كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
" لم أر نسرا على هذا القرب من قبل".
" من المحتمل ألا يكتب لك أن تري صقرا آخر إذا ما شرعت في الإمساك بذراعي هكذا وأنا أقود".
وتوقف بالسيارة الى جانب الطريق .
أحشى ان تصيبك خيبة الأمل فهذا الطائر صقر لا نسر".
ولكن سارة كانت في حالة من الإستغراق جعلتها لا تتلفّظ إلا بإعتذار قصير.
" أنا آسفة ، أعني بشأن ذراعك ، هل أنت متأكد بأنه صقر؟".
وإستدارت لتمعن النظر في الطائر مرة أخرى وعيناها تفيضان بالحيرة , لاحظ هيو الشك في تعابيرها فقال بهزة من كتفيه موضحا:
" أن النسر طائر أضخم حجما ، وعندما يبسط جناحيه تبلغ المسافة بينهما أكثر من المتر ، ولونه مثل لون الصقر بني غامق ، إلا أن رأسه ومؤخرة عنقه تتوجهما كتلة من الريش البني الذهبي ، اما الصقر كما ترين ، فهو أبيض اللون من الأسفل ، ن عدد الصقور في أراضي الهايلاند الغربية وويلز يفوق عددها في أي منطقة اخرى".
" الن يطير بعيدا؟".
سالت بصوت منخفض وانفاسها تخرج من حنجرتها بصعوبة ، ولم تعرف فيما إذا كان السبب هو قرب هيو فريزر الشديد منها أ مشاهدتها غير المتوقعة للصقر.
رفع هيو حاجبيه قليلا وترك ذراعه تستند على المقعد خلفها بحيث لامست أصابعه كتفها ، وكأنه لم يشعر بتسارع نبضاتها.
" لقد رأيت بعض الصقور تجلس بدون حراك ما يقارب الساعة ، ولكن إذا ما رأى الصقر شيئا يثير إنتباهه فإنه ينقض عليه بسرعة عظيمة ، وهو يحب الأرانب وما شابهها ، ان حراس الطرائد والأحراش لا يحبون الصقور لأنها في رايهم تلتهم الطرائد التي عليهم حراستها ، ولهذا فهم يقتلون عددا كبيرا منها".
" الا تتمتع هذه الطيور الجميلة بحماية الحكومة؟".
" طبعا ! وأزاح يده وهو يتحرك في مقعده ، ولكن القوانين لا تنفّذ أحيانا ، ومن الصعب تطبيقها في هذه المناطق التي لا تشكل جنة لطيور كما يبدو".
" إنظر !".
هتفت سارة بحركة سريعة من جسمها ، وقد حلّ رنين الحماس محل الأسى في صوتها ، وهي تلمح الصقر ، الذي بدا وكأنه لم يقدر الإهتمام المنصب عليه ، يفرد جناحيه ويحلق منسابا في الفضاء ، وحبست سارة انفاسها وهي تتامل روعة الطائر عندما مس شعاع من النور الساطع أسفل جناحيه مضيئا ريشهما المختلف الألوان.
لاحت إبتسامة خفيفة على فم هيو ، وإستقرت عيناه لوهلة على وجهها المضيء قربه قبل ان يستدير ليرى الطائر الكبير يحط على قمة صخرية في العالي.
" إذا كنت تهتمين بالطيور حقيقة ، فلعله بوسعنا أن نخرج معا يوما ما ونذهب لمراقبة الطيور".
" عندما يتوفر لنا المزيد من الوقت".
قالت رافعة يدها لتحجب الشمس ، وإختفى الصقر عندما إنعطف الطريق صاعدا ، لا شك ان مشاغله الكثيرة لن تتيح له ان يجد متسعا من الوقت مطلقا.
" الوقت... يبدو انني لا أستطيع أن اجد ما يكفي منه يا سارة".
" اعتقد ان الأمر كله يرجع الى ما يريده الإنسان من الحياة ، سيارة كهذه ، مثلا".
ولامست أناملها جلد مقعدها الوثير بتردد.
" قد تكونين على حق ،وتبعت عيناه حركات أصابعها ، ولكن سيارة الجاغوار هذه كانت لعمي ، وقد رايت انه من الأفضل إستعمالها اليوم ، بدلا من سيارتي".
داخل سارة الإمتعاض إذ احست به يدير ملاحظتها امبهمة ضدها ، خصوصا أنها كانت على يقين بأن سيارته هو الشخصية لن تكون من النوع الرخيص.
" هل تحسنين القيادة يا سارة؟".
" نعم ، أقود".
وإستعادت سارة في ذهنها سيارتها الصغيرة التي قدمها لها والدها هدية بمناسبة عيد ميلادها الأخير.
" أسمح لك بإستعارة هذه السيارة لو شعرت أن بوسعك قيادتها ، سأدعك تجربينها بعد تناول الشاي في العصر ، ستعتادين عليها بسرعة".
تألقت عينا سارة إبتهاجا ، فقد كانت في ريعان الشباب ، وعلى شيء من التهور تحت قناع السلبية التي ولدتها في نفسها أحداث الأسابيع الأخيرة.
" الا تخشى ان أتصرف بحماقة؟".
قالت وهي تبتسم بسعادة إبتسامة اشرق بها وجهها المفعم بالحيوية .
" لقد بدأت أظن بانك لن تفعلي هذا أبدا".
وتفحصها لوهلة متسليا بمراقبتها ، ملاحظا التغيير الذي طرأ على قسماتها المتالقة.
" لعله سيكتب لنا ان نرى اليرقة تبزغ الى الوجود يوما ما".
فعادت الى سارة جديتها على الفور ، لماذا يجب ان يثبط ويحبط كل شي ، لعلها هي المخطئة لأنها سمحت لنفسها بأن تعبر عن سرور فاق الحدود بفكرة قيادة هذه السيارة ، إلا أن ملاحظته أصابت وترا حساسا في أعماقها ، رغبة صادقة في الحياة لم تستطع أ تحققها لعدة أسابيع ، وتراجعت سارة مذكرة نفسها بأن هيو ، على الأغلب ، في لجوئه الى إستخدام اسلوب المداعبة معها إنما يعاملها كأخته الصغرى جيل ، وأن جلّ ما يقصده هو إيقاعها في شباك مزاحه ، ولهذا فإن أفضل خظة للدفاع هي التجاهل.
لزمت سارة الصمت محافظة على إبتسامتها بعناد إذ احست به ينتظر منها ردا لاذعا ، وداخلها إرتياح كبير عندما وجدت السيارة تقترب فجأة من قرية توبرمري.
|