كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
" لست أدري ما يدعوك للقلق عليها ، فهي تبدو سعيدة بصحبة صديقها الجديد ، وهو فنان إستاجر كوخا قرب الشاطىء ، هل هيو على علم بالموضوع يا ترى؟".
" لا شك انك مخطئة".
أجابت سارة بحدّة ، وقد غمرتها موجة من الإستياء ، ورفضت أن تصدق ما كانت تعرفه بالغريزة.
ضحكت بيث مرة ثانية ، وبدا واضحا أنها إستمتعت برنة الفزع في صوت سارة.
" أؤكد لك أنني لست مخطئة ! فقد بدت لي جيل في أحسن حال عندما صادفتهما في طريقي قبل لحظات ، وليس في هذا ما يدعو الى العجب لان آل فريزر ليسوا ممن يضيعون وقتهم ، ألم تكتشفي هذا بعد؟".
" من فضلك !".
وسقطت سماعة الهاتف من يد سارة تحت وطأة إنفعالها ، وراحت تحدق بها وكأن مجرد لمسها سيلسعها ، يجب ان تعيد الإتصال ببيث كي تعتذر ، فلا شك ان بيث تتوقع منها ذلك ، ولكنها لم تكن تعرف رقم بيث ، ولم تجد لديها الوقت أو الرغبة في البحث عنه.
غمر سارة شعور بالخطر ، لقد ظنت قبل لحظات فقط ان مخاوفها لا تستند الى أي برهان ، والان ؟ يجب ان تفعل شيئا من اجل أن تساعد جيل ، لكي تحذرها وتذكر لها بان بيث على علم بعلاقتها الرومانتيكية ، وإنه من المحتمل ان تخبر هيو ، ووجدت سارة ، وقد داهمتها موجة من المشاعر المتشابكة ، إنها غير قادرة على توخي الأمانة الكاملة مع نفسها.
يجب ان تحاول العثور على جيل مهما كلّف هذا من أجل ان ترى بنفسها فيما إذا كان هذا الفنان إنسانا بلا ضمير ، كما وصفه هيو ، أو رجلا مقبولا وصديقا معقولا ، ولكن كم كانت غبية لأنها لم تستطع الإحتفاظ بهدوئها ولم تسأل بيث عن عنوان الكوخ الذي إستأجره الفنان ! وكرهت سارة ان تسأل كاتي عن هذا الموضوع ثانية ، خصوصا أنها شكّت في أن تسرع كاتي الى تزويدها بالمعلومات التي تريدها.
تركت سارة مكان الهاتف وهي تتنهد ، ثم إلتقطت معطفها هامة بالخروج ، وفجأة تذكرت الدعوة التي وجهها اليها أيان بالذهاب معه لزيارة مريض يقطن قرب الساحل بعد أن نزل من غرفة بيدي ، وقد قال لها بأن المريض يعيش قرب أطلال الكنيسة المهجورة ، ولو ان بيث قد صادفت كلا من ايان وجيل بعد الغداء في الطريق ، فلا بد أن تكن قد رأتهما في بقعة واحدة ، أو في مكانين متقاربين، وقد ذكرت بيث بانها رات أيان في سالن .
ساقت سارة سيارة الجاغوار وقد عاودتها الثقة، لا شك أن جيل قد إستخدمت السيارة البيضاء الصغيرة التي تستعملها والدتها عندما تزور لوخ غويل ، والتي توضع عادة في المراب الخارجي ، مما يفسر عدم إنتباه سارة الى مغادرة جيل للقلعة.
توقفت سارة في القرية وسألت مجموعة من الأطفال كانوا يلعبون إذا ما كانت توجد في القرية مجموعة من الأكواخ التي تؤجر خصيصا للزوار والسياح ، وما كانت سارة تحب الحصول على المعلومات بهذه الطريقة ، ولكنها شعرت انها أفضل من السؤال في أحد الأمكنة والمقاهي ، فالأولاد سيظنونها سائحة عابرة تبحث عن المأوى ، ويطردونها من ذهنهم حال إختفائها عن أنظارهم.
اخبرها الأولاد ، بان هنالك مجموعة من هذه الأكواخ ، إلا أن معظمها تؤجر عادة في مثل هذا الوقت من العام ، وكانت على وشك أن تشكرهم وتنطلق بسيارتها عندما قالت فتاة صغيرة:
" إن السيد مانسون الذي يسكن في نهاية هذا الشارع عنده كوخان ، أجّر أحدهما الى رجل فنان ، أما الكوخ الثاني فهو خال ، لأن الأمطار تنفذ من سقفه ، فإذا كنت لا تبالين بالمطر ، فإن السيد مانسون سيؤجرك الكوخ الثاني...".
عجبت سارة للسهولة التي عثرت فيها على الكوخ في نهاية زقاق ضيق ، لقد كان كوخا قديما بني قرب شاطىء النهر يكاد لقدمه يختفي في حضن المناظر حوله ، وبدا الكوخ خاليا من الحياة فيما عدا حبلا من الدخان الخفيف المتصاعد من بقايا المدخنة.
إقتربت سارة من الكوخ بحذر ، وكانت قد تركت سيارتها بجانب رصيف الشارع الرئيسي خشية ان تتعرض للأذى فيما لو ساقتها عبر هذا الزقاق الضيق ، ولم تكن تعرف ماذا ستقول او تفعل ، وإبتهلت وهي تقرع باب الكوخ أن تجد الكلمات المناسبة.
بعد عدة ثوان بدت لها عدة ساعات ، فتح الشاب الملتحي الباب ، ونظر اليها بدهشة ، ولكنه جابهها من دون أضطراب البتة ، وقال مجترا كلماته:
" يا للمفاجأة ! إنك فتاة القارب ، أليس كذلك ؟ وسكرتيرة السيد فريزر ، كما أعتقد".
وعلت وجهه إبتسامة ساخرة.
ولكن قبل ان تجد الفرصة للكلام سمعت حركة خفيفة وراء ظهر الشاب ، ثم ظهرت جيل امامها وقد إرتسم على وجهها المتدفق حيوية ، تعبير بالإشمئزاز الشديد ، وحطت نظراتها على سارة وبدا جليا انها لم تسر بمشاهدتها.
" أنت مخطىء يا كولن ، من الأصوب أن تقول عضو البوليس السري ، سارة وينتون".
حدقت سارة فيها مجفلة ، وأحست بنفسها غير قادرة على الكلام ، ممزقة الأعصاب ، ولكنها أدركت بعد أن إلتقت نظراتها بنظرات جيل بأن الأخيرة إنما نهجت نهج الدفاع عن النفس لكي تخفي جرح مشاعرها ، وإعترى سارة الإحساس بغتة بأنها دخيلة على الموقف ، وكأنها كانت تقف خارج دائرة حطمتها عن عمد.
يجب أن تحاول إفهام جيل وصديقها بأنها إنما أت الى هنا من أجل ان تساعدهما وليس بوصفها سكرتيرة هيو ، وشعرت بغريزتها بأن هذا الرجل الرجل هو الفنان الذي يعيش في لندن ، وقد أدركت هذا لحظة ان فتح الباب لها .
" أنا آسفة يا جيل ، لقد جئت من أجل المساعدة ومن أجل أن أحذرك ، هنالك شخص على علم بوجود كولن هنا ، وطبعا لن تمضي مدة طويلة حتى يعرف هيو أيضا".
" بيث أسكويت ، دون شك ! " وإحمر وجه جيل إنفعالا ، هذه الكلبة الحقيرة !".
" جيل ! " إحتجت سارة محاولة أن تسيطر على إنفعالها بجهد ، أنت تعرفين أن توجيه مثل هذه الإهانات لن يوصلك الى هدفك ، ولن يشفع لك مثل هذا الأسلوب عند أخيك ، لماذا لا ندخل ونجلس لنناقش الموضوع بهدوء؟ ".
احست سارة للحظة ، بان جيل كانت على وشك ان ترفض إقتراحها ، ثم إستدارت فجأة بهزة من كتفها وسارت الى الداخل ، بينما تراجع كولن عدة خطوات الى الوراء لكي يتيح لسارة فرصة اللحاق بها.
لاحظت سارة ان غرفة الجلوس كانت نظيفة على الرغم من الفوضى التي سادتها ، وشاهدت في زاوية من الغرفة حاملا للوحات تحيط به ما يحتاجه الفنان عادة من أنابيب الدهان والفراشي ، وعلى الطاولة قرب النافذة ، تربعت مجموعة من آلات وأدوات التصوير.
وأضفت النار المشتعلة في المدفأة على الغرفة جوا من الراحة ، مخلّصة إياها من الرطوبة.
جلست سارة بإحتراس على طرف كرسي مقلقل جره كولن من أجلها من تحت الطاولة.
تكومت جيل فوق الكرسي الآخر ، ونظرت الى كولن ثم الى سارة بعبوس ، ثم قالت فجأة بلهجة أكثر حرارة.
" آسفة يا سارة ! قد تبدو لك كل هذه الأمور وكانها سلسلة من المؤامرات والأكاذيب ، إنني احب كولن وهو يحبني ، ونحن نرغب في الزواج ، أحيانا يندفع الإنسان لقول الأشياء الخاطئة بحافز الدفاع عن النفس ، لعلك لا تعرفين ان كلا من هيو ووالدتي لم يزعجا نفسيهما حتى بالتفكير بمقابلة كولن ، لقد حكما عليه قبل ان يشاهداه لأنه فنان ، ويظهر أنهما يظنان أنه لا يجد حتى لقمة العيش !".
بذلت سارة محاولة ذهنية لكي تزن الأمور حق وزنها ، وتذكرت بأنها يجب ان تلتزم الحذر على الرغم من تعاطفها مع جيل ، إن هذه الفتاة اليافعة الشقية تملك قوة التأثير على سامعيها ، وهي قادرة ان تخدع أي إنسان إذا ما كرست ذهنها لهذا الغرض.
" لا شك انك قادرة على تدبير مثل هذا اللقاء بينهم ، ما كنت لأظن بان الحذق والدهاء ينقصانك".
ألقت جيل على كولن نظرة سريعة وقالت:
" من المؤسف أن شخصا ما نقل الى والدتي قصة غريبة عن كولن ، وهي قصة غير حقيقية ، ولكن أمي رفضت أن تصدقني عندما حاولت ان أقنعها بكذبها ، انت تعرفين كيف تتعقد الأمور ، بعد هذه المحاولة كرست كل جهودي لكي أحول دون أن يتقي هؤلاء الثلاثة ، وأعتقد ان هيو قد أصغى الى القصة كما روتها أمي قبل ان يأتي الى هنا ، وما كاد يراني حتى ألقى علي محاضرة طويلة ، مما جعل الأمور تزداد تعقيدا منذ ذلك الوقت".
" لماذا لا تبداين بداية جديدة ، بتقديمي الى صديقك ؟ ربما نستطيع بعد ذلك أن ندرس الموضوع من جانب او جانبين".
|