هذا نحتاج إلى
مال , ونحن نجمعه عن طريق الفدية .
تفاخرت ليديا :
ـ أكثــر ما يخاف الناس من المنظمات الإرهابية منظمتنا , لأننا
مسؤولون عن موت أكثر من ألف شخص حتى الآن .
صاحت نادين :
ـ لكنكم تقتلون الأبرياء . . اعتقد أن بإمكانكم الحصـــول على مزيد
من الدعم عن طريق النقاش المنطقــي , لا عن طريق الإرهاب المجنون .
رد بيدرو ساخــراً :
ـ كما يفعل الأثرياء الدكتاتوريون ؟ لقد اكتشفنا أن رشاشاً واحداً
يفعل فعلاً لا تفعله مليون كلمة , ومع ذلك سيأتــي يوم يصغي فيه العالم
إلى كلماتنا , حتى لو اضطررنا لتدمير كل ما أو من يحاول الوقوف في
وجهنــا .
أرعب الحقد البارز في نبرات صوته نادين . . كانت كلماتهم
كلمات متطرفين سياسيين .
ـ أخرجي !
كانت غارقة في أفكارها فلم تدرك أن السيارة توقفت . دفعتها ليديا
إلى خارج اللاندروفر , بعدما فكت لها الأصفاد :
ـ أسرعي , لا تدعي لينو منتظراً . . إنه يفقد صبره بسرعة , وحين
يحصــل هذا . . .
لم تنه تهديدها , لكنها لم تكن بحاجة لإنهائه لأن نادين رأت
الرجل يبتسم لها بخشونة . قال مقترحاً :
ـ لماذا لا أظهر لها عينة عمــا هو مخبأ لهــا .
ومد يده يمسك صدر قميصها , فارتدت في مقعدها , قبل أن ترد
ليديا بشيء من الندم :
ـ طلب سيرجيو ألا تلمسهــــــا .
كشر لينو عن وجهه , وقال بقذارة :
ـ لأنه يريدها لنفسه . . ثم , كيف له أن يعرف ؟ لن يكــون الرجل
الأول الذي تعاشره .
ردت ليديا بحــرارة :
ـ سيرجيو لا يريدها . . إنه يحتقرها ويحتقر كل ما تمثله . لقـــد
سمعته . .
والتفتت إلى نادين ثانية : (( هيا اخرجـــي )) .
وخرجت نادين مرتجفة فقد جعلتها لمسة لينو تحس بالغثيان
تشكر الله لأنهم لا يعرفون الحقيقة . . فلو عرفوا . وارتجفت بعنف
مدركــة أن عملية تدمير براءتها ستكــون تسلية لرجل مثل لينو .
يقع المنزل الزراعي بين بضعة فدادين من الزيتون الرديء الصنف
والكرمة المهجورة وهناك نصف دزينة من البقر الهزيل في إسطبل
صغير ملحق بالبناء الرئيســـي .
قالت لها ليديا :
ـ هذه فكرة أخرى لـ سيرجيو . . لو جاء أحد إلى هنا , لشعر بأننــا
عائلة فقيرة يحاول أفرادها تأمين قوتهم اليومي . بيدرو ولينو أخوان .
سألتها نادين بطريقة لا إرادية : و سيرجيو ؟
وليتها لم تسأل فقد لاحظت لمعان الانتصار في عيني الفتاة :
ـ آوه . . سيرجيو يلعب الدور الذي يلعبه في الحقيقة . . إنه
رجلــي , حبيبــي . . .
وضحكت بشراســة :
ـ . . أيتها الحمقاء الثرية الغبية ! أظننت حقاً أن رجلاً مثل سيرجيو
قد يعجب بفتاة مثلك ؟ أنت امرأة غبية لا تفهم إلا ما له علاقة بملابسها
ومجوهراتهــا ؟
التوى فمها بسخرية . فأحست نادين بغضبها يتصاعد وقالت
ســاخرة أيضـــاً :
ـ على الأقل , هذا أفضــل مما تطلقون عليه اسم (( القضية )) .
أمسكت ليديا بشعرها تشده وتشده حتى انتشر الألــم في رأسها
كله , أما أصابع اليد الأخرى فتركت علامات قاتمة على خــد نادين , لأن
تلك المرأة صفعتها . أرادت نادين أن تتقيأ بشدة ليس من الألم بل
بسبب العنف الجسدي . أهذه هي المرأة التي يفضلها سيرجيو عليها ,
هل ضحكا عليها وهما يتباحثان خطط الأســر وطرق المغازلة التي
سيعتمدها سيرجيو ؟
قالت ليديا وقد قرأت أفكــارها :
ـ كان هذا واجبه . . لا تظنــي أنه يشتهيك . . إنه يكرهك ويـكره
مثيلاتك . ولولا المال الذي سيدفعــه أبوك لاستردادك لقتلك غير نادم
وكــأنه يدوس على أفعى .
بدأت أخيراً نادين تفهم أنها فعلاً أسيرة هذه العصابة المتطرفة
المعتوهة التي لا تحترم الحياة الإنسانية أبداً , وما سيرجيو إلا واحد
منهم . مضت لحظة أوشكت فيها على أن تُذل نفسها بالانهيار ولكنها
تمكنت بجهد خارق من استعادة رباطة جأشها . . يجب أن تركز
تفكيرها على الهرب والانتقام كما يجب أن تمنح نفسهــا قضية تعمل
لأجلهـــا .
سرعان ما أصبحت في المنزل . في الطابق السفلي ثمة غرفة واحدة
كبيرة بدائية الأثاث , أرضها من الطين الذي مهدته السنين وثمة مطبخ
أكثر من بدائــي في زاويته موقد كبيرة وحنفية يتيمة . كانوا قد مروا بمبنى
صغير مستقل وارتجفت لمجرد التفكير ببدائية العيش هنا . . فهل
سيحاول آسروهــا تلقينها مبادئ تعاليمهم ؟ إن حاولوا فستقاومهم
بشدة , ولكنها تشك في أن تقبل منظمتهم انضمام الضحايا إليها فهم
ينظرون إليها بمنظار المال الذي سيجنونه من ورائها وهذه هي نظرة
سيرجيو إليها . . سيرجيو ! لماذا ما زالت تشعر بهذا الألم الذي لا تفهم
له سبباً ؟ فالرجل الذي ظنته , غير موجود إنه حلم يقظة ليس إلا . هو
رمز الحب والهوى اللذين صورتهما مخيلتها ورغبتهــا .
ـ تعالـــي !
منتديات ليلاس
أرجعت الكلمة القاطعة والوخزة المؤلمة نادين إلــى واقعهـــا . . .
أشــارت ليديا لها بالمسير لتصعــد سلماً خشبياً بالياً يقود إلى الطابق
العلوي . كان هناك أربعة أبواب تنفتح على منبسط السلم الصغير وكان
في أحد هذه الأبواب قفلاً جديداً لماعاً , فتحته ليديا , ودفعت الباب
فثارت عاصفة من الغبار . . كانت الغرفة صغيرة نوافذها صغيرة
وهواؤها عفن رطب , أما السرير المتربع فيها فضيق كسرير المخيمات
وإلى جانبه كيس نوم .
قالت ليديا بأدب ســاخر :
ـ هذه غرفتك . . أرجو أن تجد السنيوريتا كل ما تشتهيه نفسها .
أغلقت الباب وراءها وأحكمت إيصاده قبل أن ترد نادين .
ركـضت إلى النافذة ولكنها لم تشاهد سوى الريف الأجرد , والنهر
الضيق الذي يشق أحد السهول . . عليها أن تعترف أنهم محترفون . .
وفكرت في وضعها , فحتى يعرف والدها أنها مفقودة سيتعذر على أحد
إيجادها . لقد قرأت أشياء عن هذه المنظمات المتطرفة وعن أعضائها
العديمي الشفقة والرحمة في معاملة ضحاياهم ولكن رغم كل ذلك
عادت القصص المرعبة التي قرأتها تجول في خلدها . إنها تذكر وريث
عائلة كلارك الذي فقد أذنه , ثم لينا ميسون التي أجبرت على الانضمام
إلى العصابة التي خطفتها . كما تذكرت العشرات أيضاً . فجأة تخلت
عنها سيطرتها التي رافقتها منذ بداية محنتها , وراح جسدها كله
ينتفض , وكبحت رغبة في الصياح والصياح حتى يبح صوتها . . وما إن
تخطى الذعر دفاعاتها حتى طغى على عقلها , فرمت نفسها على وجهها
فوق السرير الضيق تنتحب وتنتحب ثم ازدادت بؤساً عندما راح الجوع
يقض مضجع معدتها . أيخططون لتجويعها أيضاً ؟ توقفت دموعها عن
التدفق . ثم استقامت في جلستها تعترف لنفسهــا أنها كانت بحاجة إلى
هذا الانطلاق القصير . . توقف جسدها تدريجياً عن الارتجاف , ثم لمـا
سمعت وقع أقدام على الـــدرج ذعرت فمسحت وجههــا بسرعة وراحت
تدعو ألا يلاحظ أحـــد آثار دموعهـــا على وجههـــا . . أصغت متشنجة
فسمعت ليديا تقــول :
ـ لينو . . عد إلى هنا . . لقد وصل سيرجيو !
تلاشى وقع الأقدام مجدداً فتنفست نادين الصعداء , ففي عيني لينو
الصغيرتين ما يجعل بشرتها تقشعر اشمئزازاً . . . يا رب العالمين ! ليتها
تنجو لتجعلهم يدفعون الثمن كلهم وأولهم سيرجيو الذي خدعها
باهتمامه بها في حين أنه لا يهتم إلا بمالها !
كانوا يقفون في الغرفة السفلى , سيرجيو و ليديا إلى جانب الطاولة
الطويلة الرثة , ونادين على الطرف الآخــر . . أما لينو و بيدرو
فيحرسانهــا .
لم يكد الفجر يبزغ حتى شعرت نادين بأنها لم تكن يوماً مسرورة
برؤية الفجر كما هي الآن ذلك أنها لم تنم إطلاقــاً . كان النوم مستحيلاً ,
وها هي الآن هنا , في هذا البناء المهترئ حيث يقال لها إن أي حركة
خاطئة تبدر منها تعني رصاصة في ساقها على الأقل .
ـ هل فهمت الوضــع ؟
تجاهلت لمعان التحذير في عيني سيرجيو وأجابـت :
ـ لماذا لا تبقيني أسيرة القفل والمفتاح ؟
ما أشد ما تغير ! كيف فكرت أنه إنسان لطيف المعشر ؟ إنه أقسى
رجـــل عرفته يوماً .
رد عليها ببرود :
ـ لسنا أغبياء إلى هذه الدرجــة . . قد يجري تفتيش هذا المكان , لذا
عليك أن تتصرفي كمـا سآمرك بالضبط . أنت ابنة عم ليديا . . معتوهة
قليلاً , ولكنك مفيدة في أعمــال المنزل . . أما نحن فاشترينا المزرعة منذ
مدة قريبة ونعمل جاهدين على إعادتها إلى العمل وهذا ما سنفعله .
وسيكون ذلك تمريناً مفيداً يا رفاق الأيام القادمة ويقع على كاهل
كل منا متاعب العمل , تذكــروا أن العالم دولة قوامهـا العمل .
لولا ذكـاؤها لأقسمت أن هناك شيئاً من السخرية في آخــر كلماته . .
سرعان ما عقت ليديا على كلماته محتجة :
ـ لن نعمل في الأرض كالفلاحين سيرجيو . . هذا ليس . .
ـ أعتقد أن أهم تعاليم منظمتنا هو أن يكون الجميع متساويين وألا
يكون بينهم سيد ومسود .
التفت الجميع إلى نادين وهي تقاطع ليديا التي أطلقت عليها نظرة
حـــادة .
ـ يجب أن يكون هناك دائماً من يتولى السلطة . منظمتنا تحضر
الآن رجالاً ونساء لمثل هذه المناصب ولكنها تشترط ألا يدفعهم الجشع
أو الشهوة إلى السلطة كما يحدث في الحكومات الحاضرة .
قالت نادين ببرود تقاطعها :
ـ هذه كلمات الديكتاتورية في جميع أنحــاء العالم .
صاح سيرجيو :
ـ كفى ! والآن إن جاء الشرطة للتفتيش عنك هنا , فحذار أن تبدر
عنك حـــركة خاطئة . . لأننا سنقتلك ونقتلهم .
قالت نادين بمرارة :
ـ وهل تستحق قضية مهما كان شأنها سفك هذه الدماء كلهــا ؟
ردت ليديا غاضبة :
ـ اسألي حكومتك المستبدة . . لقد سمن حكامها وتكاسلوا على
حساب موت الآخرين . . اسأليهم إذا كان موت هؤلاء يستحق .
قاطعها سيرجيو :
ـ ستجيدين صعوبة في تلقينها التعاليم ليديا , أنسيت أن والدها أحد
أولئك الامبرياليين ؟
ودت نادين القول إن والدها بدأ حياته بقدرات متواضعة , وبنى
لنفسه امبراطوريته المالية بجهده وعرق جبينه . ولكنها اختارت عوضاً
عن ذلك الصمت . وإنما هل ستجرؤ على كشف العصابة للشرطة ,
وهل ستصل الشرطة للتفتيش عنها في المزرعة ؟ اعترفت على مضض
أنها لا تجرؤ . . فهي لن تخاطر فقط بحياتها , بل ستخاطر بحياة رجال
الشرطة أيضاً . . سمعت سيرجيو يسخر منها وقد فسر نظرة عينيها .
ـ أنت حكيمة . . تذكــري ذلك حالما تشعرين بأقل تهور . لدى
بيدرو ولينو أوامر لن يترددا في تنفيذها . آه وثمة أمر آخـر . . قالت ليديا
إنك كنت تحاولين إقامة صلة ما مع لينو . وأنا أنصحك بالتراجع فلينو
مخلص للقضية نعم هو ضعيف أمام سحـر النساء ولكن إياك التفكير في
استغلال ضعفه هذا من أجل هروبك , فهو قادر على مغازلتك وقتلك
في وقت واحد . . أنت بالنسبة له مجرد جســد , لا شخص . الأفضــل أن
تتذكــري هذا .
ردت بمــرارة :
ـ وكيف أنسى ؟ فهذا هو القاسم المشترك بينكما . ولعلها أحـــد
تعاليم منظمتكم .
أحست بالرضى عندما رأت وجهه الأسمــر يشحب . إذن , لديه
نقاط ضعف على أي حال و يبدو أنه لم يعجبه أن تقارنه بلينو . .
ماذا ستفعل إن حظر الشرطة ؟ ترى هل ستقدر على أن تسترعي
انتباههم ؟ أم سيتعرفون هم إليها ؟ تصــاعد أملها , وكأنه رأى هذا في
عينيها وأردك السبب , فـــأعلن باختصـار :
ـ يجب أن نفعل شيئاً لمظهــرك .
تأملها ثم قال لليديا :
ـ حالما ألتقط لها الصور لأرسلها إلى والدها قصي لها شعرها .
شعرها ! ارتفعت يد نادين إلى رأسها وكأنها تحميه . . آه , شعرها
الطويل , لقد وصفه والدها بأنه أشبه بالحرير السائل . شاهدت الانتصار
في عيني ليديا , وعرفت كم ستسعد بتنفيذ المهمة .
كان الفطور عبارة عن خبز أسمر رديء وجبنة ماعز وقهوة مرة .
أجبرت نادين نفسها على تناول الفطور وقالت لنفسها إن عليها
المحافظة على قوتها وإنها لن تحقق شيئاً بتجويع نفسها .
لكي يلتقط الصور التي ينوي إرسالها إلى والدها , جعلها سيرجيو
تجلس على كرســي خشبي مستقيم , أما ليديا فقيدت يديها , وشدت
ذراعيها إلى ما وراء ظهرها فانسلت صرخة ألم من بين شفتيها
المطبقتين , ولاحظت أن عيني سيرجيو ضاقتا لمشاهدة القساوة
المتعمدة فقال :
ـ كفى ليديا . . لا نريد أن نخيف الأب الحنون برؤية ابنته باكية .
اعترضت ليديا :
ـ ولماذا لا ؟ سيشجعه هذا على دفع الفدية في أسرع وقت .
صحح سيرجيو لها معلوماتها ببرود :
ـ وقد يدفعه إلى أن يقوم بحماقة . . ألا تذكرين ما حصل مع جورج
آدمز .
خفق قلب نادين لسماع اسم صديق والدها , وهمست بألم : (( أنتم
المسؤولون عن مقتل جورج آدمز )) ؟ا
رد سيرجيو سـاخراً : (( ليس شخصياً )) .
قاطعها بيدرو : (( سيرجيو لا يهتم بسفك الدماء لأنه في غاية
اللطف )) .
رد سيرجيو ببرود :
ـ بل أنا رجل عاقل , فلم نحقق من مقتل آدمز شيئاً , بل كــلفنا
مالاً , والفدية لم تدفع . أنا لا أمانع في التخلص من أي دليل إنما قبل
ذلك علينا أن نحصل على المال .
إنه أسوأ من الباقين , فعذر هؤلاء إيمانهم بقضيتهم أما سيرجيو فلا
يشاركهم التزامهم , إنه ساخر ومنعزل . فلماذا يتعاون مع أمثالهم ؟ ماذا
يفعل معهم ؟ لا تستطيع التفكير إلا في سبب واحد . . المال . . أيمكنهــا
أن تقنعه بإطلاق سراحها وذلك بعرض رشوة عليه ؟ أو بتقديم اقتراح له
بأن تدفع له الفدية مباشرة ليطلق سراحها بدون أن يؤذيها ؟
قال لها آمراً , بصوت منخفض جذاب وهو يحضر الكاميرا :
ـ ابتسمي لأبيك .
لكنها شدت شفتيها بحزم , ورفضت حتى النظر إلى الكاميرا .
تنهد سيرجيو ثم تقدم إليها , وأمسك ذقنها ليدير رأسها , فسألت ليديا :
ـ لماذا تتسامح معها بهذه الطريقة ؟ لقد أصبحت لين العريكــة يا
صديقـــي .
وليدحض كلامهــا , اشتدت قبضته على ذقن نادين بشكــل مؤلم ,
وأصبحت عيناه قطعتي ثلج . وأدار وجهها بقسوة لتواجه الكاميرا .
وقال :
ـ ابتسمي نادين , وإلا غيرت رأيي واتفقت مع ليديا بأن للدموع
تأثيراً كبيراً في ولدك .
ردت من بين أسنانها ناسية القسم الذي وعدت به نفسها , وهو ألا
تنزل إلى مستواه بتبادل الأحاديث معه .
ـ وكيف ستفعل هذا ؟
ـ أمــر بسيط . . خاصة وأنا أتعامل مع غبية مثلك .
همست بقرف :
ـ أنت . . أيها السادي ! أعتقد أن عقلك الملتوي يظن أن خداعك
لي واستغفالي أمر يدعو إلى الافتخار والتباهــي .
ارتفع صوتها يصرخ :
ـ . . حسناً . . هيا . . أخبرهم , وأظنهم سيوافقون على ما فعلت !
أنتم جميعاً لستم من الجنس البشري !
وتهدج صوتها مثقلاً بالدموع , فحذرها سيرجيو بحدة :
ـ حذار , وإلا أظهرت لك أننــي قد أكون غير إنساني .
واستقرت عيناه قصداً على ثنايا جسدها , وما أرعبها أن تجد نفسها
تتضرج خجلاً فنظرت إليه مباشرة , وهذا ما كان يريد . . فقد قفز بسرعة
يلتقط الصورة قبل أن تبعد نظرها , ولمعت أضواء عدسة الكاميرا
حولها , واضطرت للاعتراف بأنه خدعها مجدداُ . . . وكرهته . .
كرهته !
عادت إلى واقعها وهي تسمعه يقول بصوت أجش :
ـ والآن . . التسجيل . فلنسجل بعض كلمات الأب العجوز ولا
تنسي أن تقولي إنك تستمتعين معنا .
صاحت به وهو يضع أمامها جهاز تسجيل صغير :
ـ اذهب إلى الجحيم ! لن أتفوه بكلمة !
الطريقة التي تقدم بها إليها رافقتها صيحته , (( آه , ولكنك قسماً
ستتكلمين )) . كان لصيحته هذه تأثير مطبق على إرادتها .
أردف : (( نستطيع تحقيق هذا بطريقتين إما بنظافة وبدون مشاكل
وإما بضجة و . . .
صمت منتظراً وعرفت نادين أنه لا يطلق تهديده اعتباطاً , لذلك
استسلمت مجبرة الكلمات اللاذعة على التراجع .
فقالت بصوت أجش : (( ماذا علي أن أقول )) ؟
كانت تحاول جاهدة تجاهل كرامتها الثائرة على استسلامها ,
ولكن أسرها واختطافها قضيا تقريباً على روح المقاومة . . وكان
التسجيل مختصراً لم يتعد بضع جمل , قالت فيه إنها في خطر كبير وإن
على والدها عدم اللجوء إلى الشرطة وتنفيذ ما يطلبه الخاطفون
بحذافيره .
قال سيرجيو ساخراً حين أنهت كلامهــا :
ـ رائع . . أترين ما أسهل الحياة عندما نتعاون ؟
استسلمت لعواطفها وهمست : (( يا إلهي ما أشد كرهــي لك ! )) .
ضاقت عيناه اللتان تركزتا على وجهها الــذي سرعان ما تضرج
خجــلاً .
وضع الشريط المسجل في مغلف وأخفاه , ثم عاد ليقول :
ـ حسناً . . الجــميع إلى مراكزهم . . نادين ستساعد ليديا في
تحضير الغداء .
تمتمت معترضة بأنهم خاطفوها ولكنهم لــن يجعلوها خادمة
منزل . . فصاح بها :
ـ ماذا ؟ أتجدين عمل المنزل وضيعاً ؟ أتفضلين العمل مع لينو في
حقول العنب ؟
يا الله كم تكرهه ! لقد عرف نقطة ضعفها بسهولة شيطانية . .
وعرف ما تشعر بها تجاه لينو الذي يجعل بشرتها تقشعر رعباً وقرفاً .
وعندما كانت تهز رأسها غيـر قادرة على التفكير السوي , لحقت
ليديا إلى المغسلة البدائية القذرة وكانت ضحكة ليديا الهازئة تصم
أذنيها . وهناك في المطبخ بدا من الواضح أن ليديا لا تتقن شيئاً من
الأعمال المنزلية , ودفعت ليديا بقصعة الخضار إلى نادين .
ـ خذي , اعملي أنت بها .
واتبعت أوامرها بمحاضرة عن وجهة نظر المنظمة عن دور المرأة
في المستقبل , وقد فهمت نادين منها أن هذا المستقبل لا يشمل مثل
هذه الواجبات , كتحضير الخضار للطبخ مثلاً . . ولكن من تظن ليديا
ومثيلاتها أنه سيقوم بالمتطلبات الأساسية كالطعام والملبس والأعمال
المنزلية الضرورية , في ذلك العالم الجديد الذي تصمم ليديا ومثيلاتها
على تكويــنه ؟
عندما كانت تبرش الجزر نظرت إلى السكين التي تحملها . . إنها
صغير وحادة . . أيمكن . . أتجرؤ على أن تخبئها ؟ نظرت من فوق
كتفها فإذا لينو واقف في الباب ينظف بندقيته , و بيدرو في الخارج .
كانت ليديا تتحدث بصوت منخفض مع سيرجيو فخفق قلبها بشدة وهي
تلف أصابعها حول السكين . .
ـ هل انتهيت ؟
انتزعت ليديا القصعة المعدنية منها فأسرعت نادين تدس السكين
في جيب سروالها . ضج الدم في عروقها لأنها توقعت أن يصيح بها
أحدهم ولكن أحداً لم يفعل ذلك .
سألت ليديا :
ـ متى أقص لها شعرها ؟ لن نخاطر بتركها على هذه الحال .
نظر سيرجيو إلى نادين , فازدادت سرعة نبضات قلبها . هل عرف
بأمر السكين ؟ كان في عينيه تعبير غريب , وللحظات ظنت أنها سمعت
شيئاً من الندم في كلمة (( لا! )) التي قالها , وأكمــل :
ـ حسن جداً . . إذن اصطحبيها إلى فوق .
كان لينو يتكئ على السلم وهذا جعل نادين تضطر إلى ملامسته
عندما مرت به . . ابتسم ابتسامة الذئب وعيناه تجوبان جسدها . .
فتقوقعت على نفسها , قالت ليديا لـ سيرجيو :
ـ انظر إليها ! تتظاهر بطهارة لا تملكها . لينو لا يختلف عمن
عاشرتهم من الرجال , واعلمي أن له عشيقات من الطبقة الراقية , فنساء
الطبقة الراقية يعشقن الرجال الأقوياء , أليس كذلك (( كارا )) ؟ أم أنك
تظهرين هكذا , شاحبة ضائعة بسبب سيرجيو ؟
ـ حذار يا رفيق . . ستحاول الالتفاف حولك , أعرف مثيلاتها !
دفعتها ليديا في سجنها الضيق إلى الكرسي الوحيدة . وكانت
الإيطالية رغم نحولها قوية فتألمت نادين من ضغط أصابعها وحاولت
عــدم الصياح حتى عندما شدت بقسوة شعرها , تقطع الخصلات
الحريرية بمقص مطبخ غير مشحـوذ .
لن تصرخ , لن تبكي . . ولكن صعب عليها عدم الشعور بالعذاب
والألم وهي ترى شعرها يقع على الأرض عند قديمها . . حين انتهت
ليديا من عملها , قالت ساخرة :
ـ ليس شكله مستساغاً عندك ولكنني سمعت أنهم في إيرلندا
الشمالية يطلون الخائنات بالقطران وبإلصاق الريش فيه . . وأظن أن
الطريقة الوحيدة لإزالة القطران هو بحلق الشعر كله . . أليس كذلك ؟
ـ لماذا تسألين ؟ أتفكرين في إقناع منظمتكم بتبني هذه العادة مع
الخائنات ؟
ـ لا . . . لـكنني أظن أن والدك سيدفع الفدية في أسرع وقت إن شاهد
صورتك وأنت مطلية بالقطران وفوقك الريش ملصوق . يجب أن أكلم
سيرجيو في هذا الأمــر .
هذا أكثر من أن تطيقه نادين . بطريقة ما أصبحت السكين في
يدها , التي ارتفعت نحو ليديا . وسمعت صيحة الفتاة الشرسة ,
وسمعتها تنادي سيرجيو , وسمعته يأمر لينو بالبقاء على حذر ثم ارتقى
السلم الخشبي بسرعة ودخل الغرفة , حيث رأى المنظر .
ـ نادين ! أعطنـــي السكين !
ثم دار خلفها وأمسك بمعصمها بحزم , ولكن بدون أن يؤلمهــا
أرجع ذراعها إلى الخلف يفتح أصابعها فوقعت السكين إلى الأرض . .
أمسكت ليديا ما تبقى من شعر نادين وشدته بقسوة , وصفعتها على
وجهها تكيل لها السباب بلغتها .
صاح سيرجيو : (( ليديا , توقفـــي ! )) .
ـ انظــر ما فعلته بــي !
تركتها لتريه جرح السكين على ذراعها وأكملت :
ـ ســـأجعلها تدفع الثمن !
تحرك سيرجيو , ليكبح ليديا بالسهولة التي كبح بها نادين . .
وسألها بهدوء : (( هــل فتشتها ؟ )) .
صاحت نادين : (( لن تلمسنــي ثانية ! )) .
خرجت الكلمات منها قبل أن تتمكن من منعها , وفهمت ما تعنيه
هذه الكلمات قبل أن يقول سيرجيو ببرود :
ـ حسناً جداً إذن . . سأفتشك بنفســــي .
ـ لا !
أطلق احتجاجها العاصف ضحكة قاسية من ليديا . .
وقال سيرجيو لها :
ـ أعطيني المقص , وانزلي إلى تحت لتساعدي لينو في المراقبة .
أحست نادين بأن الإيطالية مترددة في تركهما بمفردهما , ولكن من
الواضح أنها لا تجرؤ على تجاهل أوامــر سيرجيو . . بعد خروج
الإيطالية لم يتحرك سيرجيو من مكانه للحظـــات , ثم قال ببرود :
ـ الآن , تعالي إلى هنا ولننه الأمــــر .
ـ لن تلمــسنـــي !
كان في صــوتها هذه المرة بعض التردد وراحت تتراجع نحو
الزاوية , مع أن سيرجيو لم يتحرك .
ثم تحرك . . تحرك بسرعــة جعلتها مسمرة بين ذراعيه . كانت
أنفاسه باردة على جبهتها , وكانت عضلاته قاسية تحت قميصه المشعث
النظيف ووجدت نفسها تتساءل كيف يمكنه من بين الجميع البقاء نظيفاً
مرتباً . . في الوقت نفسه الذي كانت فيه تتوسل , ويدها تبعده عنها
بضعف قــــائلة :
ـ لا !
نهايــة الفصل (( الثالث )) . . .
|