كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ثم ترددت لحظات قبل أن تقول : " إنني متعبة جدا".
تقلصت شفتاه وهو يقول:
" طبعا تريدين ان ارحل ، وما دمنا عاجزين عن الحديث كالناس المتمدنين ، فمن الأفضل لي أن أرحل ، في كل حال أنا لست جوني ، اليس كذلك؟".
إجتاح أليسون شعور بالغضب والخجل من جراء النظرة الحادة المتفحصة التي صوبها نحوها من قمة رأسها الى أخمص قدميها ، ثم سالته:
" وماذا تقصد بكلامك هذا؟".
أجابها بهدوء مثير:
" يمكنك أن تفسريه كما تريدين ، ما دامت تصرفاتك أمام الناس على تلك الصورة".
قاطعته غاضبة:
" إذا كنت تعني ما حدث امس ، فدعني أؤكد لك أننا لم نكن في مكان عام ، وما دمت تتسلل وتختبىء ، فيجب ان تتوقع رؤية أمور يجب ألا تراها ابدا".
رفع حاجبيه مستغربا:
" لم اكن متسللا ، بل كنت أعمل".
وفجأة تذكرت أليسون كلمات جوني الأخيرة على الهاتف ، فقالت:
" الان فهمت السبب الذي دعاك الى منع جوني من العودة لأخذ سيارته.... فأنت لا تريده هنا".
وأدركت أليسون انها اصابته في الصميم عندما لاحظت تقلصات وجهه الغاضبة ، لذلك تابعت قائلة:
" يجب ان اشكرك على جهودك المستمرة لحمايتي ، لكنني اؤكد لك اني لست بحاجة لمن يحميني من جوني ، فهو رجل مهذب على الأقل".
"وانا لست مهذبا؟".
إصبح صوته الآن أكثر حدة ، مما اشعر أليسون ببعض الإرتياح لأنها إستطاعت جرحه اخيرا.
ردّت عليه بصوت قاس:
" انت الذي أثرت الموضوع ، ويمكنك ان تفهم كلامي كما تشاء ".
سالها بلهجة جافة:
" وكيف هي طريقة الرجل المهذب في العناق؟ هكذا...".
وفجأة إمتدت اليها ذراعه القوية وضمتها في عناق حار لكنه لطيف في الوقت نفسه وإستغربت أليسون كيف أنها إستمتعت بذراعيه وأحست أن جسمها يتجاوب معه ، لم يكن عناق جوني في مثل رقة وحنان وجمال عناق نيال ، وبعد لحظات من التردد والحيرة ، إستطاعت أن تجتذب نفسها من بين يديه وتصرخ في وجهه قائلة:
" إخرج من هنا ، هيا إخرج بسرعة".
غاصت عيناه خلف سحابة سوداء وهو يرد بغضب:
" ليس قبل ان انتهي منك".
قالت بصوت حاولت ان يخرج خافتا:
" إياك أن تمسني مرة اخرى".
سالها بسخرية:
" خائفة ؟ قد لا أكون رجلا مهذبا كما أشرت قبل قليل ، لكنني لا استعمل القوة مع النساء ... أبدا".
اجابته قائلة:
" لكنك فعلت عندما عانقتني بالقوة".
ردّ عليها بنعومة :
" عندي إنطباع بأنك إستمتعت بالعناق ، على الأقل لم تحاولي منعي ، والحقيقة أنك كنت بحاجة اليه".
إرتفع صوتها غاضبا وهي تقول:
" لديك طريقة غريبة في تفسير تصرفات الناس ، عليك ان تدرك انك لم تشتريني عندما إشتريت البيت ، فاتمنى أن تفهم هذا الأمر في المستقبل".
وبهدوء وحزم ، سارت نحو باب الكوخ وفتحته على إتساعه قائلة:
" وأنت لم تشتر هذا الكوخ أيضا ، فمن حقي بالتالي ان اطلب منك مغادرته ، فهل تفضلت بالرحيل".
ثم أضافت وهي تبتعد عن الباب:
" لم تطلب مشاهدة إبنك بعد ؟ أليس من الأفضل ان تتأكد بأنه على ما يرام".
شعرت اليسون بخوف جارف وهي تشاهد نظرته الغريبة المسمرة عليها لذلك عضت على شفتها قائلة:
" إنه في غرفة نومي".
إنتظرت اليسون في القاعة الخارجية الى أن عاد نيال من غفة نومها ... وبرغبة عميقة في إيذائه بعدما جرحها عندما كشف مشاعرها ، قالت له:
"المدرسة ستغلق بعد عطلة رأس السنة ، وعندها سينتقل أندريه الى ستراتكوران ، وستكون سعيدا عندما تعرف انني لن أكون معه بعد ذلك".
توقف نيال في منتصف القاعة بينما كان في طريقه الى الخارج ثم إستدار ببطء شديد وعلامات الإنفعال ظاهرة على وجهه ، وسالها بغضب حاد:
" ولماذا أكون سعيدا؟".
" هل تعتقد انني لم الحظ موقفك عندما يكون أندريه معي؟ لقد شاهدتك وأنت تراقبنا بينما كنا على الشاطىء قبل ايام ، انا لست مثلك ، ولا اريد أن أسرق الأشياء والناس الذين تحبهم ، فأنا احب اندريه إنه ولد رائع ، ويا للاسف فأنت لا تحبه".
حاولت مغادرة القاعة الى المطبخ خوفا من الحقد البارد الذي إرتسم على وجهه لكنه إستوقفها قائلا:
" الأفضل أن تشرحي كلامك بالتفصيل ، لأنني لن أغادر المكان قبل أن أحصل على إيضاح كاف".
أحست اليسون انه يقف خلفها ، فإستدارت لمواجهته وقد إمتلأت نفسها بكل المشاعر المتضاربة التي إختزنتها منذ اسابيع ، خاصة فيما يتعلق بموقفه من إبنه ، قالت له:
" ساوضح لك الأمر ، انت تتصرف معه كرجل غريب ، ولقد غرقت في العمل بحيث لم تقدّر وحدته وغربته ، وحتى عندما تتكلم عنه تقول ( الولد ) و ( أندريه ) وليس ( إبني اندريه) الا تعتقد انه يحس بذلك ؟ إنه يمتلك قلبا حساسا ومفعما بالحب ،وهو يحتاج الى رعاية وإهتمام ، إنك ....".
وكادت تنفجر باكية لولا انها أرادت ان تخرج كل ما في صدرها من مشاعر ، لذلك تابعت تقول:
" وانت لا تتحدث مطلقا عن زوجتك ، وعندما تذكرها تشير اليها بإسم ( أم أندريه) ".
قاطعها قائلا:
" لعلي اقول ذلك لأنها ليست زوجتي".
ذهلت اليسون للحظات ، ثم إستعادت رباطة جأشها متسائلة:
" هل تقصد إنك لم تكن متزوجا منها؟".
وقف أمامها بتحد صامت:
" كلا".
" إذن فهو...".
ترددت أليسون في إكمال جملتها ، فتدخل نيال قائلا:
" إنه طفل غير شرعي ؟ هل أنت خائفة من إستعمال هذع العبارة؟ إنني استغرب ذلك".
" لقد فهمت".
" لا أعتقد أنك فهمت شيئا على الإطلاق ، والحقيقة يا آنسة ماكاي إن الوقت قد حان لتلقينك بعض الحقائق الأساسية عن الحياة ، والآن سأخبرك شيئا لا يعنيك بتاتا ، ولكن لا بأس من معرفتك له ، فلعله يساعدك على التفكير ، أندريه هو إبني بالتبني ، أبوه الحقيقي هو أخي دانكان الذي إرتبط بعلاقة عاطفية مع فتاة برازيلية ، في حين كان مخطوبا لفتاة اخرى ، وعندما قرر ترك البرازيلية ، تبين له أنها حامل ، فعمد الى دفع نفقة شهرية الى الأم والإبن دون أن يخبر زوجته الشرعية التي تنحدر من عائلة ثرية في الريو ، وقبل اشهر عرف دانكان ان أم اندريه مريضة ، لذلك طلب مني الذهاب لتفقد أحوالها ، ولما وصلت كانت الأم قد ماتت ووضع الإبن في دار للايتام ولقد رفضت عائلة الفتاة الإهتمام باندريه ، خاصة أنهم فقراء للغاية... لكنهم يريدون النفقة الشهرية التي تاتيه من ابيه ، هذا الموقف القاسي أثار حفيظتي ، وبعد جهد إستطعت إقناعهم باخذ اندريه من دار الأيتام ولقد لعب المال دورا في هذا المجال ، إنني لست عاطفيا ، لكن أندريه من لحمي ودمي ، وعندما رأيته لأول مرة أدركت...".
توقف نيال عن الكلام للحظات ، ثم تابع بقسوة أشد:
" وها أنت تقولين انني اهمل اندريه وأعامله كغريب الى حد ما ، اوهكذا كنت في بادىء الأمر ، أما الآن ، فانا أتعلم كيف أكون أبا حانيا ، لكنك لا تفهمين ذلك ما دمت ترين الأمور من جانب واحد ، يبدو أنني فشلت بنظرك ، لا بأس ، سأحاول إصلاح الأمر... لذلك سآخذه معي الآن الى البيت ".
بذلت جهدا كبيرا للنطق:
" أرجوك ألا تفعل ، دعه في فراشه غافيا ومرتاحا".
لم تحرك الدموع في عينيها اية مشاعر في نفسه ، لكنه هز رأسه قائلا:
" لا بأس سأحضر باكرا لآخذه من هنا".
غادر نيال الكوخ بخطوات سريعة حازمة من دون ان ينطق كلمة ، أما أليسون فقد تسللت الى غرفة نوم أمها وهي عاجزة حتى عن البكاء!
|