كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
3- وداعـــاً أرض الأحلام
تعالت الضحكة إلى حلقها وعندما طالعها منظرها في المرآة . . .
كانت أكمام القميص تبدأ فوق مرفقها تماماً , وتنتهي عند الرسغين .
وجدت حزاماً جلدياً لفته حول خصرهــا , جعل القميص فستاناً قصيراً
بعيد كل البعد عن الأناقـــــة .
ـ جاهزة !
استند إلى إطـــار الباب , والتسلية مسطورة على وجهه . . عـرفت
جانيس أنها تبدو سخيفة , لكنها لم تفهم , فاليوم لا يهم كيف تبدو .
اليوم لا وجود لـ جانيس الطفلة , ومكانها ستحل امرأة
خالية من الهموم . . . ولو لوقت قصير , على أي حال . وطارت إلى
الباب الأمامــي تفتحه . . تناديه , وفي صوتها نبرة إثــارة طفولية :
ـ فلنذهب !
سارا على الشاطــئ والنورس يسبح في السماء فوقهما , وهـي
المخلوقات الحية الوحيدة على مد النظر . . كانت الريح تعبث بشعر
جانيس وتجعله يتطاير إلى الخلف , وهي تركض أمام رفيقها . . لم تعِ
البتة مدى الإثارة التي تمثلها . . كانت عيناها ثابتتين على صدفة كبيرة ,
لمحتها عند حافة المـاء .
صاحت صيحة نصر وحملتها وكأنها تذكــار ثمين :
ـ إنها صدفة جيدة !
ثم ابتسمت ابتسامة ترقب سعيدة ووضعتها على أذنها . . ولكم كان
دوي البحر فيها مميزاً , فتهلل وجهها بالابتهاج , وعقلها يستعيد صدى
هذا الهدير المألوف . نفضت الرمل عن كـنزها الجديد راضية , ومسحته
بقميصــها .
قالت بحبور : (( أترى ! هل هــي جميلة ؟ )) .
ـ أجل . . جميلة جداً .
حمل الإعجاب العميق في صوته نبرات جذبت جانيس بحده من
تأملاتها , فرفعت نظرها إلى عينيه لتجدهما غير مثبتتين على الصدفة التي
في يدهـا . . للحظة طويلة تشابكت نظرتهما , وتصاعدت نبضات جانيس
بصوت ارتفع أكثر من هدير البحر . لم يلمسها , مع ذلك أحست
بلمسته , واقشعرت بشرتها , وأحست بضيق في صدرها يضغط حتى
أصبح مؤلماً , وأدركت أنها تحبس أنفاسها , فسارعت تزفر , وأجبرت
نفسها على الارتداد عنه , وسارت بضع خطوات ملؤها التوتر , قالت
بعدها متوسلة :
ـ أرجوك . . لا تفعل هذا .
ـ أفعـــل مــــاذا ؟
لم يكن قد تحرك . . لكن عينيه السوداوين كانتا ترميان تحدياً يجب
الــــرد عليه .
سحبت نفساً عميقاً لتهدئ صوتـــها :
ـ أخشى أن أضعف .
ـ لمـــــاذا ؟
ـ تعرف السبب . . ثم أنا لا أحبـــك !
ـ أعرف أنــي غريب بالنسبة إليك . . إنما عليك ألا تخافـــي منـي . . .
ارتجف جسم جانيس . . . واعترفت على مضض :
ـ أجل . . بالأمــس شعرت أنك شخصية غير حقيقية .
قـطـــب :
ـ شخصية غير حقيقة ؟
ـ ألا ترى ؟ بالأمــس عندما بادلتك عناقك شعرت بأنك خيال كنت
أحتــــــــاج إليه .
حدقت عيناه بعينيها لفترة لا نهاية لها . . . أخيراً أدار نظره إلى
البحر, فأراح بذلك جانيس من توتر المواجهة . . وتمتم :
ـ خيـــــــــــال .
وضحك ضحكة صغيرة ســـاخرة .
ـ أمر غريب ! فكرت أنــي أشياء كثيرة أمـــا خيال فأبداً ! ربـــما تظنين
أننــي خيال , لأننــي انتشلتك من البحر كمن يصطاد حورية كما أعتقد .
انطفأت نار المشاعر في عينيه , فتنهدت جانيس راحة وابتسمت :
ـ لكننـــي لست حورية .
ـ لا . . بل أنت طفلة صغيرة .
وخزتها التسمية , وارتجفت ابتسامها . . ثم تذكرت الصدفة في
يدها . فنظرت إليها وتنهدت .
ـ ربما هذا ما أحب أن أكونه اليوم . طفلة دون متاعب .
ـ إذن . . فليكــــن هذا .
أبهجها التساهل في صوته , فنظرت إليه ممتنة , فضحك ضحكة
عميقة .
ـ ربما تكون البراءة نعمة . . . هل نكمل سيرنا ؟ بإمكانك إعطــائي أية
صدفة تودين الاحتفاظ بهـــا .
حمل الموج قطعة خشبية رماها البحــر على الشاطئ . التقطتها
جانيس , وأخذت تـرسم مربعات متقاطعة على الرمــال , وحاولت رمـي
صدفة إلى أبعد مربع في الزاوية , لكنها انزلقت إلى أبعد من الخط . .
استعادها الرجل , ووقف مكان جانيس فصوب بدقة ثم رماها فـــي
منتصف المربع . وابتسمت له :
ـ لا تقل لي إنك كنت تلعب الحجلة . . وأنت صغير ؟
ـ كنت ألعبها حين تدفعني أختي الكبرى للعب معها , كانت متسلطة
رهيــــــبة .
ضحكت جانيس : (( لا أتصور أن أحد قادر على التسلط عليك )) .
ابتسم بثقة بالنفس :
ـ لكننــي انتقمت منها في النهاية .
ـ غريب كيف تتبدل الأمور . . لم نعد نرى أولاداً يلعبون الحجلة
الـــيوم .
ـ لأنهم داخل المنازل يشاهدون التلفزيون . . العالم كله يشـــاهد
التلفزيون . . إنه أسهل من الحياة ذاتها .
ـ لكنك تفضل الحيــــــــــــاة .
ـ أفضل أن أصنع بيدي ما يسعدنـــي . . أجل .
وهو بارع في صنع السعادة . . لكن جانيس سارعت إلى كتم
الفكـــرة . . إنها تحب صحبته , فهو رجل سهل المعشر , ولا تريد أن تفكر
أبعد من هــذا .
|