كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
لم تبذل سارة جهدا لكي تحتفظ ببرودة اعصابها ن وحوّلت عينيها لكي تتجنب نظرة الإستخفاف من عينيه الداكنتين ، لقد كان الخطا خطأها .
ما كان يجب ان تستثيره ، كيف تأمل فتاة مثلها ان تخترق توازنه الفولاذي ، وردت متجاهلة نبرة السخرية في صوته:
" إن الكفاءة ليست من إحتكار السن " وتابعت بعناد : " كما تعرف بدون شك".
" النساء يعرفن معظم الإجابات قبل ان يغادرن المهد ، اما الرجال فهم يبتدئون عادة بداية سيئة ، خذي ماكنزي مثلا ، لقد قهرته بنظرة واحدة من عينيك الزرقاوين على الرغم من أنك فرضت عليه الإنتظار".
القت سارة عليه نظرة سريعة وقد إعتراها الخجل:
" آسفة !".
تمتمت وهي تنظر الى يديها .
" كنت اتحدث الى جيل مما جعلني انسى الوقت".
كرهت سارة ان تشرح له بأن جيل نسيت ان تبلغها رسالته حتى اللحظة الخيرة ، من الأفضل ان تدعه يظن بها الإهمال بدلا من أن تعرّض علاقته المتوترة باخته لمزيد من الضغط ، لقد أخطأت دون شك لأنها نسيت ان تعتذر لأيان ، إن منظره الفتي نسبيا اذهلها عن القيام بالواجب ، ولكن هذا التفسير سيبدو سخيفا لو تفوهت به ، ولهذا إكتفت بان تضيف بهدوء:
" شرح لي الدكتور ماكنزي بعض الأشياء المتعلقة ببيدي عندما ذهبت معه الى السيارة لإحضار بعض الحبوب".
" تصرف سليم ، يا آنسة وينتون !".
ثم قال بلهجة مصقولة وهو ينهض ببطء مبتسما بلين:
" إسمحي لي !".
تدفق الدم في وجنتي سارة وهي تهب على قدميها متجنبة وجهه المرتاب وقالت بسرعة:
" إذا لم يكن هناك ما أفعله ، فإنني أحب أن أخرج لتنسم الهواء ، جيل ذهبت الى سريرها مبكرة ، لقد سمعتها تصعد الدرج قبل قليل ، وبيدي لا تحتاج الى شيء".
فدار بسرعة ليطفىء النور ، ثم خرجا من الغرفة .
" إذا لم يكن لديك ما يدعو الى اإعتراض ، فسآتي معك !".
أوقفتها نبرة صوته الثاقبة ، كان القمر بدرا ، وهي دائما تحب التجول وحدها ، إنها لا تريده ان يصاحبها فهي تود أن تريح أعصابها وتسترخي .
ونظرت سارة اليه نظرة شبه يائسة:
"أفضل ان أذهب بمفردي ، إذا لم يكن عندك مانع ، إن الوقت ليس متأخرا".
تجمدت نظرة هيو الواثقة وقال:
" لدي مانع ، ثم إن خروجي معك أفضل لسلامتك ، هذا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ان إنقاذك في وضح النهار كان صعبا ما فيه الكفاية ، وبالإضافة ، انا أيضا اشعر برغبة في المشي ، وهناك بعض الأمور التي اريد مناقشتك بشأنها ، غدا سأسافر الى لندن ، ولن يسمح لي الوقت بالتحدث اليك".
كيف تستطيع أن ترفض ؟وبدون أية معارضة اخرى وضعت على كتفيها شالا بدلا من أن ترتدي معطفا لأنها كانت لا تنوي الإبتعاد مسافة طويلة.
كانت النجوم تتألق بشدة في سماء خلت من الغيوم ، وهبت ريح خفيفة ، وبدت القلعة كبناء أسطوري تحت ضوء الكواكب ، بينما جاشت الفضة في البحر الذي عكست امواجه ضوء القمر ، واحست سارة بجمال المنظر وهي تتبع هيو الى الشاطىء بأسى.
سارت بسرعة وكأنها ارادت أن لا تطيل هذه اللحظات لشعورها الحاد بالرجل المحاذي لها ، وسلكا الطريق الذي كان هيو قد دلّها عليه في السابق ولكنها كانت تضطر بين الحين والآخر الى التمهل لكي تلملم شعرها الذي راحت الريح تعبث بخصلاته ناثرة إياها فوق وجهها وعينيها ، وهمهمت بغيظ لأن شعرها وتنورتها الطويلة أخذتا تعيقان حركتها ، وجرت لتلحق بهيو.
توقف هيو فجأة ، وضحك بصوت منخفض ، وقفزت نبضاتها عندما شعرت به يمسك بيدها ويشبك أصابعها حول اصابعه بتكاسل ... كانت اصابعه نحيلة وقوية واخذت تعبث بتمالكها لنفسها ، وبدأ شيء في اعماقها يتحرك ببطء... شيء جديد مثير للفزع ، وسببت لمسته شعورا لاذعا في حنجرتها.
صرخت بومة ليلية فوق إحدى الصخور العالية صرختها الموحشة ، وبصعوبة سمعتها سارة ، ولكنها احست في نغماتها تحذيرا ، ووصلا الى ارض اقل وعورة فإبتهلت سارة ألا يشعر هيو بإرتعاشاتها المتشنجة لأنها ما أرادت أن يعرف المشاعر العاصفة التي ثارت في قلبها ، لقد مدّ هيو يده اليها ليساعدها كأنه يساعد طفلة ، ولهذا فإن رد فعلها القوي ليس إلا إستجابة حسية بحتة ، حيلة من حيل الليل.
وإستدارت سارة لتواجهه وقد احس بأنها غير قادرة على متابعة هذا التحليل الصارم لمشاعرها ، وتفوهت بأول جملة خطرت لها:
" متى تعود الى لندن؟".
اعطى الصمت العيق لكلماتها رنة من الإستفهام اللاهث ، فندمت سارة في الحال على سؤالها.
توقف هيو ومدّ يده ليزيح خصلة عنيدة من الشعر الملتفة حول حنجرتها ، كاشفا عن كمال إنسياب خطوط وجهها من الجبين حتى العنق.
" هل أنت سعيدة لانني ساسافر يا سارة؟".
وكانت في لهجته نبرة غامضة ، وتفحصتها عيناه الثاقبتان في الظلام.
حاولت سارة ان تقلد اسلوبه الهادىء المجرب ، وهي على يقين بأنها ليست ندا لبراعته اللفظية ، وتذكرت بنه قد هزأ في إحدى المرات من عدم قدرتها على رد الكيل بمثله ، إنها على إستعداد للإعتراف بضعفها هذا ولكن ليس تماما
" لقد سبق أن ذكرت أنه بإستطاعتي ان آخذ إجازة أثناء غيابك".
اجابت سارة متعمدة ان تعيد حديثا جرى بينهما في السابق.
|