كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ومن دون أن تخطيط ، إعتادت اليسون على إحضار اندريه الى البيت كل يوم بعد إنتهاء الدراسة ، لم يعترض أحد على ذلك ، فالأم وجسي تحبان الصغير وترتاحان اليه.
وقد قررت جسي ، عندما رأته لأول مرة ، ان الصبي بحاجة الى تغذية ممتازة ... وهذا ما دأبت عليه دائما ، وإضطرت الأم وأليسون للإعتراف بان خطة جسي قد نجحت ، إذ سرعان ما ظهر اللون الحمر في خديه وأخذ أندريه يكسب وزنا إضافيا .
وأدركت أليسون ، يوما بعد يوم ، انها تزداد تعلقا بهذا الصغير، وكم كرهت نفسها لضعفها امامه ، خاصة انها تدرك أن ساعة الفراق آتية لا ريب ، وستكون قاسية للغاية ، ومع ذلك تعمّق حبها لندريه بقدر ما كان يزداد كرهها لأبيه.
وبرزت مشكلة جديدة في الأفق عندما حان موعد العطلة المدرسية التي تمتد على مدى ستة أسابيع كاملة ، وهذا يعني ان اندريه سيكون وحيدا لان أباه لا يستطيع ترك اشغاله للإهتمام به طيلة هذه الفترة ، أفضت أليسون بمخاوفها هذه الى جسي ، مساء يوم الخميس الذي يسبق العطلة ، في حين كان اندريه يلاعب الكلب راستي في الحديقة الخارجية.
سألتها جسي دون أن تتوقف عن إعداد السندويشات:
" وما العمل يا إبنتي؟".
واصلت جسي تجهيز الشاي والسندويتشات للرجال العاملين في البيت ، وهو الأمر الذي رتب منذ ان دعت اليسون جوني قبل ايام ، فقد إستمرت جسي في تزويدهم بالأكل والشاي عند الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر ، وأصر نيال على دفع الثمن لأن هذه الخدمة توفر عليهم الكثير من الوقت والجهد ، ولكن أليسون لم تكن مرتاحة للفكرة بعكس جسي التي سرت بها كثيرا ، فقد كانت مدبرة البيت تحب نيال وجوني للطريقة التي كانا يعاملانها بها ، وتذكرت اليسون كيف أنها عادت في وقت متأخر ذات يوم ودخلت الى المطبخ لتفاجأ بان جسي لم تكن وحيدة ، وسمعت صوت نيال يقول : " إنك طباخة ماهرة .. لو انك اصغر بعشرين سنة فقط "، وسمعت ايضا صوت جسي الضاحك : " هيا إذهب ودعك من هذه اللاعيب " ، عند هذا الحد دخلت أليسون ، فإستدار الإثنان لمواجهتها ،ظلت جسي مبتسمة ، أما نيال فقد مات الضحكة على شفتيه وعاد التجهم على وجهه ، ثم إنحنى مسلما وقال:
" ساذهب الآن ، شكرا لك يا جسي".
خرجت أليسون من ذكرياتها البعيدة لتجد ان جسي ما زالت تنتظر جوابا على سؤالها ، فقالت:
" ماذا نستطيع أن نفعل ؟ لو أن الأمر بيدي فانا على اتم الإستعداد لإبقائه هنا لكن....".
عضّت أليسون على شفتها بحزن دون أن تستطيع إكمال جملتها.
ربتت جسي على كتفها بحنان قائلة:
" إنني افهم وضعك يا صغيرتي ، المسالة صعبة بالنسبة اليك ، لكن لو إقترحت أنا وأمك ان نحضره الى هنا...."".
قاطعتها بسرور:
" هل تفعلين حقا؟".
هزت جسي رأسها بهدوء وقالت:
" سأفعل ، لكن عليك ألا تتعلقي باندريه الى هذا الحد".
" لا ضرورة لتحذيري ، فانا مدركة لخطورة الوضع ، كيف يمكن أن يحدث هذا يا جسي ؟ كيف أكره الأب ، بينما انا أحب الإبن ، كيف؟".
اخفت أليسون راسها بين يديها ، لكن نظرات جسي المتفحصة ظلت تلاحقها بتمعن ، ثم سألتها بهدوء:
" هل انت متأكدة من شعورك؟".
سالتها بإستغراب شديد :
" شعوري نحومن؟".
" هل صحيح أنك تكرهين نيال ماكيين ؟ اقصد ان الكراهية كلمة قاسية جدا...".
رفعت أليسون عينيها الى جسي قائلة:
" إذن يمكنني إستعمال عبارة ( لا أرتاح اليه) وهذا شيء انا متأكدة منه تماما ، لكن ماذا تقصدين بالضبط؟".
تشاغلت جسي مجددا في إعداد السندويشات ، وقالت دون ان تنظر الى أليسون:
" لا شيء ، مجرد كلام من إمرأة عجوز ، فقط....".
ترددت قليلا ، فحثّتها أليسون على إكمال عبارتها بسرعة.
أضافت مدبرة المنزل تقول :
" حسنا ، لا أعتقد أن نيال يكرهك كما تحاولين تصوير الأمر بالنسبة الي".
أظهرت أليسون علامات الدهشة البالغة، لكن جسي تابعت دون توقف:
" إنها الحقيقة، جاء في احد الأيام لأرجاع أكواب الشاي وكنت أنت تلاعبين اندريه في الحديقة".
إستعجلتها أليسون عندما لاحظت ترددها ، فمضت العجوزتقول:
" رايته يتوجه الى النافذة ويراقبكما بهدوء ، ثم لمحت وجهه ... بدا وكأنه فقد قسوته وصلابته ، بل يمكنني القول إنه كان حانيا ولطيفا ، ولا شك أنه جذاب جدا عندما يفقد صلابته المعهودة"
ردت اليسون بحزم:
" كان ينظر الى أندريه أساسا".
" كلا ، هذا ما إعتقدته في بادىء الأمر ، لكنني عندما إقتربت منه تأكدت انه ينظر اليك بالتحديد".
قالت أليسون بقسوة شديدة:
" إذن فهو يعاني من بعض أشكال فقدان الذاكرة ، إنه يكرهني بقدر ما اكرهه ، صدقيني يا جسي عندما اقول ان المشاعر متبادلة".
لكن شيئا في داخلها كان ينتفض ضد هذه الكلمات ، لذلك عمدت جاهدة الى إخفاء مشاعرها في اعماق عقلها وهي تؤكد لنفسها : ( لا اريد نظراته على الإطلاق ، سواء كانت قاسية أو لطيفة ).
أنهت جسي إعداد السندويشات ، ثم وضعتها في كيس من البلاستيك وهمّت بالتوجه الى البيت الكبير ، لكن أليسون أوقفتها قائلة:
" سآخذ الشاي والسندويشات بنفسي".
رفعت جسي حاجبيها دهشة ، في حين تابعت أليسون كلامها ضاحكة:
" ساسلمها الى جوني أو احد الأخوين كاميرون ... إنني ارتاح لجوني".
وبدون ان تنتظر جوابا من جسي ، حملت أليسون الحوائج وسارت بإتجاه البيت ، عندما دخلت الى القاعة الرئيسية ، كان جوني قد نزل لتوه من الدور العلوي ، فقال:
" كنت في طريقي الى الكوخ ، هيا دعيني احمل الأغراض عنك".
سلمته معدات الشاي والسندويشات وهي تساله:
" اين الأكواب؟".
نظر اليها مبتسما وقال:
" في المطبخ.. أعتقد أنها بحاجة للغسيل".
ضحكت أليسون قائلة:
" حسنا ، سأغسلها بنفسي".
سارا معا بإتجاه المطبخ ، وعندما إنتهت من إعداد الأكواب قالت له:
" ساساعدك في حمل الشاي الى الطابق العلوي ، فانا اريد ان ارى ما تم إنجازه حتى الان".
إبتسم بهدوء وهو يقول:
" أهلا وسهلا ، وساكون دليلك في الجولة".
سألها جوني وهي تسكب الشاي:
" هل ستذهبين الى إحتفالات القرية الأسبوع المقبل؟".
"بالتأكيد ، وأنت يا جوني ، هل ستذهب؟"
" طبعا ، ولا تنسي حفلة الرقص في نهاية السهرة".
هزت رأسها بالنفي.... ثم أدركت فجأة الى اين سيؤدي بهما الحديث، لذلك غيّرت الموضوع قائلة:
" اية ألعاب ستشارك فيها؟".
" قبل كل شيء سباق الجري ، ما هي إمكانياتك في هذه الرياضة؟".
ضحكت أليسون بصوت مرتفع وهي تقول:
" لا أبدا ، إن عضلات قدمي باتت متعبة هذه الأيام ، لذلك افضل مشاهدة السباق على الإشتراك فيه".
إبتسم دون ان يرفع عينيه عنها:
" كنت أمزح ، ما رايك في المشاركة بلعبة أخرى؟".
" ربما ، أنت تعرف ان عندي سبعة مناصرين صغار يؤيدونني في كل البطولات".
" سيصبح لديك مناصر ثامن ، هذا إذا لم اكن مشاركا في اللعبة نفسها...
وعندما يصبح كل واحد منا وحده ، فماذا عن الرقص ، هل تتركين لي رقصة او إثنتين؟".
إبتسمت قائلة:
" إذا أردت ذلك".
" اتمنى ذلك بشدة".
حمل جوني أكواب الشاي والسندويشات ، قائلا:
" هيا بنا الان ، وإلا فساضطر الى الحنث بوعدي".
نظرت اليه بإستغراب متسائلة:
" وعدك؟".
"وعدي لنفسي... بأن لا أعانقك دون دعوة مسبقة".
كانت قد عبرت الباب قبله ، لذلك لم ير إبتسامتها العريضة ، أصبحت اليسون متأكدة الان ان جوني لا يحتاج الى اية مناورة لأستعمالها ضد نيال ماكيين إذا ما قررت إكتشاف حقيقة موقفه منها ، لكن عليها ان تكون حذرة جدا إذا ما لعبت بهذه النيران... وإلا أحرقت اصابعها بنفسها.
|