كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
1 ـ لا حواجــز بيننــا * *
ـ جوليس , ألن تقوم بالتعارف المطــلوب ؟
كانت غارقــــــة في أفكـــــار كادت معهــــا لا تلاحــــظ انضمـــام الغـــريـــب
إليهــــم . كانت كلماته موجهــــة للسنيور ميدسيني ولـــكن عينيه لم تفارقـــا
وجه نادين . ولما رنت إلى وجه أبيهـــا لمحت فيه تسلية وابتسامــــة مـــرح ,
وعرفــت أن وجههـا قـد احمر قلــيـــلاً . سمعــت السنيور ميدسيني يرجوهــــا
بشــكـــــل رسمـــــي :
ـ لو سمحت لــي السنيوريتا ؟
حين هزت رأسها إيجاباً وضـــع يده على ساعـــــد الشــاب وجذبه إلى
الأمام , بحيث لامست سترته ذراع نادين العارية . وهــذا ما أثار فيها
ارتجافاً وبعض الحيرة .
مع ذلك , فقد لاحظت أن السنيور ميدسيني , اضطر لرفع رأســه
لينظر إلى وجه صاحبه , وأن العينين الرماديتين برقتا ببريق المرح وكأنه
يكيد مكيدة للتأثير فيها أكثــر .
ـ ستكون يا سيرجيو محط حسد جميع أصدقائك , فكلهم يتوقعون
التعرف إلى الآنســة كلايتون .
قاطعه والدهـــا :
ـ اسمهــا نادين , وأنـــا واثــق أن السنيور . . .
سارع السنيور ميدسيني لتعريف الاســم :
ـ سنيور دورباريو . . سيرجيو . . جدة سيرج إنكليزية , لذا يتحدث
اللغــــة بطــلاقة .
وتابع السير برادلي :
ـ أنا واثق أن السنيور دورباريو سيسامحنـي إن تركت ابنتي معه ريثمـا
أتناقش معك أموراً عملية مهمة أخبرتني عنها سنيور ميدسيني .
سمعت نادين , سيرجيو دورباريو يقول والبسمة واضحة في صوته
كما في عينيه وعلى وجهه :
ـ هذا إذا كان غيابك يكفي لمراقصتها . . .
فيما كان السنيور ميدسيني يرافق السير برادلي , أردف سيرج
لـ نادين :
ـ من سوء الحظ أن السنيور ميدسيني مخطئ . . لم يعد لي جدة
إنكليزية لأنها ماتت لــلأسف منذ عدة سنوات . لكن إن لم أكن مهتماً
بتعزيز ذكراها من قبل فسأبــاشر بذلك منذ الآن , لأن لغتها هي التي
ستمكنني من التقدم على أبناء بلدي لأسرقك منهم , وسيكرهونني .
لم تستطع نادين منع نفسها من الضحك . . الأمـر كله سخيف . .
مع ذلك فقد أعجبهــا , وانجذبت إليه .
سمعته يضيف قــائلاً :
ـ آه . . هكذا أفضل . . حين دخلت منذ برهة كــــان في عينــيك
ظـلال , إنهما عينان جميلتان . . يجب ألا تحجب الغيوم لونهما
النحاســي .
يــجـــب أن تعـــترف نادين أنه ماكـر . نظرت إليه , فــــي جــــانــب وجهه
قســـوة كانت تصدم وتراً في نفسهــا , إنه مختلف وخطير وثمة شــيء في
داخلهــا يشعـــر بالانــفعال لهــذا . استجابت له لأنه سعى إليها هي من بين
جميع النسوة الموجودات في هذا المـــكان . لم يكـــن في يديه رغم رقتهما
واسمرارهمـــا ذلك الترهــــل الــذي ألفته في أيدي من تعرفت إليهـــم فـــي
لـــندن . . فهمـا لم تكونــــا قط يدي رجــل اعتاد الكسـل . سألهــــا برقـــة :
ـ أكنت في روما منذ مدة طويلة ؟ . . بالطبع لـــم تكونـي وإلا سمعت
عنك شيئاَ . أنت أجمل من أن تصلي إلى روما دون أن يلاحظ أحد
وصولك .
ردت نادين باتزان :
ـ وصلنا هذا الصباح , وسنرحل غداً . . أبي مسافر إلى سان
فرانسيسكــو .
ـ وماذا عنك أنت ؟
شعرت هنيهة بالهجر , وأحست بغصة في حلقها , أحرقت
الدموع عينيها . . إنها سخيفة . ولكنها كانت تمني النفس بالكثير في
هذه العطلة , وكانت ترقبها بفارغ الصبر .
كانت أصابعه على ذراعها دافئة , تشعرها بالحماية :
ـ تعالي . . ثمة باب يفضي إلى الحديقة , سنـتمشــى فيها وعندها
تتمكنين من استعادة رباطــة جأشــك .
حينما أصبحا في الخارج تمتم :
ـ أتسامحيننــي لأننــي ذكرتك بما أزعجك .
هزت نادين رأسها إيجاباً . إنه مهتم بمزاجها وأفكارها وهذا مــا
جعلها لا تشعـر بالتردد أو التحفظ اللذين تعرفهما عادة , حتى مع رجال
تعرفت إليهم منذ سنوات .
ألقت الظلمة المخملية الرائعة رداءها على الليل الإيطالـــــي . كانت
الحديقة حديقة رسمية . . ممراتها جميلة فيها ورود و نوافير تتراقص فـي
النهار . الضعف السخيف الذي خبرته في أعماقها زاده الليل قوة
فانحنى سيرجيو نحوهــا ثم وقف فجأة , وأدارها إليه , يرفع ذقنهــا :
ـ دموع ؟ هل لــي أن أســأل (( لماذا )) ؟
كان ما ظهر منديل في يديه ليستخدمه في التــقاط الدمـــوع التـــي بللت
وجهها . . فأجابت بصوت مرتجف يرافقه اندفاع متهور للإفضاء له بما
يجيش فـي أعماقهــا :
ـ ليس عندي سبب حقيقي , كل المسألة أننــي خططت ووالدي أن
نقضي العطلة معاً في فيلتنا في جنوب إيطاليا . . وهو مضطر الآن للسفر
إلى سان فرانسيسكو صباحاً . . يبدو لــي الأمـر سخيفاً . . وأعرف هذا ,
لكن . . أتــرى . .
وصمتت .
ـ نعــم ؟
منتديات ليلاس
كانت قد توقفت عن الكلام محرجة ولكن صوته الهادئ شجعهــا
على المضــي :
ـ كنا على اختلاف كبير ردهاً من الزمن وها قد عدنا إلى التواصــل
مجــدداً .
طأطــأت رأسهــا , وأغمضت جفنيها لإخفاء ألمهــا وشكوكها ولكنهــا
ذُهلت من نفسها بسبب ثقتها فيه . أردف يقول بتفهم كامل هادئ .
ـ وتخشين أن يكون من الأصــل غير راغب فـي مرافقتك ؟
ضرب على الوتر الحســـاس وهذا ما أذهلهـــا . فمن غير المعقــول أن
يعرف غريب عنها كل هذا , شعرت فجأة بأنها هشة أمــامه ولكــن فـي
الوقت ذاته غمرها إحساس من الراحة لأنها وجدت إنساناً آخـر يتفهــم
أفكــارها ومشاعرها وهذا إحساس غريب . .
ـ أيصدمك أن أحزر بسهولــة ما تحاولين إخفاءه عن الآخرين ؟ ألا
تلاحظين أن هناك تفاعلاً كيماوياً خاصاً بيننا ؟ أنت تشعرين بما
أشعر به أنــا ؟
أهذا صحيح ؟ خفق قلبها بين جنباتها : أهذا هو تفسير ما تشعر به
من ألفة تجاه هذا الغريب ؟ أم أنها ببساطة تسمح لنفسها بالانجراف
الذي يدفعها إليه مزاجها وسحر هذا الليل ؟ ماذا تعرف عنه على أي
حــــال ؟
وما الذي تحتاج إلى معرفته ؟ صـاح بها هاتف داخلــي ! إنها تعرف ما
شعرت به حين نظــر إليها . . تعرف كيف انقلب قلبهــــا بمـــجرد رؤية
قسمات وجهه المنحوتة بخشـونة . تعــرف كيف أن جسدهـا تجاوب مع
نظــراته .
ـ نــادين .
ترك اسمها شفتيه بهمس , فأحــست بالتـوتر يجتـــاح كـــــل عضلاتهـــا .
فلامست شفتيها بطرف لسانها , بشكل غير إرادي فتوهج الإعجــــاب في
عمـــق عينيه . وتطايرت الإثارة في جسدها بشكل خطــير , فــأغمـضــت
عينيها غريزياً , وقد صدمها أن تتصور نفسها بين ذراعيه . . طافت فـي
مخيلتهـــا هـــذه الصورة وغمرتهـا حتى كادت توقف أنفاسها , فترنحــت
قليلاً , وأحست بضغط أصابعه القوية على ذراعيها .
لامست شفتاه جهــة مـــن وجنتهــــا الرطبة ثــم الجهــة الأخرى وأبعدهــا
بحزم عنه رغم مظاهر الخضوع عليها . استطاعت تحت نـــور القمــــر أن
ترى خـطوط جانبي فمه العميـــقة فشعرت رغمــاً عنها بفيض من المشاعر
الاحتـــرام والإعجــــاب . ما كــــان أسهــل أن تبعده عنها لو تصرف كمــــا
يتصرف أي رجــــل رافقهــــا من قبل . . كانت في عقلهـا الباطني قد أعدت
له اختباراً , واضطرت للاعتراف بأنه نجح فيه . لو كـــان مكانه رجــل آخــر
لاستغـــل ضعفهــــا النفسي والجسدي , ولكــــن سيرجيو كـــــان يعـــرف أن
اللحظة غــير مناسبة لإيقــــاظ رغبتهــــا , ففــي الوقت الحالـــي لا تحتاج إلا
الشفقة والحنان . فجـــأة شعرت بالخــوف منه لأنه يفهمهــــا خـــير فهـــم . .
استجابتهـا الجسديــة لــه , وحدهـــا كافيه لإخافتهــــا . . . فهذا ما لم تختبره
مع رجــل آخـر . . .
ـ تـعـــالــي . .
تفوه الكلمة بإيجاز وكــأنه تحت الإكــــراه وهذا ما جعــــل أعصابها
ترتجــف استجابة . . وأكمـــل :
ـ . . . الأفضل أن نعود قبل أن يرسل أبوك خلفنـــا فرقة تفتيش .
|