كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
" وماذا قال لك؟".
إبتسمت الأم بضعف وقالت:
" لن تصدقي الأمر ، هناك شخص ما مهتم بشراء البيت ، لم يخبرني السيد ستيوارت عن هوية هذا الشخص ، حتى أنني لم أعرف ما إذا كان رجلا او أمرأة ، والظاهر ان هذا الشخص إتصل به قبل حوالي سنة وابلغه أنه مهتم بالبيت ، ويريد ان يعرف حالما نقرر طرحه للبيع ، ولا شك أن هذا الشخص يعرف البيت ، المهم ان المحامي إتصل بي امس وقال لي ان ذلك الشخص سيتصل بنا قريبا".
حوّلت الأم نظرها الى المدفأة ، وتابعت تقول وهي تربّت على كتف أليسون:
" هذا هو السبب الذي جعلني متوترة خلال الأيام القليلة الماضية ، فارجو ان تسامحيني ، إذ ليس أمامي إلا هذا السبيل".
هزّت اليسون راسها بعنف:
" لا ، لا بد ان هناك طرقا أخرى".
" ماذا؟ اتمنى لو أجد حلا آخر ، أنت تعرفين كيف يكون البيت في الشتاء... يصبح كثلاجة كبيرةجدا ، كان علينا ان نركّب تدفئة مركزية منذ مدة ، الأمر كان محتملا عندما كان البيت مليئا بالزوار والنار في كل غرفة...لكنه لم يعد كذلك ، نحن وحدنا في البيت ، وجسي أصبحت كبيرة في السن ، الى متى تظنين انها ستظل قادرة على العمل في ذلك المطبخ الشاسع؟ صحيح أنها لا تشكو ولا تتلكأ ... لكن التعب سيظهر جليا باسرع مما نظن".
هدأت العاصفة ، وإنعكس الهدوء على مزاج أليسون التي بدت ساكنة وكأنها تخلّت عن كل معارضتها ، تنهدت وحوّلت نظرها بإتجاه الكلب راستي الذي كان متمددا بالقرب من المدفأة ، مدّت اليسون يدها تداعبه ، وسالت أمها من دون ان تنظر اليها:
" والى اين سنذهب يا أمي؟".
" كنت اتفحص منذ يومين الكوخ الملحق بالبيت والأراضي المحيطة به ، صحيح أنه بحاجة الى عمل كثير لأنه مهجور منذ أن تخلينا عن البستاني العامل فيه ، إلا أنه يصلح لنا نحن وللكلب أيضا".
رددت اليسون كلام امها:
" .... وراستي ايضا لكن هل يمكننا بيع البيت دون الكوخ".
اجابت الأم بإستغراب:
" طبعا ، الواقع انهما منفصلان ، وسوف نحتفظ بالحديقة الصغيرة المحيطة بالكوخ ، وفي الوقت نفسه تطل على الوادي تماما كما تطل من هنا".
كل ما قالته الأم كان صحيحا ، لكن أليسون تساءلت في سرها:
( هل تحتمل العيش في الكوخ قريبا من البيت الذي يعيش فيه غرباء ؟) هذا هو السؤال الذي لا جواب له الان.
ذهبتا الى النوم دون أن تخبر أليسون أمها عن الشيء الاخر الذي يقلقها هذه الأيام ، إذ يكفيها الألم الذي تحملته فيما يتعلق بالبيت ، فالمدرسة التي تعمل فيها اليسون ستغلق بعد فصل الخريف ، ومن سبعة تلامذة تعلمهم أليسون هناك خمسة سيغادرون لأنهم اصبحوا فوق العاشرة وهذا يتطلب إنتقالهم الى مدرسة أخرى ، اما التلميذان الآخران فسينقلان الى مدرسة تقع على بعد خمسة عشر ميلا ، وبما أنه لا يوجد أطفال في عمر مناسبة لصفها ، فإن الإدارة قررت إغلاقه لمدة أربع سنوات ، وربما الى البد ، ومع ان أليسون ستتلقى قرارا بالنقل إلا ان المدرسة الجديدة ستكون بعيدة جدا ، وكل ما تتمناه الآن حدوث معجزة تتمثّل في إنتقال عائلتين فقط الى شيلينغ لكل منهما ثلاثة او اربعة أطفال ، وهذا كفيل بإنقاذ وظيفتها.
تنهّدت أليسون بعمق وهي تطفىء نور غرفتها ... وعبثا حاولت النوم.
كان اليوم التالي نهار الجمعة ، يوما مشمسا ودافئا وكأن عاصفة الأمس لم تكن قط ، وبينما كان الأولاد يلعبون بعد الظهر في باحة المدرسة ، شاهدت اليسون مرة أخرى السيارة الزرقاء التي راتها بالأمس وهي تتوقف مجددا أمام منزل فيرجوس ماكبين ، كانت قد نسيت تماما هذا الضيف الغريب لأنشغالها بقضايا البيت والمدرسة الملحة ، إقتربت من الحائط الحجري الصغير الذي يحمي الصغار من المنحدر المطل على القرية ، وراحت تتامل السيارة بفضول ، خرج رجل من سيارة الفورد القديمة ، وقبل أن يعبر الطريق القى نظرة خاطفة بإتجاه المدرسة ، كانت كفيلة بإحراج اليسون مما جعلها تبتعد عن الحائط وكانها شوهدت بالجرم المشهود ، ومع ذلك كانت راغبة في معرفة هوية الرجل ، لو انه أحد أبناء فيرجوس لكان الخبر قد عمّ القرية فورا ، لكن شيئا لم يذع بين الأهالي ، لم تستطع ان تلمح وجه الرجل الغريب ، ومرة أخرى القت نظرة الى الكوخ الذي يعيش فيه فيرجوس ماكبين وحيدا ، بعد رحيل إبنائه الأربعة أليستير وأيان ودانكان ونيال، الإبنان الأكبران يعيشان في نيوزيلندا ويقال أنهما يعملان في تجارة الماشية ، اما دانكان ونيال فقد غادرا القرية منذ سنوات للعمل في السفن التجارية... نيال الأسود كما يسمونه ، الإبن الأقسى بين أربعة يشكلون عائلة ماكبين التي عاشت في نزاع مستمر منذ أكثر من قرن مع عائلة ماكاي ، اليسون تتذكر نيال فقط لأنه كان أصغر اخوته ، من عمر أخيها أليك تقريبا وزميله في الصف نفسه أيضا ، زميله ؟ صحيح ، لكنهما كانا يتقاتلان دائما ، فكرت أليسون ان الكراهية موجودة في الدم ، بحيث كانت العائلتان على نزاع دائم ومستمر منذ العام 1869 عندما كانتا أكبر عائلتين في القرية والأرياف المحيطة بها ، ففي أحد ايام ذلك العام ، وجد هيكتور ماكبين ودومنيول ماكاي نفسيهما يقعان في غرام أمرأة واحدة عمدت الى تاجيج نار الحب والحقد بين الرجلين معا ، وفد تأكد فيما بعد ان الشابين كانا ضحية سحر إيزابيل القاسية ، ومهما كانت الحقيقة فإن الرجلين قررا ذات يوم التوجه الى التلال لتسوية المسالة بينهما... ذهبا ولم يعودا ابدا.
|