كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
إنتهى كل شيء واصبح البيت قانونيا ملكا لنيال ماكيين ، بدا غوردون العمل في إعداد ديكورات الكوخ ، في حين كانت كل معدات البناء اللازمة لتحويل البيت الى فندق جاهزة بإنتظار إنتقال عائلة ماكاي الى سكنهم الجديد ، هناك الكثير من العمل ، لكن بمجرد الأنتهاء منه سيغص المكان بالغرباء من كل حدب وصوب ، قد يستغرق الأمر عدة أشهر ، وفي هذه المرحلة على اليسون ان تتأقلم مع الواقع الجديد ، ولأول مرة تشعر أليسون بالراحة لأختيارها مهنة التدريس ، فالإنشغال بالتلاميذ ومشاكلهم وفروضهم المدرسية لا يترك لها فرصة كبيرة للتفكير في شجون البيت ، وبالإضافة الى ذلك فهناك أندريه ، الذي إستطاع أن يتسلل الى قلبها ويحتل مكانا بارزا فيه ، وراقبته أليسون وهو يقوى يوما بعد يوم ، ويزداد إستقلالا وإعتمادا على نفسه فقد كان ذكيا ومرهف الشعور ويدرك فورا ما هو المطلوب منه ، إنها تحبه بكل جوارحها ، لكنها كانت مضطرة الى إخفاء ذلك ... فهي لا تستطيع أن تنسى ابن من هو !
أصبحت لقاءاتها مع امها متباعدة ، فالسيدة ماكاي مشغولة هذه الأيام بالرسم والتخطيط وإعداد الديكورات اللازمة لفندق ، وإعترفت لجسي في احد الأيام أن مها قد تغيّرت كثيرا بعدما صارت حياتها ذات معنى عملي ، واكدت لها ان الرسوم التي أعدتها في هذه الفترة تعتبر من أجمل ما ابدعته يداها ، فقد حوّلت القاعة القديمة – على الورق حتى الان – الى صالة إستقبال حديثة يتمناها أي فندق فخم ، وعندما تمعنت أليسون الرسومات ، احست عمق الحب الذي يحرك أمها في عملها.... والحقيقة أن أي إنسان غريب ما كان يستطيع مجاراتها مهما بذل من جهد.
كانت أليسون وجسي تتناولان الشاي بعد ظهر يوم الجمعة في المطبخ الذي يغص بفوضى شاملة للإنتقال بعد أسبوع واحد فقط ، نقلت أليسون نظرها في المكان ، ثم قالت:
" آه يا جسي ، سوف يضع أدوات مطبخية جديدة هنا وسيتغير الحوض ايضا ، لن يظل البيت كما كان في السابق".
وافقت جسي قائلة:
" هذا صحيح ... وأنا لا امانع في العمل معه في المطبخ !".
صرخت اليسون:
" جسي؟".
إنفجرت العجوز ضاحكة وهي ترى دهشة أليسون ، ثم قالت:
" حسنا ، عن أمك تعمل معه الان ، وأعتقد انه سيجد عملا آخر لها عندما ينتهي ديكور الفندق .... وفي كل حال ، الفندق يحتاج الى موظفين عديدين".
" هل تقبلين العمل معه.... هنا؟".
" نعم ، لكن لبعض الوقت فقط ، فانا لن أتخلى عنك وعن أمك .... لأنكما عائلتي ، ومع ذلك يجب الإعتراف بان العمل معه ممتع ومفيد".
سالتها اليسون بتحد:
" كيف تعرفين ذلك؟".
هزّت جسي رأسها وقالت:
" انا اعرف ، لقد قضيت من العمر شوطا بعيدا بحيث أستطيع الحكم على الناس ، إن نيال ماكيين رجل شريف وصادق... وليكن ذلك بعلمك".
نظرت أليسون الى جسي بإستغراب قائلة:
" إنك تدهشينني برأيك هذا".
" ربما ! لكنني أقول الحقيقة، الا ترين بنفسك المواصفات الجيدة التي يحملها؟".
قالت أليسون:
" اجل ... وكلّما قلّ تعاملي معه ، كلما كان افضل بالنسبة الي".
سألتها جسي بلطف بالغ:
" وماذا عن إبنه؟".
إعترضت اليسون بشدة:
" ليس من العدل المقارنة ، أندريه مجرد طفل ، وحسب ما أراه فهو لا يشبه والده مطلقا ، ما عدا مظهره الخارجي ، ونشكر الله ان اندريه ليس كما كان ابوه وهوطفل".
وجّهت جسي نظرة صارمة الى أليسون ، ثم إبتسمت وهي تقول:
" هذه هي الحقيقة".
أدركت جسي فجأة أنها تضيّع وقتها في نقاش لا جدوى منه مع أليسون ، لذلك عادت الى إفراغ الأدراج قائلة:
" الأفضل أن نعمل بسرعة".
قالت أليسون وهي تقف:
" وأنا سأذهب الى غرفتي لحزم أشيائي ، آه يا جسي ، هل تعتقدين باننا سنكون مرتاحين في الكوخ؟".
ضحكت جسي:
" طبعا ، سنرتاح ، سيكون اصغر وأكثر حميمية ... على الأقل لن نكون وحيدين في الشتاء".
إبتسمت اليسون :
" اتمنى أن تكوني على صواب ، بالإضافة الى ذلك فإن الفندق سيكون خاليا من النزلاء في الشتاء ، الحقيقة أنني لا أتوقع عددا كبيرا فيه حتى في الصيف .... لكن نيال يبدو واثقا مما يفعل".
وهنا لمحت أليسون على وجه جسي تعبيرا غريبا ، سرعان ما زال بلمح البصر ، لكن اليسون ألحّت في السؤال:
" جسي ماذا في الأمر؟".
هزّت مدبرة البيت راسها قائلة:
" لا شيء.... لا شيء أبدا".
" بل هناك الكثير ، إذ ما أن أشرت الى الضيوف حتى تصرفت وكأنك تعرفين شيئا".
" حسنا ، كل ما هنالك أنني سمعت بعض الشائعات الغريبة".
وإستدارت جسي متشاغلة في اغراض المطبخ الكثيرة لكن أليسون ألحت اكثر:
" شائعات حول ماذا يا جسي؟".
نظرت جسي اليها وقالت:
" لن أخبرك بها لأنها قد تكون كاذبة ، وأنا لا أريد ان أكون سببا في إثارة الإضطرابات، انا ىسفة يا أليسون ، لكنني لا أستطيع".
واصرّت جسي على رفض الكلام حول الموضوع ، في اليوم التالي إكتشفت أليسون بنفسها ما رفضت جسي البوح به ، كانت في مكتب البريد لشراء بعض الحاجات عندما دخلت إمرأة أخرى الى المكتب ، هي أليس قريبة الأختين دوريس وديزي ، التي تعيش في منطقة غير بعيدة وتاتي بين الحين والاخر لزيارة قريبيها.
سلمت أليس على اليسون قائلة:
" ألست معلمة المدرسة؟".
ردّت أليسون السلام بأحسن ما تستطيع محاولة تجنّب هذه المرأة التي تثرثر أكثر من ديزي ودوريس ، ولكن أليس واصلت كلامها قائلة:
" من المؤسف ان تغادروا البيت الكبير بعد كل هذه السنين ، سمعت انه سيتحول الى فندق ، فهل هذا صحيح؟".
أجابت اليسون بإقتضاب شديد:
" نعم ". ثم إلتفتت الى السيدة فينليسون قائلة:
" هل جهزت أغراضي يا سيدة فينليسون؟".
تابعت أليس الحديث:
" لا شك ان ذلك الشاب يعرف ماذا يريد لقد قلت لدوريس وديزي قبل قليل انه سيذهب بعيدا بعيدا جدا ، وسيحقق ثروة طائلة بعد أن يشق الطريق الجديد ، تصوري ، هذا المكان العتيق سيتحول خلال سنوات الى ما يشبه أفيامور".
إضطرت أليسون للإستناد على الطاولة خوفا من السقوط أرضا بفعل الصدمة التي كانت قوية بحيث شعرت أن الدم تجمد في عروقها ...وسمعت صوت السيدة فينليسون وكأنه آت من البعيد:
" ماذا بك ؟ هل أحضر لك كاسا من الماء؟".
أحست بشفتيها جافتين يابستين فاقبلت على كأس الماء تشربها بلهفة ، ووسط هذا التوتر الشديد كانت أليسون تدرك أن عليها عدم إظهار مشاعرها ، وإلا إنتشر النبأ بسرعة الصوت في القرية كلها ، إغتصبت إبتسامة صفراء وقالت:
" شكرا لك ، لقد أحسست بدوخة مفاجئة ، أعتقد أنها ناتجة عن نوع من الحساسية".
ثم نظرت الى اليس وقالت:
" كنت تتحدثين عن الطريق الجديد؟ لا شك أنه سيحدث تغييرا ملحوظا ، ولا اعتقد ان الكثيرين يعرفون عنه شيئا حتى الآن".
إبتسمت أليس بخبث قائلة:
" من المفروض أن يكون سرا ، لكن اخي يعمل في البلدية وقد حصل على التفاصيل من هناك".
وأخيرا قررت السيدة فينليسون التدخل بعد أن كانت صامتة طيلة الوقت:
" أعتقد ان نيال ماكيين عرف التفاصيل من عمه الأكبر الذي يعمل في مشروعا الطرقات الرئيسية في أيفرنيس".
ثم إلتفتت الى اليسون قائلة :
" كان عليكم التمسك بالبيت أكثر ، إذ يبدو أنه اصبح مركز كل الحركة في القرية ، ونحن مقبلون قريبا على نشاط ملحوظ في كل المجالات".
وفي النهاية إستطاعت اليسون الهرب من مكتب البريد وعندما وصلت الى مكان منعزل أخذت ناحية مخفية ووضعت حاجاتها أرضا ، كانت ترتجف أضطرابا وغضبا... إضطرابا لأنها فوجئت بالنباء من مصادر مختلفة،وغضبا من الرجل الذي سرق عمليا البيت منهم ، فهو قد عرف أن طريقا جديدا سيشق ومنتجعات سياحية ستقام ، وهذا بالتالي سيضاعف سعر البيت في غضون أسابيع من اعلان الأنباء .... لكنه إستبق الجميع وإشتراه بسعر بخس.
فكرت بمرارة ان نيال كان ذكيا... وذكيا جدا ، لا شك انه كان يضحك في سره كلما إجتمع وأمها الى المحامي ، وما عرضه العمل على السيدة ماكاي إلا لبقائها صامتة ، وجسي التي سمعت الشائعات لم تفه بكلمة لأنها عاجزة عن التأثير في شيء ، واحست اليسون بالألم الشديد لهذه الخيانة المستترة ... وفكرت أنه حقق الإنتقام الذي ينشده ، وأكثر.
وكم كانت مخطئة عندما إعتقدت قبل ايام ، عندما كانت مع اندريه في العلية ، أنها عرفت جانبا آخر من شخصية نيال ، فهو لم يتغير أبدا ، والسنوات لم تزده ألا قسوة وإحتيالا ، وما أن إنحنت لألتقاط حوائجها مجددا حتى سمعت صوته من الخلف قائلا:
" سأحملها عنك".
إنتفضت أليسون بفعل المفاجأة ، وألتفتت لتجد نيال مقبلا نحوها.
|