كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
تحركت سارة قلقة وقد داهمها شعور بالإرتباك ، وراح نسيم الليل المتسرب من النافذة يحمل اليها آلاف الروائح المختلفة وصوت البحر البعيد ، وفجأة أحست بالإجهاد ، وإعتراها ما يشبه الغيبوبة نتيجة للتعب ، والصراع العاطفي ، ونظرت الى هيو بإنتباه وهي في إنتظار ان يتابع كلامه ، حتى كادت ملامحه تنطبع تماما في ذاكرتها ، ثم قالت لتحثه على الإفضاء بما يريد:
" لم تسألني القدوم الى هنا من أجل التحدث عن بيدي؟".
" لا ، ولكنك لا تبدين في حالة تسمح لك بمتابعة أي نقاش ، ماذا فعلت بنفسك أثناء غيابي؟".
ترددت سارة للحظة ، ولم تعرف بأن النور فوق راسها كان ينعكس مباشرة على وجهها مجسما كل زواياه ، وكانت ترتدي ثوبا أسود من الجرسيه بقبة مفتوحة مما ظهر بياض جلدها ورقة عظامها النحيلة ، وكان شعرها منسابا متهدلا كغلالة من الحرير فوق كتفيها ، وقالت بصوت رنت فيه نغمة الإحتراس:
" أعترف بأنني كنت مشغولة ، ولكن ليس هنالك ما يستدعي الإهتمام".
" فهمت".
وسار الى حيث كانت واقفة في وسط الغرفة.
" دعيني أرى كم كنت مشغولة".
ورفع ذقنها وراح يتفحص الظلال الباهتة على خديها المضرجين وأصابعه ما زالت تحتفظ باللمسة القاسية نفسها.
" من فضلك !".
إحتجت سارة بصوت منفعل ، ولكنها لم تستطع أن تتزحزح ، وإختلج وجهه بنظرة عدائية حسية، فقال فجأة وهو يهز رأسه عابسا:
" إنك تبدين جميلة جدا ..... ومغرية".
" قد تظنني جميلة ، ولكنك لا تستلطفني ، اليس كذلك؟".
وإسودت عيناه إذ أجاب قائلا:
" أنا لا أحب الطريقة التي تؤثر بها المرأة على الرجل ، إذا كان هذا ما تعنين".
" هذا شيء مختلف".
"كم تحب النساء أن يعقدن المسائل ، إنهن ولدن من أجل خلق المشاكل".
" إنك لا تستطيع ان تصفنا كلنا تحت عنوان واحد ، إن بعض النساء قادرات على منح السعادة العميقة للرجال".
" لا " إعترض بلهجة ناعمة " العكس عادة هو الصحيح ، إن على الرجل دائما أن يبذل كل المجهود ، أما بالنسبة اليك ، فإنني أظن بأنني لا اميل اليك أو استلطفك ، ولكن يجب عليّ أن أتحملك الى حين إنتهائنا من مهمتنا هنا".
وقف على بعد عدة سنتيمترات منها فقط ، ورمقتها عيناه بإنتقاد ، متنقلة فوق عظام عنقها وكتفها الرقيقة.
" كل هذه الحساسية والقابلية للعطب... اعتقد أن موت والديك قد سبب لك هذا".
هبت سارة واقفة وكانها قد سمرت في مكانها ، وقد حرمتها الصدمة من القدرة على التفكير ، كيف إكتشف الحقيقة؟ لماذا يعاملها بهذه الطريقة؟ وتحركت يداها بتشنج محاولة أن تدرأه عنها وتعبر عن إشمئزاز لم تستطع أن تجد الكلمات القادرة على وصفه.
" كيف وجدت الحقيقة؟ كيف تمكنت من إيجاد الحقيقة؟".
وإنقبضت حنجرتها إذ أحست بالألم يجيش في نفسها كجرح فتح من جديد.
امسك هيو بها ، فاحست بقبضته على ذراعها تسبب لها من اللم ما يوازي الألم الذي إجتاح قلبها ، ورفع رأسها حتى أجبرها على النظر اليه ، ألا يملك ذرة من الرحمة؟ وأحتوتها عيناه السوداوان:
" لقد قلت لأيان ماكنزي ، كان والدي طبيبا ، كان... بالقلم العريض ، من المحتمل أن أيان لم يلاحظ ، ولكن الأمر اثار فضولي".
" ولهذا حاولت التدخل فيما لا يعنيك".
" تماما"
" كيف؟".
" رايت صديقتك جين هذا الصباح قبل ا نارك لندن ، كان عندي موعد مع جيمس كار".
" لم يكن بخصوصي بالتأكيد؟".
" كنت قد صممت على معرفة الحقيقة ، ووجدت جين هناك فإغتنمت الفرصة".
كان الهواء بينهما مشحونا بالكهرباء والغضب المتأجج ، وقالت سارة:
" لقد ظننت بأن والدي أجبر على التخلي عن مهنته ، أليس كذلك ؟ وشككت في ان يكون هناك شيء مشين في الموضوع".
فرد هيو بصوت مفعم بالغيظ:
" هذا لا يهمني على الإطلاق ، إنما أردت أن اعرف ما الذي يجعلك تتكتكين كالساعة ، وما تخفيه هذه الواجهة من الحساسية المرهفة المثيرة ، وظننت أن السبب قد يكون رجلا ... قصة حب تعيسة ، فلقد أفلحت منذ قدومك الى هنا في أن تستثيري خيالك بشكل لا يستساغ".
علت وجه سارة نظرة بعيدة ثانية إذ أخذ برود عميق يزحف الى شعورها:
" والآن بعد أن أنتهيت من عملية البحث والتحري ، وإستطعت ان تحل اللغز ، فإنك قد فقدت الأهتمام بي من غير شك".
ضحك هيو ضحكة قصيرة ، وضاقت عيناه اللتان كانتا تتفحصان وجهها الأسي بإنتباه ويقظة:
" لن اقول هذا ، ولكن علينا اولا ان نحاول تخليصك من عذابك الداخلي.
وهزّها برقة:
" سوف تتغلبين على فجيعتك ، لقد كانت تجربة مريعة ، ولكن عليك أولا تهبطي الى الأعماق المجردة ، ثم تبداي من جديد ، لن تستطيعي معرفة السكينة إلا إذا واجهت فجيعتك وجها لوجه".
حاربت سارة فيضان دموعها اللاسعة وقالت:
" عن فلسفتك تدهشني ، وقسوتك ايضا".
فرد بإبتسامة ساخرة لا تخلو من العطف وهو ينظر الى خديها المحمرين :
" الحياة تمضي بنا يا سارة ، وإذا ما أردت ان ترافقي موكب الحياة فعليك ان تتعلمي كيف تعيشين مع احزانك ، لا أن تدعيها تجرفك".
" انت تدعي بان الحزن لفقد الوالدين هو غير طبيعي؟".
" طريقتك في الحزن... نعم ، لقد لاحظت هذا منذ اللحظة الأولى التي رأيتك فيها ، كان هنالك شيء يتآكل بنفسك....وقد وشت به عشرات من التصرفات الصغيرة والأشياء العابرة".
وهي التي ظنت بان أحدا لن يستطيع أن يحزر ! وفاضت بها كأس المرارة فصرخت:
" أكرهك لأنك سالت جين".
هاجمته سارة دون وعي ، وهي تشعر بأنها عزلاء ضد منطقه القاسي ، وراحت عيناها تتلألآن ، ولكن الدموع لم تسقط منهما.
" لقد قلت لها بأنني قد بدات أتحسن ، ولكن الدموع لم تسقط منهما.
" عندما تركتها بدت مسرورة ، وقد تكلمنا معا".
" آه فهمت....".
قالت سارة وقد إتسعت عيناها تحت وطأة الأرتباك الذي داهمها ، لم تتوقع هذا منه ، هل تجرؤ على سؤاله عما حدث؟ ولكنها ربما تستطيع التخمين ، إن جين دون شك إضطلعت بالجزء الأكبر من المحاورة دون ان تحتاج الى سؤال ذكي بين الحين والاخر ، والنتيجة الآن هي أن هذا الرجل القاسي القوي الأرادة قد اصبح عليما بتفاصيل حياتها منذ المهد ، لأنها بالنسبة الى جين هي الإبنة التي لم يكتب لها ان تنجبها ، والتي لن تلدها ولو تزوجت مرة ثانية.
|