كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل الأخير
إستظلت اليسون فروع شجرة وارفة الأغصان ، وتساءلت عما إذا كان بإمكانها السباحة حتى الشاطىء الاخر ، في مثل هذه الظروف الجوية ، يبدو الأمر صعبا ، فالتيارات المائية قوية وجارفة وسوف تشعر بالإنهاك قبل ان تقطع نصف المسافة ، بدات الأغصان تتكسر تحت وقع المطر الغزير ، وأخذ البلل يصيب رأس اليسون وثيابها.
الحل الوحيد الان أن تبحث عن ملجأ يقيها هذا المطر المنهمر ، لذلك نادت على الكلب راستي واسرعت معه بإتجاه الكوخ ، اما وسيلة العودة الى البيت ، فهذه مسالة اخرى ستعالجها فيما بعد.
عندما وصلت اليسون الى الكوخ ، خطرت على بالها فجأة صعوبة الموقف الذي وجدت نفسها فيه ، إذ ليس في البيت احد يفتقدها او يشعر بغيابها ، فاليوم هو السبت ، والسيدة ماكاي لن تعود قبل يوم الثلاثاء.
إجتاحت الوحشة نفس أليسون التي فكرت أن امها ستتصل هاتفيا هذا المساء ثم تعيد الإتصال مرات .... دون ان يجيبها احد ، وسرعان ما اخذت المشاكل تظهر تباعا ، فهي لا تملك عيدان ثقاب لإشعال نار التدفئة ، وليس هناك طعام في الكوخ و... تلفتت حولها بحثا عن شيء مجهول ، لا فائدة من إضاعة الوقت في البكاء والندم ، بل عليها ان تبحث في الكوخ عن حاجات ذات منفعة ، قبل أن تشتد حلكة الليل ويصبح من الصعب عليها ان تلمس موقع قدمها.
كان الكوخ فارغا من الاثاث ، ولا شيء فيه يوحي بأنه يصلح للسكن ، جلست اليسون على السلم الخشبي الذي يوصل الغرفتين السفليين بالغرفتين العلويتين وإحتضنت الكلب راستي هامسة بصوت خافت:
" يبدو أننا سننام دون اكل هذه الليلة ، انا آسفة لذلك ، لكنني في الوقت نفسه سعيدة لأنك معي".
سيظل هذا اليوم راسخا في ذاكرتها الى الأبد ، ليس فقط بسبب المأزق الذي وجدت نفسها فيه فجاة ، بل ايضا لإكتشافها بانها غارقة في الحب لأول مرة في حياتها.
جلست في الكوخ العاري تتامل المطر الغزير المستمر في الخارج ، لكن وجه نيال كان في كل مكان يملأ مشاعرها وافكارها ، ولم تجرؤ أليسون على إغماض عينيها ، لأنها تعرف ان صورة نيال الغاضب الثائر كما كانت في الليلة الماضية راسخة في أعماق عقلها.
إزداد ظلام الليل بسرعة بسبب الغيوم التي إشتدت كثافتها ، لم تكن اليسون تخشى الظلام ، لكن شيئا ما في هذا المكان المنعزل اشعرها بالتوتر ... إذ كانت تحس ان أجيالا من عائلة ماكاي ، ومن عائلة ماكيين ايضا ، تراقبها من خلف ألف ستار وستار.
ويبدو انها غفت قليلا في جلستها غير المريحة تلك ، وشاهدت حلما غريبا فقد سمعت شخصا ما يناديها ويكرر النداء عدة مرات ، وكان الحلم قويا ما ايقظ أليسون مذعورة لتجد ان الكلب راستي قد ذهب بعيدا ، توجهت الى الباب صارخة:
" راستي... راستي".
ومن حيث لا تدري سمعت صوت عواء راستي مصحوبا بصوت بشري ينادي:
" أليسون".
إذن لم تكن تحلم ، فالنداء حقيقي فعلا ، أسرعت خارجة غير عابئة بالمطر الغزير ولا بالعتمة الحالكة ، ودموع الفرح تمتزج بحبيبات المطر المنسكبة... ولم تدر إلا وهي بين ذراعي الرجل الذي ظهر فجأة من وسط الظلام.
فتحت عينيها بعد لحظات لتفاجأ بانها في أحضان نيال نفسه ، همست بضعف محاولة الإبتعاد عنه:
" لا...هذا أنت؟".
أجابها بصوت مرتجف:
" ارجوك لا تقاومي ،دعيني اسندك قليلا".
حدّقت أليسون في عينيه الغارقتين تحت المطر الغزير وبادلها هو النظرات نفسها ، وهناك ، في ذلك الليل الممطر .... عرفا كل شيء.
لمس نيال وجه أليسون بحنان بالغ وهو يقول:
" إعتقدت انك غرقت".
" كنت في الكوخ لكن القارب...".
قاطعها بلهفة:
" أعرف التفاصيل ، لقد شاهدته سابحا مع التيار ، ثم شاهدت الثياب المنشورة في حديقتكم ما زالت تحت المطر.... فأدركت أن شيئا خطيرا وقع لك".
تمهّل للحظات ، ثم أضاف قائلا وهو يحكم ذراعه حولها:
" كان عليّ التأكد أولا ، لذلك ذهبت الى الكوخ فلم اجدك أنت والكلب ، عندها عرفت ما حدث".
وفجأة دفن رأسه في عنقها وتابع يقول :
" في تلك اللحظات بدأ الكابوس المرعب ، إستعرت أول قارب وجدته عل لشاطىء وأنا أتمنى أن تكوني في القارب الاخر ... لكنني صعقت عندما وجدته خاليا".
كان المطر قد بلهما تماما ، وتحولت ملابسهما الى اقنية للمياه الغزيرة ، لكن اليسون لم تكن قادرة ، بل لم تكن تريد الإبتعاد عنه ولو للحظة واحدة ، فقد إستولت عليها كلماته المتلهفة القلقة وجمدتها في مكانها.... وبعد جهد إستطاعت القول:
" انا آسفة ، لقد أخطأت في عدم ربط القارب بالمرسى".
قاطعها بحنان :
" هذا ليس مهما ، المهم يا أليسون انني وجدتك سالمة ومعافاة".
ثم إنحنى عليها وضمّها في عناق دافىء غيّبهما عن المطر والليل وكل المشاكل السابقة ، ولم تعد اليسون تشعر إلا بوجوده الطاغي الذي ملأ عليها كل حياتها.
قال لها بصوت متهدج:
" يجب أن نذهب ، فأنت بللة حتى العظام ، ويجب ان انقلك الى البيت فورا".
سارت أليسون بإنصياع تام وهي لا تصدق ما يحدث لها ، من غير المعقول أن يكون هذا هو نيال نفسه... ولكن المطر والليل والطريق الوعرة أكدت لها الحقيقة الجميلة الرائعة.
|