كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
تحركت سارة كالمنومة ، وعيناها الواسعتان الزرقاوان تعكسان توسلا لاشعوريا وتنشدان التعزية والسلوان.
وتابع هيو ، طاحنا الكلمات:
" إن ما تحتاجين اليه الان هو ثورة عاطفية من نوع آخر ، تجربة أكبر من أن تستطيعي مجابهتها ، تجربة تكتسح بقايا مشاعر الإشفاق على النفس التي تتمسكين بها بكل هذه الصلابة".
" مثلا....؟".
حدق هيو في سارة وقال بسوداوية:
" إن الثورة العاطفية توصف عادة بعلاقة حب ، ربما من الأفضل ان تركزي إهتمامك على أيان ماكنزي الذي لن يبدي إعتراضا بالتاكيد ، أحيانا ، حتى انا أجدك جذابة وساحرة".
إنطلقت يد سارة بإتجاه هيو دون أن تستطيع لها منعا ، ولكن قبل أن تصل الى وجهه الساخر امسك بها في قبضته الجامدة ، وشدها الى الأسفل مسببا لها الألم الذي أرادت أن تسببه له.
" لا أستطيع أن أفهمك!".
قالت لاهثة تكاد تشهق بالبكاء ، وغلبها الوهن والضعف ، ثم أحست بيده تمسح على ذقنها ، إن تأثير الصراع في هذه الساعة المتأخرة أخذ يبدو واضحا عليها ، ولاح وجهها شاحبا مجهدا ، ولما أدرك هيو مقدار تعبها ، تغير التعبير المرتسم على وجهه ، وتراخت يداه ، وصرخ صرخة مكتومة وهو يدفع بها بعيدا عنه الى كنبة كبيرة، ثم سكب لها قدحا من الماء ووقف بجانبها حتى تجرعته كله ، وعلت وجهه إبتسامة خفيفة إختفت تحتها تقطيبته ، قال بلهجة كالحة:
" يبدو أنك قد نجحت على الأقل في تجرع كأسك دون أن تشرقي أوتسعلي".
" لست طفلة".
قالت سارة ثم أكملت تجرع كأسها ، لا لأنها عطشى ، ولكن لأنها ارادت بأية طريقة أن تسترجع تمالكها لنفسها ، وبعد فترة قصيرة قال هيو بسخرية:
" والآن ، يا صغيرتي ، إذا لم يكن لديك مانع ، فأرجوك أن تغادري الغرفة لأن لدي بعض ما أريد إنجازه هنا".
" ولكنك قلت.... بان هنالك بعض الأمور التي تريد ان تناقشها معي".
فأجاب هيو بإبتسامة متهكمة ، مطلا عليها من علو:
" كان هذا مقصدي قبل ان أحيدعن الموضوع ، وأدخل في تشعبات لا صلة لها به ، أما الان فأنا أنوي التخلص منك قبل أن يحدث هذا مرة اخرى ، لقد عاد اللون الى وجنتيك الان ،ولكنني لا اريد أن يغمى عليك او أي شيء من هذا القبيل هذه الليلة ، غدا سستاح لنا الفرصة لمناقشة شؤون العمل ما حلا لنا".
ومد لها يده بحركة مهذبة بحتة ليساعدها على النهوض ، ولكنها إختارت ان تتجاهلها ، ووقفت تترنح على قدميها ، كانت عضلاتها ما تزال ترتعش قليلا.
" ما رايك ، هل إستعادت جيل صحتها الآن؟".
تعثرت سارة مجفلة وهي في طريقها الى الباب ، كانت على وشك أن تلقي عليه تحية المساء عندما هبط سؤاله فوق رأسها المجهد التعيس ، ولم تستدر اليه وهي تتمتم : (" نعم " محاولة ان تحجب عنه وجهها ، وشعرت سارة بنه حتى ولو توقفت حياتها على قول المزيد لما إستطاعت.
" حسنا ، لا داعي لأن تتصرفي وكأنك قد أصبت برصاصة في الظهر ، في الحقيقة لقد فكرت ان أصطحبها معي الى أيونا غدا ، أستطيع ان أخلط النزهة ببعض العمل لكي لا أضيع الوقت ، هل سبق ل كان ذهبت الى ايونا ؟ هل تحبين ان تأتي معنا؟".
إلتفتت سارة اليه نصف إلتفاتة بعصبية ، وبدا جانب وجهها مشدودا متوترا ، كانت متأكدة ان جيل لن ترغب في الذهاب دون كولن ، ولكن هيو لا يعرف بوجود كولن هنا ، وقد وعدت سارة الا تخبره ، إنها ورطة ! لماذا ، بحق السماء ، وافقت على ان تحتفظ بسر جيل ؟ لماذا لم تملك من حدة الذهن ما يجعلها تتبين ما يعنيه ويتضمنه مثل هذا الوعد؟
" لماذا.... لماذا لا نترك الحديث في هذا الموضوع حتى صباح الغد ؟ أنت تعرف جيل ، من المحتمل ان تكون قد رتبت مشروعا آخر ، فأنت لم تحدد موعد عودتك".
عندما إستيقظت سارة في الصباح رأت وهي تاخذ حماما سريعا بأن كلماتها الأخيرة خير ما امكنها أن تقوله ، وسارعت الى إرتداء ثيابها آملة أن تعثر على جيل ، وتخبرها بنوايا هيو قبل ان يجتمع بها ، إذا كانت جيل لا تريد أن تذهب الى أيونا ، فعليها أن تحاول الإفلات معتمدة على نفسها ، شارحة أعذارها من دون مساعدة ، فهي لا تريد أن تضيف جريمة أخرى الى قائمة جرائمها فيما لو إكتشف هيو الحقيقة.
لم تجد جيل في غرفتها ، ودهشت سارة عندما هبطت الى الأسفل لتجد أن جيل قد إتهت من تناول فطورها تقريبا ، وقالت لسارة بأنها خرجت لركوب الخيل برفقة هيو في الصباح الباكر ، وانها قررت مرافقته الى ايونا .
" بهذه السهولة؟ وأنا التي قضت ليلة بأكملها أقلّب الأمور دون ان أستطيع النوم؟".
"ولم لا ؟ الحقيقة يا عزيزتي سارة هي أن أخت كولن ليست من النوع الذي آبه له ، كل ما تريد أن تفعله طوال النهار هو التجول في البراري ،وهي مجنونة ، ككولن ، بمراقبة الطيور ، ولكن لأسباب مختلفة".
" مثلا.......؟".
"تعرفين انك ولن يذهب لمراقبة الطيور من أجل الحصول على الصور اللازمة لعمله ، وهو الآن قد حصل على كل الصور التي يحتاجها ، ويستطيع ان يعود الى لندن وينهي لوحاته هناك ، إلا ان غوين تصر عل أن يرافقها ، أعتقد انه أصيب بالعدوى".
" أية عدوى؟".
" مراقبة الطيور ! " اجابت جيل بغيظ " لا تبدين حاضرة البديهة هذا الصباح ، أليس كذلك ؟ حسنا ، لقد قال كولن لأخته ، دون ان يسألني ، بأنه لا مانع لد ولما عرفت قلت له بأنني شخصيا أعترض ، ولكنك لا تعرفين كولن".
" وكيف أستطيع؟". أجابت سارة بإحتراس " إننا لم نتقابل إلا مرة واحدة ، ولكنني ظننت بانك تحبين كولن!".
" طبعا احبه ، ولكنني لست جاهلة بأخطائه ، إنه يناقش طويلا ، وهو عنيد جدا ، إنه مجنون ، مثلك ، بضرورة إخبار هيو ، لقد أمضيت دهرا البارحة لأقنعه بالعدول عن الفكرة ، أما الآن فهو يحتج باننا إذا ما كنا بحاجة الى الإجتماع فعلينا أن نراعي أخته".
"هذا التصرف يليق بكولن ! " قالت سارة بصمت محاولة أن تخفي إبتسامة ، لقد أعجبها تصرف كولن ، كلما عرفت سارة المزيد عن كولن مالت اليه ، إن جيل فتاة أفسدها التدليل ، ولا شك أنه من مصلحة كولن ألا يشارك في تدليعها ، إن بعض المعارضة لأهوائها لن يضرها.
" ولهذا فقد قلت لهيو بأنني أرحب بالذهاب معه الى أيونا بعد الغداء، كل شيء على ما يرام ، كاتي ستعتني ببيدي ، وكولن سيعتني باخته ، أما هيو العزيز فسيعتني بك وبي".
وإتكأت جيل على ظهر مقعدها وقالت بخفة:
" إذا ما لعبت اوراقي كما يجب ، فقد أكتشف لماذا ذهبت أمي الى أميركا ، وماذا تفعل هناك؟".
" لماذا لا تحاولين أن تنسي مشاكلك يا جيل ، هذا العصر فقط!".
" حسنا ! ". قالت بإبتسامة قوية ، وقفزت على قدميها " آسفة يا سارة ، اعدك بان أسلك سلوكا طيبا إذا ما وعدت بأن تصرفي إنتباه هيو عني الى حين عودتي من زيارة كولن ، يجب أن يفهم بأنه ملكي هذا الصباح ، تستطيع غوين أن تفعل ما تشاء بقية اليوم".
|