كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
1- حورية البحر ... غرقت !
1- حورية البحر ... غرقت !
كانت السيارة تقفز من حفرة إلى أخرى , لذا صعب علها السيطرة
والسير بشكل مستقيم . . . كانت الشجيرات الشائكة القصيرة تزداد كثافة
وتتجمع على الطريق الترابية . . . وفي الوقت الذي بدأت فيه جانيس
منتديات ليلاس
تفكر أنها أخطأت اختفى الدغل وظهر البحر أمامها .
أوقفت السيارة بغتة , ومالت إلى الأمام لتطفئ الأنوار الأمامية ,
فومض بوجهها نور آخر من الظلمة أمامها . . . أغمضت جفنيها
المتعبين , وعصرت بعض الإرهاق من عينيها , ثم نظرت مرة أخرى . .
لا شيء , الظلمة حولها كاملة , في هذه اللحظة شعرت بالراحة , إنها
بمفردها . . ليست بمفردها فقط بل هي بعيدة كل البعد عن أي كائن
بشري . . . يمكنها البقاء دون الخوف من قدوم أحد للسؤال أو النظر
إليها بعينين فضوليتين .
أسندت رأسها للحظة طويلة إلى باب السيارة . . . كان هواء البحر
يتسلل إلى السيارة من النافذة المفتوحة , فيداعب أنفها . . . وكانت
الأمواج الهادئة المتلاطمة تغسل بصوتها الرتيب عقلها المضطرب الذي
يرفض المزيد من التفكير , فكل فكرة تخطر ببالها تثير في أعماقها
الغثيان . . .
ترجلت من السيارة فكاد هدير البحر يصم أذنيها . . . . ولكنها
اقتربت منه وراحت تخلع نعليها وفي هذا الوقت كان زبد البحر يتلألأ
تحت ضوء القمر ويتهادى دونما نهاية منسكباً على أقدام الشاطئ وكأنه
يومئ إليها أن تتقدم قبل أن يسحب ذيوله بخجل . . . تسلل الرمل الرطب
إلى مابين أصابع قدميها . . وكم كان ملمسه رائعاً . . .
تحركت يدا جانيس غريزياً لتحرر جسمها من ملابسها الخارجية
التي رمتها تحت قدميها وعلى وجهها نظرة اشمئزاز . . فهذه الثياب لا
تنتمي إلى هذا المكان الذي ليس فيه فساد أو تحريف لمسار الكون أو
أثر للمجتمع المريض الملتوي . . . دارت نظرتها ببطء في الخليج , ها
هو البحر يقضم هذه الصخور والرمال منذ آلاف السنين , وها هو يتابع
مساره إلى ما لا نهاية غير مكترث بالحضارة المزعومة .
مرة أخرى التفت المياه حول قدميها . تدعوها إليها باغراء . . .
فانصاعت إلى جاذبية البحر مرحبة بالبرودة التي كانت تتكسر حول
ساقيها . . كانت تشعر بحاجة ملحة إلى تحرير نفسها من أحداث هذه
الليلة , تجاوزت جانيس أقدام الموج وانتقلت إلى حيث ترتفع المياه . .
هنا . . المكان هادئ يبعث في النفس الهدوء , أخذت تطـوف مع المد
وكأنها قطعة حطب طافية .
فجأة تناهى إلى مسمعيها صوت غريب . . فأخذ عقلها يترجم
الرسالة بقوة وأنبأها التعقل أنه صوت آدمــي . . حركت رأسها إلى
الجانبين وهي لا تعرف ما تسمع . . . ثم رأت رجلاً يخوض الموج
وتوجه إليها فعاد التوتر يكتسح أعصابها .
أنزلت ساقيها إلى الأسفل مذعورة منه , ثم بدأت ترفس المياه
بحدة . ولكن ما إن بدأت تسبح , حتى تشنجت عضلات ساقيها وشل
التشنج جسمها . . . بشكل تلقائي فتحت فمها وبدأت تطلق صيحة
عذاب , ولكن المياه خنقت صوتها وأصبحت ساقاها بلا فائدة . . إنها
تغرق , اندفعت تحرك ذراعيها بذعر فاستطاعت بحركتها تلك أن تصعد
إلى سطح الماء فسحبت بعض الأنفاس ولكن الألم عاد يشلها ولفها
الماء . . . كان ألماً فظيعاً لا نهاية له . . . وكادت رئتاها تنفجران طلباً
للتنفس . . . يجب أن تتنفس .
عاد الوعي إليها ممزوجاً بالألم , وانتفخ صدرها الذي امتلأ بالمياه
المالحة فراحت تئن بصوت معذب .
ـ أيتها البلهاء ! إن أردت إغراق نفسك فقومــي بذلك على شاطئ
شخــص آخــر !
ضاعت الشتيمة في عرض البحر . . . ولم تأبه جانيس بأي شيء
لأنها كانت تنتحب وتقول : (( آه ! يا إلهــي ! )) .
ثم وصلت إليها يدان ساعدتاها , وهناك على الشاطئ انهارت
جانيس وراحت تلك اليدان تدلكان عضلاتها المتشنجة . . . وشيئاً
فشيئاً . بدأ التشنج يزول حتى اختفى تقريباً . . . أرخت جانيس ضغطها
على أسنانها , وفتحت عينيها فوجدت الرجل راكعاً أمامها . . . وكان
يبدو كتلة ضخمة سوداء .
همست : (( شكراً لك )) .
|