كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
" عشرة مغلفات بريد جوي ، يا سيدة فنليسون".
يا لها من صدفة ، من بين كل أبناء ماكبين يعود الأصغر الى بيت أبيه ،وهو البن الذي تبغضه أكثر من الباقين.
حدّقت السيدة فنليسون بعينيها الحادتين في وجه أليسون وقالت:
" هذه المغلفات يا آنسة ماكاي ، هل رأيت من كان هنا قبل لحظات؟ إنه نيال ، إبن نيال فيرجوس ماكبين".
أجابت أليسون بهدوء:
" نعم لقد رايته".
عضّت السيدة فنليسون على نواجذها وهي تقول:
" كنت قد بدات انسى ، مضى وقت طويل على رحيل الشباب الى الخارج ، بحيث بدا وكأن النزاع قد إنتهى".
إبتلعت ضحكة خفيفة ثم تابعت تقول:
" والآن عاد كل شيء".
ردّت اليسون مبتسمة وهي تجاهد كي تبدو طبيعية :
" هذه هي الحياة، أعتقد أن النزاع صار من الماضي".
وبينما كانت اليسون تدفع ثمن المغلفات قالت السيدة فنليسون:
" لا شك في لك ، في كل حال يجب أن أذهب الآن لإرسال هذه البرقية ، اعتقد ان الريو في أميركا الجنوبية ، اليس كذلك؟".
" الريو ؟ نعم ، في البرازيل".
تناولت اليسون المغلفات وشكرت موظفة البريد وأسرعت هاربة ، في الخارج ، لم يكن هناك أثر لنيال ماكبين ، فتنفست الصعداء ، كان يكفي ان تراه حتى يسود يومها ، لكن أن تصطدم به ايضا ، فهذا امر لا يحتمل ، اسرعت نحو البيت محاولة أن تعيد الى ذاكرتها تفاصيل آخر مرة شاهدته فيها قبل تسع سنوات.
عادت الأحداث الى ذهنها بوضوح تام ، كانت في السادسة عشرة وأليك في الواحدة والعشرين ، وقد سمح لها أهلها يومها بحضور حفلة راقصة في نادي القرية شرط أن ترافق شقيقها في طريق العودة ، القاعة العامة كانت مكتظة في ذلك المساء الصيفي الدافىء ، والجميع يتمتعون بالموسيقى والرقصات المتنوعة ، وكم كان سرور اليسون كبيرا عندما إكتشفت أنها محبوبة من الجميع إذ لم تجلس الى طاولتها إلا لماما في حين أمضت الوقت كله في الرقص ،ومما زاد في سرورها رؤية نيال ماكبين في مطلع السهرة وهو منعزل قرب الباب وكأنه غير واثق من نفسه وسط هذا الجمع ، كان يرتدي بزة زرقاء مهلهلة فبدا غريبا بين كل هؤلاء الناس ، لاحظت أليسون أنه يراقبها ، لذلك قررت أن تؤكد له وللجميع بأنها تتمتّع بوقتها الى ابعد الحدود.
لعلّها تصرّفت بدافع أنثوي دفين لم تكن تفهم سره آنذاك ، ففي كل مرة كانت تمر أمام نيال كانت ترى عينيه مسمّرتين عليها ، وإمعانا في التشفي كانت تطلق ضحكاتها عاليا في القاعة وتزداد حماسا في الرقص وقد بات المكان بالنسبة لها قطعة من ارض الأحلام في ليلة لا تنسى.
وكما في قصة سندريللا ، كان لا بد لليل أن ينجلي ،وعندما قررت اليسون العودة الى البيت بحثت عن شقيقها لمرافقته ، لكنها لمتعثر عليه ، وظلت لفترة بإنتظار عودته ، كانت خلالها تلوم نفسها لأنها لم تنتبه لوجوده أكثر ، وبينما هي هكذا ، سمعت صوتا من خلفها:
" هل تريدين ان أوصلك الى البيت؟".
فإلتفتت لتجد شابا تعرفه من القرية المجاورة إسمه جوني جوردون .
" لا ، شكرا لك ".
بدأت تحس بالإنزعاج ، فالتمتع بالرقص في قاعة مزدحمة شيء والسير الى البيت في هذا الظلام مع شخص سمعته غير حميدة شيء آخر ، أضافت مخاطبة جوني:
" سألاقي أليك في منتصف الطريق".
ودون ادنى تفكير ، لوّحت له بيدها وسارت بإتجاه البيت وهي تتساءل : ( اين انت يا اليك؟".
ولما إبتعدت عن القاعة خفّفت أليسون من سيرها ، لم تكن خائفة من الظلام ، بل هي متمتعة بهذا المساء الصيفي ، كان عقلها مشغولا بترتيب بعض العبارات التي ستقولها لأخيها ساعة تراه عندما احست بوقع خطوات شخص خلفها ، فبدات تسرع في السير مجددا ، وصلت الى طريق منعزل يؤدي الى الحقول الملحقة ببيتها ، فدخلته مسرعة ، كسرت أحد أظافرها عندما قفزت فوق جدار ريفي صغير يقع على حدود أراضي البيت ، ومن ثم وجدت نفسها وسط أشجار الصنوبر التي راحت اغصانها تعلق في شعرها وثيابها ، ثم سمعت فجأة صوتا جعلها تتوقف وتستدير الى حيث بدا ان عراكا عنيفا يدور بين شخصين في ظلمة الليل ، وجاءتها اصوات لكمات وصرخات وصدى إرتطام جسد بالأرض ، ثم أنين ألم من أحد المتعاركين .. وأخيرا وقع خطوات شخص يهرب الى الطريق العام ، هل هذا اليك ؟ هل يعقل أن يكون شقيقها قد شاهد شخصا ما يلاحقها فتعارك معه ؟ كانت هذه الأسئلة تلح على ذهن أليسون وهي تنتظر في مكانها ، لكن أحدا لم يأت ، ولم تعد تسمع أية أصوات.
" أليك؟".
نادت أليسون أولا بصوت خافت ثم رفعت صوتها أكثر عندما لم تسمع أي جواب ، وبسرعة هرعت الى حيث سمعت المعركة ، لكها توقفت فجأة عندما لمحت عدوها اللدود نيال ماكبين بالقرب منجدول مائي في منطقة مكشوفة وهو يفرك قبضتيه ، وعلى الفور أنقضت عليه وقد تذكرت المعارك الدائمة بينه وبين اخيها.
|